تربية وتعليمسلايدر

فن النجاح من خلال مادة التربية الإسلاميَّة

بعدما نشرت مقالة في جريدة جهويَّة حول أهمّيَّة مادة التربية الإسلاميَّة، عاتبني أحد الأصدقاء قائلا: ماذا حقَّقت العلوم الإنسانيَّة بصفة عامة؟ وما هي الإضافة التي منحتها للشعوب الإسلاميَّة؟ ألا يجدر بنا اتّباع نهج الغرب في الاهتمام بالعلوم التجريبيَّة والتقنيَّة؛ لتحقيق نهضة تحرِّرنا من حرِّ البطالة والتسوّل والتخلُّف؟ حينها أدركتُ أننا حقّاً نبخس هذه العلوم (العلوم الإنسانيَّة) قيمتها جهلاً منا، لا تواضعاً من حيث مردوديّتها الحضاريَّة والثقافيَّة والتربويَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة، فكان الردّ باستقراء رسائل النجاح ودعائم التفوق من خلال مقرَّر التربية الإسلاميَّة للسنة الأولى ثانوي إعدادي في المغرب.  

1- بالعقل نسمو ونحقِّق ذاتنا وندافع عن هويّتنا

“روي أنَّ جماعة من كفَّار قريش تكلَّموا في إنكار البعث، فقال أبي بن خلف: “ألا ترون إلى ما يقول محمَّد” إنَّ الله يبعث الموتى”، ثمَّ قال: واللات والعزى لأصيرن إليه ولأخاصمنه، فأخذ عظماً بالياً فجعل يفتته بيده، ويقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم :يا محمّد، أترى الله يحيي هذا بعدما تفتَّت؟” (1)

العلم يغزو العالم، يتقدَّم، ولا يأبه لمن تخلّف، والعقل ناصيته ومقوده، والعقل وسيلة الاستدلال والحجاج والمنطق، فلكي أحاور التجريبي والتاريخاني والوصفي والوضعي، لا بدّ من التسلّح بالأدلة العقليَّة كشرط لتحقيق النجاح.

في المقطع الأول من سورة”ق” يعلّمنا الله تعالى كيف نردّ على أمثال أبي بن خلف بالاستناد إلى المشــــــاهد والملحوظ والمتّفق عليه: فالله الذي خلق الإنسان أوّل مرَّة قادر على:

          – البعث بعد الموت(النشأة الأولى)، قال سبحانه” أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ * بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ “(2)

          – إنبات النبات تجسيداً لقدرة الله على إعادة إحياء الموتى وبعثهم: “ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ “(3)

         -بناء السماء وتزيينها أهون على الله من بعث الإنسان” أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ “(4)

        – تمديد الأرض وإرساؤها بالجبال،قال الله سبحانه: “ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ “(5)  والتزيين سليل الإتقان وحفيده، والنظر والتأمّل والتفكّر دعوة للناشئة لتتبنّى المنهج العقلي في الحجاج بدل الركون إلى العنف والتعصّب والسباب والجدال بما لا ينم عن لباقة المؤمن.

2- الإحساس بطعم الحريَّة شعور لا يضاهى

وتتحقَّق هذه القيمة من خلال مدخل التزكية “التوحيد والإخلاص”، قال عمر رضي الله عنه”لقد كنّا أذلاء فأعزّنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزّة بغير الله أذلّنا الله”، فالتوحيد عزّة النفس وهجر المعبودات من غير الله، وتحقيق للكرامة البشريَّة، وامتلاك لقوَّة الشكيمة إذ لا تخشى سيطرة أحد، ولا يرتبط مصيرك بأحد، فأمرك كله موكول إلى الله يقلّبه كيف يشاء، لا وساطة، ولا زبونيَّة ولا محسوبيَّة ولا صكوك غفران تقدَّم للوجهاء، ولا رشوة توضع في يد مسؤول عن مضض .فكم من إنسان يخاف الجن ويخاف العين والسحرة والمشعوذين ويصيبه الرعب ليلاً، ويخاف من قطع رزقه وهلاك نسله، وهذا عين الضعف والبعد عن النجاح الذي يحقّقه الاعتصام بالله والتوكّل عليه واليقين فيه.

إنَّ الدعوة إلى التوحيد في الثقافة الإسلاميَّة تعني الثورة على كل أنواع الاستعباد من خضوع الإنسان للإنسان، سواء كان صالحاً أو وليّاً أو ساحراً أو مشعوذاً أو أميرا، وتعني أيضاً التحرُّر من الأساطير والأعراف والخرافات التي اتّخذها البعض يقيناً، وجعلها خصوصيَّة يمتح منها قوَّة وهويَّة وهي عاملة على نهش جسد المجتمع. التوحيد إذن يساوي الحريّة، والحريَّة سبيل النجاح والتفوّق.

3-التخطيط نبراس نهتدي به في ظلمة الحرمان من حقِّ الاختيار لنحقِّق النجاح

كثير من أبنائنا اليوم يعاني في دراسته ويتألَّم ويبحث عن الرشد لكن ما من مجيب، ومن الأسباب التي قد تحول دون القدرة على التحصيل: إهمال التخطيط للدراسة كمنهجٍ تربوي يستهدف اتّخاذ إجراءات في الحاضر لتجني ثماره في المستقبل  وتأتي بعض دروس التربية الإسلاميَّة لتجيب عن هذه المعضلة بإدراج درس خاص بالبعثة النبويَّة بشقّيها السرّي والجهري، فكانت المناسبة لتنبيه الناشئة وتوعيتها بدور التخطيط في تحقيق النجاح.

ويتمظّهر التخطيط في هذا الدرس من خلال:

تخصيص الأقارب بالدعوة قبل الجهر بها حفاظاً على بيضتها، إذ بسريَّة الدعوة يبني الرسول صلى الله عليه وسلم جماعته، وبعلنيَّة الفكرة بعد ذلك( لجهر فوق الصفا) يكسب الأنصار الجدد، وما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقدم على خطوة خلال دعوته إلا من بعد التخطيط لها والتشاور مع أصحابه (بناء المسجد/ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار/ الوثيقة ).

4- تحديد الأهداف وقاية من العشوائيَّة والتيه

الأخذ بالأسباب سنَّة ربانيَّة يجب علينا الاجتهاد فيها، وليس الاعتماد عليه؛  ففاقد الهدف يفقد الإرادة حتما، وفاقد الإرادة باقٍ في الحضيض بعيد كل البعد عن النجاح، وقد علَّمنا الله تعالى ذلك من خلال قوله تعالى:” أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ “(6) قيمة رصد الأهداف ورسمها، فالهدف حاصل في الخلق، وليس الأمر عشوائيّاً  كما يتخيّل البعض، والهدف مثلا من البعثة النبويَّة إتمام مكارم الأخلاق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”إنما بعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق(7)، ويحصِّل التلميذ هذه الحقيقة من خلال وعيه بما تمَّ تدارسه من خلال مدخل الاستجابة “العبادة غاية الخلق”، فالهدف من الخلق هو العبادة، والعبادة سلوك يومي ففي كل لحظة يستطيع الإنسان أن يحقِّق العبادة( بالابتسامة في وجه أخيه، وبإماطة الأذى عن الطريق، وليس فقط بالركون في المسجد ليل نهار)، كما أنَّ الهدف من تشريع أركان الإسلام ثابت يخدم مهمَّة الاستخلاف ويعطيها معنى في نفسها، وإلا فلا مبرِّر لإثقال كاهل المسلم بعادات تأخذ من وقته وتلهيه عن تعمير الأرض (فغاية الزكاة مثلا زرع بذور المحبَّة والقضاء على الفقر وحفظ الكرامة، والهدف من الصيام تعويد المسلم على الصبر وإيقاد شعلة الإحساس بالفقراء)، فإنما قدَّر الله كل شيء بقدر، وشرَّعهُ لهدفٍ وغاية سواء كانت جليَّة بيِّنة أو خفيَّة مضمرة.

5- التأسّي برسول الله صلى الله عليه وسلم بلسم الأرواح ونافذة النجاح

إنَّ هدف بناء الشخصيَّة المسلمة يجعل الاقتداء بسير الأنبياء والرسل من صميم الدين، قال الله تعالى” لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا “الأحزاب 21. بل يجعل الاقتداء مقصداً تربويّاً واستئناساً بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المواقف الصعبة والبحث عن الحلول المجدية، ومدخلاً طبيعيّاً لبناء الإنسان السوي الناجح في حياته المحقِّق لأهدافه.

6-العبادات أريج المؤمن وزاده الذي لا ينضب

تستهدف العبادات تزكية النفس الإنسانيَّة والحيلولة بينها وبين مباشرة الجرائم الاجتماعيَّة والحدّ من أنانيَّة الذات في السلوك والتصرّفات، وتقوية الحسّ الجماعي وتنتهي إلى نتيجتين:

تربية الوجدان

النفع الإنساني العامّ

ولا شك أنَّ النجاح ينطلق من وجدان الإنسان كعامل ذاتي يمكن أن يغيِّب في بعض الأحيان كل العوامل الموضوعيَّة؛ ليحقِّق النفع الإنساني العام المرتبط  بقانون التعمير والاستخلاف.

مادة التربية الإسلاميَّة كنموذج من بين العلوم الإنسانيَّة، نافذة مفتوحة على قيمٍ تمكِّن الإنسان من شحن نفسه والتقدُّم بها إلى الأمام دون تردّد ولا خوف، تبقى فقط ضرورة القدرة على استنباط هذه المهارات وتنبيه الناشئة إلى أهمّيتها ودورها في المدرسة والحياة.
__________

-(1) تفسير ابن كثير-تفسير القرآن العظيم.

– (5-4-3-2)الآيات من سورة “ق” من : 6 إلى 15

-(6)المؤمنون:11

-(7)أخرجه الإمام أحمد في المسند.

 


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة