*تقديم وترجمة وتحقيق: د. محمد الزكري القضاعي.
عندما نقوم بتفحُّص أهم ما كتبه الأمريكي William Clark Chittick ويليام سي. تشيتيك (و. 1943) حول تأثير ابن عربي، صاحب الفتوحات، على المشهد الفكري للباحثين الإيرانيين، نكتشف نافذة معقدة مليئة بالمعلومات تنفتح على دراسات التصوُّف. يقدِّم هذا المقال تتبُّعًا مفصّلًا لمشوار فلسفة الصوفيَّة ومحطَّاتها وهي تتحرَّك عبر تلاميذ التصوُّف لإفعال موادها كحدث روحي في عمق البحث العرفاني الفارسي. ما كتبه الباحث الأمريكي يختصر تاريخ عدة قرون من التفاعل المثمر بين كتابات ابن عربي مع أسماء فارسيَّة أو ناطقة بالفارسيَّة استقبلت هذا القادم الصوفي البليغ والمهم وتعاملت معه على قدر عال من العناية والاهتمام.
وظّف تشيتيك، كتاب ابن عربي “الفصوص”، كنقطة محورية لتتبع طبيعة تلقّي العلماء الإيرانيين الذين أبحروا بأشرعة الإلهام الابن عربية للغرق في بحار الأنوار الإلهية. يُظهر تحليل تشيتيك كيف أن ترجمة كتاب “الفصوص” إلى اللغة الفارسية لم يكن مجرد تحويل للكلمات من لغة عربية إلى لغة فارسية، بل كانت وسيلة فعّالة لنقل حكم ابن عربي إلى أهل الحكمة من متتبعي الغاية الإلهية، غايات تجعل الإنسان يتساءل عن الحكمة في وضع الإنسان في الوجود المادِّي ومن الغاية من تدوير الإنسان مع حركات الليل والنهار ثم تهيئته لأن تنعجن لطائف أصله الروحيَّة مع حاويات جسده المادية. الوجود المتعدِّد أم الاتحاد في الواحد، الوعي أم الحقيقة، التاريخ أم الطريقة، حركة الزمن أم كمونه، وكيفية التشبيه أم التنزيه؟ هكذا تُخْرجنا كتابات تشيتيك من غموض ابن عربي إلى فهمها بيسر واضح. من رؤية العين الواحدة التي لا ترى إلا التنزيه أو التشبيه إلى التعرُّف على ابن عربي صاحب أطروحة الرؤية من خلال العينين القادرة على رؤية التشبيه والتنزيه في آن واحد. هناك حدث تحدثه كتابات تشيتيك وهو يكتب عن الدور الحيوي للفصوص في تشكيل وتعزيز الفهم الإيراني للصوفيَّة والفلسفة الصوفيَّة، ممَّا يجعلها قضيَّة محوريَّة لطلبة الدراسات الصوفيَّة.
رصد تشيتيك مفاصل انعطفت معه رحلة فصوص ابن عربي في الثقافة الفارسية. سنعلم أن ابن عربي التقى بطلبة فارسيين وأخذوا منه مباشرة. اهتم طلبته الفارسيين الذين يتقنون العربية بأفكار وأشعار وسلوكيات ابن عربي الذوقية. لذلك تدفق ابن عربي عربيا عبر كتابات طلبته الفرس على عدة مستويات. مستوى الفكر الصوفي ومستوى الشعر ومستوى الممارسة. ولكن ما لبث أن ترجم كتابات الطلائع ليدخل مع الرسم الفارسي إلى الثقافة الفارسية الفارسية. ينتبه تشيتيك إلى ظهور ترجمات للنص ومن ثم إلى تلك النقلة التي أنتجت تقاليد كتابات الشرح المتسع للفصوص باللغة الفارسية التي تمثلها كتابات بابا ركن الدين وغيرهم، كتابات أقرب ما تكون كخلفيات مفاهمية أوليّة تبرز فيها عملية استيعاب حكمة ابن عربي في حوار الفكر الفارسي. ثم ينتبه تشيتيك إلى جهود الترجمة لكتابات ابن عربي الملحوظة لعبد الغفار بن محمد علي، وخاصة النسخة الأصلية التي كُتبت في 1008/1685، والتي توجد في مكتبة سالار جنج في حيدر أباد (ديكان)، كشاهد على إرث فكري دائم يتجلى في ترجمات اللغة الفارسية لأعمال ابن عربي.
يكشف تشيتيك بدقَّة عن تدفُّق الثقافة الصوفية بالقلم العربي وعملية تناسجها في غزل السجادة الثرية بالخيوط الصوفية الفارسية ذات الزخرفة البهية والبديعة، ومن ثم يرصد شيتيك ترحال التصوُّف العربي بذوق اللمسة الفارسية إلى العمق الفارسي وإلى الهند وبل بعودة رجيعة باللغة العربية إلى العالم العربي حاملا معه المزاج الفارسي. مبرزاً الدور الحيوي الذي لعبه الفارسي أمثال عبد الكريم جيلي. عندما يظهر لنا أنه مع انتقال الجيلي إلى اليمن ينطلق فصل رئيسي في اليمن، محفّزا ثقافتها الروحية على الاهتمام بكتابات ابن عربي، ومن ثمَّ بإعادة تصديره إلى مناطق أخرى ناطقة باللغة العربية. في هذه المقالة يتّضح ذلك التناقض الملحوظ بين تفضيل العلماء الفارسيين للعربية كوسيلة للتعبير النظري، في حين تشهد شبه القارة الهندية على تدفُّق هائل من الكتابات الفارسية المتعلِّقة بهذا التيار الفكري، وهو إرث يتجاهله بشكل مثير للاهتمام العلماء الحديثون، حتى في الهند نفسها (تشيتيك، 1992D (.
تمتد البراعة العلمية لتشيتيك إلى ما وراء السير الذاتية، حيث يستكشف التأثيرات الفكرية لشخصيات مثل محب الله الهابادي وترجماته وتعليقاته الضخمة على الفتوحات. سنجد كيف يتردَّد صدى فكر ابن عربي فارسيا عبر القرون، خالقًا تقليدًا فكريًا حيويًا متماسكا رغم التحولات اللغوية والانتماءات الجغرافية. في صياغة هذا الملخص الشامل والمستنير، يكمن موضوع أساسي يعمل على الغزل التآزري بين حكمة ابن عربي الخالدة وعقول العلماء الفارسيين الاستقبالية – صانعا مجدّلة تتناسج عبر أروقة الفكر الصوفي العابر للإثنايات والجاذب للروحانيات تلك المنسوجة الفكرية الغنية للباحثين الإيرانيين ولنا.
مقدِّمة كتبها المترجم:د. محمد الزكري القضاعي.
