تتميَّز المادة العلميَّة التي يعتمدها المنبر الدولي للحوار الإسلامي في تنظيم ورشاته التدريبيَّة بمقاربة واضحة للمكوّن الديني في تفكير الشاب المسلم.. الغاية منذ لك هي التعرّف على ما يؤسّس لعمليَّة التفكير وما يحدّد دوافع السلوك لدى الشباب الذي يتلقَّى تكوينه التربوي في بيئةٍ إسلاميَّة.
ولأهمّيَّة النصّ القرآني المؤسّس في نظرة الإنسان المسلم إلى نفسه وإلى حياته وإلى الآخر لا يمكن التغافل عن أثره في تكوين ذهن ووجدان الفرد المسلم وتشكيل دوافعه السلوكيَّة. ونظرًا لهذه الأهمّيَّة تطرح الدورة تساؤلًا جادًّا: كيف يمكن التعامل مع هذا النصّ الأساسي في حياتنا؟ وكيف تتمّ مقاربته؟
وبينما تتمّ الاستفادة من آخر معطيات علم النفس التطبيقي في السعي للتعرّف على مكوّنات الذهن ودوافع السلوك. قرّرنا في هذه المادّة العلميَّة للدورة التدريبيَّة في مشروع (إسلام 21) مقاربة للكون الديني مقاربة قرآنيَّة، أي كيف يجب أن يُقرأ النصّ المقدّس حسبما جاء في القرآن نفسه. والتنبيه إلى ما ذكره القرآن الكريم حول كيفيَّة التعامل مع الوحي باعتباره منزلا من لدن الخالق، كما نسلّط الضوء على قصص وأخبار التعامل مع النصوص المقدّسة في تاريخ الأديان الإلهيَّة.
بعبارةٍ أخرى قرّرنا العودة إلى النصّ نفسه للتعرّف عليه وعلى أسلوب التعامل معه لا من خلال النصوص التالية عليه. مع الحرص على ألا ننفي أي نصّ آخر مؤسّس للدين كمعطى حضاري اجتماعي، سياسي، أنثروبولوجي أو طقوسي. لأنّ مقاربتنا لا علاقة لها بالتجربة الدينيَّة بهذا المعنى، وإنّما بأثر النصوص الأساسيَّة لفهم النفس الإنسانيَّة حسب علم النفس الحديث.
لتقريب الفكرة يمكن الحديث عن أثر القوالب أو العبارات الجاهزة التي يستخدمها الأهل في وصف الأبناء أو التعليق على الأحداث اليوميَّة والتجارب الحياتيَّة في المراحل المبكّرة من عمر الطفل. يؤكِّد علماء النفس أنّ هذه العبارات المصاغة بشكلٍ دقيق على شكل أمثال شعبيَّة أو أحكام قطعيَّة تشكّل وعيًا مبكّرًا للطفل وترسم جزءًا من نظرته لنفسه ومحيطه.
إذا تمكّن الإنسان الراشد من تفكيك هذه القوالب والتعرّف عليها بعينٍ موضوعيَّة سيساعده ذلك في فهم نفسه وتكوين ذهنه.
وبما أنّ الآيات القرآنيَّة والمفاهيم القرآنيَّة – بقراءاتها المكرّسة- من النصوص الأساسيَّة التي تستخدم في تعاملات الحياة اليوميَّة والتعليق عليها. كان لا بدّ من مقاربتها بوضوح ودقّة. وليس هنالك أكثر دقّة ووضوحًا من الآيات القرآنيَّة نفسها وهي تتحدّث عن النصّ المقدّس وأثره في معادلة الحياة الطيّبة التي نسعى للوصول إليها.
ثمّة أيضًا بعد آخر في إدخال النصّ القرآني إلى مادّة تدريبيَّة تعتمد المعارف العصريَّة والجربة الإنسانيَّة وهو البعد القيمي، حيث تشدِّد الدورة التدريبيَّة لمشروع إسلام 21 التي يقيمها المنبر الدولي للحوار الإسلامي على البناء القيمي لشخصيَّة الإنسان، لا لأسباب معياريَّة أخلاقيَّة أو حتى دينيَّة بالمعنى الخلاصي لها، إنّما لأسباب عمليَّة وبطرق علميَّة، تشجّع على قراءة النصّ قراءة متدبّرة لغويَّة ضمن سياق مفاهيمي مستقى من معرفة وإدراك لروح الديانات السماويَّة كما ذكر في القرآن الكريم. الروح باعتبارها البناء القيمي المشترك بين جميع الديانات، هذا البناء الذي يقترح حصانة للفرد والمجموع البشري من نزعات الشرّ والميل نحو الخراب. بهذا يدخل القرآن الكريم ببعده التوجيهي والتعليمي، لا بأبعاده الفقهيَّة أو التاريخيَّة أو الغيبيَّة.
_____
*الراصد التنويري العدد (3)/ يناير كانون الثاني 2009.