كتاب خالد غازي “عقول خفيَّة” أيقونة للتنوير الثقافي

image_pdf

التاريخ مازال يذكر مقولة نابليون بونابرت الشهيرة “إن معارك الذهن أعظم قوة من معارك السلاح، والقوى الحقيقية في هذا العالم هي الفكر والسلاح؛ ومع مرور الزمن، يظل الفكر هو الغالب على السلاح”، ويؤكد كتاب “عقول خفية… استراتيجيات الإعلام والحرب النفسية” للدكتور خالد محمد غازي هذا المفهوم، من خلال تقديمه لشرح مفصل حول كيفية استخدام الإعلام للتأثير في الجماهير ودفعهم نحو تغييرات شاملة في الميادين السياسية، الاقتصادية، العسكرية والثقافية.

ويشير المؤلف إلى أن الحروب النفسية التي تشنها القوى المعادية ضد الدولة الوطنية؛ عادة ما تستهدف العقل، وتتسم بالمزواجة بين توظيف التكنولوجيا واستخدام الوسائل السيكولوجية والمعنوية وأساليب الدعاية، للتأثير في معنويات المتلقي، أو بهدف تغيير اتجاهات الفرد أو الجماعة، وعندما يقتنع المستهدفون بما يزرع في عقولهم من قناعات، تحدث الهزيمة، ويتغير السلوك، حيث تشعر الجماهير بأنه لا جدوى من الاستمرار في المواجهة وأن الاستسلام هو الحل. ويأتي ذلك من خلال ما يعرف بالقتال المعنوي، الذي يستهدف الفكر والعقيدة والثقة والشجاعة والمشاعر، كما أن الحروب النفسية تتسم بأنها حرب دفاعية لحماية رعايا الدولة، وهجومية لمواجهة الآخر المهاجم، ويمكن مناقشة ما جاء بالكتاب من خلال المحاور التالية:

أسلوب صناعة التأثير النفسي

 يقوم المروجون للحرب النفسية بصناعة التأثير إما الطريقة المباشرة، وذلك بالعمل على سحق الطرف المعادي بشكل مباشر وعلني، في حين تعتمد الطريقة غير المباشرة على التلاعب بالآراء والمعتقدات بحذر وذكاء. وذلك باستخدام وسائل دقيقة لتوجيه الرسائل والآراء بصورة تبدو منطقية، ما يجعلها أكثر قبولًا وتأثيرًا. وهذا النوع من الدعاية يخلق إحساسًا بأن الآراء والعقائد التي يتم اعتناقها نابعة من القناعات الشخصية، دون أن يدرك الفرد أنها تأثرت صناعية.

وعادة ما يلجأ القائم بعملية الاستهداف بالاعتماد على استراتيجية معينة؛ لضمان وصول الرسالة بشكل فعال، حيث يقوم المرسل، أو القائم بالاتصال، بصياغة الرسالة وما تحتويه من الأفكار، حتى تمر الرسالة إلى وجدان المستقبل بسهولة، وبعد ذلك تتم دراسة ردود الأفعال ومدى الاستجابة، وهذا يمكن صناع الاستراتيجية من تصحيح الطريقة التي يتم به بث المحتوى، وإزالة كافة أنوع التشويش أو العوائق؛ التي يمكن أن تعرقل وصول مضمون إلى الفرد أو الجماعة. وتتباين الدعاية بحسب الأنظمة السياسية والأيديولوجية المختلفة في العالم ويمكن أن تستخدم لأغراض إيجابية أو سلبية، فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام المعلومات الصحيحة لرفع الوعي حول القضايا الاجتماعية المهمة، كذلك يمكن أيضًا استخدامها في نشر المعلومات المضللة.

غسل الأدمغة وتغير القناعات الفردية

 يُعتبر غسل الدماغ أسلوبًا خبيثًا يستخدم في بعض الأحيان للتأثير على أفكار الأفراد، وتغييرها بطرق غير أخلاقية، وهذا أسوء ما تمارسه الدول الغربية عند تجند العملاء أو بناء كوادر تهدم الهوية بالدول العربية.

