المسألة الإسلاميَّة
تتحدَّى آن نورتون الخوف غير العقلاني من المسلمين، وخاصَّة في أوروبا وأمريكا. ولكنها تقول إنَّ الإسلاموفوبيا سَتُهزم، في نهاية المطاف، بطريقة العيش التي نتشارك فيها معاً، وترفض الصدام بين الحضارات. وتتساءل؛ كيف أصبح المسلمون كائنات تجلب الخوف والرهبة؟ وكيف أصبح الجميع من المتضرِّرين بذلك الخوف؟
مُؤلِّفٌ وكِتاب:
تعمل الدكتورة آن نورتون أستاذ للعلوم السياسيَّة في جامعة ولايَّة بنسلفانيا. وقد تلقَّت تعليمها في جامعة شيكاغو، حيث حصلت على الدكتوراه في العلوم السياسيَّة. وهي مؤلِّفة جمهوريَّة اللافتات: النظريَّة الليبراليَّة والثقافة الشعبيَّة الأميركيَّة (1993)؛ ليو شتراوس وسياسة الإمبراطوريَّة الأمريكيَّة (2004)، و 95 أطروحة في السياسة، والثقافة، والمنهج (2004). وقد تعمَّدت إعطاء كتابها الجديد “حول سؤال المسلم”، عنواناً من القرن التاسع عشر، وقالت إنَّها تعتقد أنه مثلما كانت “المسألة اليهوديَّة” مركزيَّة في النقاش المتعلِّق بالتنوير في أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فإن السؤال السياسي المحوري الآن هو “المسألة الإسلاميَّة”، وكذلك أسئلة لقاء “الأخلاق الغربيَّة والسياسة، واللاهوت السياسي، والفلسفة “. حيث شكَّل التفاعل بين الغرب والإسلام “قيمة الحضارة الغربيَّة”، وهو في اعتقادها نفس ما قد فعلته المسألة اليهوديَّة في وقت سابق.
وتشتمل محتويات الكتاب على مقدِّمة بقلم روث أوبراين، محرِّر سلسلة الساحة العامَّة، التي صدر عنها الكتاب، ومقدّمة أخرى عن المسألة الإسلاميَّة: الفلسفة، والسياسة، والشارع الغربي.
وتوزّع الجزء الأول، الذي تناول أسئلة المسلم، على ستَّة فصول؛ جاء الأول: حريَّة التعبير، والثاني: الجنس والحياة الجنسيَّة، والثالث: النساء والحرب، والرابع: الإرهاب، والخامس: المساواة، والفصل السادس: الديمقراطيَّة.
بينما كان الجزء الثاني عن الشارع الغربي، مشتملاً على أربعة فصول؛ السابع: أين أوروبا؟ والثامن، “الفاشيَّة الإسلاميَّة” وعبء المحرقة، والتاسع، في الصحراء الأمريكيَّة، والفصل العاشر، ليس هناك تصادم حضارات، إلى جانب شكر وتقدير، وملاحظات خاتمة، والمؤشِّر لموضوعات الكتاب.
وقد كتبت نورتون أنَّ “سؤال المسلم” يمتدّ عبر القارات، وأنه يوحد السياسيين والفلاسفة والصحافة والنقاد، المتشدّقين في الحوارات الإذاعيَّة في موضوع القلق المشترك من صراع الحضارات. رغم أنه يبدو، حتى الآن، أن الاستجابة الشعبيَّة في الديمقراطيات الغربيَّة، ضدّ هذا التوجّه. ففي شوارع الغرب، يعمل الناس العاديون – المسلم، والمسيحي، واليهودي، والهندوسي، والبوذي، وغير المؤمنين، والبقيَّة الباقية – يعملون معاً على صياغة حياة مشتركة.
مقاربة تاريخيَّة:
كانت “المسألة اليهوديَّة” لفترة طويلة موضوعاً للقلق في الفكر السياسي الغربي في مرحلة ما بعد التنوير. فاليهود كانوا هم “الآخر” الذين تعذَّر إدماجهم مما شكَّك في نزاهة وشمول عقلانيَّة وعلمانيَّة النظريَّة والممارسة السياسيَّة الحديثة. تقول آن نورتون إنَّ “المسألة الإسلاميَّة” قد نشأت بوصفها موضع قلق مماثل بشأن انعدام الأمن الوطني، وتهديد “الآخر” الأجنبي، والخطر على الديمقراطيَّة من اللاعقلانيَّة الدينيَّة المتعصِّبة. ومثل يهودي الحداثة، فالمسلم اليوم هو “مُتَخَيَّل” أكثر منه حقيقة واقعة، “والتشوّهات الناتجة غير عادلة بالنسبة لأولئك المسلمين العاديين، الذين يعيشون في وسطنا ومن هم وراء حدودنا على حدٍّ سواء”. بل أن شعور التزييف والظلم، جنباً إلى جنب مع الوعي المؤرق الناتج عن تعامل الأوروبيين مع المسألة اليهوديَّة، التي اُخرجت بطريقة سيئة، هو الذي حفَّز نورتون للتحقيق في الكيفيَّة التي تجلت بها المسألة الإسلاميَّة.
لقد استعرضت المصادر الرئيسيَّة التي رسم فيها الفلاسفة الغربيون والمعلِّقون السياسيون نظرتهم السلبيَّة للإسلام ومعتنقيه، واصفين إياهم بـ”الآخر، وبالتالي غير مرغوب فيهم،” وواضعين لهم وجهاً لوجه أمام الحضارة الغربيَّة؛ طارحين للمقارنة والنقاش قضيَّة المرأة، والإرهاب، والديمقراطيَّة، والعلمانيَّة. ورأت أنه ليس هناك في الغرب، بعد 9/11، نقص في الأصوات العالية والمتشدِّدة التي تقول للغربيين إنَّ الإسلام يشكِّل تهديداً للأمن والقيم وطريقة الحياة، وحتى وجود الولايات المتَّحدة وأوروبا. للأفضل أو للأسوأ، فإن “سؤال المسلم” قد أصبح السؤال الكبير في عصرنا. إنه سؤال مرتبط مع الآخرين – عن حريَّة التعبير، والإرهاب، والعنف، وحقوق الإنسان، ولباس المرأة، والنشاط الجنسي، وقبل كل شيء، أنه مرتبط بإمكانيَّة الديمقراطيَّة.
وفي هذا الكتاب الأصيل، والمثير للدهشة، الذي لا تعرف مؤلّفته الخوف، تهدم آن نورتون فكرة أن هناك “صراع حضارات” بين الغرب والإسلام. وتجادل حول ما هي حقاً المسألة؟ وهي في رأيها التزام الغرب بالمُثُل العليا الخاصَّة به، المتمثلة في الديمقراطيَّة والتنوير وثالوث الحريَّة، والمساواة، والأخاء. بمعنى أبسط، فإن سؤال المسلم هو حول القيم ليس هو خوف من الإسلام، ولكن من الحضارة الغربيَّة. وتعتقد أن “سؤال المسلم” إذا كان ثمَّة شيء بهذا المعنى، هو سؤال حول غير المسلمين.
وتوفر نورتون، في انتقالها بين الولايات المتَّحدة وأوروبا، وبين الماضي والحاضر، منظوراً جديداً مبدعاً عن الخلافات بين الغرب والمسلمين، من الرسوم الدنماركيَّة عن النبي محمد(ص) إلى مقتل ثيو فان جوخ. فقد درست حجج مجموعة واسعة من المفكّرين – من جون راولز إلى سلافوي جيجك. ووصف أمثلة حيَّة من حياة المسلمين العاديين اليوميَّة وغير المسلمين الذين قبلوا بعضهم البعض واستطاعوا أن يبنوا معاً حياة مشتركة. في نهاية المطاف، أعطتنا نورتون رؤية جديدة للحياة الديمقراطيَّة الأكثر ثراء وأكثر تنوّعاً في الغرب، تلك التي تتيح مجالاً للمسلمين بدلاً من أن تجعل منهم كبش فداء لمخاوف الغرب الخاصَّة.
أوهام حول الإسلام:
عند مناقشتها لمسألة الديموقراطيَّة مثلاً، حلَّلت نورتون كتابات الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، الذي كان قد أكَّد أن الإسلام هو “الآخر من الديمقراطيَّة” وأنَّ الإسلام وحده من بين جميع الثقافات العالميَّة “يرفض الديمقراطيَّة”. وتشير السيدة نورتون إلى أنه في التاريخ الإسلامي وكتابات المفكّرين الكبار، ومؤخّراً في انتفاضات الربيع العربي، يعتز المسلمون دائماً بالحريَّة، وحرمانهم منها كان أساساً نتيجة لتدخّلات الغرب في تحالفه مع شخصيّات محليَّة سلطويَّة.
تقول المؤلِّفة، في تناولها لحريَّة التعبير، إنها تدرس ردود فعل المسلمين لسلمان رشدي، والرسوم الكاريكاتوريَّة الدنماركيَّة، وكتابات ثيو فان جوخ، والناقدة الصوماليَّة أيان هيرسي علي. وتشير إلى أن احتجاج المسلمين ضدّ رشدي في المملكة المتَّحدة كان سلمياً بشكل عام. وهاجمت أحاديث المعلّقين الغربيين، وزعمهم أن إساءتهم للإسلام والمسلمين هو تأكيد لحريَّة التعبير، مشيرة إلى أن الصحفيين الأوروبيين “يتأنّقون في الحديث عن شجاعتهم في مهاجمة الأقليّات السكانيَّة، التي لها القليل من السلطة السياسيَّة، وهي عرضة للتمييز والازدراء باستمرار”.
نعم، يمكن للمرء من الأقليّات أن يختلف بما يميزه، على الأقل في مجموعة واسعة من القضايا (النظام الغذائي، والتعليم الديني). بدلاً من ذلك، يمكن للأغلبيَّة محاولة دفعهم “هم” في اتّجاه كونهم أكثر مثل “نحن” (تعلم لغتنا، وساعد في انخفاض ارتفاع المآذن). أو يمكن للمرء أن يحاول نقل “نحن” أقرب إلى “هم”، ربما بالإشارة إلى التشابه من التاريخ والممارسة، أو المعتقد (“العلماء العرب حفظوا النصوص الغربيَّة،” وإضافة “إننا جميعاً نشترك في الديانات الإبراهيميَّة”). بعد أن رفضت العديد من الحجج من المفكرين الغربيين عن الإسلام، تشير نورتون إلى أن لا محاولات الاستيعاب الصريح أو التسامح البعيد يمكن أن يكون المفضل بالنسبة لها: بدلاً من ذلك اختارت النموذج الثالث، وهو أن نتحرَّك “نحن” أقرب إلى “هم”.
في الواقع، يبدو أنها تعتبر أن هذا الأمر هو بالفعل ما حدث. تتكلَّم عن “العاديين” من غير المسلمين الذين يتناولون الفلافل والكسكس ويستخدمون التحيات بالعربيَّة. صحيح أن بعض القضايا قد تعمل على حلِّ نفسها داخلياً. وبمجرَّد أن نقضي على فكرة الصدام بين الحضارات من قاموسنا، سيؤدِّي ذلك إلى زيادة مساحات العيش المشترك والمصالح المتبادلة الموجودة بالفعل على المستوى المحلي في المجتمعات الغربيَّة.
ملاحظات استفاهميَّة:
لقد أحرزت نورتون العشرات من نقاط النجاح في هذا الكتاب، وقدَّمت إضاءات كاشفة لخطايا العنصريَّة الغربيَّة المتعجرفة، التي تتخفَّى وراء الكثير من قيم التنوير. فهناك اثنان من مواطن القوَّة يجعلان من عملها يبرز بوضوح في حقل مزدحم من الكتب التي تتناول الإسلام والديمقراطيَّة. الأول هو إصرارها على اعتبار الأصوات الإسلاميَّة في الماضي والحاضر، من فيلسوف القرون الوسطى الفارابي إلى سيد قطب وطارق رمضان، شركاء في الحوار ضمن التقاليد الغربيَّة. والثاني هو تصدّيها الموجز للفلاسفة البارزين، ولا سيما جاك دريدا، جون راولز، وسلوفاي جيجك، إذ نظر كل واحد منهم إلى الخطر في طبيعة الإسلام.
لقد أحرزت نورتون العشرات من نقاط النجاح في هذا الكتاب، وقدَّمت إضاءات كاشفة لخطايا العنصريَّة الغربيَّة المتعجرفة، التي تتخفَّى وراء الكثير من قيم التنوير. فهناك اثنان من مواطن القوَّة يجعلان من عملها يبرز بوضوح في حقل مزدحم من الكتب التي تتناول الإسلام والديمقراطيَّة. الأول هو إصرارها على اعتبار الأصوات الإسلاميَّة في الماضي والحاضر، من فيلسوف القرون الوسطى الفارابي إلى سيد قطب وطارق رمضان، شركاء في الحوار ضمن التقاليد الغربيَّة. والثاني هو تصدّيها الموجز للفلاسفة البارزين، ولا سيما جاك دريدا، جون راولز، وسلوفاي جيجك، إذ نظر كل واحد منهم إلى الخطر في طبيعة الإسلام.
وتبدو نقاط أخرى من التي وضعتها نورتون مهمَّة وتحتاج إلى التأكيد. فمصطلح “الغرب” الشامل يتجاهل تعقيد التراث الأوروبي، والإرث غير المسيحي الغني، والديون على أوروبا الحديثة المستحقة للمساهمات اليهوديَّة والإسلاميَّة. كما أنها تشير بشكل صحيح إلى أن النقد الواسع والمتعجِّل للإسلام والمسلمين يولد عادة من الجهل والتحيُّز. في حين تأتي ملخّصاتها لكتابات المفكّرين العرب مثل الفارابي وابن خلدون وسيد قطب كحجج تثقيفيَّة، وهي الأكثر قيمة.
وقد جاءت بعض ملاحظاتها مليئة بالسخرية، مثل “عندما أصبح اليهود أميركيين، أصبح الأميركيون أكثر يهوديَّة”، ومرة أخرى: “العلمانيون الذين يخشون الإسلام لا يخافون من الإسلام فحسب، بل عودة السلطة الدينيَّة.” وعلى نحو أكثر تواتراً، قالت إنّ “الإسلام لا يدعو أوروبا العلمانيَّة إلى عودة شبح الدين، والحياة في القرية: عودة المكبوت”؛ أو هي مجرد مطلب بعيد المنال:”ستر جسم المرأة، هو حجب لتحدّيات الرأسماليَّة وتسليع الحياة الجنسيَّة للأنثى”. وهذه هي صورة واضحة للوسائل، والحيل التي تستخدم بها ما يسمى بـ”المسألة الإسلاميَّة”، كمخزون لمجموعة من بواعث القلق الأوروبي والأميركي، والمخاوف، والشكوك، بدلاً من أن تكون انعكاساً دقيقاً للإسلام أو سلوك المسلمين الفعليَّ.
الخاتمة:
هذا كتاب غير عادي، يتَّسم بكثير من صدق العاطفة، وغزارة الثقافة، ونقد المخضرمين، والحماس الذي يدحض بقوَّة “صدام الحضارات”، والتهريج السياسي، والصور النمطيَّة، التي تشكِّل جوهر المناقشات المعاصرة حول المسلمين في الغرب. وواحدة من نقاط القوَّة العظيمة فيه هي كيف استطاعت المؤلفة أن تأخذ القارئ في رحلة رائعة انتقائيَّة من خلال السياسة، الأفلام، المعرفة العلميَّة، والملابس، والروايات الخياليَّة، واللغة، مع الانتباه إلى الطرق المختلفة التي تصوغ بها الولايات المتَّحدة وأوروبا الردّ على “المسألة الإسلاميَّة”. لذا، كان كتابها بمثابة دفاع عن الإسلام؛ بصوت عال جداً، ولكنه بتقدير ما آلت إليه الأحوال، هل نقول إنه جاء بعد فوات الأوان.
في حين إن قلب وعقل نورتون هما في المكان المناسب، فإن تبنيها للهجة انفعاليَّة شديدة، لم يحرمها من جديَّة المعلق الرصين الذي يسعى للإقناع من خلال الحقيقة والحجة بدلاً من هراوة الإهانات، التي اعتادها غيرها من المعلقين الغربيين. فهي تقترح رؤيَّة بديلة ملموسة للديمقراطيَّة في مجتمعات متنوعة. وحجة الكتاب قويَّة وأسلوبه جميل ورشيق، وحازم، وواضح. وقد أنهت كتابها برفض مقولات الصدام بين الحضارات، مشيرة إلى أن في أجزاء كبيرة من الشارع الغربي، يعيش الناس من مختلف الطوائف معاً في بيئة من الوئام، مع “العديد من مشاريع التهجين والتوليف”، التي من حولنا.
On the Muslim Question
حول سؤال المسلم
الناشر: مطبعة جامعة برينستون
تاريخ النشر: 24 فبراير 2013
اللغة: الإنجليزيَّة
الصفحات: 282
أبعاد الكتاب: 8.5 × 5.6 × 1.3 بوصة
ISBN-10: 0691157049
ISBN-13: 978-0691157047
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.