التنويريدراسات دينيةسلايدر

ماهيّة القرآن الكريم؛ الكتاب المقدَّس عند المسلمين

جاءتِ الحوادث المتتالية في العديد من الدول بحرق القرآن الكريم لتبرزَ عدَّة تساؤلات حول ماهيّة القرآن الكريم؛ هذا الكتاب المقدَّس عند المسلمين الذي يُجمِعُ عليه ملايين المسلمين حول العالم، يقع عندهم في مكانةٍ فريدة بوصفه كلام الله المنزَّل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، المنقول إلينا بالتواتر المتعبَّد بتلاوته. هكذا يعتقدُ المسلمون، هذا الكتاب إعجازه كان في تحدِّي بلاغة العرب اللغويَّة، فكان هو معجزة لغويَّة قهرت من كانوا يعتقدون بملكاتهم اللغويَّة وجعلتهم عاجزين عن تصنيفه أو وصفه.

في حين إنَّ الكتب في الديانات الأخرى كانت تخضع لإعادة الكتابة والنسخ أو الإضافة، ظلَّ القرآن الكريم منذ نزوله ثابتًا راسخًا لدى ملايين المسلمين، فهو عندهم كلام الله، فالمساس به يعني المساس بعقائد المسلمين، فهو عندهم كلام الله: تمييزا له عن سائر كلام المخلوقين.

لذا يجمع المسلمون على بلاغة القرآن الكريم وفصاحته ودقَّة تراكيبه وتناسق عباراته وقوَّة جرسه، فالقرآن في أعلى طبقات الكلام من ناحية جزالة ألفاظه ودلالتها على المعنى وهو في صورته اللفظيَّة مع روعتها لا تعتبر من الشعر الموزون المقفى ولا من النثر المسجوع ولا من الخطابة المرسلة، وإنما هو صورة منفردة لم يألفها العرب ولا غيرهم. إنَّ اختلاف المفاهيم والمعايير لدى الغرب عن مفاهيم ومعايير المسلمين خلق فجوة في فهم معنى وقيمة القرآن الكريم، فكل مسلم لا يخلو بيته من نسخة من القرآن الكريم، بل إنَّ بعضهم يضعه في السيّارة وفي درج مكتبه وفي حقيبة اليد، وتحفر آياته على مجواهرات السيدات وتنقش على جدران المنازل والمساجد. في شوارع المدن والقرى في دول العالم الإسلامي تسمع آيات القرآن الكريم تُتلا صباحا، حتى صار هذا الكتاب حاضرا في حياتهم ليلا نهارًا، صار قرَّاء القرآن الكريم نجوما في المجتمعات الإسلاميَّة فيتحلق حولهم المسلمون مشدودين يتجاوبون مع قرَّاء القرآن في حالةٍ تنمُّ عن وجدان وصفاء روح، بل إنَّ العديد من المسلمين لهم ورد يتلونه يوميًّا من القرآن الكريم وأحيانا مرَّة كل أسبوع على الأقل.

القرآن الكريم كتاب الله المقدَّس لا يغادر حياة المسلمين، فلا يعقد زواج إلا بآيات منه، ولا يدفن عزيز إلا بآيات منه، حتى لا يولد طفل إلا وتستحضر آياته، فكيف يمكن تصور أن يتقبل المسلمون بسهولة أو يتسامحوا مع إهانة هذا الكتاب؟ لذا فردود  الفعل لملايين المسلمين هي ردود فعل طبيعيَّة .

فالكتب المقدَّسة لدى الغرب تخضع لمناهج النقد والتحليل النقدي إلى حدِّ إنكار بعض ما جاء بها، في حين إنَّه من المستحيل عند المسلمين ذلك حتى إنه عندما حاول محمد أحمد خلف الله مناقشة أطروحته للدكتوراة في جامعة القاهرة (الفن القصصي في القرآن الكريم) وكانت تحت إشراف واحدٍ من المجدِّدين وهو أمين الخولي فوجئ بموجةٍ من الانتقادات، أدَّت لرفض مناقشة الرسالة وتحويله من كادر التدريس بالجامعة إلى عمل إداري، وإن كانت نشرت لاحقا ولاقت قبولا، لكن حتى الخروج عن النمط السائد في العالم الإسلامي في التعامل مع القرآن لن يكون أمرًا سهلا على أحد.