_____
ابن عربي بقلم ويليام سي. تشيتيك
محي الدين أبو عبد الله محمد تاعي حاتمي (من مواليد 17 رمضان 560 هـ / 28 يوليو 1165 مـ؛ توفي في 22 ربيع الثاني 638 هـ / 10 نوفمبر 1240 مـ)، هو الكاتب الصوفي الأكثر تأثيرا في تاريخ الإسلام ، ويعرف أيضا بكنية “الشيخ الأكبر”. كما أن العديد من الكتّاب تتطبعوا بالإشارة إليه على أنه “ابن عربي”، بدون التعريف، للتمييز بينه وبين القاضي أبو بكر ابن العربي (ت. 543 هـ / 1148 م).
الحياة، والآراء، والمصطلحات
وُلد في مورسيا في إسبانيا، وانتقلت عائلته إلى إشبيلية عندما كان عمره ثماني سنوات. خضع لتجربة “الكشف” الصوفية الاستثنائية (الكشف أو الفتح) عند حوالي الخامسة عشرة، ويذكر ذلك في سرديته الشهيرة للقاءه مع ابن رشد. ولم يبدأ في ممارسة التصوُّف المنظم (السلوك) إلا بعد هذا (الجذب) إلى الله، وذلك ربما في سن العشرين. درس العلوم التقليدية، وخاصة علم الحديث، مع العديد من الأساتذة، ويذكر حوالي تسعين منهم في مذكرة سيرته الذاتية (بدوي). غادر إسبانيا نهائياً في 597 هـ / 1200 مـ، بنية أداء فريضة الحج. وفي العام التالي في مكة بدأ في كتابة عمله الضخم “الفتوحات المكية”؛ ويلمح عنوان الكتاب إلى الطابع الموحى منه للكتابة. في عام 601 هـ / 1204 مـ، انطلق من مكة في طريقه إلى الأناضول مع مجد الدين إسحاق بن يوسف الرومي، وكان ابنه صدر الدين القونوي (606- هـ /672) سيكون تلميذه الأكثر تأثيرًا. بعد التنقل لعدة سنوات في الأراضي الإسلامية، دون أن يصل إلى بلاد فارس، استقر ابن عربي في دمشق في 620 هـ / 1223 مـ. هناك علم وكتب حتى وفاته ( 638. هـ). كان ابن عربي كاتبًا غزيرًا بشكل استثنائي. يحسب عثمان يحيى 850 عملًا يُنسب إليه، منها 700 موجودة وأكثر من 450 ربما حقيقية. تغطي الطبعة الثانية من “الفتوحات” (القاهرة، 1329 هـ / 1911 مـ) 2580 صفحة، بينما يشمل الطبعة النقدية الجديدة ليحيى ثلاثة عشر مجلدًا من حوالي 500 صفحة لكل واحد، ومن المتوقع أن تكون الطبعة النهائية لها سبعة وثلاثون مجلدًا (المجلد 14، القاهرة، 1992). بالمقارنة، يبلغ طول كتابه الأكثر شهرة، “فصوص الحكم”، أقل من 180 صفحة. تم نشر العديد من كتبه ورسائله، معظمها في طبعات غير نقدية؛ وتم ترجمة العديد منها إلى اللغات الأوروبية. على الرغم من أن ابن عربي يزعم أن “الفتوحات” مستمدة من “الفتوحات” الإلهية، وأن “فصوص” كانت قد سُلِمت إليه في رؤية من النبي، إلا أنه بالتأكيد سيعترف بأنه عبّر عن رؤاه بلغة محيطه الفكري. يستشهد باستمرار بالقرآن والحديث؛ ولن يكون مبالغة قول أن معظم أعماله هي تعليقات على هاتين المصدرين للتقليد. في بعض الأحيان يقتبس أقوالاً من الصوفيين السابقين، ولكن لا يوجد دليل على أن ما كتبه ينسجم في الأسلوب مع أساليب غيره من المؤلفين. كان ملمًا تمامًا بالعلوم الإسلامية، خاصة التفسير والفقه والكلام. لا يبدو أنه درس أعمال الفلاسفة، على الرغم من أن العديد من أفكاره متوقعة في أعمال مثل إخوان الصفا (انظر الموسوعة الإسلامية. لروزنتال؛ تاكيشيتا). وذكر في العديد من المناسبات أنه قرأ إحياء الغزالي، وفي بعض الأحيان يشير إلى مثل هذه الكتب الشهيرة للصوفيين مثل القشيري. بإيجاز، كان ابن عربي متماسكًا بشكل قوي في التقاليد الإسلامية. وكانت نقاط انطلاق مناقشاته مألوفة للعلماء في بيئته. وفي الوقت نفسه، كان ذا أصالة هائلة، وكان يدرك تمامًا حداثة ما كان يكتبه. كان معظم الصوفيين الذين سبقوه قد تحدثوا عن المسائل النظرية (بخلاف التعاليم العملية) بطريقة مختصرة أو استفزازية. يكسر ابن عربي السد بفيض من التفسير حول كل نوع من المسائل النظرية المتعلقة بـ “الأمور الإلهية” (الإلهيات). يحافظ على مستوى عالٍ من الخطاب بشكل موحد و، على الرغم من تكرار نفس الموضوعات الأساسية باستمرار، يقدم نظرة مختلفة في كل نظرة جديدة على السؤال. على سبيل المثال، في “فصوص الحكم”، يتناول كل من السبعة وعشرون فصلاً الحكمة الإلهية التي أظهرت لكل كلمة إلهية – نبي معين. في كل حالة، ترتبط الحكمة بصفة إلهية مختلفة. وبالتالي، يُمثل كل نبي وضعًا مختلفًا للمعرفة وتجربتة في الطريق إلى الله. تستمد معظم الفصول الـ 560 في “الفتوحات” من مبادئ مماثلة. يمثل كل فصل “منطلقًا” أو “محطة” (مقام) يمكن من خلاله رؤية واقع أو جزء محدد من الواقع وتضمينه في الرؤية العامة لـ “وحدة كل الأشياء” (التوحيد). افترض ابن عربي وثم أكد من خلال تجربته الشخصية الصحة الجوهرية للوحي الذي أُعطي أساسا في القرآن وثانويا في الحديث. إعترض ابن عربي على النهج القاصر للكلام والفلسفة، الذي قيد ربط أفهامه “بالعقل”، وكذلك على نهج بعض الصوفيين الذين إقتصروا فقط على التحصيل من خلال “الكشف”.
قد يكون من العدل قول إن إسهامه الرئيس في هذا السياق كان رفض موقف ذوي القول في القضايا الكلامية، حيث أنهم عدّوا التشبيه (إعلان أن الله مشابه للخلق) بدعة، فجعل ابن عربي “التشبيه” عملية الإكمال الضرورية للتنزيه (إعلان أن الله لا يشبه الخلق). يؤدي هذا المنظور إلى إنتاج معرفة توافق مخرجاتها بين العقل والكشف.
بالنسبة لابن عربي، يعمل العقل من خلال التفريق والتمييز. إنه (أي الله) يُعْرَفُ عقلا وبشكل فطري أن الله غائب عن كل شيء (تنزيه). على العكس، يعمل الكشف من خلال الخيال البشري، وهي آلية تدرك هوية ما تتخيل عبر نهج التماثل. لذا يرى الكشف وجود الله في الوجود بدلاً من غيابه ( أي يمارس نوعا من التشبيه).
