منذ سقوط شاه إيران في 11 شباط من عام 1979، بدأت الأوساط الفكريَّة والثقافيَّة تتحدَّث عن كثب بخصوص ما سمي حينه بالصحوة الإسلاميَّة وما تلتها من نشوء تنظيمات وحركات إسلاميَّة ذات طابع حركي يميل إلى استخدام العنف وجعل فلسفة المواجهة وتغيير الواقع بالقوّة بديلاً للفلسفة التي كانت قائمة وقتها، مع ملاحظة أنَّ ذلك الحدث الاستثنائي الذي وقع في طهران قد صادف أيضا نشوء فكر إسلامي حركي في أفغانستان لمواجهة الاحتلال السوفياتي حينها لذلك البلد.
وقطعاً فإنَّ الحديث عن أيادٍ ومصالح أجنبيَّة منتفعة من وراء نشوء وانتشار هكذا حركات متطرِّفة لم ولن يكون حديثًا اعتباطيًّا وعرضيًّا وإنّما هو واقع ليس بالإمكان إنكاره أو عدم وضعه بالحسبان، لكن الأمر المهمّ الذي يجب وضعه تحت المجهر هو حقيقة وماهيَّة أهداف وبرامج هذه الحركات المتطرّفة وصيغة عدائها غير المنطقي والغريب من نوعه مع كل مخالف لهم كما أنّ سعيهم المميت لفرض آرائهم وتوجّهاتهم على الأطراف الأخرى وعدم إيمانهم بالرأي الآخر وبالتالي السعي لتحجيمه وصولا إلى إنهائه وحتى تصفيته، لكن نظرة موضوعيَّة وواقعيَّة لنوعيَّة دور وتعامل النظام الإسلامي بشكليه الحاكم والشعبي مع الآخر سيما المختلفين دينيًّا وعقائديًّا يبيّن واقعًا متباينًا بالمرَّة مع تلك الصيغة المجحفة من التعامل الفوقي الرافض لكل نوع من أنواع القبول والمساومة وإبداء الليونة.
اليوم، وفي ظلّ تكالب غير مسبوق على الإسلام والسعي لتصويره على أنّه يجسِّد نفس القيم والمفاهيم التي تدعو إليها تلك الحركات والتجمّعات المتطرّفة، فإنّ الحاجة تزداد لتوضيح ماهيَّة وجوهر الإسلام من حيث كونه بالأساس دينا اعتداليًّا مرنًا بإمكانه ملاءمة ومعاصرة كل الأزمنة ومواكبة متطلّبات واحتياجات مختلف الأجيال. ونحن نرى أنّ الدعوة لإسلامٍ اعتدالي ليس ببدعة أو اختراع من عندياتنا بقدر ما هو واقع وحقيقة الإسلام المحمّدي الأصيل ذاته وأنّ علماء ومفكّري الغرب يدركون هذه الحقيقة تماما لكنّهم وفي خضم عدم وجود تيّارات فكريَّة إسلاميَّة تدعم فكرة الاعتدال وتدعو إليه بقوّة فقد يتراجع هؤلاء أيضا عن مواقفهم شيئا فشيئا.
من هنا، فإنّنا نرى الحاجة ماسّة وملحَّة لعقد الاجتماعات والندوات الفكريَّة المختلفة بهذا الصدد وطرح حقيقة هذا الأمر للمجتمعات الإسلاميَّة أولا ومن ثم إيصالها بالشفافيَّة اللازمة للعالم. وإننا في المجلس الإسلامي العربي نؤسِّس لمشروع إسلامي عربي وسطي معتدل يتّسم بروحه الأصيلة المستمدّة أساسا من عمق أصالتنا وتراثنا ومن أعماق وجدان الفرد والأمّة وهو مشروع تدافع فيه قيم التسامح والمحبَّة والإيثار الموغلة قدما في تأريخنا الإسلامي مع مبادئ وأفكار العصر الحديث الخاصَّة بحقوق الإنسان وحرّيَّة معتقده.
وكما كان لبنان منبرًا للحريَّة والعطاء الفكري والثقافي أبان عقود من القرن المنصرم وكان مثالا لمشروع سياسي وفكري يشار له بالبنان، فإننا نعود من لبنان ذاته لندعو لإسلام اعتدالي وسطي يتسامى على زنخ وصدأ المذهبيَّة والطائفيَّة البغيضة ويجسِّد المعاني الحقيقيَّة ومعدن وجوهر وروح الأصالة في الإسلام ونعتقد بقوّة أنّنا سنثبت حضورنا ونؤكِّد أهمّيَّة دورنا في بناء فجر جديد مشرق لأجيالنا القادمة.
_______
*إيلاف / الراصد التنويري/ العدد الثالث (3)/ يناير- كانون الثاني 2009.