التنويريسلايدرسياسة واجتماع

يوم بلا شاشات 2: صوت المدينة

كيف يختبر الناس يومًا بلا شاشات؟

مع حلول اليوم الموعود، الذي يختفي فيه الاعتماد على الشاشات الرقمية، يُفتح أمام الناس أفقٌ جديد، مشرق ومليء بالتجارب الإنسانية الغنية والنقاء الاجتماعي العميق، الذي يستشعره الجميع. ففي الشوارع وأماكن التجمع العامة المزدحمة، تتزاحم أصوات المحادثات المباشرة لتتردد بوضوح في الأجواء المحيطة، وهذا يشكل دافعًا قويًا يساعد على إعادة ترتيب أولويات الأفراد بشكل ملحوظ بين العلاقات الإنسانية والتواصل البشري والسيطرة على العلاقات المباشرة. ويشعر الأفراد بفراغ نسبي تجاه غياب الصور المتحركة المبهجة والتموجات الرقمية، التي اعتادوا عليها لوقت طويل، لكنه في الوقت نفسه، يفتح أبوابًا جديدة لاستكشاف عوالم غير مألوفة من الاستماع والتفاعل الحقيقي، مما يثري تجربتهم الوجودية ويعمقها. وتتغير أنماط الحركة والكلام بصورة جذريّة في ظل هذا التحول الجذري، مما يزيد من فرصة اللقاءات وبناء جسور التواصل غير المشروط والتفاعل الإنساني، حيث أصبح الأفراد يلتقون ويتباينون في تجاربهم بشكل أكثر تواترًا وعمقًا. فالناس يُعيدون تقييم قيمة وجودهم وتأثير الحداثة عليهم بشكل عميق ومؤثر، ويسعون بقوة إلى استعادة حضورهم الذهني وانتباههم المشتت من خلال الانغماس في التجارب الإنسانية البسيطة، التي تغمرهم بلحظاتهم الحاضرة. فتكون هذه التجربة بمثابة فرصة سانحة لاستكشاف والإحساس بالمعاني الحقيقية للحياة وتقدير الروابط الإنسانية.

وتظهر في الأحياء في هذا اليوم أساليب جديدة ومبتكرة ومتنوعة من التفاعل الاجتماعي، حيث تُعقد الورش الفنية الفريدة والأنشطة الإبداعية المتنوعة، التي تُحفز جميع الحواس الخمس وتخلق رابطة فورية ومستدامة، تُعزز من التواصل بين جميع المشاركين. وهذه الأنشطة تتم بعيدًا عن الشاشات والإضاءة الصناعية الساطعة، مما يجعل من كل لحظة تجربة فريدة لا تتكرر، تضيف الكثير من المعاني والذكريات الجميلة. وتتجلى مشاعر الارتباط الشخصي بشكل رائع ومتألق، إذ تُبنى ذكريات مشتركة تتجاوز الذاكرة الرقمية المتاحة، وتساهم بشكل فعال في تعزيز الهوية الجماعية لدى الأفراد، وذلك من خلال الملامح الثقافية والتقاليد المباشرة، التي يعيشها الناس سويًا في تلك اللحظات الثمينة. وتساهم هذه التجارب الممتعة في بناء مجتمع متماسك يشجع على التفاعل الإيجابي، مما يزيد ويُعزز من روح الانتماء والمشاركة الفعالة، ويُعزز من قيمة العلاقات الإنسانية، حيث يصبح كل فرد جزءًا لا يتجزأ من تلك الشبكة الاجتماعية الغنية بالتجارب المشتركة والذكريات المتراكمة. وهذه الأنشطة ليست مجرد ترفيه، بل هي دعوة بحد ذاتها للتواصل والتفاعل العميق بين الأشخاص، مما يؤكد على أهمية الوجود الفعلي والتفاعل وجهًا لوجه في عصر يمتاز بالتكنولوجيا والرقمنة.

