اجتماعالتنويريسلايدر

المسلمون ومنهج الاحتماء من خطر الاحتواء


يكثر في السنوات الأخيرة الحديث عن إشكالياتنا الاقتصاديَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة الكبرى بتوصيف لا يخلو من تناقض، بما يحدثه من تقابلات ثنائيَّة من قبيل “الإسلام والديمقراطيَّة” و”الإسلام والعلمانيَّة” و”الإسلام والحداثة” و”الإسلام والعولمة”.. وبديهي أن الإسلام باعتباره ديناً سماويّاً عقلاً إلا ما يشترك معه في خصائصه مثل المسيحيَّة واليهوديَّة مثلا. بالمنطق نفسه، نقول إن الحداثة والعولمة وغيرها من المفاهيم عي مفردات اشتقّت ضمن سياق التطوّر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي لدى الغرب، وهنا تكون المفارقة واضحة وجليَّة. فنحن نقارن الإسلام المصدر بالعولمة يساوي المنتوج البشري. وهي مفارقة معبّرة، دلالتها الأولى والإيجابيَّة أنَّ الإسلام هو محور اهتمام المسلمين وركيزة تفكيرهم وأساس وحدتهم.


ودلالتها السلبيَّة أننا لا نملك اليوم مشاريع حقيقيَّة نستطيع وضعها مقابل ما أنتجه الآخر، وتلك حيلة ابتكرناها على مدى عقود- بوعي أو بغير وعي- لتبرير العجز والعقود. تبعاً لهذا النهج، لا يبقى للمسلمين سوى الاحتماء بالإسلام، إذ هو السبيل الوحيد للتحصّن من نذر الاحتواء أياً كان مصدره.

إنَّ المفاهيم المشتقَّة من سياق واقع حضاري تعبّر عن حيويَّة هذا الواقع وإيجابيّته، وعندما تنتقل إلينا تلوكها الألسنة ضمن واقع آخر جامد. فتتحوّل إلى لغة ميّتة فاقدة لشرعيَّة الوجود. ولذلك مرَّت سنوات عديدة بل عقود، ونحن نشتغل على مفاهيم ميّتة بدل مشاريع حيَّة. فراكمنا خطابات ولم نراكم جهوداً، فأنّى لنا بالنتائج.

إننا في غياب الفعل والحركة المرتبطة بواقع مجتمعنا وحاجاته وآماله. ليس لنا إلا أن نكون صيداً سهلاً لمن يحسن ذلك. ومن قواعد التنمية البشريَّة أنَّ من لا يخطّط، يُخطّط له. ومن قواعد الإبداع والتفكير الإبداعي، التخلّص من العقليَّة الأبويَّة، التي ترى المجد إلا فيما صنعه الأجداد، والتي دفعت البعض بتفكيرهم السلبي اليوم، إلى التنبّؤ بسقوط النظام الاقتصادي الغربي، بدل الاهتمام بما يمكن تقديمه وإنتاجه، وهي حيلة تعفي أصحابها من الانخراط في العولمة بإيجابيَّة، ومن التفكير في بدائلها أيضاً.

 
والعالم اليوم لا يعترف ولا يهتمّ بنبوءات العجزة، ولا بخطاباتهم، بل إنه غير معني بلغة الموتى عموماً، إنه ماضٍ في التبشير بعولمة، صفتها الإيجابيَّة والمعلنة، تحوّل العالم إلى قرية صغيرة، وصفتها الخفيَّة والمضمرة، أن العالم يتحوّل إلى إمبراطوريَّة كبيرة، لا مكان فيها لمن يتحدّث عمّا يحدث، بل لمن يصنع ما يحدث، أو على الأقل يساهم فيه.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة