قضايا الإصلاح الديني حاضرا
يمثِّل الإصلاح الديني اليوم أولويَّة مهمَّة من أولويّات السياسات الحكوميَّة، وبرامج الأحزاب السياسيَّة، ونشاطات المجتمع المدني في البلاد العربيَّة، كما هو الحال في المغرب الذي شهد في السنوات الأخيرة مبادرتين في هذا الصدد، شأنه في ضلك، شأن معظم الدول العربيَّة.
ورغم أنَّ الإصلاح أمر طبيعي في كافة المجالات، إلا أنّ صعوبات عديدة تعترضه خاصَّة حينما يتعلَّق الأمر بالمجال الديني، فقد انتظرنا حتى ظهرت أحداث العنف والإرهاب محليّا ودوليّا ليبدأ الحديث عن سبل الإصلاح في ظلّ الضغوطات الخارجيَّة التي ما فتئت تشير إلى مناهج التعليم الديني، وضرورة تخليص الثقافة الإسلاميَّة من عناصر العداء والتطرّف.
وربّ ضارة نافعة، فقد يكون لهذا المثير الخارجي فضل كبير فيما نحن بصدد من ورش إصلاحيَّة في القطاع الديني، إلا أنّ هذه المحاولات لن يكتب لها النجاح- في نظري- ما لم تتوفّر إرادة محلّيَّة، قادرة على استثمار هذا المعطى الخارجي في إعادة فتح النقاش بين العلماء والمفكّرين ومطارحة القضايا الدينيَّة أمام الرأي العامّ وهو ما حصل فعلا لكنّه أخذ طابعًا ظرفيًّا، إذ لا ينتعش إلا في الفترات التي تعقب أحداث عنف هنا وهناك. الشيء الذي يوحي بعدم توفّر رؤية واضحة واستراتيجيَّة للإصلاح الديني الذي في النهاية يتمّ بقرارات سياسيَّة عليا.
نعم، لقد تأخّر علماء المسلمين وفقهاؤهم، إذ كانوا هم الأولى بطرح المبادرات في هذا الشأن منذ ظهور أزماته الأولى، ومع ذلك فالكل مطالب اليوم بالمساهمة في إنجاح الإصلاح الديني، الذي ينبغي أن تفرزه نقاشات ومناظرات وحوارات علماء الدين مع مفكّري التنوير وأصحاب المشاريع النقديَّة للتراث الإسلامي والعقل العربي، حتى يكون الإصلاح مؤسّسا على ثوابت ومرتكزات حقيقيَّة، قوامها إشاعة ثقافة الحوار والاختلاف في الرأي، والإيمان بالتعدّديَّة والنسبيَّة في الآراء، وكلّها قيم نحتاج إلى تربية المواطنين عليها، ممّن اعتادوا على تقديس الفقهاء والتعامل بنوعٍ من التعصّب لآرائهم ومذاهبهم، دون تمييز بين النصّ المقدّس والإنتاج البشري المحيط به، الخاضع للنسبيَّة والتطوير الإصلاح.
لقد ساد الاعتقاد لقرون، وترسّخ لدى العامّة والخاصَّة أن الاجتهاد الإسلامي تقوم به فئة من العلماء تتوفّر فيها شروط معيّنة مثل الإلمام باللغة العربيَّة والتمكّن من العلوم الشرعيَّة. غير أنّ منجزات الحضارة الحديثة التي نعيش اليوم على هامشها، غيّرت الكثير من المفاهيم، وأهمّها مفهوم العلم نفسه، ونظريّات المعرفة، ممّا يفرض اليوم على علماء الدين الانفتاح على العلوم الإنسانيَّة المختلفة، ومواكبة المنجزات المعرفيَّة للحضارة الحديثة، حينها يمكن أن ينتجوا وعيًا جديدًا بنصوص القرآن. نأمل ذلك.
_________
*الراصد التنويري/ العدد الثالث (3)/ يناير- كانون الثاني 2009.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.