ويُشاهد الأطفال والكبار على حد سواء، وهم يقومون بإعادة ضبط نمط حياتهم وعاداتهم اليومية، وذلك من خلال تفاعل يركز بوضوح على الحضور الجسدي والعقلاني. إذ إن هذا التفاعل الفريد لا يخلق فقط لحظات ممتعة ومليئة بالبهجة، بل يُعزز الارتباط القوي بين الأفراد ويساعدهم في فهم بعضهم البعض بشكل أفضل وأعمق. وبذلك، يُرسل المجتمع برسالة واضحة للغاية حول الحاجة الماسة إلى تحقيق توازن صحي ومستدام بين التقنية والإنسانية في الحياة اليومية، التي نعيشها. ويُظهر ذلك أنه ليس من الضروري أن تحل التكنولوجيا محل العلاقات الإنسانية؛ بل يجب أن تكون مساعدة فعالة في تعزيزها وتفعيلها. كما تُظهر التجارب المتنوعة والعديد من الدراسات أن التفاعل المباشر والمُثمر بين الناس يجلب فوائد اجتماعية تعزز الحياة الاجتماعية بشكل غير مسبوق، ويساهم بشكل كبير في بناء الثقة والتفاهم العميق بين الأفراد. لذلك، فإن إدراك الجميع بأن الاعتماد المفرط على التكنولوجيا وتفاصيلها الدقيقة قد يُفقد الناس عنصرًا أساسيًا ومهمًا من الثروة الإنسانية، وهو الوعي بالحضور الفعلي والقدرة على التعبير عن المشاعر بطريقة صادقة ومؤثرة، يعكس أهمية الحفاظ على العلاقات الإنسانية الحميمة والرابطة الإنسانية، التي تصنع السعادة. ولذلك، فإن السعي نحو حياة متوازنة تتضمن استخدام التكنولوجيا دون التفريط في العلاقات الشخصية يعتبر أحد أهم التوجهات في عصرنا الحالي، حيث يمكن للشخص أن يستفيد من التقدم التكنولوجي بينما لا يغفل عن ضرورة التواصل الإنساني الفعلي والمستمر.

إذن، يسعى الناس في الوقت الحاضر لأن يختبروا يومًا بلا شاشات كفرصة عظيمة ومميزة للغاية لإعادة اكتشاف أنفسهم والآخرين من حولهم بطرق جديدة لم يتوقعوها من قبل. ففي هذه اللحظات الحقيقية والاستثنائية، التي يعيشونها بعيدًا عن الأجهزة والشاشات الرقمية، تتجلى طمأنينة كبيرة وحيوية حيث إن التواصل الأعمق، الذي يُفترض أن يجمع بين البشر ويدفعهم لصنع ذكريات معًا لا يُقاس بمسافات، أو أرقام فقط، بل يُقاس بعمق المشاعر والأحاسيس المشتركة، التي تربط بين القلوب والعقول بشكل يتجاوز كل التوقعات. ومن خلال هذه التجارب الفريدة، تتكشف جوانب جديدة من الحياة تعزز التواصل البشري وتفتح أفق الفهم المتبادل بشكل لم يكن متوفرًا سابقًا لأي شخص. وهذه التجارب الإنسانية النابعة من التفاعل المباشر مع الآخرين تُعزز بشكل كبير من تجارب الحياة اليومية وتثري العلاقات الإنسانية بشكل ملموس جدًا، مما يُسهم في بناء روابط أكثر قوة وإيجابية بين الأفراد والمجتمعات المحلية. وهذا يزيد من الفهم المتبادل بين الأفراد ويعزز التضامن بينهم جميعًا، بل إن غياب الأجهزة والشاشات يُسهم بشكل ملحوظ في خلق بيئة محفزة وآمنة للتواصل الفعال والرائع، حيث يمكن للجميع أن يشاركوا أفكارهم ومشاعرهم بدون حواجز، أو عوائق. وتكمن قوة اللحظات ذات المغزى، التي يمكن للناس أن يشاركوا فيها آرائهم، مما يخلق بيئة مليئة بالحب والدعم المتبادل، حيث يُمكن للناس حقًا أن يختبروا الطبيعة الحقيقية للعلاقات الإنسانية، ويتفاعلوا بصدق وبتفاعل حيوي في عالم مليء بالاحترام والاعتراف بوجودهم معًا كأفراد متميزين.

  1.  قصص حيّة من الشارع المصري

بالقطع يمكن إبراز العديد من القصص الحية والمثيرة؛ أو حتى المُتَخَيَّلَة، من الشارع المصري خلال يوم بلا شاشات، حيث تُجسد تجارب الناس بشكل مثير وفريد من نوعه في مواجهة الاعتماد المفرط على التكنولوجيا الرقمية. ففي إحدى المِنَّاطق الشعبية الملونة والمبهجة، يُمكن تَصوَّر التقاء المواطنون بأفراد متنوعين من المجتمع المحلي الذين قرروا بجرأة وقوة كسر دائرة الانشغال المستمر بالشاشات والأجهزة الذكية، واستثمار الوقت الثمين في التواصل المباشر والصداقات الحقيقية، التي تعزز من الروابط الاجتماعية. ولاحظ الناس بوضوح كيف أن الأطفال، الذين اعتادوا على الألعاب الإلكترونية المتنوعة والبرامج الترفيهية المسلية بشكل كبير، بدأوا يكتشفون بشكل مدهش ومشوق جمال الألعاب التقليدية والنشاطات الجماعية في الهواء الطلق، مما ساهم بشكل كبير في إحياء روح التعاون والإبداع بينهم وتعزيز روح الجماعة والتفاعل الإيجابي. أما الشباب، فقد أبدوا حماسًا خاصًا للعودة إلى النقاش المباشر وعقد الحوارات المثمرة، والمشاركة الفعّالة في فعاليات ثقافية وفنية متعددة وجديدة تفوق توقعاتهم، مما يعكس رغبتهم القوية والجادة في استعادة التواصل الإنساني العميق، الذي فقد بشكل متزايد في العصر الرقمي المزدحم بالتكنولوجيا والمشاغل اليومية. وقد أكدت هذه التجارب العملية أهمية إعادة التفكير في كيفية استخدامِنَّا للتكنولوجيا، ومحاولة خلق توازن صحي يتيح لنا الاستمتاع بالعالم الرقمي دون أن نفقد الاتصال بواقعنا الاجتماعي والإنساني الأصيل.

من جانب آخر، كانت هناك العديد من الجلسات الحوارية المؤثرة بين كبار السن، والذين عبّروا بكل صدق عن سعادتهم البالغة بمشاركة الأجيال الجديدة في أنشطة متنوعة وممتعة تشجّع على التفاعل الحقيقي، بعيدة عن شاشات العرض، التي أصبحت تسيطر على حياتهم اليومية وتؤثر بشكل كبير على علاقاتهم الاجتماعية. إذ إن التواصل بين الأجيال المختلفة، في هذه الأنشطة، ساهم في تعزيز مشاعر الألفة والمحبة، حيث استمتع الجميع بمشاركة اللحظات الجميلة بعيدًا عن التكنولوجيا. وتتمثل إحدى القصص الملهمة للغاية في مجموعة من الأمهات اللاتي قررن بشجاعة وإرادة قوية تفعيل أنشطة جماعية مثيرة وممتعة مع أطفالهن، مثل الرسم في الهواء الطلق تحت أشعة الشمس الدافئة، بالإضافة إلى احتضان ألعاب تقليدية تحمل عبق الذكريات الجميلة، مما ساعد بشدة على إسقاط حاجز الاعتماد المفرط على التكنولوجيا. وقد قدمت هذه الأنشطة فرصة لتبادل المعرفة والخبرات بين الأجيال، حيث تعلم الأطفال من قصص الجدات والجدود، بينما حصل الكبار على فرصة للانخراط في عالم الأطفال والتفاعل معهم بطرق جديدة ومبتكرة. كما خلق ذلك لحظات مميزة مليئة بالحب والمرح، وأثرًا إيجابيًا دائمًا في نفوس الجميع. في الواقع، أسهمت هذه الأنشطة الجماعية في بناء ذكريات رائعة وجميلة من الانصهار الأسري وتعزيز الروابط والعلاقات بين الأجيال، مما خلق جوًا من السعادة والتفاعل الإيجابي، الذي يذكر الجميع بأهمية الروابط الإنسانية وأثرها العميق على حياتنا اليومية، التي لا يمكن الاستغناء عنها، فالصحة النفسية والعاطفية تتأثر بشكل كبير وجود هذه العلاقات الإنسانية القوية، مما يزيد من رفاهيتنا النفسية ويدعم تواصلنا الاجتماعي بشكل مميز وفعّال.

وتبرز هذه الأمثلة بوضوح ولهجة لا يمكن إغفالها قدر المجتمع على إعادة تنشيط الروابط الإنسانية العميقة في زمن تراجع فيه الكثير من الارتباطات العاطفية الحقيقية، حيث أصبح التباعد بين الأفراد أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. وهذا التغير الملموس يجعله من المهم تعزيز القيم الثقافية والتاريخية، التي تتماشى وتنسجم مع مبادئ المبادرة الإنسانية، مما يساعد بلا شك على ترسيخ الهوية الجماعية والتراث الثقافي فعليًا. وكل تجربة مميزة من هذه القصص الإنسانية الملهمة والمثيرة تؤكد بكل جلاء على أن العودة إلى الحياة اليومية، التي تُعاش في مساحات حقيقية، ومع أشخاص ذوي معاني عميقة تتيح للأفراد الفرصة لاستعادة حضورهم الوجداني والتفاعل بشكل أعمق وأكثر تأثيرًا مع العالم من حولهم. إذ إن هذا يجعلهم في وضعية أفضل وأكثر قدرة على التواصل وبناء العلاقات، التي تسهم بشكل فعّال في تعزيز الرفاهية العامة. كما أن هذه اللحظات المشتركة، التي تحمل معاني حقيقية وثقيلة بلمسات إنسانية دافئة، تعيد التأكيد على الهوية الشخصية والجماعية وتقوي الروابط الاجتماعية المتينة. حيث يكون لكل لحظة دلالتها العميقة وتأثيرها الإيجابي، ما يجعلها تظل في الذاكرة كذكريات غير قابلة للنسيان، تُحتفظ بها بداخل القلب والروح، وتستدعى في أوقات الحاجة الدافئة. لذلك، فإن تذكر هذه اللحظات يدفع الأفراد دائمًا للبحث عن معاني جديدة للحياة، مما يمنحهم الإلهام والسعادة، التي تساعدهم على المضي قدمًا بشكل أكثر إيجابية.

  1.  التحديات والفرص والتوازن بين التقنية والإنسان

تتجلى بوضوح التحديات الكبيرة، التي تواجه مبادرة “يوم بلا شاشات” في مدى قدرة المجتمع على التكيف مع التحول السريع، الذي فرضته التقنية الحديثة والمتطورة باستمرار. فقد أصبحت الفجوة بين الاعتماد المفرط على الأجهزة الرقمية والحاجة الماسة لاستعادة الروابط الإنسانية الحقيقية تتزايد بشكل ملحوظ، مما يستدعي مِنَّا إيلاء اهتمام خاص لاستعادة هذه الروابط الحيوية، التي تعزز من تفاعلنا ووجودنا كأفراد فاعلين ومؤثرين في المجتمع الكبير، الذي نعيش فيه. إذ إن تحقيق التوازن الضروري بين التقنية والإنسان يتطلب مِنَّا وعيًا عميقًا بالمخاطر الكبيرة الناتجة عن الإفراط في استخدام الأدوات الرقمية المتاحة، والذي غالبًا ما يؤدي إلى تآكل العلاقات الاجتماعية وتراجع التفاعلات الوجهيّة لوجه بشكل ملحوظ وملموس. لذلك، فإن هذا الانكماش الملاحظ في التفاعلات الاجتماعية يُهدد بشكل خطير بناء الهوية الجماعية المتماسكة، التي يحتاجها كل مجتمع للحفاظ على قوته وتماسكه في وجه التحديات. حيث أن الروابط الاجتماعية القوية والمترابطة هي حجر الزاوية والأساس لكل مجتمع ناجح ومزدهر، يلعب دورًا حاسمًا في توفير الدعم والإلهام المتبادل بين أفراده. ولذلك، من الضروري أن نعزز تواصلنا الإنساني ونعيد اكتشاف سبل التفاعل المُنتجة، التي تعزز من العلاقات والصداقات، ما يساهم بفعالية في إنشاء بيئة أكثر صحة وسعادة للجميع. وعلى المجتمع أن يدرك أن نجاح هذا النوع من المبادرات لا يعتمد فقط على تقليل استخدام التكنولوجيا، بل أيضًا على إعادة التركيز على أهمية الوجود الإنساني وثقافة التواصل الشخصي، الذي يعود بالنفع على الأجيال الحالية والقادمة أيضًا.

