التنويريسلايدرمكتبة التنويري

الضمير وأعداؤه: مواجهة عقائد العلمانيَّة الليبراليَّة

 

مدخل:

يعيش معظم الأمريكيين حياتهم السياسيَّة الحزبيَّة من خلال وسائل الإعلام، وهو ما يعني عموماً متابعة عابرة للأحداث، لا تمثِّل رؤية دقيقة، أو تمحيصاً عميقاً للقضايا، كما تفسِّرها المؤسَّسات المستقرَّة، أو الكتب، أو الدوريات المحكمة، أو التقارير الرسميَّة للاستراتيجيّين في الحكومات، أو قيادات الحزب والمهتمِّين من المحلِّلين والنقَّاد. ولكن وراء أضواء الإعلام، كان هناك دائماً نقاش؛ ربما أقل موضعيَّة، ولكنه أكثر تجريداً؛ بين الأكاديميين والفلاسفة الليبراليين والمحافظين حول طبيعة ازدهار الإنسان والمؤسَّسات السياسيَّة والاجتماعيَّة، التي تشجّعه وتمكِّن له على أفضل وجه.

 

كاتب وكتاب: 

اُشْتِهر الدكتور روبرت ب. جورج بأنَّه “الرجل الذي لا غنى عنه” بالنسبة للمحافظين المتدينين، وأحد أهم المفكِّرين القانونيين والأخلاقيين أصحاب النظرة الثاقبة الذين ينشطون في الساحة الفكريَّة، وهو أكثر المفكرين المسيحيين المحافظين نفوذاً في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة اليوم. ويشغل الدكتور جورج أستاذ كرسي ماكورميك للفقه القانوني، ومديراً لبرنامج جيمس ماديسون لـ”المُثل الأميركيَّة والمؤسَّسات،” في جامعة برينستون. وهو عضو في “مجلس الرئيس للأخلاقيَّات البيولوجيَّة”، وعمل سابقاً في لجنة الولايات المتَّحدة للحقوق المدنيَّة. وهو عضو المجلس الاستشاري لمركز موارد التعليم الكاثوليكي. ويرأس هيئة تحرير مجلَّة “الخطاب العام”. وقد ألَّف كتاب “حرب الجمهوريِّين على النساء”، و”صراع الأرثوذكسيِّين”، و”خلق رجال أخلاقيِّين: الحرّيات المدنيَّة، والآداب العامَّة”، و “دفاعاً عن القانون الطبيعي”، ومحرِّر “نظريَّة القانون الطبيعي: مقالات معاصرة”، و”استقلاليَّة القانون: مقالات عن الوضعيَّة القانونيَّة”، و”القانون الطبيعي، والليبراليَّة، والأخلاق”، وقد نشرتها جميعاً مطبعة جامعة أكسفورد. وهو أيضاً محرِّر كتاب “الحالات العظمى في القانون الدستوري”، والمحرِّر المشارك لـ”معنى الزواج: العائلة، الدولة، السوق، والأخلاق”، و”السياسة الدستوريَّة: مقالات عن وضع الدساتير والصيانة، والتغيير”، التي قامت بنشرها مطبعة جامعة برينستون. وأحدث مؤلّفاته كتاب بعنوان: “الجنين: الدفاع عن الحياة البشريَّة”.  ويُعتبر كتاب “الضمير وأعداؤه: مواجهة عقائد العلمانيَّة الليبراليَّة“، الأوَّل في سلسلة “المُثل والمؤسَّسات الأمريكيَّة”، وقد احتوى على ثلاثة أجزاء، وثمانية وعشرين فصلاً، إضافة إلى المقدَّمة والمراجع وسجل الإشارات، التي وردت في ثناياه.