أنا أعلم أنَّ هذه الفجوة في فهم طبيعة هذا الكتاب في حياة المسلمين لدى الغرب كبيرة،  فهو في حاجةٍ ماسَّة للمراجعة وللنظَّر وللتأمُّل، كيف يمكن لملايين أن يعتقدوا في كتابٍ منزَّل من السماء ثمَّ يصير مجالًا (للإحراق) لدى آخرين؟  

يعترف القرآن الكريم بجميع الرسالات السماوية السابقة عليه، وبأنبياء الله ورسله السابقين الذين أرسلوا إلى أقوامهم، وبالكتب السماوية التي أوحيت إليهم، مثل: نوح، إبراهيم، موسى، عيسى عليهم السلام.

وقد فرض – القرآن – على المسلمين أن يؤمنوا بأولئك الأنبياء والرسل وبرسالاتهم: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ سورة البقرة، أي لا يكون المسلم مسلمًا، إن لم يؤمن بأولئك الأنبياء والرُّسل عليهم السلام.

لهذا يضمُّ القرآن الكريم بين دفتيه أصول الديانات السماويَّة التي نزلت قبله، وقصص أنبيائها ورسلها مع قومهم، ويصحِّح بطرق وأساليب متعدِّدة – مباشرة وغير مباشرة– ما نسب إلى الله سبحانه وتعالى وإلى الأنبياء والرسل من أقوال وأفعال، وغير ذلك من الأخطاء التاريخية والعلمية التي وردت في العهدين: القديم والجديد، وهو ما كان أيضا منذ القرن 19 م محل الدراسات في أوربا.

كما احتوى القرآن الكريم على تسجيل معجزات الأنبياء السابقين مثل معجزات: إبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، والتي لولا القرآن الكريم لما علم أحد بوقوعها على وجه اليقين، نزل القرآن الكريم في مكة المكرمة حيث ولد الرسول صلى عليه وسلم وواجه في نشره عنتًا، ثم حين هاجر للمدينة المنورة فرارا بدينه، استمرَّ نزول القرآن عليه، لذا اختلفت موضوعات القرآن الكريم التي نزلت في كل منهما، فقد كان إنكار الرسالة المحمَّديَّة في مكَّة عنيفا، وفي المدينة كانت جماعة المسلمين لها السيطرة والنفوذ ثم النصر.

أسئلة الرسول

كان المسلمون والمشركون واليهود يوجِّهون أسئلة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم طوال فترة الدعوة، ولذلك تجد عبارة (يسألونك) تتكرَّر في القرآن الكريم، وكانت آيات القرآن الكريم تتنزَّل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بالإجابات عن تلك الأسئلة مشفوعة بكلمة (قل)، ولتصدير الآيات بها مغزى لطيف يفهمه العربي بالسليقة، وهو توجيه الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وتعليمه ما ينبغي أن يقول، ولذلك ترى الحكمة واضحة جليَّة، من نزول القرآن الكريم منجّما، وليس دفعة واحدة.

من أسئلة المسلمين:

(يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِىَ مَوَٰقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ)سورة البقرة آية 189.

(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) سورة البقرة آية 215.

من أسئلة مشركي مكة التي وردت في القرآن الكريم:

يا محمد صف لنا ربك فنزلت عليه سورة الإخلاص(قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ * لَمۡ یَلِدۡ وَلَمۡ یُولَدۡ * وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ)

من أسئلة يهود المدينة المنورة وردّ القرآن عليها:

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) سورة الأعراف 187.

إنَّ هذا الكتاب (القرآن الكريم) المقدَّس عند المسلمين كان محلّ عنايتهم، فتطوَّر الخطّ العربي في ظل الحاجة لتدوين وحفظ القرآن الكريم، حتى صار الخط فنًّا متشعّبا له أبعاد جمالية، تكتب به الآيات لتزيِّن جدران المنازل لتذكِّر المؤمن بالله سبحانه وتعالى، والمصحف الشريف الوعاء الحامل للقرآن الكريم صارت له فنون تطورت من أجل أن يكون في أبهى حله، فنرى فنون : التجليد والزخرفة والتذهيب به متفرِّدة.
_______
*د.خالد عزب.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة