شبكة “يارنجان” للإسلام الليبرالي في إندونيسيا: المساواة وحرّيَّة الأقليات

image_pdf

ترجمة :عبد اللطيف شعيب

قبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 اجتمعت مجموعة صغيرة من المثقفين المسلمين في إندونيسيا للقيام بتكوين ثقل مضادّ للحركات الإسلاميَّة المتطرِّفة في بلدهم، وقاموا بتكوين شبكة “يارنجان” للإسلام الليبرالي.

بإدخال النظام الديمقراطي بعد استقالة الديكتاتور السابق سوهارتو عام 1998 ازدهرت حريَّة الرأي مرَّة أخرى في هذا البلد الذي يعدّ أكبر تكتل إسلامي في العالم. ولأن لكل شيء إيجابي عيوب أيضا، فقد ظهرت هذه المجموعة هنا إبان ظهور الأقليَّة من الإسلاميين الراديكاليين التي أصبحت أيضا تعبِّر عن رأيها بصوت عال، لذلك كان الوقت مناسبا لتأسيس الشبكة، كما يقول أوليل أبشر عبد الله:

“إننا تناقشنا منذ مدَّة طويلة حول منظمة إسلاميَّة ليبراليَّة، وفيما بعد رأينا تنامي الإسلام الراديكالي بعد الإصلاح في إندونيسيا، وقد كان ذلك في التوقيت المناسب”.

وعلى الرغم من أن المجموعة قليلة نسبيا، إلا أنها ذات نفوذ قوي وتتمتَّع بأقصى جديَّة بين المسلمين المتدينين، فمعظم الأعضاء المؤسّسين كانوا ملتحقين بالمدارس الإسلاميَّة ودرسوا فيما بعد العلوم الإسلاميَّة. وفي معظم جامعات إندونيسيا المنفتحة واجهوا عالما مملوءًا بتأويلات جديدة لتعاليم الدين وواقع الحياة.

واليوم تندِّد المجموعة بالإسلام “الحرفي”، أي الذي يخضع للتفسير الحرفي للنصّ القرآني، وهم يرون أن التفسير الحرفي سوف “يقضي على الإسلام”، وهذا ما يعتبرونه أكبر مشكلة من مشاكل الراديكاليين، ذوي التفسيرات العقيمة، الحكريَّة، والرجعيَّة. فالشريعة الإسلاميَّة يجب أن تفسّر في السياق وفي ظل تطوّر المجتمع والزمن.

 

الإسلام المعتدل

كما أن الإسلام في إندونيسا ما زال معتدلا جدا وذلك فيما يخصّ الاندماج مع التقاليد المحليَّة وبقايا الحضارات والديانات القديمة، ولهذا نجد أوليل يقول:

“إنني أجد التركيبات الملفقة إيجابيَّة جدا لأنها حافظت على شخصيَّة الإسلام الإندونيسي الخاصة وحالت دون التعريب المتزايد. وإننا لا نمثل الإسلام التقليدي المعتدل بتاتا، لأنه متعصب جدا في أصوله ومن السهل جدا أن يساء استخدامه من قبل الحركات الراديكاليَّة.”

وتتفق شبكة “يارنجان” للإسلام الليبرالي في نقاط عديدة مع مبادئ جمعيَّة نهضة العلماء والجمعيَّة المحمديَّة – كبرى المنظمات الاندونيسيَّة المعتدلة والتي تمثِّل 70 مليون مسلم – ، ومع ذلك تنتقد الجمعيَّة بعض النقاط الفرديَّة التي تراها رجعيَّة مثل عدم المساواة بين الرجل والمرأة.

فشبكة”يارنجان” للإسلام الليبرالي ترى أن أي نوع من اضطهاد الأقليات يتنافى مع مبادئ الإسلام، ولهذا تبذل الشبكة جهدها في سبيل الحريَّة الدينيَّة وحريَّة الرأي وحقوق المرأة، وهدفها في ذلك هو تقوية الديمقراطيَّة وممارسة سياسة إنسانيَّة عادلة ذات قواعد اجتماعيَّة.

 

صدمة سبتمبر لم تكن مفاجأة

ويقول أوليل الذي يدير أيضا معهد الحريَّة في جاكارتا: “إن أهدافنا الأولى لم تتغير كثيرا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 والاعتداء في جزيرة بالي، ومع أنها كانت صدمة بالنسبة لنا إلا أنها لم تكن مفاجأة، فقد تنبأنا بذلك من ذي قبل وبدأنا عملنا على هذا الأساس”.

 

“ومن الضروري طبعا أن يعاقب القضاء الراديكاليَّة العنيفة، إلا أنه من الواجب أيضا محاربة تلك الأفكار التي تكمن وراء ذلك بأفكار مضادة، وقد بدأنا هذا الكفاح بالفعل مع أنه مؤلم في كثير من الأحيان.”

وقد عانى رئيس الشبكة بنفسه من هذا الألم إثر مقال نشره في الثامن عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2002 في كبرى الجرائد اليوميَّة في إندونيسيا كومباس. فأصدرت الهيئة الشعبيَّة لعلماء إندونيسيا في مدينة باندونغ غرب جاوا فتوى بجواز قتل العالم الإسلامي الذي يدعو إلى الإصلاح الإجتماعي.

وكان قد صرح في المقال المذكور “إننا نحتاج إلى تفسير للإسلام يفرق بين التعاليم التي تأثرت بالحضارة العربيَّة وبين غيرها. والقيم العامة لا بد من تطبيقها في ظروف معينة من الحياة، مثل حياة العرب أو حياة الماليزيين أو حياة سكان آسيا الوسطى. أما أجزاء الإسلام التي تعبر عن حضارة محليَّة فهي لا تعنينا بشيء.”

 

جوهر الإسلام هو الأساس

 

وقد أثار أوليل بمقاله جدلا واسع النطاق وهاجم الأصوليين لتركيزهم على الشريعة، بينما دافع عن الذين يختارون دينهم عن قناعة، وتابع في المقال قائلا:

“إن الإسلام يعرض مبدأ عاما وشاملا يوجد أيضا في المسيحيَّة والهندوسيَّة والبوذيَّة والكونفوشيوسيَّة واليهوديَّة والطاويَّة أو الديانات الأرواحيَّة المحليَّة، ومن الممكن أيضا أن يتواجد جوهر الإسلام في الماركسيَّة. وأنا لا أعير الشكل اهتماما، ولكن يهمني الفحوى. فأشكال العبادات وطرق آدائها التي تخدم المظهر الخارجي، لا تهم بشيء، ولا يهم سوى القيم التي تختفي ورائها”.

 

وفيما بعد أنكرت الهيئة الشعبيَّة للعلماء إصدار فتوى للقتل على الإطلاق، ومع ذلك فإن رئيس شبكة”يارنجان” للإسلام الليبرالي وأسرته يعيشون في خوف دائم من الهجمات المحتملة.

وهذا لا يثني أوليل أبشار عبد الله وزملاءه عن نشر أفكارهم في وسائل الإعلام الإندونيسيَّة الهامة. وشبكة “يارنجان” تقدم بشأن هذا الموضوع عروضا كثيرة للقراءة على صفحات الإنترنت وتقوم أيضا بنشر كتب متخصصة، وإلى جانب ذلك تقوم المجموعة بعقد سلسلة للحوارات وتقدم برنامج إذاعي كل أسبوع.

 

حوار الأديان والتسامح الديني

كما أسست شبكة الإسلام الليبرالي شبكة معلوماتيَّة عالميَّة، وهي ليست متصلة بالمجموعات الليبراليَّة في البلاد الإسلاميَّة فقط، بل أيضا بمنظمات غير إسلاميَّة.

 

وبمناسبة انتخاب البابا الجديد صرح السيد أوليل في مقابلة مع صحيفة جاكرتا بوست:

“نظرا للاستياء الذي يضمره الغرب تجاه العالم الإسلامي بعد أحداث العنف التي تقوم بها جماعات متطرفة، فإن ثمة حوار للأديان بات مهما، ولكن على أن لا يتركز في أوروبا وأمريكا فقط، بل عليه أيضا أن يدعو للتسامح الديني في البلاد الإسلاميَّة”.

_______

* موقع قنطرة 2005- الراصد التنويري (العدد 2) أيلول/ سبتمبر 2008.

 

جديدنا