القول عند أهل العقل بأن الله غائب فقط أو القول عند أهل الكشف بأن الله حاضر فقط يعد ابن عربي هذا، في مصطلحاته، اقتصار الإنسان على إستخدام عين واحدة ليرى من خلالها. في حين يذهب ابن عربي إلى أن المعرفة الكاملة لله رؤية تتأتى من كلتا العينين، عين العقل وعين الكشف (أو الخيال)، وهكذا هي حكمة الأنبياء. في حين أن رؤية الأنبياء تُزيفها تلك المقولات اللاهوتية لدى أهل الكلام والفلاسفة والصوفيين الذين يشددون إما على التنزيه المطلق على حساب التشبيه أو التشبيه المطلق على حساب التنزيه.
إذا منهجية ابن عربي تركز على توحيد المنهجين من وسائل المعرفة، فإن تعاليم ابن عربي تركز على إظهار طبيعة “الكمال الإنساني” ووسائل تحقيقه. على الرغم من أن مصطلح “الإنسان الكامل” قد يظهر في كتب أقدم، إلا أن ابن عربي هو من جعله موضوعاً مركزياً في التصوُّف.
بإيجاز، الإنسان الكامل هو الذي يوظف تلك الإمكانات التي وُضعت في آدم عندما “علمه الله الأسماء كلها” (القرآن 2:30). هذه الأسماء تعين كل كمال يوجد في الله والكون (العالم، المعرف كـ “كل شيء سوى الله”). في نهاية المطاف، الأسماء التي علمها الله لآدم هي متطابقة مع الصفات الإلهية، مثل الحياة والوعي والرغبة والقوة والكلام والسخاء والعدالة. من خلال تحقيق هذه الأسماء في أنفسهم، أو التّخَلُّق بِخُلِقِ الله يصبح البشر صوراً مثالية لله ويحققون هدف الله في خلق الكون.
على الرغم من أن جميع البشر الكاملين – أي الأنبياء ومن ثم أولياء الله – متطابقون في ناحية واحدة، إلا أن كل منهم يظهر فرادة الله في ناحية أخرى. في الواقع، كل واحد منهم يتسم بصفة إلهية معينة – وهذا هو موضوع كتاب “فصوص الحكم”. علاوة على ذلك، يعتبر المسار نحو تحقيق “الإنسان للتمام” هو مشوار مستمر بلا نهاية. حيث يسعى الناس تباعاً للإتصاف والتخلق بصفات الله بزيادة تدريجية مستدامة لا تقف.
معظم كتابات ابن عربي تحاول شرح طبيعة المعرفة التي تكشف لأولئك الذين يسافرون عبر المحطات عبر التّرَقّي المتصاعد الطالبون “للكمال” الإنساني. الأولياء هم الذين يرثون (عبر تحصيلاتهم العرفانية، ومحطاتهم في الطريق، ومن مواجيد حالاتهم) ميراث الأنبياء. ابن عربي يؤكد أن آخر الأنبياء هو النبي محمد، صل الله عليه وسلم، فهو “الخاتم” وعليه فهو “ختم الأولياء” الذي لا تتم لهم الورثة إلا عبر أن ينختموا بهذا الختم. يقول ابن عربي لن يرث أحد بعد النبي، محمد صلى الله عليه وسلم، رتبة كمال أعلى منه صلى الله عليه وسلم. كما أكد ابن عربي أن الأولياء قَدَرُ الله في الأرض وسيظل الأولياء المسلّمين لخاتمية محمد صلى الله عليه وسلم قائمين في الأرض حتى نهاية الزمن، وقال ابن عربي بإمكانية أن يرث الولي من أنبياء آخرين غير الخاتم ، عليهم الصلاة والسلام، بشرط أن ينسجم ما يورّثونه بقدر معين مع رسالة “الخاتم” محمد الشاملة، صلى الله عليه وسلم.
أشهر فكرة يُنسب إليها ابن عربي هي “وحدة الوجود”. على الرغم من أنه لم يستخدم هذا المصطلح مباشرة، إلا أن الفكرة ضمنية في كتاباته. على غرار اللاهوتيين والفلاسفة، يستخدم ابن عربي مصطلح “الوجود” للإشارة إلى الله كالكائن الضروري. مثلهم، ينسب الوجود أيضًا إلى كل شيء سوى الله، ولكنه يصر على أن الوجود لا ينتمي إلى الأشياء الموجودة في الكون بأي معنى حقيقي. بدلاً من ذلك، تستعير الأشياء الوجود من الله، تمامًا كما تستعير الأرض الضوء من الشمس. المسألة هي كيف يمكن تنسيب الوجود بحق إلى الأشياء، المعروفة أيضًا بـ “الكائنات” (الأيان). من وجهة نظر التنزيه، يعلن ابن عربي أن الوجود ينتمي إلى الله وحده، وفي عبارته الشهيرة، الأشياء “لم تشم رائحة وجود”. من وجهة نظر التشبيه، يؤكد أن كل الأشياء هي إظهار ذات الوجود (تجلي) أو ظهور ذات الوجود (ظهور). بشكل موجز، كل الأشياء هي “هو/ليس هو” (هو لا هو)، وهذا يعني أنها هي واحدة وأخرى من الله، وهي واحدة وأخرى غير من الوجود.
“توسطية كل شيء” يمكن تصوره بواسطة الحواس أو العقل فهي تعيدنا إلى الخيال، مصطلح يطبقه ابن عربي ليس فقط على وسيلة من وسائل الفهم التي تفهم الهوية بدلاً من الاختلاف، ولكن أيضًا على عالم الخيال، الذي يقع بين العالمين الأساسيين اللذين يشكلان الكون – عالم الأرواح وعالم الأجسام – والذي يجمع بين صفات الجانبين. بالإضافة إلى ذلك، يشير ابن عربي إلى الكون بأكمله باسم “الخيال”، لأنه يجمع بين صفات الوجود وعدم الوجود المطلق (تشتيك، 1989).
تأثيره على الصوفية الفارسيين والفلاسفة
يجب علينا تتبع تأثير ابن عربي بكثير من التفصيل و البحث في كتاباته وفي تأثيره على كتابات من لحقه. يتفق معظم العلماء الحديثين على أن تأثيره يتضح في الكثير من الكتابات الصوفية، ويمكن، أيضا، مشاهدة تأثيره في أعمال اللاهوتيين والفلاسفة. “وحدة الوجود”، المرتبطة دائمًا باسم ابن عربي، هي القضية النظرية الفردية الأكثر شهرة في أعمال الصوفية، خاصة في المناطق التي تقع تحت تأثير الثقافة الفارسية. لم يتفق الجميع على إعتبار وحدة الوجود مفهومًا مناسبًا، وهاجم الأطروحة علماء مثل ابن تيمية (ت. 728/1328) بشدة. في الواقع، يستحق ابن تيمية الكثير من الفضل لربط هذه الفكرة باسم ابن عربي ولجعلها المعيار، على نحو ما يمكن اعتباره، للحكم على ما إذا كان المؤلف مع أو ضد ابن عربي (انظر تشيتيك، قريبًا).
على الرغم من أن اسم ابن عربي عادة ما يرتبط بالقضايا النظرية، يجب أن لا يوحي ذلك بأن تأثيره وصل إلى الصوفيين المتعلمين فقط. حيث أن ابن عربي كتب العديد من الأعمال العملية والتطبيقية في التصوُّف، بما في ذلك مجموعات من المناجات، ونقل قميصًا يُلبسه العديد من شيوخ الطرق المختلفة لاحقًا. كما أظهر م. تشودكيفيتش (1991)، انتشرت تأثيراته في جميع مستويات الحياة والممارسة الصوفية، من الأكثر تميزًا إلى الأكثر شعبية، وذاك الإرث مستمر حتى العصر الحديث. اليوم، يبدو أن تأثيره في زيادة، سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب. خذ مثلا جمعية محي الدين ابن عربي، التي تنشر مجلة في أكسفورد، هي إحدى علامات العديد من إعادة الاهتمام بتعاليمه.
ربما كان أول اتصال معرفي “هام” لابن عربي بالناطقين بالفارسية قد حدث من خلال أحد معلميه، مكين الدين أبو شجاع زاهر بن رستم الاصفهاني، الذي قابله في مكة المكرمة في 598/1202 ودرس معه صحيح الترمذي. كم يُعبر ابن عربي عن إعجابه خاصة بشقيقة مكين الدين الكبرى، التي يسميها “شيخة الحجاز” (“سيدة الحجاز”)، “فخر النساء” (“فخر النساء”) بنت رستم، مضيفًا أنها كانت أيضًا “فخر الرجال” (“فخر الرجال”) وأنه قد درس الحديث معها. أيضا فإن ابنة مكين الدين، السيدة نظام، هي التي ألهمت ابن عربي لكتابة مجموعته الشهيرة من الشعر، ترجمان الأشواق (نيكولسون، ص 3-4؛ جهانگیري، ص 59-62). في 602 هـ / 1205م، قابل ابن عربي الصوفي الشهير أوحد الدين الكرماني (ت. 635هـ / 1238م) في قونية وأصبح صديقه المقرب؛ ويذكره عدة مرات في الفتوحات (شودكيفيتش وآخرون، ص 288، 563؛ أداس، ص 269-273). يقول سيرة “أوحد الدين” إن ابن عربي كلف ابن زوجته الخطوبة بتدريب “أوحد الدين” (فروزانفر، ص 86-87)، ويؤكد ابن زوجته في رسالة أنه كان رفيقًا “أوحد الدين” لمدة عامين، سافر معه حتى شيراز (شتيك، 1992ب، ص 261).
صدر الدين القونوي (1209م – 672 هـ/1274م) صوفي فارسي، وأحد تلاميذ محي الدين بن عربي، له مؤلفات كثيرة أغلبها عن محي الدين بن عربي وقد بقيت بعض المخطوطات، من مؤلفاته: “النفحات”، “تحفة الشكور”، “تجليات”، “تفسير الفاتحة”، “تبصرة المبتدئ وتذكرة المنتهي”، “التوجه الأتم الأعلى نحو الحق جل وعلا”، “جامع الأصول”، “الرسالة المرشدية”، “الرسالة الهادية”، “شرح أسماء الله الحسنى”، “فكوك النصوص في مستندات حكم الفصوص للشيخ الأكبر”، “اللمعة النورانية في مشكلات الشجرة النعمانية”، “كشف السر”، “كشف أستار جواهر الحكم المستخرجة الموروثة من جوامع الكلم في شرح الأربعين”، “المفاوضات”، “مفتاح أقفال القلوب لمفاتيح الغيوب”، “مفتاح الغيب”، “موارد ذوي الاختصاص إلى مقاصد سورة الإخلاص”، “النصوص في تحقيق الطور المخصوص”، “نفثة المصدور وتحفة المشكور”، “النفحات الإلهية” وغيرها.
يعد صدر الدين القونوي الوسيط الأهم الذي من خلاله انتقلت تعاليم ابن عربي إلى العالم الناطق بالفارسية. درس الحديث لسنوات عديدة في قونية وكان على علاقة جيدة مع جلال الدين الرومي (604 هـ – 672 هـ = 1207 – 1273م) ، ولكن لا توجد دلائل في أعمال الرومي تدعم التأكيد المتكرر أنه تأثر بأفكار ابن عربي أو صدر الدين القونوي (شتيك، قريبًا). ومع ذلك، عادة ما يفسر المعلقين على كتابات الرومي أن أفكار كتاباته مستمدة بناءً على تعاليم ابن عربي.
صدر الدين القونوي مؤلف لحوالي خمس عشرة كتيب باللغة العربية، بما في ذلك سبع كتب وعدة رسائل قصيرة نسبيًا. تركيزه على بعض القضايا الرئيسية في كتب ابن عربي، مثل الوجود والإنسان الكامل (الإنسان الكامل)، ساعد في التأكيد على أن هذه القضايا ستظل في صميم اهتمام المدرسة. يبدو أن بعض المصطلحات التي يرتبط ابن عربي بها، مثل الحضرات الإلهية الخمس، تعتبر ابتكارات صدر الدين القونوي. في الفقه (تحرير م. خواجوي، طهران، 1371ش/1992)، يشرح صدر الدين القونوي مغزى عناوين فصول الفصوص؛ وقد تم استخدام هذا العمل مباشرة أو غير مباشر من قبل معظم المعلقين على الفصوص (شتيك، 1984).
كتب صدر الدين القونوي بعض الأعمال الفارسية الصغيرة، (شتيك، 1992ب، ص 255-259). ومع ذلك، من عام 643هـ / 1245م على الأقل، شرح شفهيا باللغة الفارسية أشعار “تائية ابن الفارض الكبري” (توفى ابن الفارض هجري632)، وتم تجميع محاضراته على “تائية ابن الفارض الكبري” من قبل تلميذ صدرالدين القونوي، الشيخ سعيد الدين فرغاني (ت. 695هـ / 1296م) ونشرها باسم” مشارق الدراري: شرح تائية ابن فارض” باللغة الفارسية (تحرير س. ج. أشتياني، مشهد، 1398/1978). لاقى هذا العمل الشعبية من قبل المهتمين، ولكن الأكثر شعبيةً كانت نسخة كتابة بالعربية للعمل نفسه، والذي اشتهر باسم “منتهى المدارك في شرح تائية ابن الفارض” (القاهرة، 1293/1876.
فخر الدين العراقي الهمداني (ت. 688هـ / 1289م)، هو شاعر و عارف فارسي، وهو تلميذ مهم آخر تتلمذ على يد صدر الدين القونوي. كتب العراقي الهمداني كتابا بإسم “لمعات” تعليقا على فصوص الحكم لابن عربي، كتاب اللمعات يستند إلى محاضرات صدر الدين القونوي حول فصوص ابن عربي (تشتيك وويلسون). ويعد اللمعات أكثر الأعمال الفارسية قراءةً من قبل طلاب صدر الدين القونوي.