 

يُعتبر كتاب “الضمير وأعداؤه: مواجهة عقائد العلمانيَّة الليبراليَّة”، الأوَّل في سلسلة “المُثل والمؤسَّسات الأمريكيَّة”، وقد احتوى على ثلاثة أجزاء، وثمانية وعشرين فصلاً، إضافة إلى المقدَّمة والمراجع وسجل الإشارات، التي وردت في ثناياه.

 

تناقضات الانقسام:

يعترف الكتاب بأن الأميركيين منقسمون بشدَّة بشأن مجموعة من القضايا – ليس فقط بالنسبة لأفضل وسيلة لتحقيق أهداف متَّفق عليها، ولكن أيضاً في تحقيق الأهداف نفسها. وهذه القضايا تنطوي مركزياً على القيم الأساسيَّة المتنازع عليها والمبادئ الأخلاقيَّة. وعلى سبيل المثال: هل ينبغي حماية حياة الإنسان في جميع المراحل والظروف؟ أو هل ينبغي أن يسمح بالإجهاض، والقتل الرحيم، وحتى الترويج لهما باعتبارهما حلولاً “أفضل”، أو “الأقل سوءاً”، للصعوبات الشخصيَّة والمشاكل الاجتماعيَّة؟ وهل ينبغي للأمريكيين أن يحافظوا في القانون والسياسة العامَّة على الفهم التاريخي للزواج كاتِّحاد للزوجيَّة، أو الشراكة بين الزوج والزوجة، في ميثاق يُعيد إنتاج الحياة، حيث يُنعم الاتِّحاد عليهما بالأطفال، والوفاء بشكل طبيعي لهذا الاتِّحاد عن طريق اشتراكهما في وجود وتربية الذريَّة معاً؟ أو ينبغي عليهم التخلِّي عن الفهم الطبيعي للزواج لصالح بعض الأشكال، التي أصبح معترف بها قانوناً كالرفقة الجنسيَّة الرومانسيَّة، أو الشراكة المنزليَّة بين اثنين، أو أكثر، من الأشخاص، بصرف النظر عن نوع الجنس، والتي يتمّ بعد ذلك إعادة تعيين تسمية نوع الزواج وفقاً لها؟

مثل هذه النزاعات تعكس الهوَّة العميقة التي تفصل بين وجهات النظر العامَّة المتعارضة. ويستخدم الناس على الجانبين المتنافسين العديد من الكلمات نفسها: العدالة، وحقوق الإنسان، والحريَّة، والمساواة، والعدالة، والتسامح، والاحترام، والمجتمع، والضمير، وما شابه ذلك. ولكن لديهم أفكار مختلفة إلى حدٍّ كبير لما تعنيه تلك المصطلحات. وبالمثل، لديهم وجهات نظر مختلفة جذرياً عن الطبيعة الإنسانيَّة، وما يجعل الوسيلة قيمة وجديرة أخلاقيّاً بالحياة، وما يقوِّض الصالح العامّ في النظام العادل للمجتمع.

هناك حقيقة كليَّة نادراً جداً ما يُشار إليها في مناقشات “الحرب الثقافيَّة” المعاصرة، وهي أنَّ الأفكار الفلسفيَّة العميقة لها آثار لا مفرّ منها، وأحيانا عميقة جداً بالنسبة للسياسة العامة والحياة العامَّة. إن أي شخص يأخذ موقفاً من، أقوال، وأخلاقيَّات الإجهاض والقتل الرحيم، أو المعنى والتعريف المناسب للزواج، هو يخلق افتراضات فلسفيَّة، ميتافيزيقيَّة وأخلاقيَّة، التي سيختبرها الناس على الجانب الآخر من النقاش. والإغراء هنا، بطبيعة الحال، هو أن نفترض أن “أنا لا أطرح أيَّة افتراضات مثيرة للجدل؛ فقط الناس على الجانب الآخر يفعلون ذلك.” ولكن هذا أمر غير مستحب إذا ظل كل واحد منا يطرح افتراضات فلسفيَّة؛ عن الخير الإنساني، والطبيعة البشريَّة، والكرامة الإنسانيَّة، والعديد من المسائل الحيويَّة الأخرى. إذن، ما هي نقطة الالتقاء التي يمكن أن يتَّفق عليها المجتمع؟ ويظهر جليّاً أنَّ الهدف الأساس من هذا الكتاب هو إظهار أن هذه الافتراضات الخاصَّة بنا، وليس فقط الناس الآخرين – لها عواقب وخيمة، وأنه يجب علينا جميعاً أن نكون مستعدِّين لدراستها بشكل نقدي.

 

الهدف الأساس من هذا الكتاب هو إظهار أن هذه الافتراضات الخاصَّة بنا، وليس فقط الناس الآخرين – لها عواقب وخيمة، وأنه يجب علينا جميعاً أن نكون مستعدِّين لدراستها بشكل نقدي.

 

حوار الطرشان:

إنَّ الوعي الذاتي هو، في الواقع، التزام المواطنة الديمقراطيَّة. ومع الكثير الذي هو على المحك في المناقشات العامَّة الساخنة بين المحافظين والليبراليين في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، فإنَّه يصبح من الصعب الحفاظ على الكياسة والاحترام المتبادل. إذ يمكن لروح النقد الذاتي أن تساعد الناس الذين يدركون أنهم يطرحون الافتراضات غير المختبرة ربما هم أكثر قدرة لإدراك أنَّ الناس حسني النيَّة، وبإمكانهم، في الواقع، أن يختلفوا كثيراً – حتى حول المسائل ذات الأهميَّة الإنسانيَّة والأخلاقيَّة العميقة.

هل يعني هذا أنَّ المشاركين في المناقشات حول القضايا الأخلاقيَّة ينبغي يخفِّفوا لهجة حججهم، أو يسكتوا عن قناعاتهم؟ والإجابة بالتأكيد لا، إذ أن الكياسة والاحترام المتبادل لا يتعارضان مع الصراحة وحتى الفظاظة. ونحسب أنَّ عنوان هذا الكتاب “الضمير وأعداؤه”، هو شديد الحدَّة، أو كما يقول المؤلف، “بنفس الحدَّة التي استخدمها خصومي” إبان حملة أوباما في عام 2012 حول كتاب “حرب الجمهوريين على النساء”، التي أزعجت الأشخاص الذين كانت قد صدرت ضدّهم هذه الاتّهامات. ولكن، على الرغم من أن هذا الادّعاء كان مضللاً، وهو لا يعترض على حقيقة أن أولئك الذين يعتقدون فيه بصدق أنهم قالوا ذلك بوضوح. وهم يؤمنون أن حماية الأطفال الذين لم يولدوا بعد ضدّ القتل العنيف بسبب الإجهاض. وكما ترى، يقول المؤلف “أنا نفسي أتكلَّم بذات الوضوح” هو انتهاك لحرّيَّة المرأة والمساواة، وأن ترفض أن يفرض على أرباب العمل، بمن في ذلك الذين لهم اعتراضات أخلاقيَّة ودينيَّة مخلصة، لتقديم التغطية التأمينيَّة التي تشمل الأدوية المسبّبة للإجهاض، والتعقيم، ووسائل منع الحمل هو حرمان لحقّ الموظّفات في “الرعاية الصحيَّة”.

إنَّ المؤلِّف يقول، دعونا لتنظيم نقاش حول هذه الأسئلة، نقاش يذهب إلى أبعد مدى وصولاً إلى الافتراضات الأساسيَّة حول الطبيعة البشريَّة، وخير الإنسان، وكرامة الإنسان ومصيره. دعونا جلب تلك الافتراضات، والافتراضات والآراء المعارضة، إلى السطح. دعونا نتفحّصها عن كثب لمعرفة مدى صمود المواقف المتنافسة تحت التمحيص النقدي العقلاني.

بيد أن المؤلف يقرّ بأن كثير من الناس ليسوا معتادين على مثل هذا التدقيق والتمحيص. في المناقشات الرسميَّة والمحادثات غير الرسميَّة مع “أصدقائي وزملائي في جامعة برينستون، وغيرهم من العلماء والمفكِّرين والمثقّفين، والمسؤولين الحكوميِّين، قد وجدت أن وجهات النظر الليبراليَّة العلمانيَّة منتشرة على نطاق واسع، وذلك لأنها لم تتعرَّض لنقد جدّي في أصولها إلى حدٍّ كبير. “ونتيجة لذلك، فإنَّ الكثيرين في دوائر النخبة مستسلمون لإغراء الاعتقاد بأن أي شخص يختلف معهم هو المتعصِّب أو الأصولي الديني. إنَّهم يعتقدون بثقة أن العقل والعلم، إلى جانبهم.

وقد كُتب هذا الكتاب بهدف فضح خواء هذا الاعتقاد. يقول المؤلِّف، “أنا لا أُخفي حقيقة أنني مسيحي، أو أنني في القضايا الأخلاقيَّة الأكثر خلافيَّة، أنا جعلت قضيتي مشتركة مع المتدينين اليهود، والمسلمين، وغيرهم من الناس من أصحاب الإيمان. ولكن في هذه المقالات لا أستند في حججي على دعاوى لاهوتيَّة أو سلطة دينيَّة.” كما سنرى في الكتاب، فقد أنشأ علم الأجنة البشريَّة، والبيولوجيا التطوريَّة، والمجالات العلميَّة الأخرى بعض الحقائق التي لا يمكن إنكارها وتتحدَّى المعتقدات الأخلاقيَّة التي يتبنَّاها الليبراليّون العلمانيون بحماس. وهناك أيضاً تقاليد فلسفيَّة وأخلاقيَّة طويلة – يمتدّ تاريخها إلى المفكّرين القدماء وبقيت بمنأى عن وحي يهودي أو نصراني – التي تدعم مواقف أولئك الذين يفترض أن ليس لديهم أي أساس عقلاني لآرائهم.

على نحو متزايد، يلف أعداء ما سمّاه جيمس ماديسون بـ”الحقوق المقدَّسة للضمير” أنفسهم في عباءة العلم لتهميش خصومهم. ولكن الفحص الدقيق يكشف أنَّ وجهات نظرهم هم الخاصَّة هي التي دعائمها رقيقة – والتي هي، وربما قد يقولون عنها باستخفاف، ليست سوى أمور الإيمان. ولكن المؤلِّف جادل ببراعة تعتمد ليس على المطالبات اللاهوتيَّة، أو السلطة الدينيَّة، ولكن على الحقائق العلميَّة الثابتة وتقاليد الفلسفيَّة، التي يمتدّ تاريخها إلى أفلاطون وأرسطو حول قضايا مثل: الإجهاض، ووأد البنات، وزواج المثليين، والتلاعب الجيني، والموت الرحيم، والانتحار بمساعدة الغير، وإدخال الدين في السياسة، والنشاط القضائي، وأكثر من ذلك. وعلى أيَّة حال، هذا هو الشيء الذي أراد الدكتور جورج أن يثبته في صفحات الكتاب.

 

إنَّ الكثيرين في دوائر النخبة مستسلمون لإغراء الاعتقاد بأن أي شخص يختلف معهم هو المتعصِّب أو الأصولي الديني. إنَّهم يعتقدون بثقة أن العقل والعلم، إلى جانبهم.

القانون الطبيعي:

نظريَّة القانون الطبيعي تقدِّم مبرّراً فلسفيّاً أساسيّاً للقيم السلوكيَّة التقليديَّة، مثل الممارسات الجنسيَّة خارج إطار الأسرة الشرعيَّة، ومعارضة الإجهاض، وتطرح حلولاً لإشكاليات أخرى تعضد مواقف، أو نموذج الرأي الآخر المحافظ في الأخلاق. وباعتباره أستاذ القانون ذائع الصيت، يبرز روبرت جورج نظريَّة القانون الطبيعي، ويقدِّم إسهامات مؤثِّرة على مستويين هامين، أولاهما، العمل على الخروج بأسس فلسفيَّة للنظريَّة، ومن ثمَّ تطبيقها لنقد الليبراليَّة المعاصرة. إنَّ المقالات الواردة في الضمير وأعداؤه توفِّر مقدِّمة جذَّابة لعمله.

وكناقد لليبراليَّة، تعتبر أعمال جورج داحضة لخصومه، رغم أنه يعزو عموماً دوافع صادقة لخصومه. غير أنه يفضح بلا رحمة المغالطات التي يطرحها المدافعون عن الإجهاض، وبحوث تدمير الأجنَّة، و”زواج المثليين”، وغيرها من الأغراض “التقدُّميَّة”. وعلى سبيل المثال، يلاحظ جورج أنَّ “المؤيدين للإجهاض” من الكاثوليك، مثل ماريو كومو، لا يشرحون أبداً السبب لماذا أنه سيكون من الخطأ أن “تفرض” على الآخرين معارضتهم “الشخصيَّة” للإجهاض، لكن ليس من الخطأ أن تفرض على الآخرين معارضتهم الشخصيَّة للرقّ، واستغلال العمال، أو عقوبة الإعدام.

يتجاهل أحد قادة الليبرالية رونالد بيلي بطريقة سيِّئة التمييز بين ما هو مجرد شيء يحتمل أن يكون إنساناً؛ خليَّة جسديَّة قد يتمّ من خلالها استنساخ شيء آخر، والشيء الذي هو إنسان، ولكن حتى الآن لم يتمّ تحيين كل إمكانيّاتها (الجنين). ويؤكِّد لنا أندرو سوليفان في لحظة واحدة أنَّ “زواج المثليين” سوف يوفِّر الترياق ضدّ مجون مثلي الجنس من الذكور – ولكنه يلاحظ في وقت آخر، باستحسان أنَّ علاقات الاتحاد المثليَّة قد تؤدِّي إلى موقف أكثر مرونة تجاه حالات الزواج الطبيعيَّة بين النساء والرجال.

يقول الدكتور جورج إنَّ الليبراليين اليسارين المعاصرين هم بالكاد نسبيين! “أنا غالباً ما كنت أرغب في أن لو كانوا كذلك. هم أخلاقيّون- وأخلاقيّون في مهمَّة. وتتمثَّل مهمّتهم في تشكيل الحياة السياسيَّة والاجتماعيَّة، وإلى أقصى حدّ ممكن، المعتقدات الفرديَّة، وذلك تمشّياً مع قناعاتهم الأخلاقيَّة التي يعتقدون فيها بحماس. يرى المرء هذا في كل مكان، بدءاً من الحرب التي شنَّتها إدارة الرئيس أوباما على الكنيسة الكاثوليكيَّة، أكبر وأهمّ مؤسَّسة تقف تعاليمها الأخلاقيَّة في الصراع مع معتقدات اليسار الليبراليَّة حول وضع حياة المواليد الإنسانيَّة، وطبيعة ومعنى الزواج، والحرّيَّة الدينيَّة.

هؤلاء الناس ليسوا هم الذين ينكرون أنَّ هناك حقائق أخلاقيَّة. على العكس من ذلك، هؤلاء هم الناس الذين يؤكِّدون أن هناك حقائق أخلاقيَّة، وإنهم متأكدون بحيث يفهمونها بشكل صحيح وأنهم على استعداد لفرضها على المجتمع. فما هي بعض من تلك “الحقائق”؟ الحقّ المطلق في الإجهاض. الحقّ في اختيار حياة المرء الجنسيَّة بالطريقة التي ترضيه، ما دام الواحد يمتنع عن الحصول على الجنس عن طريق الإكراه أو الخداع. الاقتناع بأنّ “الزواج” هو اتّحاد شخصين، أو أكثر، بصرف النظر عن الجنس. فكرة أن الدولة وبطريقة شرعيَّة يمكنها، وحتى يجب عليها أن تستخدم سلطاتها القسريَّة لحظر أي شيء يُعد في نظر الأيديولوجيا الليبراليَّة شكلاً من أشكال التمييز. فكرة أن أي شخص يختلف معهم حول الأشياء التي يهتمّون بها أكثر هو “المتعصِّب”، وغيرها من الأوصاف.

أما بالنسبة للادِّعاءات الليبراليَّة، فإن العلم هو “إلى جانبهم،” وأنَّ الهدف من “الضمير وأعدائه” هو إظهار لماذا لا يمكن أن تكون هذه إلا مجرد ادّعاءات، ولا يمكن النظر إليها إلا على أنها مثيرة للضحك. ويدعونا المؤلف أن نمعن النظر في حقيقة عدم رغبة الكثير من الليبراليين في مواجهة الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، وهي أنَّ الإجهاض يأخذ الحياة من إنسان حي؛ وهي حقيقة لم يتمّ تثبيتها عن طريق التفكير اللاهوتي، أو السلطة الدينيَّة فحسب، ولكن عن طريق علم الأجنَّة البشريَّة الحديثة والبيولوجيا التطوّريَّة.

 

الخاتمة:

إن “الضمير وأعداؤه: مواجهة عقائد العلمانيَّة الليبراليَّة” هو واحد من أفضل الأعمال الفكريَّة في معركة اليوم على الحرّيَّة الدينيَّة والأخلاق التقليديَّة بين المحافظين والليبراليين في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة. وبالنسبة للدكتور روبرت جورج تبقى هذه المعركة أمرا لا غنى عنه، رغم تأكيده على أنها تحتاج إلى وضوح والبصيرة لفهم “أين كنَّا، إلى أين نحن ذاهبون،” وماذا عن المسارات التي يمكن أن يتَّجه إليها السفر؛ إلى أسفل إذا فشل الأمريكيّون في العمل على التحدّيات التي تواجه الأخلاق الرائدة، كأفراد ومواطنين، أم إلى الأمام، إذا أُريد لمثل آرائه أن تنتصر.

وأعتقد، في النهاية، أنه ليس مطلوباً من القارئ أن يتَّفق مع أي من الآراء التي وردت في هذا الكتاب، إلا أنَّ الرسالة المركزيَّة للـ”الضمير وأعدائه”، وأكثر من أي شيء يمكن تبنّيه أو رفضه، هي نداء من أجل حريَّة الضمير، أو بشكل أكثر تحديداً، من أجل الحريَّة الدينيَّة. الدين، كما حاول الدكتور روبورت ب. جورج أن يقدّمه، ينبغي التفكير فيه باعتباره “ضمير تقصِّي الحقائق بشأن المصادر النهائيَّة للمعنى والقيمة”، وبالتالي، يمثِّل “بعداً حاسماً في الوفاء برفاه الإنسان،” أو كما قال.

 

إن “الضمير وأعداؤه: مواجهة عقائد العلمانيَّة الليبراليَّة” هو واحد من أفضل الأعمال الفكريَّة في معركة اليوم على الحرّيَّة الدينيَّة والأخلاق التقليديَّة بين المحافظين والليبراليين في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة.

 

الكتاب: الضمير وأعداؤه: مواجهة عقائد العلمانيَّة الليبراليَّة

المؤلف: الدكتور روبرت ب جورج

الناشر: معهد الدراسات الكليَّة

تاريخ النشر: 3 يونيو 2013

اللغة: الإنجليزيَّة

الصفحات: 290 

 


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة