اجتماعالتنويريسلايدر

أهميَّة الخيال في التفاعل الاجتماعي

 

1

تحليل عناصر التفاعل الاجتماعي لا يعني تمزيق الروابط الإنسانيَّة بين المُكوِّنات الاجتماعيَّة، وإنَّما يعني وضع الطبيعة الرمزيَّة للفرد والمجتمع تحت مجهر الشعور الإنساني، لأن الفرد يتحرَّك في المجتمع انطلاقًا مِن شُعوره الداخلي الذي يُحتِّم عليه الانخراط في حركة التاريخ الجماعي، وأن يكون جُزءًا مِن الكُل، ولَبِنَةً في صَرْح المجتمع الحَي، الذي يُدرِك أبعادَ ذاته، ويُدرِك حُدودَ مجاله الحيوي. وحياةُ المجتمع لا تتكرَّس كواقع محسوس وحقيقة شرعيَّة إلا إذا أدركَ المجتمعُ كِيانَه والكِيانات المُحيطة به. وهذا الإدراك يُمثِّل الخُطوة الأُولَى لتفسير مُكوِّنات الذات، وعلاقتها بالآخَر، سواءٌ كان الآخَر داخليًّا أَم خارجيًّا. والعاجزُ عن إدراك ذاته، لن يستطيع تفسيرها، ومَن لَم يَمتلك الوعي بالذات والآخَر، لن يستطيع تكوين روابط بينهما قائمة على الاحترام المتبادل، وهذا يعني وُجود احتماليَّة كبيرة للصِّدام بينهما.

 

2

شرعيَّة التفاعل الاجتماعي مُستمدّة مِن مبدأ التجانس في العلاقة المصيريَّة بين معرفة الطبيعة الرمزيَّة وفلسفة السُّلطة الاجتماعيَّة. والتجانسُ يعني وضع الخصائص الرمزيَّة فرديًّا وجماعيًّا في القوالب الاجتماعيَّة المُناسبة، وهذه القوالب بمثابة الحدود بين الدُّوَل. وكما أن الحدود السياسيَّة تُوضِّح الأراضي الجُغرافيَّة التي تُمارس فيها الدَّولة سِيادتها، كذلك القوالب الاجتماعيَّة تُوضِّح المساحات الإنسانيَّة التي يُمارس فيها المجتمعُ سِيادته. وينبغي التفريق في الفكر الاجتماعي بين السُّلطة والسِّيادة، فالسُّلطةُ وسيلة عمليَّة تختص بتنفيذ الأفكار على أرض الواقع، وليس لها علاقة بالأفكار الذهنيَّة والإرادة الداخليَّة، أمَّا السِّيادة فهي منظومة وجوديَّة شاملة للإرادة والتنفيذ معًا. أي إنَّ السِّيادة هي العَقْل، والسُّلطة هي العَضَلات.

 

3

لا يُمكن فهم السُّلطة الاجتماعيَّة إلا بفهم ذراعها التنفيذي، التي تتغلغل في تفاصيل المجتمع الإنساني، لأنَّ السُّلطة فكرة ذهنيَّة مُجرَّدة، لكن التطبيقات العمليَّة المحسوسة هي التي تَكشف هويَّة السُّلطة وماهيتها. والعلاقة بين السُّلطة وتطبيقاتها تُشبه العلاقةَ بين الغاية وآلياتها، فالغاية لا تَكشف طبيعة الآليات، لكن الآليات تَكشف طبيعة الغاية، وذلك لأنَّ الغاية خيال حالم، أمَّا الآليات فهي الوسائل العمليَّة لتحويل الخيال إلى حقيقة، والحُلم إلى واقع.

 

4

عِندما يَغرق المجتمعُ الإنساني في ضجيج الشعارات، يُصبح عاريًا مِن المعنى المعرفي، ومُفتقِرًا إلى الخيال الاجتماعي، الذي يقوم على نقدِ الأحداث السياسيَّة، ومُساءلةِ النظريات الفكريَّة التي تتحكَّم بالسلوك الفردي والجماعي، وطرحِ تصوُّرات جديدة وبدائل إبداعيَّة. وغيابُ الخيال يعني بالضرورة غياب الحُلم، وإذا خَسِرَ الفردُ حُلْمَه، خَسِرَ إنسانيته وشرعيَّة وجوده ومشروعيَّة حياته، وفَقَدَ القُدرةَ على تغيير مُجتمعه نحو الأفضل، مِمَّا يَجعل الفرد والمجتمع يَصِلان إلى طريق مسدود بلا حُلم ولا واقع، وينشأ النزاع بينهما، ويتعمَّق الصراع على الوهم. لذلك، ينبغي إرشاد الفرد إلى أهميَّة الخيال، واختراع الأحلام، وضرورة تطبيقها عمليًّا وتنفيذها واقعيًّا. وهذه هي الضمانة الأكيدة لفتح آفاق المستقبل أمام الفرد، وتعزيز ثقته بنَفْسه ومُجتمعه، وحمايته مِن اليأس والفشل.

___

*كاتب من الأردن.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة