يحاول جيمس كارول في كتابه، الذي اختار له عنوان: “القدس، القدس: كيف أشعلت المدينة العتيقة العالم المعاصر”، أن يبحث في موضوع المدينة المقدَّسة؛ مدينة الأرض ومدينة السماء، التي تلاقت فيها الأديان، وسالت على ترابها وحولها دماء كثيرة، وصراعات لم تنته بعد.
لقد تابع كارول تطوّر الاعتقاد بأن القدس هي المركز الديني العالمي للمسيحيين، واليهود، والمسلمين، واحتج بأن هذا الارتباط هو السبب الرئيسي في الصراع المعاصر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكشف عن كيف أصبحت المدينة القديمة، على عكس أي مدينة أخرى في العالم، ذات أثر بعيد المدى في حياتنا المعاصرة.
فعلى مدى آلاف السنين شكّلت القدس نقطة التقاء الدين والثقافة، والتقليد والتحديث، والعنف الحتمي بين أتباع الديانات السماويَّة الثلاث.
ومن القاعدة المتينة لأدب الكتاب المقدس، وانتقال الرواية فيه من حقبة تاريخيَّة بعد أخرى، يستكشف كارول الطبقات الثقافيَّة التي استقرَّت في المدينة المقدَّسة، وتصوّر الكلمة “المقدَّسة”، وما وقر منها في وعي الثقافة الغربيَّة بسبب القدس. وتأثير كل ذلك على الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يأبى أن يجد له مكاناً بعيدا عنها، ويَتَعَصَّى بالتالي على الحلّ.
الشكل والمحتوى
تمدَّد الكتاب في عشرة أجزاء توزَّعت على فصول عالجت موضوعات متداخلة ممَّا قصد إليه المؤلف، إذ اشتملت صفحة المحتويات على توصيف مفصَّل لهذه الأجزاء. ومثلما حمل العنوان اسم القدس مرَّتين، تحدَّثت المقدِّمة، التي تصدَّرت الفصل الأول، عن قدسين، إلى جانب كلمات مليئة بالعاطفة عن “الحرارة”، أي حرارة الصلة بالقدس. وتناول الجزء الأول كذلك فصولا عن “القدس اليوم”، و”التحالف الدولي”، و”ملاحظة شخصيَّة”.
وقد احتوى الجزء الثاني فصلا عن “العنف العميق”، وآخر عن “مدار ساعة الماضي”، و”صنَّاع الأحداث”، و”الدخول إلى القدس”، و”التضحية”. واختصَّ الثالث بـ”الكتاب المقدس يقاوم”، و”أدب زمن الحرب”، و”الحروب التي لم تحدث”، وازدواجيَّة الله”، و”ولدت في القدس”، و”ولدت في المنفى بعيدا عن القدس”، و”المعبد الفارغ”، و”قتل إبراهيم”، و”ثم نهايَّة العالم”.
وتناول الجزء الرابع فصول “الصليب ضدّ نفسه”، و”يسوع إلى أورشليم”، و”حرب روما ونتائجها”، و”الهيكل الجديد”، و”آليَّة كبش الفداء”، و”عنف المسيحيين”، و”نهاية العالم الآن”. وتفرد الجزء الخامس بفصول عن “صخرة الإسلام”، و”لا إله إلا الله”، و”القدس”، و”بقايا التحفة”، و”المناهضون للقدس”، و”فرسان الهيكل”، و”كريستوفر حامل المسيح”.
وذهب الجزء السادس في وصف “مدينة على تلة”، و”حروب الإصلاح”، و”الانفصاليين”، و”إله السلام”، و”العودة إلى القدس”، و”جذور المعبد”، و”السائرون إلى القدس”.
وركز الجزء السابع على “أمة المسيح”، و”القدس والمنفى”، و”المطبعة”، و”القدس العثمانيَّة”، و”الحملة الصليبيَّة السلميَّة”، و”التجديديون”، و”مذبح إبراهيم”، و”ذراع الله اليمنى”، و”الخلافة الرسوليَّة”.
وتحدَّثت فصول الجزء الثامن حول “بنيت القدس هنا”، و”آخر الصليبيين”، و”نهايَّة الشتات”، و”في انتظار تعميدكم”، و”المفتي الأكبر”، و”أيخمان في القدس”، و”النكبة”، و”الصابون”، و”التوائم في صدمة نفسيَّة”.
وتوسَّعت فصول الجزء التاسع في الحديث عن “الألفيَّة”، و”أسلحة المعبد”، و”نشطاء التضحيَّة”، و”حملة صليبيَّة”. وجاءت الخاتمة في الجزء العاشر، الذي تناول “الدين الجيد”، و”لا علماني ولا مقدس”، و”ليس طريق الله، وإنما الإنسان”، و”التعلُّم من التاريخ”.
هذا بالإضافة إلى ملاحظات، وفهرس، وشكر وتنويه، ومؤشِّرات لما ورد في متن الكتاب من أسماء وموضوعات.
ثنائيَّة قدس الأقداس:
يقول كارول عن كتابه إنه يمثِّل حلقة ارتجاعيَّة قاتلة بين مدينة القدس الحقيقيَّة والخيال المروع الذي تلهمه. وهو لذلك، كتاب حول قدسين: الأرضيَّة والسماويَّة، والدنيويَّة والمتخيلة.
وهذه الازدواجيَّة تظهر في التوتُّر بين القدس المسيحيَّة والقدس اليهوديَّة، بين قدس الدول الأوروبيَّة والقدس الإسلاميَّة، بين القدس الإسرائيليَّة والقدس الفلسطينيَّة، وبين المدينة التي على التلة، وأمة المسيح، والتي تبدأ مع جون وينثروب، وتفهم نفسها وفق شروطها.
ولكن كل الصراعات المعاصرة المعروفة قد دفنت بداياتها في ماضي القدس السحيق، وهذا الكتاب هو محاولة لحفرها واستكشافها. ودائما، سوف تتجه القصة إلى منحنى المكان الحقيقي: قصة كيف أن البشر الذين يعيشون على الحافة نحو ثلث الطريق بين البحر الميت والبحر الأبيض المتوسط قد قوضوا باستمرار بطريقة محمومة أحلام الحجاج الذين يخرجون، حقبة بعد أخرى، ويصلون لأبواب المدينة الأسطوريَّة مع الحبّ في قلوبهم، والأسلحة في أيديهم، ونهاية العالم في أذهانهم.
إنه كما لو أن قدسين اثنتين تحتكان بعضهما ضدّ بعض مثل الحجر ضدّ الصوان، أو حجر القداحة، لتوليد الشرارة التي تشعل النار. هناك حريق بالمعنى الحرفي للكلمة ناتج من الحروب بين الشعوب والأمم، التي اتخذت لتكون مقدَّسة، لأنها أشعلت في المدينة المقدَّسة.
يقول كارول عن كتابه إنه يمثِّل حلقة ارتجاعيَّة قاتلة بين مدينة القدس الحقيقيَّة والخيال المروع الذي تلهمه. وهو لذلك، كتاب حول قدسين: الأرضيَّة والسماويَّة، والدنيويَّة والمتخيلة.
فتك الأصوليَّة:
إنَّ “الأصوليَّة هي المشكلة”، لأنها تجمع مصادر المتاعب لتضعها على حافة المعتقدات المتطرِّفة. وهذا التأكيد القاطع يحدِّد اللازمة التشخيصيَّة للصراع في الشرق الأوسط.
فالمستوطنون اليهود من حركة “كتلة الإيمان” أو “غوش إيمونيم”، مع أجندتهم المتمثِّلة في استعادة إسرائيل التوراتيَّة، هم مثال على هذه الأصوليَّة.
ويماثلهم المتعصِّبون المسيحيون الذين يوصفون أحيانا بالمسيحيين الصهاينة، والذين منهم الأسترالي المختلّ عقليا الذي أشعل النار في المسجد الأقصى عام 1969.
ويعتبر كارول أنَّ المسيحيَّة الصهيونيَّة شكل فتَّاك من التطرُّف العصري، لاعتقادها أن الإنجاز اليهودي المتخيّل بقيام دولة إسرائيل ليس لإثبات اليهوديَّة، بل لنصر مسيحي غيبي يُمَكِّن لعودة المسيح. لذا، فإن الصهيونيَّة المسيحيَّة هي اختزال لفكرة عودة اليهود إلى الأرض المقدَّسة باعتبارها شرطا مسبقا لعودة يسوع المسيح، والخلاص النهائي للعالم. الأمر الذي يشكِّل خطرا على إسرائيل، وفلسطين، وأميركا، والسلام العالمي.
وهذا التصوُّر لنهاية التاريخ، الذي توصَّل إليه الناس بطرق مختلفة، يعني وصول المسيح، أو عودته، كما يتهيّأ للكثيرين، في معركة “هرمجدون” الفاصلة والنهائيَّة، التي تتمكَّن فيها قوى الملائكة من قهر قوى الشيطان، التي عادة ما تكون ممثّلة عند المسيحيين في اليهود والمسلمين، أو غيرهم من “الكفار”.
وتقديراً على ذلك، فإن نهاية التاريخ تُظهر صلتها بالدين، ولكن القدس لا تزال تمثّل على خلفيَّة الصور التي طبعتها آلاف السنين، على الأقل ضمنا، المثاليات الاجتماعيَّة، سواء التي أسَّسها الحجاج في العالم الجديد، وذلك في أوروبا، أو من قبل الشيوعيين.
وفي نهاية المطاف فإن حرب القرن الحادي والعشرين ضدّ الشرّ تبين، بطريقة تدعو للدهشة، أنها ترتكز في القدس، وهي النقطة المحوريَّة لكل من الحرب الباردة والحرب على الإرهاب.
وكما بدأت في العهد القديم مدينة لنهاية العالم، أصبحت الآن القطب المغناطيسي الجاذب للتاريخ الغربي، الذي بذل المزيد من الجهد لخلق القدس الحديثة في العالم أكثر من أي مدينة أخرى.
القدس فقط، لا أثينا، ولا روما، أو باريس، وليس موسكو أو لندن، وليس إسطنبول، أو دمشق، أو القاهرة، وليس مدينة ألدورادو، أو نيويورك.
إن كل أحلام المهاجرين هي القدس فقط، التي تحتلّ هذا المكان المتعالي في الخيال. إنه انعكاس دنيوي للسماء، ولكن السماء، كما تبين، تلقي بظلالها على الأرض. وهكذا، عبر القرون، المدينة المحبوبة تخلق المدينة الفعليَّة، والعكس بالعكس.
حمَّى القدس:
جيمس كارول هو كاثوليكي أميركي أصيب منذ فترة طويلة “بحمى القدس”، إذ أبان ذلك بشكل واضح في كتابه “ممارسة الكاثوليكيَّة”، الذي صدر عام 2009، وفتن بمحاولة استكشاف دور العنف في شحذ رغبة البشريَّة الروحيَّة في وقت مبكِّر.
فكانت طقوس التضحية أحد عناصر الدين في وقت مبكِّر، وهو تصرّف ربما يكون انطلاقا من “الغليان الجماعي” للمطاردة، وربما ترياق إلى مزيد من العنف من خلال استخدام كبش الفداء. واعتمد المؤلف بدرجة كبيرة على الأنثروبولوجي رينيه جيرارد، ولكن خصوصا من قراءاته العميقة الخاصة من الكتاب المقدس، أولا في عرض كيف أن إله إبراهيم كان يريد التقليل من ويلات عنف البشر بكفارة التضحية البشريَّة.
وقد أصبحت القدس موضع التوحيد، وهو مصطلح لم يبتكر حتى القرن 17. ونجده يقول إنه بالنسبة لليهود، كانت القدس هي اعتزاز الغياب خلال السبي البابلي والشتات القسري في وقت لاحق من قبل الرومان، وبالنسبة للمسيحيين، كانت المكان الذي ذهب إليه يسوع لتطهير المعبد، حيث جُعل كبش فداء من قبل الرعاع، وحيث إن “الصليب الحقيقي” قد اكتشف في وقت لاحق من قبل والدة قسطنطين. ولدى المسلمين كانت القدس هي القبلة الأولى والأصل الذي توجَّه إليه محمد (صلى الله عليه وسلم) في الصلاة.
لكن القدس تشعل الحرارة أيضا في قلب الإنسان، وحمَّى التعصُّب الافتراضيَّة وصحَّة المعتقد الذي استقرَّ في الحمض النووي للحضارة الغربيَّة.
إنَّ هذه الحمَّى تحيى، كوباء معدي ولكن أيضا، كما يحدث مع العقل على النار، وهو الإلهام. ومثل كل الاستعارات الجيدة، فهي حمّى تحمل آثار نقيضها الخاص، والانشغال بالقدس صار دينيا، ونعمة ثقافيَّة أيضا.
وجاء في المزامير أن “الخلاص هو من القدس”، لكن المعنى الأول من كلمة “الخلاص” هو الصحة. إن صورة الحمى توحي بالنشوة، التعالي، إلى التأمُّل لدينا، وصحيح أنها توحي بالسُّكر أيضا. انظروا، إلى الرب يخبر النبي زكريا: “أنا ذاهب لأجعل القدس كأسا مسكرة لجميع شعوب المناطق المحيطة”.
حمَّى القدس تتكون من الاقتناع بأن الوفاء للتاريخ يعتمد على التحوُّل المصيري من القدس الدنيويَّة المنعكسة في الشاشة على الأوهام التي أقيمت على القهر لآلاف السنين. إنَّ حمَّى القدس لم تصب المؤلف وحده، بل أصابت كل الجماعات الدينيَّة، وبالتأكيد الديانات التوحيديَّة الثلاث، التي تدعي ملكيتها للمدينة.
حمَّى القدس تتكون من الاقتناع بأن الوفاء للتاريخ يعتمد على التحوُّل المصيري من القدس الدنيويَّة المنعكسة في الشاشة على الأوهام التي أقيمت على القهر لآلاف السنين. إنَّ حمَّى القدس لم تصب المؤلف وحده، بل أصابت كل الجماعات الدينيَّة، وبالتأكيد الديانات التوحيديَّة الثلاث، التي تدعي ملكيتها للمدينة.
مدينة كارول:
يرثي صاحب المزامير المدينة الخالدة “يا قدس، كيف بكيت كثيراً لأجلك!”. وينبغي أن نبكي نحن كذلك. إذ كانت القدس، لآلاف السنين، نقطة التقاء بين الدين والثقافة والتقاليد والحداثة، وعلى ما يبدو، العنف الذي لا مفر منه، والذي يثور من معين الادعاء بالملكيَّة الحصريَّة للمدينة من قبل أتباع الأديان الثلاثة.
لقد قدَّم لنا المؤلف جيمس كارول، الذي ألّف من قبل كتاب “سيف قسطنطين”، واحدة من أوسع الدراسات المتوازنة عن مدينة الملك داود في الآونة الأخيرة، التي تركَّزت على مفهوم “العنف المقدس” كمسار للفداء، وكرؤية مثَّلتها القدس وكل متعلّقاتها.
ولكن كارول، القس الكاثوليكي السابق، لديه أجندة أخرى من تأليف هذا الكتاب، تتمثَّل في تحليل وتفسير تقاطعات التاريخ واللاهوت والفلسفة والثقافة الشعبيَّة بطريقة تعطي الأمل في نشوء دين “يحتفل بالحياة، لا الموت”.
وذلك نظراً لتاريخ طويل من العنف والموت الذي أحاط بالقدس المدينة الحقيقيَّة و”المتخيّلة”. فمدينة كارول هي نافذة ما يجعل الناس يتوقون. وبالتالي، ما يجعلهم خطرون.
إن كارول يدرس لغز القدس، التي هي أقدس بقعة وأكثرها غرقا في الدم على الأرض، ببصيرة ثاقبة وصراحة متناهية. إنه يبدأ من أصل البداية: الإنسان المنتصب يصبح الإنسان العاقل هو العاقل. هو الذي يعلم أنه يعلم علما يصبح قريبا من الموت. الموت يؤدِّي إلى الطقوس، والطقوس تؤدِّي إلى الدين.
وفي حين ازدهرت الطقوس في مختلف الأديان في جميع أنحاء العالم القديم، فإن الله الذي ظهر في القدس، ليس مجرَّد إله، ولكن الله، الذي يعرف كيف أن كلا من الحاجة إلى العنف وكراهية العنف يقيمان داخل روح الإنسان.
وهذه الدوافع المتعارضة، والمواضيع المتفرِّعة عنها، هي التي تدفع قصة كارول عبر العصور، من خلال معاينته لحطام القدس وبعثها الجديد، ونظرته للديانات الإبراهيميَّة الثلاث المطالبة باعتبار المدينة جزءا من ملكيتها.
لقد أصبحت القدس، بكلمات كارول، مكاناً “لأشواق شرسة”، وضعت الأساس لصراعات دمويَّة من الحروب الصليبيَّة والإصلاح. فوضع مقاربة مثيرة للاهتمام حول تأسيس الانفصاليين البروتستانتيين لفكرة “العالم الجديد كقدس جديدة”، وهو الفهم الذي من شأنه أن يكون بمثابة الدعامة الدائمة للخيال الأميركي.
وتحرَّك المؤلِّف بحذر شديد خلال العصر الحديث، مع تأسيس دولة إسرائيل واتِّخاذ المزيد من الخطوات، التي عمَّقت استمرار العنف من خلال السياسة والحرب. فكارول ينتهي بحكمة بالطَرْق على مفهوم أن “الدين الحسن” يمكنه طرد “الدين السيّء”، وعَرَّف ذلك بفكرة الاحتفال بالحياة، لا الموت، واحترام التعدُّديَّة، والاهتمام بالوحي للخلاص، والتنصُّل من القهر والظلم.
خاتمة:
هناك شيء في كل صفحة من صفحات هذا الكتاب يجعل القارئ يرغب في التوقُّف عنده والتفكير فيه. فطريقة كارول في الكتابة مقنعة تماما، وصيغت عباراته بأسلوب جميل يحقِّق متعة حقيقيَّة في القراءة، فهو كاتب بارع ومفكِّر من الطراز الأول.
ولأولئك الذين يقرؤون عن القدس لأول مرَّة، فإن هذا الكتاب يمثِّل مقدّمة مذهلة. وبالنسبة للآخرين، الذين يجتهدون لفهم ألغاز المدينة؛ سواءً معناها الرمزي في تاريخ الحضارة، أو مكانتها في العالم الحديث، فإن نظرات كارول تمثِّل إضافة نوعيَّة وتعطي مزيدا من التوضيح، إن لم يكن فتح مغاليق جديدة في موضوع شائك كالقدس.
إنَّ قراءة كارول الفاحصة للماضي السحيق، وما أسماه بـ”الوحشيَّة”، التي ارتبطت خطأً بالكتب المقدَّسة، كانت ردًّا على أعمال العنف، التي هدَّدت القدس منذ البداية. فجاء تتبّعه للخيوط المتشابكة الغنيَّة من التاريخ المسيحي، واليهودي، والإسلامي، محاولة لإظهار كيف أن القدس تمثِّل حالة خاصَّة جديرة بالتأمُّل، بجانب أنها “رحلة فكريَّة قويَّة”.
لهذا، جاء الكتاب عميقاً من الناحية النظريَّة، وغنياً بالتفاصيل، وعملاً نادراً يجمع بين العاطفة الحارقة، وإدراكاً رائعاً يجمع قصة أشتات حيَّة وديناميَّة عن المدينة المقسَّمة.
ورغم الصراعات القاتمة، التي تناثرت بها أخبار العنف على صفحات الكتاب، غير أن كارول يظل متفائلاً ويعتقد أن الإنسانيَّة ستتمكَّن أخيراً من إيجاد حلّ للنزاعات، التي تُعدّ جزءاً من قصَّة القدس، التي هي جزء لا يتجزَّأ من قصَّة الإنسانيَّة، التي أثَّرت على حياتنا جميعا.
_________
-الكتاب: القدس، القدس: كيف أشعلت المدينة العتيقة عالمنا المعاصر
-المؤلف: جيمس كارول
-عدد الصفحات: 448
-الناشر: هوتون ميفلين هاركورت, أميركا
الطبعة: الأولى/مارس 2011