وعند انتزاع المعلومات من الأسرى أو الشخصيات النافذة؛ يتم التلاعب النفسي والضغط العاطفي والإرهاب أوالتضليل والإيهام والتلاعب بالمعلومات، والتحكم في الوعي؛ لإقناع المستهدفين بأفكار معينة. وهذا الأمر من أكثر أساليب الحرب النفسية خطورة، حيث يتم إلغاء الإرادة وتجاهل تأثيرات العقل لتحويل الشخص إلى أداة تتحرك بدون هدف محدد. وقد تتطلب عملية غسيل الدماغ استخدام وسائل القهر والضغط، حتى يصبح الشخص المستهدف تحت سيطرة المنفذ.

 ويمكن غسل الأدمغة عن طريق الدروس والمحاضرات، والتعبئة العاطفية، وتقديم المكافآت والتحفيز، أو الإرباك، والإيحاء والتلقين باستخدام الشخصيات المؤثرة، حيث تقود كل تلك الوسائل إلى زرع الأفكار الجديدة في عقول الأشخاص المستهدفين. وهذا يختلف عن عمليات الاختراق القائمة على الجانب النفسي، لأن الاختراق يعتمد على المحاكاة والجدل والإقناع.

عوامل نجاح الحروب النفسية

 يتطلب التأثير على الجمهور مجموعة متكاملة من المهارات منها: القدرة على استخدام الوسائط التكنولوجية المتعددة، كذلك امتلاك مهارات التواصل الاجتماعي بفعالية، بجانب القدرة على التأثير في الجمهور. وتقوم الدعاية المؤثرة على إجراء دراسة دقيقة للعادات والخصائص والميزات الفردية لكل شخص يتعين التأثير فيه.

ولا تعتمد المدارس الحديثة على قوة العقل الجامدة فقط، حيث تأتي ذروة التأثير من خلال المنطق الظاهري، وذلك بمداعبة العواطف الفطرية لدى الإنسان، مثل الخوف والجوع؛ بوصفها من أقوى طرق التأثير على الجمهور. وتقوم الاستراتيجيات الدعائية على تعويض القصور في الأحكام العقلية، حيث يعيش الفرد متأرجحًا بين الخيارات، مما يجعله غير قادر على اتخاذ القرار النهائي. ومن ثم، تسعى الدعاية إلى ترجيج بعض الآراء في عقول الناس، من خلال الاعتماد على تحفيز العواطف والتوجيه نحو الاستجابة المرغوبة من قبل الجمهور، قد تكون هذه الطرق فعالة في التأثير.

 ويمثل التكرار ركيزة أساسية في تكوين القناعات الجديدة، ويمكن للداعية أن تقدم نفس الرسالة بأشكال مختلفة وبألوان متعددة لتجنب الملل، وجذب الاهتمام، وتمثل الحقيقة البذرة الأولى للدعاية الناجحة، حيث يتم الاعتماد على اختيار الحقائق وتحريفها وتلوينها لتعزيز الرسالة المراد إيصالها. وذلك بشرط اختيار التوقيت المناسب لبث الرسالة، حيث يجب على الداعية ألا يفوت فرصة استغلال أي حدث ذو أهمية، حتى لو كان هذا الاتجاه يتعارض مع توزيع الزمن الذي خطط له كجزء من استراتيجيته. ومع كل ذلك لا يمكننا أن نغفل أن نجاح هذه الدعاية يناسب عكسيا مع ذاكرة الجماهير، فتزداد فرصة النجاح مع أصحاب الذكرة الضعيفة، وتقل فرصة النجاح مع أصحاب الذاكرة القوية؛ الذين يستدعون الدعاية ويخضعونها للفرز العقلي.

وتتنوع أساليب الدعاية حسب ثقافة ومهنية القائمين عليها، ومن أساليبها الإقناع المنطقي لإقناع الجمهور بالفكرة أو المنتج المروج له. ويسعى الداعية إلى تقديم حجج قوية بمحتوى الدعاية لتحقيق التأثير.

أما الأسلوب الاحتيالي، فهو يعتمد على استخدام الإيحاء والتلاعب بالمشاعر والعواطف، وقد يتضمن استخدام معلومات زائفة، أو مبالغ فيها لتضخيم جوانب معينة وتوجيه التفكير والتصرفات نحو هدف معين.

في حين يقوم أسلوب القهر على التحكم في الدوافع السلوكية للجمهور بإجبارهم على اتخاذ قرارات معينة دون خيارات بديلة. ويمكن استخدام الضغط النفسي أو الاجتماعي لتحقيق هذا النوع من التأثير، أو استخدام المال في التأثير.

ويمكن أن تستخدم الجوانب النفسية عسكريا في صالح الدولة الوطنية، حيث يتنوع هذا الاستخدام حسب كل مرحلة.  فقبل الحرب يستخدم علم النفس لإقناع الشعب والمجتمع الدولي بالحاجة إلى الحرب، ولإظهار أنها الحل الوحيد لحل المشكلة التي تواجه الدولة.

وأثناء الحرب يتم العمل على تحويل الرأي العام، وتشجيع السكان المحليين على الانضمام إلى الجيش أو دعمه بأي شكل من الأشكال، علاوة على رفع معنويات الجيش وتشجيعه على القتال، وتحطيم معنويات العدو. وبعد الحرب يتم تحويل الرأي العام نحو إعادة بناء الثقة والتعاون بين الأطراف المتحاربة حال حدوث مصالحة.”

استخدام الدعاية والحروب النفسية في السياسية والاقتصاد

 تتنوع الموضوعات التي يحاول الخصوم نشرها على الساحة الدولية، أو بالعالم العربي، وذلك حسب هدف المهاجم الأجنبي، وتمثل الدعاية السياسية قمة الهرم في عمليات الغزو الثقافي، حيث تتميز بأنها تبث بتكتيك محكم ومدروس من قبل أي طرف يريد تغيير السلوك الجماعي لتحقيق أهداف محددة. وتوجد العديد من الأمثلة الحديثة للاستخدام الناجح للدعاية والحرب النفسية في الصراعات السياسية، ومن بين هذه الأمثلة: الحملة الدعائية التي أطلقتها الحكومة الروسية في عام 2014، وذلك بعد ضم شبه جزيرة القرم، والتي استخدمت فيها وسائل الإعلام الروسية لنشر رسائل موجهة؛ من أجل تهيئة الشعب الروسي للعمليات العسكرية في أي وقت، وفي المقابل وظفت الحكومة الأوكرانية الدعايات المختلفة لحث الشعب الأوكراني على الاستعداد للحرب.

وفي مجال التأثير على الناخبين، اعتمدت الحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في عام 2017؛ على استراتيجيات دعائية مبتكرة وموجهة بشكل كبير للشباب، مثل التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتركيز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تهم هذه الفئة العمرية. كذلك تم بناء الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2016؛ على استراتيجيات دعائية مثيرة للجدل والانقسامات الاجتماعية، مما ساعد على جذب الناخبين المحافظين وتحفيزهم للتصويت له. وهو نفس المنهج الذي استخدم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020، من قبل المرشحين الرئاسيين الجمهوري والديمقراطي.

وقامت الحملة الدعائية التي أطلقتها الحكومة الصينية لتبرئة نفسها من تهمة نشر فيرس كورنا عام 2020، على توظيف الجانب النفسي بخصوص الغضب الدولي المتصاعد ضد السياسات العدوانية للولايات المتحدة الأمريكية.

أما الدعاية الاقتصادية، فيمكن اعتبارها نوع من الإعلانات التي تستهدف الربح المادي؛ كما أنها تعتمد على مهارة المروج في الإقناع والتسويق.

وتأتي للدعاية الدينية لتعزيز الأفكار والعقائد أو المذاهب الدينية، أو التأثير على الأفراد أو الجماعات؛ وتحقيق أقصى قدر من الجذب. في حين تتجه الدعاية الاجتماعية نحو تصدير أنماط الحياة في مجتمع معين إلى مجتمعات أخرى، مثل نمط الحياة الأمريكي للتأثير على الأفراد والسيطرة عليهم فيما بعد.

بعض النماذج الدولية في استخدام الحرب النفسية عسكريًا

 تمثل الدعاية العسكرية المرحلة النهائية في السيطرة، حيث أنها تأتي حال فشل التأثير الناعم على الآخر، وعادة ما يحاول المهاجم من تبرير أغراضه بقلب الحقائق، حيث يتم ممارسة الحرب النفسية، التي تسبق العمليات العسكرية بهدف إضعاف معنويات قوات العدو وإزالة رغبتها في القتال، مما يدفع الجيش نحو الاستسلام.  أما الاتجاه الآخر لاستخدام مبادئ علم النفس فهو ذو طابع تحفيزي، يستخدم إما لترويج الجهود العسكرية أو لرفع الروح المعنوية للجيش المهاجم.

وقد نجحت الكثير من الدول، في تحقيق أهدافها بدون تعريض جنودها للخطر؛ وذلك من خلال ردع الاخر بالحرب النفسية، حيث أعتمد منهج الغزاة على إرهاب الشعوب بحجم الدمار الذي يمكن استخدامه، ومن الأمثلة القديمة على استخدام القوى الغاشمة في قهر الشعوب؛ قيام الملك المغولي “تيمور لانك” في القرن الرابع عشر الميلادي- بدفع جيشه إلى ذبح ما يزيد عن 15 مليون ضحية؛ ثم بناء جبل من جماجم هؤلاء الضحايا، ليكون ذلك عبرة لأي شخص تسول له نفسه أن يقف أمامه.

وقد استخدمت كل من ألمانيا وبريطانيا الدعاية والحرب النفسية، في محاولة لإيمان جنودهم بالنصر المؤكد، ولإسقاط معنويات العدوفي الحرب العالمية الثانية.  بينما استخدم الجيش الأمريكي الدعاية والحرب النفسية بصورة مكثفة في حرب فيتنام، لإقناع المدنيين بدعمهم، ولجعل الجيش الشمال الفيتنامي يشعر بالإحباط والضعف. كذلك تم استخدمت الولايات المتحدة الأسلوب الاحتيالي في الدعاية عند شن الحرب على العراق عام ٢٠٠٣، للتأثير على الرأي العام العراقي، من خلال الترويج الكاذب لفكرة الحرية، واستعادة الديمقراطية، علاوة على بث أخبار مضللة عبر وسائل الإعلام، لتشجيع العراقيين على الإطاحة بالنظام السابق.

ومنذ إلقاء القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما ونجازاكي باليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية 1945، مازالت القوي النووية ترهب الدول غير النووية على الصعيد الدولي من أجل فرض الواقع الذي يلبي أطماع الدول الكبرى.

النطاق الزمني لنجاح  الدعايا والحروب النفسية

 يدلل الواقع العملي أن  كافة الأنظمة  تنجح على الأمد القصير في تغير الاتجاهات وتشكيل الرأي العام،  فعلى سبيل المثال سوف نجد أن النظم الدكتاتورية قد حققت السيطرة الشاملة على المواطنين عن طريق الدعايات، وقد أطلق البعض على هذه السيطرة غير الرشيدة مصطلح التسمم السياسي؛ حيث يتم التأثير على الرأي العام وتوجيهه نحو موقف معين، وتقليل شعبية الخصم السياسي، واستغلال النجاحات، كوسيلة لإضعاف ثقة الطرف الآخر بنفسه وعقيدته. علاوة على التركيز على تحطيم التماسك النفسي والإدراكي والعقلي للخصم السياسي، أو العقائدي، أو الاجتماعي، وتمزيق مكونات الشخصية. أضف إلى ذلك تحقيق السيطرة الشخصية أو الحزبية بكافة الوسائل، على حساب الصالح العام.

ويشير الواقع العملي أن كل الوسائل التي تقوم على الخداع؛ تفشل في السيطرة على المدى البعيد، لأن الموطنين يستيقظون على الوقع المرير، عندما تدهور الأمور وخاصة عند انهيار الاقتصاد والخدمات المقدمة للموطن،  كل ذلك يأتي بمثابة الصدمة التي تزيل الآثار السلبية للدعاية المضلة، من الدول التي تعرضت لعملية التسميم السياسي وتمكنت من التغلب عليه، ما يلي:

-أوروبا: بدأ سقوط النظام الشيوعي في بولندا 4 يونيو 1989، ثم انهيار لاتحاد السوفياتي السابق عام 1991، وذلك نتيجة لهيمنة الحزب الشيوعي بالتحكم في كل قطاعات الدولة ووسائل الإعلام والثقافة والتعليم، وقمع أي صوت معارض. حيث تم فرض سياسة العزلة عن العالم الغربي، للتقليل من التأثيرات الخارجية؛ كل هذا أسفر في النهاية إلى فشل الفكر الشيوعي.

-أمريكيا اللاتينية: أدى للتسميم السياسي بالأرجنتين بالفترة 1976: 1983، إلى التدهور، وقد أدت الصدمة الاقتصادية إلى تخلص الشعب الأرجنتيني من آثار الدعاية السلبية، وهو ما حدث في تشيلي أثناء حكم الديكتاتوري أوغستو بينوشيه بالفترة 1973: 1990، حيث انفجر الشعب التشيلي واتجه نحو الديمقراطية.

-آسيا: نجحت جمهورية كوريا الجنوبية من التخلص من الحكم القمعي الذي ساد بالفترة بين 1961: 1987.

-إفريقيا: انهيار نظام الفصل العنصري في دولة جنوب أفريقيا عام 1994، عبر الكفاح السلمي، بعد 66 عامًا من فرضه على البلاد.

الدول الديمقراطية الكبرى وحروب الجيل الخامس

 بعد سقوط الشيوعية لم تتوقف الدول الكبرى التي توصف نفسها بأنها ديمقراطية، عن نشر الدعايات والحروب النفسية المضللة بكافة المجالات، حيث يتجه اليمين المتطرف بالغرب نحو استغلال تكنولوجيا الاتصالات في الهجمات السيبرانية؛ حيث يتم اختراق الدول وتهديد أمن المعلومات بها، ومن ثم التأثير على البنية التحتية والخدمات الحيوية، وتحريف الحقائق، في العديد من المؤسسات والشركات، ويتم كل ذلك عبر استغلال ثغرات الأمان لدى منصات التواصل الاجتماعي ومواقع الشبكة العنكبوتية.

وتتميز الحروب السيبرانية بأنها تسعى إلى احتلال العقول، وخلق تناقضات بين الدولة والمجتمع، باستخدام العنف غير المسلح والهجمات الإلكترونية، بهدف استنزاف الدول وإضعاف قدراتها الدفاعية. علاوة على أمكانية تخريب المؤسسات الاقتصادية؛ مثل محطات الكهرباء، وأنابيب النفط، والخطوط الجوية والسكك الحديدية والبنوك، إذ إن الأضرار المترتبة على ذلك قد تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات.

وتقوم استراتيجيات الحروب المعلوماتية على إعاقة وتعطيل وتدمير النظام المعلوماتيـة التابعة للخصوم، مع حماية النظم المعلوماتية الخاصة بالطرف الذي يشن الهجوم. ورغم الشعارات البراقة التي يتبناها الغرب حول الحريات الشخصية، يتم اختراق خصوصية الأفراد، ومثال ذلك تسريــب نحو عشرين ألــف إيميــل مــن سيــرفرات اللجنــة الديمقراطيــة القومية التابعة للحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة على موقع ويكيليكس في عام 2016م

وعلى الصعيد المادي يقــوم بعــض الفاعليــن بإغــراق دولــة معينــة بالمخــدرات لتدمير النسيج المجتمعي بها، وقد انتقلت الدول الكبرى من مرحلة استخدام القوة الصلبة التقليدية، إلى مرحلة التهديدات باستخدام أسلحة الدمار الشامل، بما فيها الأسلحة البيولوجية والكيماوية والنووية، ومثال ذلك التهديدات النووية بين روسيا وحلف الناتو باستخدام هذه الأسلحة منذ بدأ الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير 2022م.

استخدام الجانب النفسي لحماية الأمن القومي

 يتطلب الأمن القومي المصري والعربي ضرورة مسايرة التطورات التكنولوجيا الجديدة؛ بهدف التعامل مع الحرب النفسية أو الدعايات التي تستهدف العرب، أو حروب الجيل الخامس التي تنطلق ضد أوطاننا، وذلك من أهم الأمور التي تساعد في تحقيق أهداف الدولة بشكل فعال.  من خلال تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، وتعزيز الثقة بين الحكومة والشعب.

 وتتضمن الخطوات الأساسية التي يجب اتباعها؛ لإدارة المستوى القومي في الحرب النفسية ضرورة تحليل الوضع والظروف التي يجب التعامل معها، من خلال دراسة المستهدفين وثقافتهم، وينبغي وضع خطة شاملة لإدارة الحرب النفسية المضادة، وتحديد الخطوات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، والرسائل الاستراتيجية التي تريد الدولة إيصالها، وذلك من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أو الفن. ويعد إصلاح التعليم، والتنمية الثقافية والاقتصادية والسياسية، ومكافحة الفساد الإداري، من أهم أدوات متخذ القرار في حماية الوطن.

جدير بالذكر أن كتاب “عقول خفية… استراتيجيات الاعلام والحرب النفسية” ، صدر عن وكالة الصحافة العربية (ناشرون) بالقاهرة 2024م ، ويقع الكتاب في نحو 297 من القطع الكبير.

_____
* د. صلاح شعير/ أديب وخبير اقتصادي.

جديدنا