مؤيد الدين الجندي (ت. حوالي 700هـ / 1300م)، وهو تلميذ مهم آخر تتلمذ على يد صدر الدين القونوي، قام الجندي بإصدار كتاب يحتوي على أول تعليق تفصيلي على كتاب الفصوص للشيخ الاكبر محيي الدين بن عربي. وتكمن اهمية هذا الشرح ان الشارح تتلمذ على الشيخ صدر الدين القونوي الذي يعد اقرب واوثق تلاميذ الشيخ الاكبر الذين فهموا مذهبه وشرحوه (تحرير أشتياني، مشهد، 1361 ش/1982). كما كتب مؤيد الدين الجندي العديد من الأعمال الفارسية، بما في ذلك “نفحات الروح ” (تحرير ن. مايل هيرافي، طهران، 1362 ش/1983).
بالمقابل قام مؤيد الدين الجندي بتدريس “الفصوص” ل عبد الرزاق جمال الدين بن أحمد كمال الدين ابن أبي الغنائم محمد الكاشاني أو الكاشي أو القاشاني (توفي نحو 730 هـ / نحو 1330 م) هو متصوف شيعي. والذي بالمقابل كتب الكاشاني
كتاب ” شرح فصوص الحكم لابن عربي»” وهي واحدة من أكثر التعليقات انتشارًا (القاهرة، 1386/1966)؛ فإنه يلخص غالبًا أو يعيد صياغة نص مؤيد الدين الجندي. كتب كاشاني عدة أعمال هامة أخرى، باللغتين العربية والفارسية، جميعها متأصلة في السياق الفكري لابن عربي. كما قام بنشر كتاب تأويل القرآن باسم ابن عربي (بيروت، 1968؛ للمقاطع بالإنجليزية، انظر موراتا)؛ وعلى الرغم من أنه مشبع بشكل أساسي بتصوفات ابن عربي، إلا إننا نلمح اختلافات هامة في وجهات النظر تميز كاشاني كمفكر مستقل (لوري؛ موريس، 1987، ص 101-106).
تستند التعليقات باللغة الفارسية على الفصوص غالبًا على كتابات شرف الدين داود بن محمود بن محمد القَيْصَري (ت. 751 ه / 1350 م) هو أديب ومتصوف من أهل قيصرية. تعلم بالقيصرية وأقام بضع سنوات في مصر، ثم عاد إلى بلده. أخذ عن عبد الرزاق الكاشاني. كان من أوائل المدرسين بمدرسة إزنيق التي أنشئها السلطان الثاني العثماني أورخان غازي. داود بن محمود بن محمد القَيْصَري الطالب الأهم ل عبد الرزاق كاشاني قام بتأليف عشرين عملاً آخر باللغة العربية. ولكن يجدر بنا التأكيد أن مقدمته الفلسفية المنهجية لشرح الفصوص والتي وردت في “مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم” والذي يسمى أيضا “مقدمة شرح الفصوص” (طهران، 1299/1882؛ بومباي، 1300/1883) هي نفسها أصبحت موضوع تعليقات المهتمين بدراسات ابن عربي (للأحدث، انظر أشتياني، 1385/1966). بالتأكيد، يظهر تأثير القَيْصَري بوضوح بين الدارسين الفارسيين لفكر ابن عربي عبر كبار تلامذته العارف بابا ركن الدين الشيرازي، مسعود بن عبدالله، من عُرفاء القرن الثامن (ت. 769هـ / 1367م). حيث أقدم بابا ركن الشيرازي بكتابة أول تعليق فارسي على الفصوص تحت عنوان “نصوص الخصوص في ترجمة الفصوص” وهو شرح لكتاب فصوص الحكم لابن عربي. (تحرير ج. مزلومي، طهران، 1359 ش/1980). كما أن التعليق باللغة الفارسية بإسم ” شرح فصوص الحکم ” الذي قام به تاج الدين حسين بن حسن الخوارزمي (ت. حوالي 835 هـ / 1432م؛ تحقيق: ن. مايل هروي، طهران، 1364 هـ ش / 1985م) هو تقريبًا ترجمة حرفية لتفسير كتاب “مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم” الذي كتبه شرف الدين داود بن محمود بن محمد القَيْصَري.
كما قام السيد علي همداني (ت. 786هـ / 1385م)؛ بكتابة “هليل النصوص على الفصوص” بالفارسية وهو شرح لفصوص الحكم لابن عربي. (تحرير ج. مسكرنياد، طهران، 1366 ش/1987؛ انظر مايل هيرافي، 1988، ص 21-27).
في قائمته الشاملة لأكثر من مائة كتاب من التعليقات والشروحات على الفصوص، يذكر عثمان يحيى عشرة في الفارسية، قد تكون بعضها مكررة (مقدمة لأمولي، ص 16-36).
الكتب الفارسية التي تجاهلها ولم يذكرها عثمان يحيى ما يلي:
1. “خاتم الفصوص”، المُعزى إلى شاه نعمت الله ولي (ت. 834هـ / 1437م)؛ وهو أطول من أيِّ من رسائل شاه نعمت الله المطبوعة (تشمل المخطوطات ندوات العلماء 35؛ مكتبة ولاية أندرا براديش، Tasawwof 254، Jadid 715؛ Khodabakhsh، الفارسي 1371.
2. يعزى أيضًا إلى شاه نعمت الله تعليق آخر طويل (أندرا براديش، Tasawwof 185. )
3. الشيخ محب الله مبارز الهندي (ت. 1048هـ / 1648م)، الذي كان أحد أكثر تلاميذ ابن عربي المخلصين في الهند، كتب شرحًا طويلاً باللغة الفارسية وشرحًا أقل طولًا باللغة العربية.
4. كتب حافظ غلام مصطفى بن محمد أكبر من ثانيسوار شوخوص الهمم في شرح فصوص الحكم، وهو تعليق يمتد على 1024 صفحة في نسخة ولاية أندرا براديش (Tasawwof 296)، على ما يبدو في القرن الـ11 هـ / 18 م.
آخر شرح فارسي على الفصوص في الهند يبدو أنه “التأويل المحكم في المتشابه فصوص الحكم” للمولوي محمد حسن صاحب أمروهي، وقد نُشرت هذه العمل الذي يمتد على 500 صفحة في لكناوى في عام 1893، وكان يعيش في حيدر أباد (ديكان).
عدد من المتزامنين مع صدر الدين القونوي غير المتصلين مباشرة بدائرته كانوا أيضا مهمين في توفير بعض تعاليم ابن عربي على الناطقين باللغة الفارسية. منهم الفارسي سعيد الدين محمد بن المؤيد بن حمويه الحموي الجويني (ت. 649/1252)، تلميذ الشيخ نجم الدين أبي الجناب أحمد بن عمر بن محمد الخوارزمي الكبري (618 هـ)، ، تواصل سعيد الدين بن حموية مع ابن عربي وقضى سنوات في دمشق، حيث التقى ابن عربي و صدر الدين القونوي. كتب أعمالًا باللغتين العربية والفارسية، وكانت هذه الأعمال غالبًا صعبة للغاية، خاصة أن المؤلف استمتع بكتابات رموز الحروف (انظر، على سبيل المثال، عمل فارسي، المصباح في التصوُّف، تحقيق ن. مايل هروي، طهران، 1362 هـ/1983م). كان تلميذه عزيز الدين النسفي (ت. قبل 700/1300) مسؤولاً عن جعل بعض مصطلحات ابن عربي معروفة بشكل جيد باللغة الفارسية. يصعب مقارنة أعمال عزیز الدين النسفي الرافعة بتلك التي قام بها فخر الدين العراقي الهمداني (ت. 688 هـ) أو سعیدالدین فرقانی (700 هـ) من حيث التعقيد (انظر، على سبيل المثال، عمله: إنسان الكامل، تحقيق م. مولي، طهران، 1962م؛ نُشرت محاولة إنجليزية لفهم مقصده الأقصى عن طريق إي. إتش. بالمر بعنوان الصوفية الشرقي، لندن، 1867م؛ انظر أيضًا موريس، ص 745-51).
الشاعر المتصوف شمس الدين إبراهيم المحتسب الأبرقوهي كان حيا سنة ( 718 ه ) تولى منصب الحسبة في أبرقوه بيزد . انتقل إلى تستر وترك منصبه متجها إلى الفلسفة والعرفان بعد تردده على ضريح السيد زين العابدين . اعتزل الناس في زاوية الشيخ صدر الدين، له كتاب بإسم “مجمع البحرين” (تحقيق ن. مايل هروي، طهران، 1364 هـ/1985م) في 714/1314. ويمثل هذا العمل جهدًا مبكرًا لدمج تعاليم ابن عربي في الصوفية الفارسية. كان المؤلف أكثر تطورًا من عزيز الدين النسفي ، ولكنه لم يكن لديه التوجه الفلسفي القوي الذي يعد مميزًا لصدر الدين القونوي ودائرته.
من بين الشعراء الفارسيين الذين تأثروا في وقت مبكر بتعاليم ابن عربي ومصطلحاته كانوا فخر الدين العراقي الهمداني والمغربي ومحمود بن عبد الكريم ابن يحيى الشبستري التبريزي (ت. حوالى 720/1320).
قام محمد لاهيجي (ت. 912/1506) بشرح ألفيات شبستري في شرح ” گلشن راز”، وهو عمل فارسي طويل مستند إلى كتابات عبد الرزاق الكاشاني (730 هـ) و شرف الدين داود بن محمود بن محمد القَيْصَري (ت. 751 ه). ويمكن القول أن أحد أفضل المعلمين وأكثرهم تعليقًا على أعمال ابن عربي هو الشاعر نور الدين عبد الرحمن الجامي (ت. 898/1492)، خاصة من خلال غزلياته ومثنوياته؛ حيث يتبع حوالي بتلاوة 1000 بيت شعر من سلسلة الذهب إستخرجها بعناية من نص لابن عربي ذكره في “حلية الأبدال ومايظهر عنها من المعارف والأحوال” مايل هروي، 1988، ص . xxxvii-xl). )
يعد الشاعر نور الدين عبد الرحمن الجامي واحدًا من الأكثر شهرة في الهند، ومعظم أتباع ابن عربي في شبه القارة الهندية، والذين كانوا أكثر احتمالاً للكتابة بالفارسية بدلاً من العربية، ممتنين لتفسيراته لأعمال الشيخ الكبير (شيتيك، 1992د). دافع الشيخ المكي محمد بن محمد، (ت. 926/1020)، والذي اعتبر نفسه تلميذًا للشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي، عن ابن عربي ضد هجمات النقاد ذوي الأفق الضيق في كتابه الفارسي “الجانب الغربي في حل مشكلات الشيخ محيي الدين ابن عربي” (تحقيق مايل هروي، طهران، 1364 هـ/1985م).
كان الشاعر والصوفي شاه نعمت الله ولي (730 – 820 هـ) أحد أكثر المعجبين بابن عربي واتباعاً وثيقًا في خطى الكاشاني والقيصري. كتب أكثر من مائة رسالة (مقال) في الصوفية النظرية والعملية تندرج تمامًا في عالم ابن عربي. يتناول أربعة من هذه الرسائل الفصوص أو نقش الفصوص، الكتاب الخاص بابن عربي حول الأفكار الأساسية للفصوص. يظهر الشاعر الفارسي الهندي ميرزا عبد القادر بيديل (=بيديل، انظر السيرة الذاتية) (ت. 1133/1721) معرفة وثيقة بمدرسة ابن عربي في رثاء العرفان.
حتى الكتاب الصوفيين الذين انتقدوا تعاليم ابن العربي اعتمدوا بشكل كبير على مصطلحاته ورؤيته العالمية. وهكذا في فارس “علاء الدولة سمناني (ت. 736/1337)” وفي الهند الشيخ محمد حسيني المعروف باسم جيسو-ديراز (ت. 825/1422)، والشيخ أحمد سرهندي (ت. 1034/1634)، لم ينحرفوا كثيرًا عن معظم التعاليم التي أقر بها ابن عربي وتلاميذه المباشرين. لم يأخذ معظم الصوفيين انتقادات هؤلاء الكتّاب بجدية كبيرة. مثال على ذلك هو تصريحات السيد أشرف جهانگير سمناني (ت. في حوالي 829/1425)، الذي درس مع العلاء الدولة سمناني المنتقد لابن عربي ولكن مع هذا نجد انحياز السيد أشرف جهانگير سمناني إلى الكاشاني في دفاعه عن ابن عربي ضد انتقادات سمناني (انظر لاندولت، 1973). بعد تقديم آراء المشاركين في هذا النقاش وآراء العديد من المراقبين، يخبرنا السيد أشرف بأن سمناني لم يفهم ما كان يقوله ابن عربي وأنه سحب انتقاداته قبل نهاية حياته (يماني، لطائف الأشرفي، لطيفة 28، ص 139-45؛ مايل هروي، 1367، ص. xxxi-xxxv). وبالمثل، كتب شاه ولي الله دهلوي (ت. 1176/1762) عملًا يظهر أنه لا يوجد فارق أساسي بين وحدة الوجود في ابن عربي ووحدة الشهود في كتابات السرهندي.
ابتداءً من القرن الرابع عشر، كان تأثير ابن عربي واضحًا في العديد من الأعمال التي كتبها الكتّاب الذين عُرفوا في المقام الأول باعتبارهم علماء دين أو فلسفة. من بين الشيعة، كان السيد حيدر أملي (ت. 787/1385) شخصا مهمًا خاصة في إدخال ابن عربي في خط التفكير الشيعي الرئيسي. فقد كتب تعليقًا هائلاً على الفصوص، ” نصّ النصوص”، وتم نشر مقدمته البالغة 500 صفحة (تمثل حوالي 10 في المئة من النص). يفحص أملي معنى الفصوص على ثلاث مستويات: النقل (القرآن والحديث، مستفيدًا هنا بشكل خاص من مصادر شيعية)، العقل (معنى الكلام والفلسفة)، والكشف (مشيرًا إلى تجربته الشخصية وكتابات أعضاء هامين في مدرسة ابن العربي). كتب أملي أيضًا عدة أعمال باللغة العربية حول الميتافيزيقا؛ ومن ذلك بشكل خاص جامع الأسرار (تحقيق كوربين ويحيى، طهران، 1347 هـ/1969م؛ انظر موريس، ص 106-08)، الذي كتبه في شبابه أثناء حركته الأولى نحو عالم ابن العربي.
أكمل صائن الدين علي بن محمد التُركة الإصفهاني (ت. 835/1432) تعليقًا على الفصوص في 831/1427؛ حيث يتجلى كتابه حول الوجود “تمهيد القواعد الصوفية” باستمرار في تلخيص تعليق مؤيد الدين الجندي (ت. حوالي 700هـ) على الفصوص. تشير العديد من المقالات الفارسية لصائن التُركة (عشر رسائل، تحقيقات س. ع. موسوي بهبهاني وس. ع. ديباجي، طهران، 1351 هـ/1972م) صراحة أو ضمنيًا إلى تعاليم ابن عربي.
كثيرا ما استشهد ملا صدرا (ت. 1050/1641) بشكل مكثف من كتاب ابن عربي “الفتوح” في “أسفاره”. كما كتب تلميذملا صدره الملا محسن فايد كاشاني (ت. 1090/1679) ملخصًا للفتوح واستشهد كثيرًا بابن عربي في أعماله (الموسوعة الإسلامية، المجلد الخامس، ص 476). حتى ملا محمد باقر المجلسي (ت. 1110/1669)، المعروف جيدًا باعتباره نقّادا للصوفية بشكل عام ولابن عربي على وجه الخصوص، استشهد في بعض الأحيان بابن عربي في عمله الضخم “بحار الأنوار” (بيروت، 1983؛ على سبيل المثال، بعض أهل المعرفة في المجلد 67، ص 339، يشير إلى ابن عربي في الفتوح، القاهرة، 1911، المجلد 2، ص 328.15). في العصر الحديث، تميز آية الله الخميني نفسه عن العديد من العلماء الآخرين المؤثرين بفضل اهتمامه الشديد بابن عربي (كنيش، 1992ب). أول أعمال ابن عربي التي تم ترجمتها إلى الفارسية كانت “الفصوص”، وليس كعمل مستقل، بل في سياق التعليقات التي قام بها العارف بابا ركن الدين الشيرازي وغيرهم. تمت ترجمة نسخة بدون تعليق على يد “عبد الغفار بن محمد علي”، والنسخة الأصلية، التي كتبت في عام 1008 هـ / 1685 م، موجودة في مكتبة سالار جونج في حيدر أباد (ديكان) (تصوف 33؛ توجد نسخ أخرى في مكتبة ولاية أندرا براديش، تصوف 464 وجديد 4248). تمت ترجمة العديد من الأعمال القصيرة لابن عربي حول ممارسات التصوُّف، بما في ذلك “الأنوار” و”أسرار الخلوة” و”حقيقة الحقائق” و”حيلة الأولياء” في القرون 8-9/14-15 (للنص الفارسي لهذه الأعمال وغيرها من الأعمال الثانوية، انظر مايل هيروي، 1988). المخطوط (Jadid 1461) المعروف باسم “شرح الفتوحات”، والذي ربما كتبه الشيخ محب الله الهابادي، هو المجلد الثاني (صفحات 357-747) من عمل يتضمن ترجمات وتعليقات على مقاطع طويلة من “الفتوحات”. تقدم العديد من الأعمال الفارسية الطويلة للشيخ الهابادي ترجمات موسعة من “الفتوحات”.
من بين الصوفية الفرس الذين كانوا لهم تأثير خاص في البلدان الناطقة بالعربية في الإسلام، يمكن ذكر عبد الكريم الجيلي (767-826 هجرية) ورد في المصادر أنه سبط الجيلاني؛ أي من أولاد بناته، وقد ألف الجيلي العديد من الأعمال المستقلة، الذي استقر في اليمن ودفن في زبيد في اليمن. وساهم الجيلي في انتشار الاهتمام بكتابات ابن عربي هناك (انظر كنيش، 1992a). وأخيرًا، يجدر بالذكر أن معظم أتباع ابن عربي في فارس كتبوا أعمالهم النظرية باللغة العربية. على العكس من ذلك، شهدت القارة الهندية تدفقًا هائلًا باللغة الفارسية للكتب التي كتبت عن ابن عربي (تشيتيك، 1992د).
________
المصادر
Addas, C. (1989). *Ibn ‘Arabi ou La quête du Soufre Rouge.* Paris. (Translated as *Quest for the Red Sulphur,* Cambridge, 1993).
Abu Zayd, N. Z. (1983). *Falsafat al-ta’wil.* Cairo.
Algar, H. (1991). “Reflections of Ibn ‘Arabi in Early Naqshbandi Tradition.” *Journal of the Muhyiddin ibn ‘Arabi Society, 10,* 45-66.
Amoli, S. H. (1975). *al-Moqaddemat men nass al-nosus,* eds. H. Corbin and O. Yahia. Tehran.
Asin Palacios, M. (1931). *El Islam cristianizado.* Madrid.
Ashtiani, S. J. (1966). *Sharh-e moqaddema-ye Qaysari bar Fosus al-hekam.* Mashhad.
Ashtiani, S. J. (1978). *Rasa’el-e Qaysari.* Mashhad.
Badawi, A. (1955). “Autobibliografía de Ibn ‘Arabi.” *al-Andalus, 20,* 107-28.
Balyani, A. D. (1982). *Épître sur l’uniciteÇ absolue,* tr. M. Chodkiewicz. Paris.
Bayrakdar, M. (1990). *La philosophie mystique chez Dawud de Kayseri.* Ankara.
Chittick, W. C. (1978). “The Last Will and Testament of Ibn ‘Arabi’s Foremost Disciple and Some Notes on its Author.” *Sophia Perennis, 4/1,* 43-58.
Chittick, W. C. (1979). “The Perfect Man as the Prototype of the Self in the Sufism of Jami.” *Stud. Isl., 49,* 135-57.
Chittick, W. C. (1982a). “The Five Divine Presences. From al-Qunawi to al-Qaysari.” *Muslim World, 72,* 107-28.
Chittick, W. C. (1982b). “Ibn ‘Arabi’s own Summary of the Fusus. ‘The Imprint of the Bezels of Wisdom’.” *Journal of the Muhyiddin Ibn ‘Arabi Society, 1,* 30-93.
In APA format, the bibliography entry for the provided information would look like:
Chittick, W. C. (1984). “The Chapter Headings of the Fusus.” *Journal of the Muhyiddin Ibn ‘Arabi Society, 2,* 41-94.
Chittick, W. C. (1989). *The Sufi Path of Knowledge. Ibn al-‘Arabi’s Metaphysics of Imagination.* Albany.
Chittick, W. C. (1991). “Ibn al-‘Arabi and his School.” In *Islamic Spirituality. Manifestations,* ed. S. H. Nasr. New York, 49-79.
Chittick, W. C. (1992a). “The Circle of Spiritual Ascent According to al-Qunawi.” In *Neoplatonism and Islamic Thought,* ed. P. Morewedge. Albany, 179-209.
Chittick, W. C. (1992b). *Faith and Practice of Islam. Three Thirteenth Century Sufi Texts.* Albany.
Chittick, W. C. (1992c). “Spectrums of Islamic Thought. Sa’id al-Din Farghani on the Implications of Oneness and Manyness.” In *The Legacy of Medieval Persian Sufism,* ed. L. Lewisohn. London, 203-17.
Chittick, W. C. (1992d). “Notes on Ibn al-‘Arabi’s Influence in India.” *Muslim World, 82,* 218-41.
Chittick, W. C. (forthcoming). “Rumi and Wahdat al-Wujud.” In *The Heritage of Rumi,* ed. A. Banani and G. Sabagh. Cambridge.
Chittick, W. C., & Wilson, P. L. (1982). *Fakhruddin ‘Iraqi. Divine Flashes.* New York.
Chodkiewicz, M. (1986). *Le sceau des saints. Prophetie et sainteteÇ dans la doctrine d’Ibn Arabi.* Paris. (Translated as *The Seal of the Saints,* Cambridge, 1993).
Chodkiewicz, M. (1991a). “The Diffusion of Ibn ‘Arabi’s Doctrine.” *Journal of the Muhyiddin Ibn ‘Arabi Society, 9,* 36-57.
Chodkiewicz, M. (1991b). “The Futuhat Makkiya and its Commentators. Some Unresolved Enigmas.” In *The Legacy of Medieval Persian Sufism,* ed. L. Lewisohn. London, 219-32.
Chodkiewicz, M. (1992). *Un ocean sans rivage. Ibn ‘Arabi, le Livre et la Loi.* Paris. (Translated as *An Ocean without Shore,* Albany, 1993).
Chodkiewicz, M., et al. (1988). *Les Illuminations de la Mecque/The Meccan Illuminations. Textes choisis/Selected Texts.* Paris.
Corbin, H. (1969). *Creative Imagination in the Sufism of Ibn ‘Arabi.* Princeton.
Corbin, H. (1973). *En Islam iranien, III.* Paris.
Corbin, H. (1977). *Spiritual Body and Celestial Earth.* Princeton.
Foruzanfar, B. (Ed.). (1968). *Manaqeb-e Awhad-al-Din … Kermani.* Tehran.
Friedmann, Y. (1971). *Shaykh Ahmad Sirhindi. An Outline of His Thought and a Study of His Image in the Eyes of Posterity.* Montreal.
Hakim, S. (1981). *al-Mo’jam al-sufi.* Beirut.
Heer, N. L. (1979). *The Precious Pearl. al-Jami’s al-Durrat al-Fakhirah.* Albany.
Hirtenstein, S., & Notcutt, M. (Eds.). (1993). *Muhyiddin Ibn ‘Arabi. A Commemorative Volume.* Shaftesbury, Dorset.
Izutsu, T. (1983). *Sufism and Taoism.* Los Angeles.
Jahangiri, M. (1982). *Mohyi-al-Din Ebn al-‘Arabi.* Tehran.
Jami, ‘A.-R. (1977). *Naqd al-nosus fi sharh Naqsh al-Fosus,* ed. W. C. Chittick. Tehran.
In APA format, the bibliography entry for the provided information would look like:
Chittick, W. C. (1982). *Lawa’eh,* text and French tr. Y. Richard, *Les jaillissements de lumieàre,* Paris.
Chittick, W. C. (1989). *Lawa’eh,* text and English tr. E. H. Whinfield and M. M. Kazwini, London, 1906.
Knysh, A. (1992a). “Ibn ‘Arabi in the Yemen. His Admirers and Detractors,” *Journal of the Muhyiddin Ibn ‘Arabi Society, 11,* 38-63.
Knysh, A. (1992b). “Irfan Revisited. Khomeini and the Legacy of Islamic Mystical Philosophy,” *Middle East Journal, 46,* 631-53.
Landolt, H. (1973). “Der Briefwechsel zwischen Kashani und Simnani über Wahdat al-Wugud,” *Der Islam, 50,* 29-81.
Landolt, H. (1971). “Simnani on Wahdat al-Wojud,” in *Majmu’a-ye sokhanraniha wa maqalaha,* ed. M. Mohaqqeq and H. Landolt, Tehran, 91-111.
Lewisohn, L. (1993). *A Critical Edition of the Divan of Muhammad Shirin Maghribi,* Tehran and London.
Lory, P. (1981). *Les Commentaires eÇsoteÇriques du Coran d’apreàs ‘Abd al-Razzaq al-Qashani,* Paris.
Mayel Heravi, N. (1988). *Rasa’el-e Ebn-e ‘Arabi. Dah resala-ye farsi- shoda,* Tehran, 1367 Sh./1988.
Mir-‘Abedini, A. (1979). *Divan-e kamel-e Shams-e Maghrebi … be endemam-e Resala-ye jam-e jahannoma,* Tehran, 1358 Sh./1979.
Morris, J. (1986). “Ibn ‘Arabi and his Interpreters. Part I: Recent French Translations,” *JAOS, 106,* 539-51; “Part II. Influences and Interpretations,” *JAOS, 106,* 733-56; *107,* 101-19.
Murata, S. (1992). *The Tao of Islam. A Sourcebook on Gender Relationships in Islamic Thought,* Albany.
Musawi Behbahani, S. ‘A. (1971). “Ahwal wa athar-e Sa’en-al-Din Torka Esfahani,” in *Majmu’a-ye sokhhanraniha wa maqalaha,* ed. M. Mohaqqeq and H. Landolt, Tehran, 97-145.
Nafisi, S. (1959). *Kolliyat-e ‘Eraqi,* Tehran, 1338 Sh./1959.
Netton, I. R. (1989). *Allah Transcendent. Studies in the Structure and Semiotics of Islamic Philosophy, Theology, and Cosmology,* London.
Nicholson, R. A. (1911). *The tarjuman al-ashwaq. A Collection of Mystical Odes by Muhyi’ddin ibn al-‘Arabi,* London.
Nyberg, H. S. (1919). *Kleinere Schriften des Ibn al-‘Arabi,* Leiden.
Rosenthal, F. (1988). “Ibn ‘Arabi between ‘Philosophy’ and ‘Mysticism’,” *Oriens, 31,* 1-35.
Schimmel, A. (1975). *Mystical Dimensions of Islam,* Chapel Hill, 263-86 and passim.
Takeshita, M. (1987). *Ibn ‘Arabi’s Theory of the Perfect Man and its Place in the History of Islamic Thought,* Tokyo.
Yahia, O. (1964). *Histoire et classification de l’ oeuvre d’Ibn ‘Arabi,* Damascus.
Yamani, N.-al-D. (1804). *Latáa’ef-e ashrafi,* Delhi, 1219/1804.
Zarrinkub, ‘A. (1983). *Donbala-ye jostoju dar tasawwof-e irani,* Tehran, 1362 Sh./1983.