ومع ذلك، فإن الفرص تتضح وتبرز أيضًا في تعزيز ورفع الوعي بقيمة اللحظة المباشرة، التي نعيشها في العالم من حولنا، فالأوقات، التي نمر بها تتطلب مِنَّا جميعًا تحفيزًا مستمرًا لنتمكن من تبني أنماط حياة أكثر توازنًا ووعيًا، حيث يصبح من الضروري فهم قيمة كل لحظة نعيشها. إذ إن هذا التوازن يعتمد بشكل أساس على التفاعل الإنساني المباشر، الذي يجسد عمق التجارب الحياتية، إلى جانب الفنون التقليدية الغنية، التي تعبّر عن ثقافات متنوعة، والتجارب الواقعية، والتي تبرز عمق إنسانيتنا وشغفنا ككائنات بشرية تعيش في مجتمع مترابط. لذلك، فإن هذه المبادرة الطموحة تتطلب تصميم برامج فعالة وأحداث مميزة تتمحور بشكل خاص حول بناء المهارات الاجتماعية وتعزيز التواصل العفوي والبناء بين الأفراد. ويجب أن نضع اعتبارًا خاصًا في هذا السياق، حيث إن التقنية ليست عدوًا بحد ذاتها، بل هي أداة ثمينة يمكن استغلالها بشكل إيجابي لتعزيز التجارب الحية والمشاركة الفعالة بين الأفراد، فالتكنولوجيا حاليًا تلعب دورًا محوريًا في حياتنا، ويمكن أن تكون وسيلة لتقريب المسافات بين الناس. ومن الأهمية بمكان أيضًا أن نستخدم هذه الأدوات بذكاء ووعي، من أجل خلق مشهد ثقافي نابض ومستدام لا يعكس فقط قيمِنَّا، بل أيضًا يعزز من علاقاتنا الاجتماعية، مما يسهم في بناء مجتمع يساند بعضه البعض ويدعم كافة أفراده.

كما تكمن التحديات أيضًا في مقاومة الضغوط الاجتماعية والإعلامية، التي تشجع بشكل متزايد ومستمر على الاستمرار في الاعتماد المفرط على الوسائل الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي الحديثة، التي تكتسب شعبية متزايدة بين الأفراد بمختلف أعمارهم. إذ إن هذا الاعتماد المتزايد على هذه التقنيات المتطورة يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات سلبية عميقة على الأفراد والمجتمعات بالكامل، ما يستدعي الانتقال إلى خطوات فعلية وملموسة لمواجهة هذه الضغوط المتنامية بشكل أكثر فعالية. وقد تتطلب عملية التنفيذ الناجحة لهذه الفكرة وعيًا مجتمعيًا موحدًا ومدركًا بالأهمية الكبيرة للحد من هذا الاستخدام المفرط بشكل تدريجي، لضمان استدامة الأثر وتقليل الاعتمادية على الشاشات بشكل تدريجي ومنظم حتى نصل إلى توازن أفضل. من جهة أخرى، تفتح هذه المبادرة المجال أيضًا لاستثمار الفرص التنموية المختلفة، وذلك من خلال تعزيز التفاعل المثمر بين الأجيال المختلفة والمتنوعة، حيث يمكن أن يلعب كل جيل دورًا هامًا ومؤثرًا في توجيه الجهود نحو تحقيق هذا الهدف. كما يمكن دعم الإبداعات الفنية والثقافية، وهو ما يسهم بدوره في تحقيق تواصل أقرب وأكثر فعالية مع التراث والتاريخ المحليين الغنيين، مما يساعد في بناء روابط أقوى بين الأفراد والمجتمع. وكل هذا يسهم بصورة مباشرة في تعزيز الهوية الثقافية والتنوع المجتمعي في إطار بيئة صحية وعصرية تُعزز من الحوار والشراكة الفعالة بين أفراد المجتمع، مما يمكّن الجميع من فهم أعمق لتحديات العصر الحديث وتأثيراتها على حياتهم اليومية.

ولتحقيق التوازن المنشود بين الحياة الرقمية والحياة الواقعية، فإن تبني خطط توعوية وتربوية متكاملة يُعتبر من الأمور الحيوية والضرورية، التي يجب أن نسعى جميعًا نحوها بجدية وإصرار. وهذه الخطط الشاملة والمترابطة، المتعددة الجوانب، التي تأخذ في الاعتبار جميع الفئات العمرية، تحفز بشكل كبير على الإقلاع التدريجي عن الاستخدام المفرط للأجهزة الرقمية المختلفة، والتي تتواجد في كل مكان حولنا. وسواء كانت هواتف ذكية ذات شاشات كبيرة، أو أجهزة حاسوب محمولة تستخدم في العمل والدراسة، أو أي وسائل تكنولوجية أخرى قد تؤثر سلبًا على حياتنا اليومية والعلاقات الاجتماعية، فإن هذه الخطط التوعوية تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الفهم وبالتالي التقليل من المخاطر المحتملة. إذ إن تعزيز الوعي حول المخاطر الكبيرة المرتبطة بالاستعمال الزائد لهذه الأجهزة أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث نحتاج إلى فهم الأبعاد المختلفة لتأثيراتها السلبية العميقة على صحتنا النفسية والجسدية، وكذلك على نمط حياتنا بشكل عام. 

ومن المهم أيضًا التأكيد على أن الاستخدام المتوازن لهذه التقنية يمكن أن يسهم في تعزيز نمط حياة صحي؛ نمط يُوازن بين الاتصال الافتراضي والتواصل الواقعي في حياتنا اليومية. ويجب توفير الموارد والدعم اللازمين لتيسير هذا التوازن وإلهام المجتمعات للعمل نحو تحقيقه بشكل فعّال وبتعاون مشترك من قبل جميع أفراد المجتمع. وتوفير بدائل جذابة وممتعة لمجموعة متنوعة من الأنشطة الرقمية، مثل الفنون والموسيقى، بالإضافة إلى الأنشطة الخارجية الرائعة، يُعتبر حقًا عنصرًا أساسيًا ومفتاحيًا في هذه المبادرات المبتكرة. لذلك، فإن هذا النوع من الخطوات التوعوية يمكن اعتباره من بين الأكثر أهمية وفعالية في سبيل إرساء ثقافة جديدة تسعى جاهدًة لتحقيق التوازن الدقيق بين الفوائد المتنوعة، التي تقدمها التقنية، فضلًا عن أهمية الحضور الإنساني في حياتنا اليومية. ومن خلال تشجيع الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية، يمكننا أن نعمل على استعادة واسترجاع بعض من التواصل الإنساني الحقيقي، الذي أصبح مفقودًا في العديد من الأوقات، حيث نشهد تزايدًا ملحوظًا في هذا النقص. لذلك، فإن هذا التوجه الاستراتيجي يسهم بشكل عام في بناء حياة أكثر توازنًا وعمقًا، حيث يُعزز العلاقات الإنسانية الحقيقية، التي تتطلبها الحياة الاجتماعية. ولذلك، فإن هذه الجهود الموجهة تؤدي بالتالي إلى تحسين جودة الحياة بشكل ملموس في مختلف جوانبها، سواء على المستوى الشخصي، أو المجتمعي. وبهذه الطريقة، نعمل معًا على إثراء تجاربنا اليومية، التي نحتاجها جميعًا، مما يعكس الطبيعة التعبيرية والمليئة بالإبداع للإنسان ككائن اجتماعي، حيث يسهم كل شخص بأفكاره وإبداعاته، مما يؤدي إلى تجارب فريدة وفردية تعزز من انتمائنا وتواصلنا مع بعضنا البعض ومع بيئتنا بشكل عام.

ونواصل….

الدكتور الصادق الفقيه


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى