التنويريسلايدرفنونكورونا

كورونا يدفع متاحف العالم نحو الفضاء الافتراضي

في ظل التخوفات والاستعدادات التي تتخذها دول العالم للحيلولة دون تفشي وباء كورونا، وتماشياً مع الإغلاق التام للنشاطات والحد من الحركة والتجمعات، لجأت غالبية المؤسسات الفنية والثقافية إلى تعليق نشاطها، ما أصاب الحركة الفنية حول العالم بالشلل التام. في معظم الدول أُجل العديد من الأحداث والملتقيات الهامة، وأغلقت العشرات من قاعات ومساحات العرض الفنية، كما علقت صالات المزادات الشهيرة مثل سوذبي وكريستي أعمالها إلى أجل غير مسمى. في فلورانسا بإيطاليا، وبعد أيام قليلة من افتتاحه، أغلق المعرض الكبير الذي أقيم للاحتفال بمرور 500 عام على رحيل فنان عصر النهضة الإيطالي “رافايلو” واستمر التجهيز لهذا المعرض لأكثر من عامين، وصاحبته دعاية واسعة، حتى أنه قد باع أكثر من 60 ألف تذكرة قبل افتتاحه. لم يقتصر الأمر على إيطاليا وحدها بل أغلقت المتاحف والقاعات الكبرى في معظم أنحاء أوروبا، وبينها متحفا اللوفر وأورساي في باريس، وتيت غاليري في بريطانيا الذي كان يستضيف معرضاً هاماً لأعمال الفنان الأميركي الشهير آندي وارهول، وفي بريطانيا أيضاً أغلق ناشيونال غاليري أبوابه لأول مرة منذ افتتاحه في منتصف القرن الثامن عشر. وخارج أوروبا علق متحف متروبوليتان في نيويورك نشاطه، وكذلك معظم متاحف وغاليريهات الفن في قارات العالم أجمع. الجميع طاله الإغلاق والتوقف، بداية من المؤسسات الكبرى إلى الغاليريهات والمساحات الفنية الصغيرة.

لا يختلف الوضع كثيراً في الدول العربية، إذ علقت العديد من المؤسسات الفنية نشاطها في أرجاء الوطن العربي وألغيت العديد من الفعاليات، فقد أُعلن أخيراً عن تأجيل “آرت دبي” وهو أحد أكبر التجمعات الفنية السنوية التي تقام في منطقة الشرق الأوسط ، وكان من المقرر إقامته في الفترة من 25 إلى 28 مارس(آذار) الحالي. كما أعلنت مؤسسة الشارقة للفنون أيضاً تعليق برامجها الفنية حتى إشعار آخر، مثل برنامج “لقاء مارس” الذي كان من المقرر إقامته هذا الشهر، وهو تجمع سنوي دولي للفنانين والقيمين وممارسي الفنون لمناقشة القضايا الحيوية في الفن المعاصر، وذلك عبر برنامج حافل من الجلسات النقاشية والعروض والفعاليات.

وفي مصر أعلنت وزارة الثقافة المصرية أيضاً تعليق نشاطها الثقافي والفني، أما على مستوى الغاليريهات والمؤسسات الخاصة فقد لجأ بعضها إلى الإغلاق التام، والبعض الآخر استمر من دون تدشين فعاليات جديدة. وقبل أيام قليلة أعلن عن تأجيل النسخة التاسعة من مهرجان وسط البلد (دي كاف) للفنون المعاصرة والتي كان من المقرر عقدها في الفترة من 20 مارس وحتى 10 إبريل(نيسان)، على أن يستأنف المهرجان إطلاق نسخته في خريف 2020 كما صرح أحمد العطار المدير الفني للمهرجان. ويعد مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة المهرجان الوحيد من نوعه في مصر الذي يجمع أشكالاً عدة من الفنون المعاصرة من كل أنحاء العالم، ويشمل عروضاً آدائية ومسرحية وبصرية وموسيقية وسينمائية، ويشارك فيه فنانون من جنسيات مختلفة. ينطبق الأمر نفسه أيضاً على دول أخرى كالعراق ودول الخليج والأردن ولبنان، إذ ألغيت جميع الفعاليات وأغلقت الغاليريهات الخاصة أبوابها أمام الجمهور. في الجزائر اقتصر نشاط المؤسسات الفنية على عرض الأعمال فقط وألغيت الافتتاحات والتجمعات المرتبطة بالأحداث الفنية. الفنان الجزائري حمزة بنواه كان يجهز خلال هذا الشهر لافتتاح مساحته الفنية الجديدة “ديوانية الفن” بمعرض جماعي يضم فنانين جزائريين وعرباً، كأول مساحة فنية خاصة تستضيف أعمالاً لفنانين من خارج الجزائر، هذا قبل أن يعلن إرجاء الافتتاح إلى أجل غير مسمى نظراً للظروف التي تمر بها الجزائر والعالم أجمع. يقول بنواه أن جميع المؤسسات والقاعات العاملة في الجزائر أجرت تعديلات جذرية على برامجها لتتماشى مع الظروف الراهنة، وهو ما ينطبق كذلك على دول المغرب العربي الأخرى.  

متاحف ومؤسسات فنية كبرى في العالم حولت نشاطها بعد الإغلاق إلى الفضاء الرقمي، فقد تضاعفت نسبة الولوج إلى موقع متروبوليتان مثلاً بعد إدخال تعديلات عليه تسمح لرواده بالاستمتاع  بالعروض الهامة في المتحف. يعكس هذا الأمر إصراراً حقيقياً على تجاوز هذه المرحلة الصعبة من قبل هذه المؤسسات الفنية ومواصلة رسالتها وخدماتها لمتابعيها عبر الشبكة الرقمية، وهو أمر إيجابي بالطبع في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي نعايشها. ومع هذه المبادرات الإيجابية لإتاحة وتسهيل المحتوى عبر الإنترنت للعديد من المتاحف والمؤسسات الفنية إلا أن الصورة تبدو قاتمة للعاملين في هذه المؤسسات، فقد يضطر بعضها إلى الاستغناء عن جزء من العمالة الدائمة والمؤقتة لتقليص الإنفاق لمواجهة هذه الأزمة التي قد يستمر تأثيرها لعام أو عامين مقبلين نظراً للخسائر الكبيرة التي مُنيت بها معظم هذه المؤسسات. هذا عن المؤسسات الكبيرة، أما عن المؤسسات المحدودة والغاليريات الصغيرة فالأمر يبدو أكثر قتامة، إذ قد يؤدي التهاوي التام لميزانية العديد من هذه المؤسسات والغاليريهات إلى توقف نشاطها نهائياً. من أجل هذا أعلنت بعض الحكومات حول العالم عن خطط لدعم هذه المؤسسات الفنية والثقافية الصغيرة والعاملين فيها، وفي الولايات المتحدة أُطلقت حملة للتبرع لصندوق دعم وتقديم القروض الميسرة للمؤسسات الصغيرة العاملة في المجال الثقافي، ومع هذا يخشى بالفعل من تأثر المئات من الأفراد والفنانين المستقلين المرتبطين بهذه المؤسسات من جراء هذه الأزمة العاتية، ما ينذر بحالة من التراجع والكساد الثقافي العالمي غير المسبوق. وإذا كان هذا هو حال المؤسسات الفنية والفنانين المستقلين في الغرب، فإن الأمر قد يكون أكثر حدة وتعقيداً في منطقتنا العربية، حيث لا تتلقى مُعظم المؤسسات الفنية والثقافية أي دعم حكومي، كما يفتقر الفنانون المستقلون والعاملون في المجال الثقافي خارج المؤسسات الثقافية الرسمية إلى أي سند حقيقي من قبل الدولة، أو حتى من المؤسسات الداعمة وأصحاب رؤوس الأموال، ولا يملك هؤلاء في الوقت الحالي سوى الأمل في ألا تستمر هذه الأزمة كثيراً، وإلا ستكون العواقب وخيمة وغير محتملة.
 

*المصدر: الإندبندنت


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة