التنويريدراسات دينية

ثنائيَّة اللَّفظ والمعنى في الدرس البياني

تقديم :

صناعة المعنى واستمداد الدلالة من النصّ الشرعي،كان من أبرز المحاور التي اشتغل عليها  علماء أصول الفقه في عنايتهم بالتفسير والبيان.

 وهذا يدلُّ ويفسِّر أنَّ العناية بالمعنى،من مقدّماته  وشروطه  العمل على رصد دلالة الألفاظ في علاقته  بالمعاني من مختلف الزوايا والجهات، وهو ما جعل البحث في المعنى يشكِّل  قاسمًا مشتركًا في مدارسة اللغويين والأصوليين وعلماء المنطق.

 فالتحقُّق من اللفظ يجد سنده واعتباره في أنَّ اللغة في المنظور الأصولي هي الألفاظ المبيِّنة للمسميات، وهي المركبة للمعاني…[1] .

وهذا مشعر أن من أبرز المحاور المشيدة للمكون اللغوي في علم أصول الفقه،هو محور اللفظ في علاقته بالمعنى، وهذا المحور هو المنعوت  بمحور الدلالات، باعتبار أن الدلالة هي نسبة قائمة بين اللفظ للمعنى،أو هي العلاقة الجامعة والمتبادلة بين الألفاظ والمعاني في التركيب.

ـ مبحث اللفظ والمعنى في البيان العربي

إنَّ  مبحث اللفظ والمعنى من أهم وأبرز المباحث الحاضرة في العلوم البيانية  والدلالية العربية، وإن كانت المشاركة الأصولية مشاركة رائدة، ومساهمة حاضرة بتميُّز كبير وبخصوصية متميزة  ورائدة في التراث العربي الإسلامي….[2]..

ولهذا الحضور اعتباره العلمي  والسند –كما قال الدكتور طه عبد الرحمان- إنّ المباحث اللفظية من أهم  المداخل الأساسية، ومن المقدمات المنهجية التي بها  يمكن من معرفة مضامين النصوص وحمولتها الدلالية ومقاصدها اللغوية، وأساليب الاستدلال بها، فبدون معرفة قوانين اللغة وبمنطقها في العبارة ومعهودها في التخاطب، لا يمكن الوصول إلى   المضامين المحمولة  في النصوص الشرعية .

فالولوج إلى النص والدخول إلى معانيه طريقه وبدايته معرفة الألفاظ والتحقق من العبارات وتحصيل معانيها ووجوهها، وإدراك مقاصدها، وهذا  الدخول مشروع، بل هو واجب على مفسِّر النص بصفة عامة ما دام مفسرا النص  ممتلكا  وحاملا للآليات والشروط  الصانعة للفهم…”.[3].

ما يشعر بان السلطة الحاكمة لعلم أصول الفقه كانت للبحث اللغوي، وهو ما يحضر في أمهات كتب علم أصول الفقه.

بحيث إذا  نحن نظرنا إلى البحث الأصولي من الزاوية الابستمولوجية ..نجد أنه بحث في دلالة النص التي قوامها الاستقراء الواسع،والتتبع الدقيق  للعلاقات الجامعة والمتبادلة بين الألفاظ والمعاني في العلاقات المتبادلة بينها…[4].

ولا أدل على ذلك تصريح  إمام الحرمين الجويني 478ه  الذي قال في كتابه البرهان في أصول الفقه   عندما  صرح  قائلا”: اعلم أن معظم الكلام في الأصول يتعلق بالألفاظ والمعاني…”[5].

وهو المعنى الذي نجده عند الإمام الشاطبي ت790ه في كتابه الموافقات إذ صرح هو الأخر:”أن اغلب ما صنف في هذا العلم إنما هو في المطالب العربية…”[6]

من هنا كانت أغلب معظم المباحث في علم أصول الفقه هي مباحث وقضايا،اتجهت نحو جهة اللغة عامة، والتحقق من الدلالة اللفظية خاصة. “فالسلطة المرجعية في علم أصول الفقه هي للبحوث اللغوية، والمحور الرئيسي الذي ينتظم هذه البحوث هو علاقة اللفظ بالمعنى” ([7]). 

وهو ما جعل المادة اللغوية حاضرة بقوة في أبرز مدونات ومصنفات و كتب الأصول،لا سيما تلك الكتب التي تعد من قبيل الأمهات.

موقع النص في بناء العلوم الإسلاميَّة

 تبعا لموقع النص في بنية للعلوم الإسلامية، فما كان يحدو علماء الإسلام في هذا الاختيار هو أن مقصد البيان والفهم لكتاب الله يعد من أبرز المقاصد التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، وعملت على تأصيلها،وعلى إبلاغها وحملها في نصوصها وإيرادها في نقولها وشواهدها.

 بهذا الاعتبار نقول قد  تصدرت الإبانة والإفهام والبيان سلم الوظائف التي يؤديها الخطاب في مختلف المخاطبات والمحاورات،وفي أغلب النظم والمعارف التراثية ذات المنزع البياني.[8]

ومن الاعتبارات التي أملت على الأصوليين التعلق بالدلالة واشتغالهم بمباحثها هو أخذهم بهذا الاعتبار المبدئي واستنادهم إلى هذا التوجيه المنهجي،الكاشف في أن تفسير النص الشرعي يعد من أبرز الضرورات لتعلق البيان بالتكليف.[9]

فالناظر في كتب الأصول التي تعد من قبيل الأمهات، يجدها حاملة لعدد من المباحث التي لها صلة مباشرة  بمباحث اللغة، ومنها ما يتعلق بالجوانب الدلالية في النص القرءاني.

 وهذا مؤشر قوي ودليل واضح على أنه لا يمكن تقويم أو قراءة المنتوج العلمي والفكري لعلماء الإسلام  بمختلف تخصصاتهم ما لم يتم الاقتناع المبدئي،والتسليم العلمي بأن  إنتاجه العلمي  تفاعل مع كثير من العلوم  المسبق بأن الإنتاج المعرفي والعلمي في التراث الإسلامي يرجع في جزء من بنائه العام إلى مرجعية اللغة العربية وعلومها.

دراسات دلاليَّة

من الدراسات البيانية والدلالية:

-البحث النحوي عند الأصوليين: لمصطفى جمال الدين :دار الرشد:1980.

-التصور اللغوي عند الأصوليين للسيد احمد الغفار.دار المعرفة مصر 1981.

-دراسة المعنى عند الأصوليين طاهر سايمان حمودة .الدار الجامعية للطباعة والنشر”دت”

المجاز عند الأصوليين لرمضان يحيى .رسالة مرقونة بكلية الآداب وجدة المغرب السنة:1990.

-الأمر والنهي : القصد الأصلي والتبعي عند الإمام الشاطبي ت790ه للدكتور محمد المنتار.منشورات الرابطة المحمدية للعلماء :2013.

– أنظمة الدلالة في العربية لمحمد يونس، دار المدار الإسلامي، ط، 2-السنة : 2007    –

– أصول تراثية في نظرية الحقول الدلالية، د.أحمد عزوز  منشورات اتحاد الكتاب العرب  دمشق  السنة.

– الدلالات وأثرها في تفسير القرآن لمحمد سالم أبو عامي، دار علي للطباعة والنشر:  . .

– المستويات الدلالية في اللغة العربية (ظاهرة الترادف أنموذجا) لهاجر زاير بحث منشور ضمن المؤتمر الدولي الدلالة بين النظامي والعرفاني منوبة تونس 14-15 ابريل : :  2015.

– علم الدلالة في التراث العربي والدرس اللساني الحديث للدكتور إدريس بن خويا: عالم الكتاب الحديث الأردن:2016.

– الدلالة النحوية و أثرها في استثمار الأحكام   لعز الدين السليماني.رسالة جامعية مرقونة بكلية الآداب فاس السنة :2015


[1] -ابن حزم :الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم:3/38  -دار الكتب العلمية بيروت ط:1-السنة :1994.

[2] –  الدكتور محمد عابد الجابري بنية العقل العربي:  :103 -المركز الثقافي العربي بيروت ط:1:1987-

[3] – طه عبد الرحمان الحوار افقأ للفكر لطه عبد الرحمان:164  إصدار الشبكة العربية للأبحاث والنشر لبنان بيروت: 2014..

[4] – محمد عابد الجابري :بنية العقل  العربي:78

-[5] –  إمام الحرمين الجويني :البرهان   : 1/132.

[6] — الشاطبي : الموافقات    :4/117.

[7]— الدكتور محمد عابد  الجابري بنية العقل العربي:56                                                                                                                                                           

[8] – الدكتور محمد المالكي: دراسة الطبري للمعنى في تفسيره: ص: 22 منشورات وزارة الأوقاف المغربية99 19 .

[9] = الدكتور حمادي صمود  في نظرية الأدب عند العرب  : ص:46     النادي الأدبي الثقافي في جدة  السنة: 1990.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة