” لقد حاول الفن جولدنر كعالم اجتماع راديكالي واعٍ وبارز، أن يلمس جملة هذه القضايا في مؤلفه الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي وقد نجح في ذلك بامتياز. فقد سجل تأملاته في هذا الصدد خلال عقد السبعينيات، غير أن ملامح الأزمة التي بدأت في النصف الثاني من القرن العشرين، وسجل الفن جولدنر طبيعتها في السبعينيات استمرت تفرخ أزمات متوالية بصورة مستمرة، حتى انتهت الألفية الثانية، وقد اتسع نطاق الأزمات وساحتها، حتى ملأت فضاء العلم، وحينما جاءت الألفية الثالثة طرق علم الاجتماع أبوابها وهو يحمل أزماته على كاهله، ولقد كان ألفن جولدنر على حق حينما دق الأجراس بقوة في رجاء أن يستعيد علماء الاجتماع وعيهم ليتأملوا بهذا الوعي واقعهم وموقفهم، وأدوارهم في قلب هذا الموقف، ولينتقلوا بهذا التأمل لأعماله في مواجهة أزمات علمهم حتى يستعيد عافيته ليكون قادراً على تأمل وفهم ما يقع من أحداث وتفاعلات على ساحة نظامنا العالمي المعاصر بأصعدته العديدة “. (علي محمود أبو ليلة).
– تمهيد:
يعتبر ألفن جولدنر· رائداً من رواد الاتجاه النقدي السوسيولوجي المعاصر في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً في بداية العقد السابع من القرن العشرين المنصرم. فقد أبدى وعياً راديكالياً بدوره الأكاديمي والسياسي والثقافي في المجتمع. من خلال سعيه المتواصل للكشف عن النقائص والثغرات السائدة في علم الاجتماع المعاصر، لذا نجد أن معظم كتاباته قد وقعت على الحد الفاصل بين علم الاجتماع المعرفة والنظرية الاجتماعية.
عبّر جولدنر عن نظريته النقدية من خلال مؤلفه الشهير “ الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي “، الذي يعتبر من أهم المؤلفات في هذا المضمار، لأنه بمثابة ثورة حقيقة تهدف إلى تشخيص أزمة علم الاجتماع من خلال حصر التناقضات والصراعات التي يشهدها هذا العلم بغية تصحيح مساره، بالاعتماد على رؤية نقدية تسعى إلى إيجاد بديل نظري يتصف بالكفاءة والشمول مما يجعله قادراً على الإحاطة بكل عناصر الواقع الاجتماعي، وحتى يتمكن الباحثون السوسيولوجيون أيضاً من استخلاص الجوانب الراديكالية من علم الاجتماع، وتخليصه من الجوانب القهرية التي تعتري أنساقه النظرية، لتحقيق غاياته الإنسانية التي وُجِدَ من أجلها بدلاً من غاياته الاستغلالية التي تم تكريسها من خلال نظرياته التقليدية ذات الطابع المحافظ.
ولتحقيق رؤيته النقدية هذه، قام ألفن جولدنر من خلال كتابه ” الأزمة القادمة ” بتطوير مفهوم التأمل السوسيولوجي، الذي يقوم على التحرر من مخاطر الوعي الاجتماعي، وتنمية وعي ذاتي سوسيولوجي لدى المشتغلين بعلم الاجتماع. على اعتبار أن هذا التأمل حسب جولدنر قد أصبح مطلباً ملحاً بعد التطور الفكري الهائل الذي شهده علم الاجتماع المعاصر خلال العقود الماضية، فضلاً عن زيادة عدد المشتغلين بهذا العلم واتساع نطاق اهتماماتهم. بناءً على ما تقدم سنسعى من خلال هذه الدراسة إلى مناقشة ما يلي:
أولاً- التيارات الفكرية كمرجعية أولية للتنظير النقدي عند ألفن جولدنر: يمكن اعتبار النظرية النقدية لـ: رايت ميلز، والفترة التي ظهرت فيها بالتزامن مع تنامي قوة اليسار الجديد بين الأوساط المثقفة، قد ساهمت إلى حدٍ كبيرٍ في التأثير على طبيعة النتاج الفكري لمجموعة من علماء الاجتماع المعاصرين من بينهم (ألفن جولدنر)، الذين تبنوا وجهة النظر الراديكالية إما على المستوى الاجتماعي* أو على المستوى السوسيولوجي، سعياً منهم للخروج من الأزمة التي كان يعيشها المجتمع الرأسمالي المعاصر من خلال رفض الإيديولوجيات والنظريات المرتبطة به، بهذا المعنى يعتبر جولدنر رائدة من رواد المستوى النقدي السوسيولوجي على الإطلاق. أما عن التيار الآخر الذي ساهم في تكوين معالم التنظير النقدي عند جولدنر، فيمكن حصره بالدراسات النقدية المبكرة التي قام بها جولدنر بنفسه عن بعض آراء وقضايا النظرية الوظيفية. وفيما يلي سنقوم باستعراض تلك التيارات التي أثرت بشكلٍ أو بآخر على تكوين الراديكالية السوسيولوجية لدى جولدنر، وهي كالآتي:
1- انعكاس آراء رايت ميلز النقدية على النسق الفكري لجولدنر: عندما كان ميلز يكوّن اتجاهه النقدي المبكر، كانت في الوقت نفسه العوامل البنائية والتاريخية، التي أدت إلى ظهور الاتجاهات النقدية المعاصرة في طريقها إلى الاكتمال. ومن المحقق أن أفكار ميلز قد ساهمت مع هذه العوامل (البنائية والفكرية) وتفاعلت معها لتظهر اتجاهاً جديداً. حيث تبنى هذا الاتجاه حركة تجديد ونقد واسع النطاق لعلم الاجتماع المعاصر من أجل تغيير مساره المرتبط بمشكلة النظام، ومن أجل توسيع أهدافه لتصبح أهداف أكثر إنسانية، وليتخلص من كل أوجه القصور التي لحقت به من جراء ارتباطه الشديد بالإيديولوجية المحافظة([1]).
يعتبر رايت ميلز الأب المؤسس للاتجاه النقدي في علم الاجتماع سواء على مستوى النقد الاجتماعي أو النقد السوسيولوجي، لأنه استطاع بذكاء أن يجمع بين مستويي النقد السابقين.
وكما لاحظنا من خلال دراستنا للنظرية النقدية عند رايت ميلز، أنه قد أرجع أزمة علم الاجتماع الغربي إلى التصورات الخاطئة للعلم نفسه. فالمفهوم السوسيولوجي كما رأى، لا بد من أن يكون فكرة ذات مضمون امبيريقي، فإذا كان هذا المضمون أكبر من الفكرة تراجع علم الاجتماع وسقط في التيار الامبيريقي التجزيئي (ذو الطابع الميداني)، وإذا كانت الفكرة أوسع من المضمون الامبيريقي وقع علم الاجتماع في شرك عالم المجردات في النظريات الكبرى([2]).
سعى ميلز إلى ضرورة تحلي الباحث بمفهوم ” الخيال السوسيولوجي ” حتى يتسنى له إدراك أبعاد مشكلات المجتمع([3]). على اعتبار أن هذه الفكرة تمثل أحد الأدوات النظرية والتحليلية التي تشكل هذا الموقف النظري، لفهم مشكلات الإنسان المعاصر في إطار الكلية التاريخية، وذلك كرد فعل لأزمة الرؤية الكلاسيكية في الفكر السوسيولوجي الغربي([4]). ففكرة الخيال السوسيولوجي تكشف لنا عن وجهي النقد عند رايت ميلز، ونعني بذلك النقد السوسيولوجي والنقد الاجتماعي، وهي الأداة التي يجب أن يتوسل بها الباحث في نقده ورفضه لأساليب السيطرة والتحكم التي تضرب بجذورها بأعماق كل عناصر البناء الاجتماعي([5]).
تسعى فكرة ” الخيال السوسيولوجي ” إلى الربط بين مستويين من مستويات التحليل: مستوى المجتمع أو (البناء الاجتماعي) ومستوى الفرد، وذلك انطلاقاً من مسلمة أساسية مؤداها أن حياة الفرد أو تاريخ المجتمع لا يمكن فهم أي منهما دون فهم الآخر والعلاقة التي تربط بينهما، فإذا كان الأفراد لا يملكون القدرة على فهم العلاقة بين الإنسان والمجتمع، أو بين تاريخ الإنسان وتاريخ المجتمع، أو بين الذات والعالم المحيط بها، فإنهم بحاجة إلى مجموعة من المهارات العقلية التي تمكنهم من تكوين فكرة جلية لما يدور حولهم وما سوف يحدث لهم تأثراً بهذا العالم، هذه القدرة العقلية هي ما أطلق عليها رايت ميلز ” الخيال السوسيولوجي “. وهي قدرة ليست مطلوبة من الباحثين في علم الاجتماع فقط، وإنما يجب أن يمتلكها الصحفيون والدارسون والفنانون، وحتى عامة الناس([6]).
من خلال العرض السابق والمختصر لقدرة الخيال السوسيولوجي على فهم الواقع الاجتماعي يتضح لنا عدة حقائق على جانب كبير من الأهمية([7]):
أ- قدرة الخيال السوسيولوجي الواعدة كأداة نظرية ومنهجية، حيث تتمثل هذه القدرة في تفادي نقاط الضعف التي وقع فيها كل من المنظرين ذوي الميول التجريدية، والامبيريقيين ذوي الميول الإحصائية الخالية من أي مضمون حقيقي. ومن ثم القدرة على الدراسة التاريخية للواقع الاجتماعي وتصعيد التحليل السوسيولوجي عبر مستويات مختلفة فردية واجتماعية داخل البناء الاجتماعي، الأمر الذي يؤدي إلى الكشف عما ينتجه هذا البناء من مشكلات عامة تؤدي بدورها إلى مشكلات واضطرابات على المستوى الفرد.
ب- راديكالية مفهوم الخيال السوسيولوجي نفسه، وهي راديكالية تكشف عن نفسها سواءً في مستواها السوسيولوجي أو الاجتماعي وهو يثور على النظرية الكبرى وعلى النزعة الامبيريقية. فلا يمكن أن نبدأ بأي منهما. وإذا كان ميلز قد ركز على البناء التاريخي للمجتمع وعلى ما ينتج عنه من مظاهر سلوك الأفراد، فليس ذلك أننا يمكن أن نبدأ الدراسة من أي منهما، على العكس من ذلك يجب أن نحدد العلاقات بينهما فنكشف عن تأثير البناء الاجتماعي على السلوك الفري أو تأثير السلوك الفردي على البناء الاجتماعي. وينقلنا ذلك إلى ثنائية أخرى بين المشكلات العامة والمشكلات الخاصة. وإلى جانب هذه الراديكالية السوسيولوجية يكشف لنا مفهوم الخيال السوسيولوجي عن راديكالية اجتماعية، فهو يحدد للباحث أسلوباً في دراسة الواقع الاجتماعي ونقده. وكرد فعل على ما سبق ترغم ألفن جولدنر الاتجاه النقدي السوسيولوجي، حيث قاد جولدنر حركة تجديد ونقد للتراث السوسيولوجي من خلال نظريته النقدية (التي سنحاول دراستها فيما بعد)، في سعي دؤوب منه نحو التوصل إلى بديل نظري يكون له من الكفاءة والشمول مما يجعله قادراً على الإحاطة بكل عناصر الواقع الاجتماعي وصفاً وتفسيراً.
وعلى الرغم من التأثير العام الذي مارسه رايت ميلز بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على ألفن جولدنر، إلا أن الأخير يتجاهله تماماً. ويمكن أن نرجع هذا التجاهل لآراء ميلز إلى أن آراء ميلز نفسها لم يكتب لها الذيوع والانتشار، أو لم تتضح أهميتها إلا في أواخر الستينيات في نفس الوقت الذي كان به جولدنر يكمل أعماله([8]).
2- الإرهاصات النقدية في أعمال جولدنر المبكرة: إن الفهم الصحيح الذي كان يمتلكه جولدنر حول النظرية الوظيفية المتربعة على عرش علم الاجتماع الغربي، والتي كان ينتمي إليها سابقاً ساعده هذا الفهم على توجيه سهام النقد الحاد لهذه النظرية من خلال دراساته النقدية لها، حيث كانت تعاني من عجز وعدم قدرة على مواكبة التطور الذي أحدثته دولة الرفاه وما نتج عنها من مشكلات وأزمات.
وتعتبر الدراسات النقدية المبكر التي أجراها جولدنر حول النظرية الوظيفية، قبل إصداره لكتابه الشهير “الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي“([9])عام 1970، في غاية الأهمية للاعتبارين التاليين:
أ- إنها خطوة نقدية أولية تنبئ بولادة عالم اجتماع نقدي فز على مستوى الراديكالية السوسيولوجية في بداية النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم.
ب- إنها أحد العوامل المحرضة التي ساعدت على كشف الجوانب التقدمية التي تعتبر بمثابة القنوات الأولى، التي أدت بجولدنر إلى راديكالية الأزمة القادمة. فالدراسات النقدية المبكرة، والنتائج التي ترتبت عن أحداث التمرد والعنف عام 1968 أفضت بدورها إلى بروز تحديات فكرية وبنائية إلى الساحة الأكاديمية عجزت عن حلها كلاسيكيات علم الاجتماع الغربي، يمكن لنا النظر إليها باعتبارها المحرضات التي فجرت بداخل ألفن جولدنر كل الطاقات الراديكالية التي ظهرت في كتابه “الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي“. فقد توقع جون رودز بأن تحليلات جولدنر في هذا العمل سوف تؤثر على تطور النظرية السوسيولوجية مستقبلاً([10]). وتكشف لنا الأعمال المبكرة لجولدنر أنه كان ينتمي إلى الاتجاه البنائي الوظيفي، حيث كان مهتماً بدراسة أنماط البيروقراطية الصناعية([11]). غير أن جولدنر ما لبث أن بدل توجهاته الفكرية فبدأ يوجه النقد للاتجاه الوظيفي الذي ينتمي إليه في بداية حياته العلمية، وقبل أن ينتهي العقد السادس من القرن العشرين المنصرم كتب جولدنر مجموعة من الأعمال المبكرة ينتقد فيها الكثير من آرائه الوظيفية([12]).
ظهر هذا النقد في مقالين نشرهما عام 1959، المقال الأول بعنوان ” التحليل التنظيمي“([13])، الذي ميز فيه بين نمطين من التحليل: الأول نمط الرشيد وتعبر عنه نظرية فيبر الكلاسيكية، أما الثاني فهو نمط النسق الطبيعي، الذي يسعى إلى التعرف على كيفية تدعيم التنظيمات لنفسها وضمان بقائها. وذهب جولدنر إلى أن نموذج النسق قاصر إلى حد كبير، لأنه يقلل من أهمية السلوك الرشيد في التنظيمات، كما أنه لا يسمح بدارسة طريقة تأثير الأفراد في التنظيم بالإضافة إلى تأكيده (أي النسق) على التكامل دون تفسير الفروق بين التنظيمات فيما يتعلق بهذا التكامل، ودون الاهتمام بالاختلاف الذي قد ينشأ حول أهداف التنظيم، أو تعارض مع الأهداف المجتمعية. فمن الواضح أن هذا الرأي يكشف عن تخلي جولدنر عن فكرة الضبط والتكامل التي اهتم بها في دراساته المبكرة([14]).
أما المقال الثاني فقد دعم فيه جولدنر آراءه التقدمية، حين انتقد الوظيفية لإغرائها الشديد في الاهتمام بعلاقات الاعتماد المتبادل بين الأجزاء ذلك الاعتماد الذي يكسب النسق توازناً ومحافظة على ذاته ويجعله يتغير في أضيق الحدود، على الرغم من أن مفهوم التوازن نفسه يختلف عن مفهوم الاعتماد المتبادل. ناقش جولدنر التناقض الذي يمكن أن يحدث بين الاستقلال الوظيفي والاعتماد المتبادل بين الأجراء، فإذا كان النسق يكشف عن علاقات متبادلة بين أجرائه، فإنه يكشف في ذات الوقت عن استقلال نسبي بين أجزائه، حيث نجد أن كل جزء قد يرتبط بجزء آخر من أجزاء النسق، وليس بأجزاء النسق كلها. وهكذا يمكن رؤية الاعتماد المتبادل لا من خلال العلاقة بين الأجزاء، ولكن من خلال درجة استقلال الأجزاء عن النسق. بناءً على ذلك يمكن القول بأنه كلما زاد الاعتماد المتبادل بين الأجراء، قل الاستقلال الوظيفي، والعكس إذا انخفضت درجة هذا الاعتماد([15]).
اعتقد جولدنر أن إهمال الوظيفيون لقضية الاستقلال الوظيفي داخل النسق، يتيح لنقاد اتجاههم فرصة التركيز على تحليل التوترات داخل النسق، وكذلك تحليل التغير الاجتماعي. فالأجزاء التي تحقق درجة من الاستقلال سوف تقاوم التكامل الكلي داخل النسق الأكبر، كما أن النسق ذاته قد يخبر انقساماً بين أجزائه في ضوء متطلبات المكانة التي تحتلها أجزاؤه. هكذا ينشأ توتر بين الجزء الذي يرغب في تحقيق الاستقلال، وبين النسق الذي يرغب في ممارسة الضبط والرقابة على الجزء. هذا فضلاً عن أن أجزاء النسق التي تحقق قدراً من الاستقلال الوظيفي تمتلك إمكانيات توليد أنماط من التغير استجابةً للتوترات والصراعات التي يخبرها النسق. وعلى الرغم من أن مفهوم الاستقلال الوظيفي الذي طرحه جولدنر في هذا المقال يعد مفهوماً وظيفياً بامتياز، إلا أنه استطاع أن يستخدمه في نقد الوظيفية وفضلاً عن أنه نجح في أن يقنعنا بأن للمفهوم قدرة تحليلية تنقلنا عبر مستويات مختلفة، وتتفادى بعض أوجه القصور التي وقع فيها التحليل الوظيفي الشمولي بشكل عام([16]).
لذا يمكن اعتبار مقال جولدنر الثاني حول (الاعتماد المتبادل والاستقلال الوظيفي) نقطة تحول هامة في منهجية تفكيره، لأن النقد الذي جاء في هذا المقال أكثر جدة ودقة من نظيره السابق حول “التحليل التنظيمي“، ونتيجةً لذلك يمكن القول بأن جولدنر قد تحول تحولاً جذرياً عن مسار الاتجاه الوظيفي عام 1959، حيث أدى به هذا التحول إلى تأسيس راديكالية سوسيولوجية عارمة، في كتابه الشهير ” الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي ” عام 1970.
بناءً على ما سبق سوف نتساءل، ما هو الاتجاه الفكري الذي تبناه ألفن جولدنر في فترة الستينيات من القرن العشرين المنصرم على اعتبار أن هذه الفترة هي فترة حاسمة بين المرحلة الأولى والمرحلة الثانية من مراحل تفكيره؟ يمكن القول بأن النتاج الفكري لجولدنر في فترة الستينيات قد تميز بخاصيتين على جانب كبير من الأهمية:
1- تميز نتاجه الفكري بأنه نتاج نظري ونقدي خالص، اتجه نحو إثارة بعض القضايا النقدية وطرح بعض الأفكار ولكنها لم تصل أبداً إلى حد النظرية النقدية المكتملة.
2- يمكن اعتبار القضايا والأفكار التي ناقشها ألفن جولدنر في هذه الفترة ترتبط ارتباطاً كبيراً بالقضايا التي ظهرت في كتابه ” الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي ” الأمر الذي يؤكد ما نذهب إليه هنا من أن هذه الإرهاصات النقدية كانت الأساس الذي كوّن عليه ألفن جولدنر نظريته النقدية فيما بعد([17]). بمعنى أن الهياج النقدي الذي تملك جولدنر في هذه الفترة، أدى فيما بعد أي في فترة إصداره لكتابه ” الأزمة القادمة “، إلى شنن هجوم عنيف ضد وظيفية عالم الاجتماع الأمريكي تالكوت بارسونز بشكل خاص، وعلم الاجتماع الأمريكي بشكل عام. فاتهم به وظيفية بارسونز التي تركز على الأهمية المعيارية والأخلاقية والتوافق بين آراء أفراد المجتمع لضمان استقرار وتوازن النظام الاجتماعي دون التركيز على عمليات التغير التي تحدث داخل البناء الاجتماعي، بناءً عليه وصف جولدنر الاتجاه الوظيفي بأنه عقيدة محافظة ذات مصالح سياسية([18]). فمن الأفضل لهذا الاتجاه إذا أراد تجنب أي نقد برأي جولدنر أن تكون افتراضاته النظرية أكثر واضحاً واتساقاً مع معطيات الواقع الاجتماعي الأمريكي([19]).
ثانياً- النظرية النقدية عند ألفن جولدنر: سنحاول من خلال هذا العنصر تحديد الأفكار النقدية عند جولدنر، التي ستشكل بمجملها المقولات والقضايا النظرية التي اعتمد عليها جولدنر في إخراج مشروعه النقدي السوسيولوجي إلى حيز الواقع الأكاديمي، لمعرفة الآلية التي يعتمد عليها علماء الاجتماع المعاصرون في تكوين نظرياتهم الاجتماعية من جهة، ولتوجه دفة البحث المعرفي في مجال النظرية الاجتماعية من جهة أخرى، وهي كالآتي:
1- دور الافتراضات الضمنية في توجيه مسلمات النظرية: من الحقائق الثابتة التي تتعلق بالنظرية الاجتماعية، بأنها بناء يتكون من مجموعة من القضايا التي تتسق فيما بينها اتساقاً منطقياً لتشكل تصوراً للواقع الاجتماعي([20]). أو أنها مجموعة مفاهيم مترابطة بشكل متناسق، مكونة قضايا نظرية تهتم بشرح قوانين ظاهرة اجتماعية معينة تمت ملاحظتها بشكل منتظم([21]). على هذا النحو يشكل بناء النظرية الذي ندركه كقمة جبل الثلج العائم، ذلك لأن هناك مجموعة من المكونات النظرية التي تشكل جوانب خافية من بنية النظرية. بحيث إننا لا نرى منها سوى النسق النظري الذي نعمل وفق قضاياه، إن كان وصفاً أو تحليلاً أو تفسيراً بيد أننا إذا تأملنا الأمر فسوف نجد أن هذا النسق يستند على كم هائل من الافتراضات التي تتغلغل في قضايا النسق النظري، وتتشبع بها قضاياه([22]).
بناءً عليه، يمكن القول إن النظريات الاجتماعية التي صيغت بشكل إرادي، تحتوى على عنصرين متميزين على الأقل. ويتمثل العنصر الأول في الافتراضات المصاغة بشكل صورة صريحة، والتي يمكن أن نسميها “المسلمات النظرية” Postulates of the theory ، أما العنصر الثاني فإنه يتمثل بالافتراضات غير المحددة أو مسلم بها، وسوف نطلق عليها اسم “الافتراضات الضمنية“Background Assumptions ، لأنها تقدم الخلفية أو الإطار الذي تنبثق عنه جزئياً المسلمات، كما أنه لا يمكن صياغتها بشكلٍ صريح، وذلك لأنها تبقى في خلفية Background انتباه المنظر([23])، أو بالأصح في لا وعيه من هنا فإذا كان العنصر الأول المتمثل بالمسلمات النظرية يشغل محور انتباه المنظر ووعيه، فإن الافتراضات الضمنية تظل غير محددة المعالم في اللاوعي، غير أن هناك علاقة عضوية بين نوعي الافتراضات، وإن كانت الافتراضات الضمنية التي لها الأولوية في تشكيل المسلمات النظرية([24])، نجد أن المسلمات النظرية الصريحة تستدعي الانتباه المركز، بينما نجد أن الافتراضات الضمنية تشكل جزءاً مما يسميه ” ميشيل بولاني ” الانتباه الثانوي للمنظر. وفي الغالب توجد الافتراضات الضمنية متضمنة عادةً في مسلمات المنظر. حيث تؤدي دورها من خلالها وإلى جوارها حيثما كانت، فهي في العادة الرفيق الصامت لها في المشروع النظري. وتقدم الافتراضات الضمنية بعض الأسس الانتقائية([25]).
أي الاهتمام والتركيز على موضوعات معينة دون أخرى. حيث نجد أن النظريات المختلفة قد تختلف من حيث طبيعة الجوانب التي تركز عليها في بناء المجتمع أو الموضوعات، أو الظواهر التي ينبغي أن نتعرض لها بالبحث أو الدراسة. فتأكيد ماركس على دراسة المتغيرات الاقتصادية وفائض القيمة كأساس للنمو الاقتصادي، يتناقض وتأكيد ماكس فيبر على المتغير الديني والقيم البروتستانتية كأساس لنمو الرأسمالية المعاصرة، ويرجع ذلك إلى تباين الافتراضات الضمنية عند كل منهما بحيث جعلته يركز على مكونات أو عناصر معينة في بناء المجتمع دون أخرى([26]).
بذلك تقدم الافتراضات الضمنية – حسب جولدنر- الروابط الخفية التي تصل المسلمات ببعضها البعض([27])، بمعنى آخر تؤثر هذه الافتراضات على تماسك مسلمات النظرية، وإذا كان شرطاً من شروط النظرية أن لا يتناقض قضاياها مع بعضها البعض فإن ذلك يرجع إلى تصور وجود هذا التناقض غير ممكن لأن كل المسلمات تنطلق من خلفية واحدة أو من إطار واحد يجعلها تشترك في اتجاه واحد متكامل لكي تشكل وجهة نظر واحدة. فالافتراضات الكامنة بناءً على ما تقدم تؤثر منذ البداية وحتى النهاية على صياغة النظرية من حيث تحديد القضايا التي تشكل بناء النظرية، ثم على أسلوب تجريد هذه القضايا حتى تصبح صالحة لتشكيل بنية النظرية، ثم على اختبار هذه القضايا حتى تصبح على درجة عالية من الثقة في هذه النظرية، وعلى طبيعة العلاقة بين النظرية والواقع أو المجتمع. إلى جانب ذلك تحدد الافتراضات الضمنية طبيعة أداء الباحثين الذين توجههم النظرية خلال المراحل المختلفة للاستعانة بعمليات الوصف والتحليل والتفسير، وما هي المتغيرات التي يوليها الباحثون أهمية وأولوية على متغيرات أخرى([28]).
وتؤثر الافتراضات الضمنية أيضاً على الدور الاجتماعي للنظرية. حيث تؤثر على استجابات هؤلاء الذين يتواصلون من خلالها. وإلى حد ما تقبل النظريات أو ترفض استناداً إلى الافتراضات المتضمنة بها. فمن المحتمل أن يوافق على النظرية هؤلاء الذين يشتركون بصفة خاصة في الاعتقاد في افتراضاتها الكامنة، لكونهم يجعلونها مقبولة بالنسبة لهم. وبالإضافة إلى الدلالات المحددة للنظريات الاجتماعية والمفاهيم المكونة لها. فإن هذه النظريات تحتوي على شحنة من المعاني الفائضة والمشتقة جزئياً من افتراضاتها الضمنية حيث يمكن أن تعكس هذه المعاني الفائضة بصورة ملائمة الافتراضات الضمنية التي تتسق معها لدى هؤلاء الذين يسمعون بها، أو أنها قد تشكل نوعاً من التنافر المؤثر من قبلهم([29]).
وهذا يعني، أن الافتراضات الضمنية تتباين بين الذين يناصرون النظرية الماركسية مع الذين يناصرون النظرية البنائية الوظيفية، حيث يرفض كل فريق النظرية الأخرى لأن معانيها تتناقض مع المعاني التي تعكسها افتراضاتهم الضمنية([30]).
يعتبر الالتزام بنظرية اجتماعية معينة عملية في غاية التعقيد، لأنها مختلفة تماماً عما هو مفترض حسب قواعد المنهج العلمي. إذ يدرك المنهج العلمي عملية الالتزام بالنظرية أو التخلي عن هذا الالتزام بالنظر إلى اعتبارات فكرية رشيدة إلى حد كبير. حيث تؤكد هذه الاعتبارات عملية الرفض أو القبول تكون محكومة بالفحص المعتمد والتقدير الرشيد للمنطق الصوري للنظرية، وكذلك للأدلة التي تؤيدها. فإذا أقنع علماء الاجتماع أنفسهم بوجهة النظر المحدودة هذه، فإن ذلك سيكون شاهداً على استعدادهم لتفسير سلوكهم بأسلوب مختلف جذرياً عن الأسلوب الذي يفسرون به سلوك الآخرين. وهي بذلك تشهد على استعدادنا لتفسير سلوكنا كما لو كان يتشكل فقط بالتكيف مع أخلاقيات المنهج العلمي([31]). بغض النظر عن قيمتنا وذواتنا وخبراتنا التي بداخلنا والتي نحصل عليها نتيجة لتفاعل اجتماعي طويل له بعدّه الزماني والتاريخي([32]).
كما يتمثل أحد أسباب الاقتناع بالنظرية في مدى تطابق أو تناسب هذه الأسباب مع الافتراضات الضمنية التي يعتقد بها المنظر. في هذا الإطار نشعر أن النظرية مقنعة بديهياً حينما نستخدمها باعتبارها شيئاً معرفاً أو نعتقد بأننا نعرفه قبل ذلك، فتصبح النظرية من خلال المنطلق السابق ملائمة لأنها تؤكد افتراضاً يعتقد فيه من يقتنع بالنظرية. غير أنه افتراض غير واضح بالنسبة له لكونه بالتحديد افتراضاً ضمنياً([33]). في هذا الإطار نجد أن النظرية أو المفهوم المقنع بصورة بديهية، هي تلك النظرية التي تجعل المنظر “حساساً” كما يفترض هربرت بلومر. وهي لا تجعله حساساً فقط لجزء في العالم الخارجي، ولكنه حساس كذلك لجزء من عالمه الداخلي مازال غامضاً حتى الآن. ويمكن القول بأن قدراً كبيراً مما يعتبر الآن نظرية اجتماعية معروف لهذه الاعتبارات أو الأسباب([34]).
وفي الغالب نجد أن الافتراضات الضمنية تتكون من أحجام مختلفة وهي تتحكم في مجالات من مساحات مختلفة، استناداً إلى ما سبق يمكن بذلك ترتيب الافتراضات الضمنية على شكل مخروطي مقلوب، يرتكز على قمته المدببة، حيث نجد في أعلى هذا الشكل الافتراضات الضمنية عند المحيط الأكثر اتساعاً. فليس هناك مجال محدد تنطبق عليه أو تناسبه الافتراضات وإنما هي تناسب كل المجالات، وفي العادة تتكون هذه الافتراضات من المعتقدات العامة للغاية المتعلقة بالعالم الذي نعيش فيه والتي يمكن أن تنطبق من حيث المبدأ على أي موضوع دون تحديد، فهي كما يسميها ستيفان بيبر افتراضات عالمية لكونها افتراضات مبدئية أو قبلية عن العالم وكل شيء في داخله، فإنها تؤدي دورها باعتبارها أكثر التوجهات عمومية، فهي التوجهات التي تجعل الخبرات غير المألوفة ذات معنى لكونها تقدم تفسيراً أو تبريراً لها([35]).
بالإضافة إلى ذلك فهي تقدم الحدود المرجعية التي تتحدد بواسطتها الافتراضات الأقل عمومية. والتي تقع أسفل الشكل المخروطي المقلوب. وتتكون ” الفروض العالمية ” من أكثر المعتقدات أولية وانتشاراً، تلك المتعلقة بما هو واقعي. فهي قد تتضمن على سبيل المثال الميل للاعتقاد بأن العالم والأشياء المتضمنة فيه بصفته يشكل عالماً واحداً ومتعدداً في ذات الوقت. أو أنها قد تتضمن من ناحية أخرى الاستعداد للاعتقاد بأن العالم في الحقيقة على درجة عالية من التماسك والتكامل (بغض النظر عن كونه عالماً واحداً أو متعدداً)، أو أنه عالم متناثر وضعيف الارتباط بعضه ببعض. وتسمى الفروض العالمية بالميتافيزيقية في بعض الأحيان([36]).
هنا يمكنطرح تساؤلين رئيسيين فيما يتعلق بدور الافتراضات الضمنية بالنسبة للعلم الاجتماعي أو في إطاره، سواء كانت هذه الفروض ذات طبيعة عالمية شاملة أو أنها تقتصر على مجال بعينه ويدور السؤال الأول: حول مدى أهمية أو ضرورة أن يستند العلم الاجتماعي – لأسباب منطقية – بدرجة لا مفر منها إلى بعض الافتراضات الضمنية، سؤال يشكل قضية مهمة بالنسبة للمناطقة أو فلاسفة العلم، فهو من الموضوعات التي تعالج ضمن اهتمام فلسفة العلم أو علم الاجتماع المعرفة. أما السؤال الثاني وهو الذي نهتم به الآن يتعلق، بمدى استعداد العلماء الاجتماعيين إلى إلزام أنفسهم ببعض الافتراضات الضمنية فيما يتعلق بالإنسان والمجتمع، وهي الافتراضات التي لها تأثير ونتائج وذات دلالة بالنسبة لنظرياتهم وفي هذا الإطار يمكن لقول بأن أداء علماء الاجتماع يتأثر مثلما يتأثر أداء الآخرين بمجموعة من المعتقدات النظرية الفرعية، وهو ما نقصده بالافتراضات الضمنية أعني المعتقدات المتعلقة بكل أعضاء المجالات المختلفة التي تتشكل تشكلاً رمزياً. ذلك يعني أن علماء الاجتماع يستخدمون الافتراضات الضمنية وهم كذلك يتأثرون بها بحيث يمكن اعتبار ذلك موضوعاً امبيريقياً يمكن لعلماء الاجتماع دراسته وإثبات صدقه([37]).
تتميز الطبيعة الأساسية للافتراضات الضمنية، بأنها لم تختار أصـلاً لأسباب أدائية Instrumental، أي بالأسلوب الذي قد يختار به الباحث للدالة الإحصائية أو يحدد مجموعة من الأسئلة التي يقصد بها جمع معطيات معينة إذ لا تُختار هذه الافتراضات ولكنها تفرض نفسها من داخلنا على اختياراتنا وممارستنا النظرية. فهي مستوعبة Internalized بداخلنا قبل عمر الإدراك العقلي بوقت طويل، فهي تعتبر أدوات إدراكية محملة بشحنة عاطفية تطورت مبكراً من خلال عملية التنشئة الاجتماعية في ثقافة معينة وترسخت بعمق في بنائنا الأخلاقي ومن ثم قابلة للتغير ارتباطاً بالتغيرات التي تطرأ على الشكل أو الطابع الاجتماعي العام. ومن ثم فهي تختلف ارتباطاً بالتغيرات التي تطرأ على ممارسات وخبرات التنشئة الاجتماعية، وهي قابلة للاختلاف باختلاف العمر وجماعات الرفاق([38]).
وفي محاولة للتعرف على الروافد والمصادر الرئيسية التي تتغذى منها الافتراضات الضمنية، فإننا نجد أنه لدنيا مصادر عديدة، تصدر عنها بعض من هذه الافتراضات أو التصورات غير أننا نجد أنفسنا بالنهاية أمام مجموعة من الافتراضات الكامنة، التي تبلورت في داخل اللا وعي الإنساني نتيجة لتفاعل هذه المصادر جميعها. وهي في وجودها وفاعليتها مثل ذلك وجود الرواسب عند باريتو. فهي قوة عاطفية توجه الاختبارات النظرية للإنسان من الداخل. وفي العادة نجد أن الافتراضات الضمنية تغطي الجوانب المختلفة للمجتمع أو العالم الذي نعيش فيه أننا إذا تبنينا مجموعة من الأفكار فيما يتعلق بجانب معين من جوانب الحياة، فسوف نجد أن هذا التبني كان إلى حد كبير تحت تأثير الافتراضات الضمنية التي تجذرت في عمق الذات البشرية ومن الطبيعي أنه إذا حدث تغير في طبيعة مصادر هذه الافتراضات الضمنية، فإن هذه الافتراضات سوف تتغير أيضاً، وكذلك سوف تتغير معها الاختيارات النظرية التي استندت إلى هذه الافتراضات الضمنية([39]).
ونستطيع فيما يلي أن نحدد المصادر الأساسية التي يستقي منها الفرد افتراضاته الكامنة([40]):
أ- التراث الثقافي والاجتماعي للمجتمع أحد المصادر الرئيسية للافتراضات الكامنة. ومن الطبيعي أن يضم هذا التراث بداخله (الدين والأخلاق الاجتماعية) التي تراكمت عبر التاريخ الطويل للمجتمع، كذلك الخبرات التي مر بها المجتمع، والتي تبلورت من خلال التفاعلات الاجتماعية الكائنة به، أو من خلال العلاقة السائدة بينه وبين المجتمعات الأخرى. ويكون هذا الإرث الثقافي خبرة أو تجربة تاريخية تحدد نظرة المجتمع، ومن ثم أعضاؤه المكونين له، وإلى كل عناصر أو مكونات المحيط الاجتماعي. فهي تحدد نظرة المجتمع إلى الكون، منشأه ومنتهاه، وإلى العالم الآخر وطبيعة القوى المختلفة التي تنتمي إليه و تلعب دوراً فاعلاً في إطاره ثم تحدد مكانة المجتمع في هذا الكون الشامل، ومكانة الإنسان في المجتمع والكون ومدى خضوعه للمجتمع وقوانينه أم مدى قدرته على تأسيس التفاعل الاجتماعي وضبط إيقاعه. لذا نجد أن الكثير من الافتراضات الضمنية التي تنتمي إلى هذا التراث هي التي تشكل توجهات الإنسان إلى الآخر، وأيضاً تحدد طبيعة الاختيارات النظرية التي يؤسسها الباحثون في هذا المجتمع. مثال ذلك تأثير التراث الأوروبي (الخبرة الأوروبية والدين المسيحي وعصور الانحطاط والتنوير) على تحديد طبيعة النماذج النظرية التي ظهرت في أوروبا. كذلك لا نستطيع إنكار تأثير المسألة اليهودية على تحديد موقف ماركس من الدين. ولا نستطيع أيضاً إنكار تأثير المحارق اليهودية (أوشفيتز) على اختيارات المفكرين اليهود (معظم رواد مدرسة فرانكفورت النقدية) لفكر النقد الاجتماعي والعمل على الجمع بين النظرية الماركسية من ناحية و الفكر السوسيولوجي البرجوازي من ناحية أخرى.
ب- السياق الاجتماعي أحد المصادر المهمة للافتراضات الضمنية، ونقصد بالسياق الاجتماعي مجموعة الأطر الاجتماعية التي يعيش في إطارها الفرد، وحيث يتفاعل من خلالها مع الآخرين، ويتأثر بالتفاعل الحادث بها، بل ويستدعيها بصورة متجددة ومتتابعة خلال مراحل حياته المختلفة ويعتبر المجتمع بكامله سياقاً اجتماعياً شاملاً يطبع الفرد بطابعه. وإذا كان الباحثون في العلم والعلم الاجتماعي على وجه الخصوص هم أعضاء في المجتمع قبل أن يكونوا أعضاء في الجماعة العلمية، فإنه من الطبيعي أن تتشكل لديهم بعض الافتراضات الضمنية التي تنتقل إليهم عادة مما يحدث في السياق الاجتماعي ومن ثم تشكل وجهة نظرهم في الاختيارات النظرية. مثال ذلك: البلدان المتخلفة التي تعرضت للاحتلال من قبل المستعمِر، وحصلت على استقلالها الوطني فيما بعد. نجد أن هذه البلدان قد تكوّن لديها مجموعة من الباحثين في علم الاجتماع الذين لديهم في معظم الأحيان ميول قوية لتبني الأطر النظرية (الراديكالية أو النقد الاجتماعي) التي تدافع عن واقعهم وتفضح عملية الاستغلال.
ج- الخبرات الحياتية التي يحملها الإنسان بداخله، ذلك لأن الإنسان يشارك في التفاعل الاجتماعي وتتشكل به. من خلال هذا التفاعل تتشكل لديه وجهة نظر فيما يتعلق بالتفاعل أو العمليات القاعدية في المجتمع. مثال ذلك: هل التعاون هو الذي يشكل العملية الرئيسية التي تصبغ بلونها التفاعل والعلاقات الاجتماعية السائدة بين أفراد المجتمع، أم أن الصراع هو العملية الرئيسية التي تشكل قاعدة المجتمع، هل البشر خيرون بطبيعتهم، أم أن حالة الشر هي حالة استثنائية طارئة لا تشكل عنصراً أصيلاً في الإنسان، هل البشر شريرون بطبيعتهم، ومن ثم فهم يحتاجون إلى قدر هائل من القواعد والقوانين والقيود التي تنظم سلوكياتهم حتى يستطيعون التعايش مع بعضهم البعض. حيث نجد أن هذه القناعات أو المعتقدات تتسرب داخل الإنسان (بدون وعي وتستقر في منطقة اللا شعور) لتشكل افتراضات ضمنية تشكل وجهة نظر البشر في الحياة، بل واختياراتهم النظرية إن كانوا أعضاء في الجماعة العلمية لعام الاجتماع.
د- مجموعة المتغيرات التي يمكن أن تؤسس سياقات فرعية تعتبر بدورها مصدراً لعديد من الافتراضات الضمنية من هذه المتغيرات متغير النوع، حيث ينقسم البشر إلى ذكور وإناث، فإذا كان المجتمع تقليدياً ويميز بين الذكور والإناث وتتحيز الثقافة والقيم لنوع على حساب الآخر، وكذلك تتميز الممارسات الاجتماعية نحو كل منهما. فإنه من المنطقي أن يكون لجماعة النوع كسياق اجتماعي (المرأة مثلاً في المجتمع التقليدي) مجموعة من الافتراضات الضمنية تشكل وجهة نظرها، حتى في اختياراتها النظرية إن كانت عضواً في الجماعة العلمية على سبيل المثال. كذلك التباين بين الريف والمدينة يؤدي إلى أن ينشأ الفرد في سياق يختلف عن الآخر، ومن المتوقع أن يزوده سياقه الاجتماعي ببعض العواطف أو الافتراضات الضمنية التي تشكل أساساً لاختياراتهم الاجتماعية والثقافية والفكرية، ويصبح لهذا التباين تأثيره الواضح كلما كان التباين واضحاً بين الريف والمدينة([41]).
وهكذا تلعب الافتراضات الضمنية دوراً أساسياً في توجيه النتاج المعرفي والعلمي لعلماء الاجتماع، لأنها تقدم “رأس المال” العقلي الموروث الذي وهب به المنظر منذ وقت طويل قبل أن يصبح منظراً، وهو رأس المال الذي يستثمره بالنهاية في أدواره العلمية والعقلية، دامجاً إياه بتدريبه المهني، ونظراً لأن الافتراضات ذات طبيعة نظرية ثانوية*، خافية في اللا وعي، فإننا نجدها تمنح النظريات القائمة ادعاءاتها، وقوتها ومداها إلى جانب أنها تحدد مواضع اهتمامها، وتركيزها وكذلك تؤسس نطاق حركتها من أجل التطور المثمر، ومع ذلك فقد تتجه الافتراضات الضمنية عند مواضع معينة لكي تلعب دورها في نطاق ظروف جديدة، غير ملاءمة علمياً واجتماعياً مع هذه الافتراضات، مما يؤدي إلى خلق تنافر مرهق للمنظر، بحيث إن الافتراضات الضمنية ستشكل حينئذ الحدود التي تمنع أو تعوق تطور أبعاد النظرية، وعند حدوث ذلك فإننا لا نكون بحاجة فقط إلى تصحيح فني صغير، ولكننا نكون بالأخرى على وشك حدوث تحول عقلي جذري وأساسي. ومرة أخرى قد يظهر جيل جديد وافتراضات ضمنية جديدة. افتراضات لا تعكسها بصورة ملائمة النظريات القائمة والمستندة إلى الافتراضات القديمة، والتي يشعر جيل الشباب بخطئها وعبثيتها. وحينئذ يمكننا القول بأن النظرية والنظام العقلي الذي يستند إليها- أي إلى هذه الافتراضات القديمة – على شفا أزمة([42]).
2- افتراضات المجال وارتباطها العضوي بالافتراضات الضمنية: تعتبر افتراضات المجال حالات خاصة من الافتراضات الضمنية، فهي التي تقدم الأبعاد المرجعية التي تتحدد أو تتأثر بها الافتراضات الأقل عمومية، أي التي تقع أسفل الشكل المخروطي المقلوب([43]). بذلك تصبح الافتراضات الضمنية المحدودة التطبيق، والتي يقتصر تطبيقها على الإنسان والمجتمع، هي الافتراضات التي يمكن أن نسميها “بافتراضات المجال” Domain Assumption. بمعنى آخر، يُنظر إلى افتراضات المجال نفسها على أنها الافتراضات الضمنية حينما يقتصر تطبيقها على أعضاء مجال واحد فقط، فعلى سبيل المثال يمكن أن تتضمن افتراضات المجال فيما يتعلق بالإنسان والمجتمع الاستعداد للاعتقاد بأن البشر عقلانيون أو غير عقلانيين، أو أن المجتمع مستقر أو غير مستقر أساساً، أو أن إنسانية الإنسان الحقيقية تكمن في مشاعره وعواطفه، أو من خلال طرح التساؤلات التالية: هل المشكلات الاجتماعية يمكن أن تحل نفسها بنفسها بدون تدخل المخطط، هل يمكن التنبؤ بسلوك الإنسان في المجتمع. ويمكن القول إن ما تطرق إليه جولدنر يمكن اعتباره مثالاً واضحاً عن افتراضات المجال، التي صيغت فيما يتعلق بالإنسان والمجتمع، ذلك يعني أن افتراضات المجال تعتبر موضوعاً يتحدد بالنهاية من خلال تحديد ما يعتقده البشر، بما فيهم علماء الاجتماع، فيما يتعلق بمجال بعينه([44]).
وفي العادة تكون افتراضات المجال أقل انطباعاً من الفروض العالمية، على الرغم من أن كليهما افتراضات كامنة. ويمكننا القول إن الفروض العالمية تعتبر حالة خاصة ومحدودة من افتراضات المجال، وهي الحالة التي تتميز بعدم وجود قيود تطبق على موضوع البحث الذي تشير إليه افتراضاته. وتتكون افتراضات المجال من القضايا التي تنسب لأعضاء مجال بعينه، فهي تتشكل من ناحية بواسطة الفروض العالمية للمفكر، وفي المقابل أنها بدورها تشكل نظرياته التي كتبها بصورة متعمدة. وفي هذا الإطار تعتبر افتراضات المجال أحد جوانب الثقافة الأشمل والأكثر اتصالاً بمسلمات النظرية. هذا إلى جانب أن هذه الافتراضات تشكل الروابط بين المنظر والمجتمع الأكبر([45]).
ويسمى جولدنر الافتراضات ذات العلاقة نسبياً بموضوع البحث الذي تهتم به النظرية ” بالافتراضات المجال ” وهو يؤكد أن هذه الافتراضات توجد بصورة شائعة في النظرية الاجتماعية ولكنه في الغالب ليست معلنة أو موجود بصورة صريحة. وهي تنشأ وتعمل بنفس الطريقة التي تعمل بها التحيزات أو المعتقدات النمطية في علم الاجتماع([46]). ويذهب جولدنر لتوضيح بعض افتراضات المجال فيذكر بعض نماذجها على النحو الآتي:
أ- إن هناك ميلاً للاعتقاد بوجود بعض خصائص التي سوف تظهر عند أو بين أعضاء مجال معين.
ب- إن الخصائص السابقة يتم اكتسابها بصورة كاملة لدى المعتقد فيها قبل أن يكون له خبرة بأي شيء يشبه العينة الممثلة لأعضاء المجال.
ج- إن هذه الافتراضات تحتوي على المشاعر والعواطف القوية المتعلقة بأعضاء المجال.
د- إن هذه الافتراضات المستندة إلى والعواطف أو المشاعر هي التي تشكل تفاعلاته وعلاقاته مع أعضاء المجال.
ه- إن هذه الافتراضات لا يمكن الشك فيها أو تغييرها بصورة كاملة، حتى ولو أبرز تفاعل أعضاء المجال خبرت تناقض مع هذه الافتراضات وبإيجاز تقاوم هذه الافتراضات في الغالب البرهنة عليها([47]).
يرى ألفن جولدنر وهو الباحث الذي أكد على دور هذه الافتراضات في فهم الأطر النظرية، أن التغيرات الأساسية والشاملة في الأنساق النظرية لا تنتج بسبب اكتشاف تكيفات جديدة للبحث. كذلك لا تنتج بسبب الأساليب الجديدة لأدراك المعطيات الموجودة منذ وقت طويل([48]). لكن تقع التغيرات الجوهرية (الأكثر شمولاً وراديكالية) في إطار النظرية، وفي الأطر التصورية، وبخاصة تلك التي تتضمن افتراضات ضمنية جديدة. وبذلك تعتبر هذه التغيرات، تغيرات في الأسلوب الذي ننظر من خلاله إلى العالم، وفيما نعتقد أنه حقيقي وله قيمة في إطاره([49]). وهو ما يعني أن النظريات القائمة تصبح نظريات قديمة ومهجورة إذا ظهرت افتراضات جديدة تناقض أو تلغي الافتراضات القديمة التي تستند عليها النظريات القديمة الأمر الذي يؤدي إلى وجود ظروف أو دعوة تنبأ بحدوث تحولات نظرية جديدة. ويؤكد جولدنر أن جانباً كبيراً من النظريات المتماسكة الصياغة في علم الاجتماع تستند إلى الافتراضات الضمنية التي لدى المنظّر فيما يتعلق بالمجال أو المجالات التي تهتم بها النظرية. ذلك يعني التأكيد على أن النظريات المتماسكة الصياغة تنتج في جانب منها عن الافتراضات الضمنية للمنظر والخاصة بالمجال الذي تعالجه أو تتناوله النظرية. بل إننا نجد أن النظرية تتطور بتطور هذه الافتراضات، أي من خلال التأثر بها والتفاعل معها. الأمر الذي يفرض في بعض الأحيان ضرورة التزام المنظر بالطرح الصريح لافتراضاته المتعلقة بالمجال الذي يتناوله([50]).
ويتحدد المجال الاجتماعي باعتباره مجالاً حقيقياً أو واقعياً له تأثيره ونتائجه بالنسبة لصياغة النظرية ويتمثل جوهر الافتراضات المتعلقة بالمجال في كونها مترابطة منطقياً من الناحية العقلية. وهو ما يعني أنها قد تأخذ شكل النظرية ليست لأنها تستند إلى التدليل والبرهنة أو البرهنة أو لإمكانية البرهنة عليها، ولكن لكونها تلعب دوراً أساسياً لدفع المنظر إلى التركيز على مواضيع معينة، غير أننا إذا حاولنا تحديد افتراضات المجال بالنسبة لأحد الأشخاص، فإن هناك احتمالية كبيرة أن يختفي افتراضاته، لمجرد أنه يريد أن يبدو معقولاً من خلال طرح مقولات نظريته بصورة واضحة ومتسقة، بغض النظر عن افتراضات المجال التي لم يصرح بها. ذلك لأن الشخص لا يريد أن يسلم بامتلاكه لافتراض لا يستطيع أن يقدم منطقاً سليماً بشأنه وفي هذا الإطار قد يوجد ميلاً كبيراً لتجميل الشخص لافتراضاته الخاصة بالمجال. إذا أعلن عنها أو يتم إخفاؤها من خلال برهنة معقولة وفي هذا الإطار فإننا نجد أن قطاعاً كبيراً من علماء الاجتماع ينظرون إلى افتراضاتهم الخاصة بالمجال كما لو كانت حقائق مؤكدة امبيريقياً([51]).
وفي هذا الجانب هناك مسألتين يجب استيعابهما بصورة فعالة وتحدد الأولى في ضرورة أن يسلّم المُنظّر بأن ما يشكل جوهر اهتمامنا ليس ما يوجد في العالم الخارجي فقط، بل أيضاً ما يوجد بداخله هو نفسه. إذ ينبغي أن يمتلك المُنظّر القدرة على أن يسمع صوت ذاته، وليس أصوات الآخرين فقط، بينما تتمثل المسألة الثانية في ضرورة أن يمتلك الشجاعة تساوي شجاعة معتقداته، أو على الأقل الشجاعة الكافية للتسليم بمسؤوليته عن معتقداته، سواء منحها العقل مشروعية أم لا. فإذا لم يستطع المُنظّر أن يحرر افتراضات المجال لديه من نطاق المعتم للوعي الثانوي، وأن يدفع بها إلى نطاق الأوضح لبؤرة الوعي، حيث يمكن الاعتقاد الثابت فيها من خلال البحث والدراسة أنها لن تتعرض لمحكمة العقل أو تخضع لاختبارات البرهنة، وفي هذا الإطار يؤكد ألفن جولدنر أن المنظر الذي يفتقد هذا النوع من الشجاعة والبصيرة النافذة للتصريح بافتراضاته سيكون شخصاً قد اختار المهنة الخطأ([52]).
ويعتقد جولدنر إلى أننا نبدأ في عملية تعلم افتراضاتنا الخاصة بالمجال مثل تعلمنا المستمر للافتراضات الضمنية ذات الطبيعة الشاملة أو العالمية، منذ بداية تعلمنا لمبادئ لغتنا، ذلك لأن اللغة تزودنا بالمقولات التي تشكل المجالات التي تشير إليها افتراضات المجال، وأثناء تعلمنا للمقولات والمجالات التي تحددها، فإننا نكتسب أيضاً عدداً من الافتراضات والمعتقدات حول كل أعضاء المجال. وفي الحقيقة تشتق كل المقولات المشكّلة للمجال وتؤدي دورها إلى الحد كبير بنفس أسلوب “الأفكار النمطية” وعلى هذا النحو، فأثناء تعلم الأطفال لمقولة الزنجي، فإنهم يتعلمون أيضاً بعضاً من الافتراضات الضمنية فيما يتعلق بالزنوج، حيث يتعلمون بعض الافتراضات الوجودية الضمنية فيما يتعلق بالزنوج، على افتراض أنهم على سبيل المثال (كسالى وأنانيون)، بالإضافة إلى ذلك فنحن نتعلم الافتراضات المعيارية الضمنية، ويعني جولدنر بذلك أي المعتقدات المتعلقة بقيمهم الأخلاقية، أي جوانب الخير والشر فيهم. وفي الحقيقة تتداخل الافتراضات المعيارية والوجودية بقوة حتى يصبح من الصعب الفصل بينها، إلا إذا كان الفصل تحليلياً. وبأسلوب مماثل فنحن نتعلم المقولات اللغوية )كالإنسان، المجتمع، الجماعة، الصديق، الأب، الفقير، المرأة)، وفي العادة يصاحب كل مقولة من هذه المقولات الافتراضات الضمنية المتعلقة بالأفراد الذين يندرجون تحت هذه المقولة، وكذلك الاستعداد لنسب خصائص معينة لكل أعضاء المجال الذي يشكل بواسطة هذه المقولة أو تلك. كأن نقول: إن الأصدقاء مخلصون يساعدون آخرين أم أنهم مخادعون، أو أن الإنسان حيوان ضعيف أو قوي، أو أن المجتمع قوي ومستقر أو ضعيف غير مستقر، أو أن الفقراء يستحقون المساعدة أو لا يستحقون([53]).
3- علاقة العواطف الإنسانية في النظرية الاجتماعية: كما نعلم أن أحد أسباب أهمية افتراضات المجال التي تحدثنا عنها في العنصر السابق يتمثل بكونها أحد أهم العناصر في النظرية الفرعية التي تستند عليها النظرية الاجتماعية، لأنها تقدم تركيزاً للمشاعر والعواطف والحالات المؤثرة، ولكونها تشكل الأبنية التي تنتظم حولها العواطف. مثال ذلك أن شخص ما يعتقد أن الزنوج كسالى ويعتقد أيضاً أن ذلك شيء سيئاً، فإن هذا الاعتقاد ليس صحيحاً تماماً. لأن هؤلاء الذين يعتبرون هذا الشيء سيئ، هم يفعلون أكثر من مجرد الاعتقاد في ذلك، لأنهم يشعرون بأن شعورهم هذا يولد لديهم القوة، الأمر الذي يؤدي إلى امتلاكهم لعواطف الاشمئزاز والتجنب، والرغبة في العقاب المرتبة بافتراضاتهم فيما يتعلق بالزنوج، وعدم تقديرهم لهم. حيث تتضمن العواطف الاستعداد لهرمون الإثارة والتوتر العضلي، وضغط الخلايا، والصراع أو الهرب بالنسبة لكل الكائن العضوي([54]).
إن العواطف في معظم الأحيان تنتظم حول افتراضات المجال أو تثار بواسطتها، أو من الممكن لهذه العواطف أن تنتظم حول الكثير من الأشياء الأخرى غير افتراضات المجال بحيث تستثار بواسطة تلك الأشياء، على سبيل المثال بواسطة الأشخاص أو المواقف الواقعية أي ذات الصلة مباشرة بالواقع الاجتماعي. وبذلك يكون لدى البشر عواطف غير مهمة بالنسبة لافتراضات المجال التي تربوا عليها، ومع ذلك نجدهم ليسوا أقل قوة أو متألمين جسمياً بسبب ذلك، ويمكن تفسير من خلال وجود أشكال عديدة من التناقض بين المعتقدات الوجودية Existential والمعتقدات المعياريةNormative التي يتعلمها البشر ارتباطاً بالفئات Categories التي تشكل المجال الاجتماعي، والعواطف التي يشعرون بها نحو أعضاء كل فئة. مثال ذلك: قد يشعر الإنسان بالتشاؤم، واليأس والاستلام والهروب، برغم أنه يعتقد أيضاً أن البشر طيبون، وأن المجتمع يتقدم ببساطة لأنه قد يكون مريض أو كبير في السن([55]).
قد يشعرون البشر في بعض الأحيان أن الأحوال الاجتماعية تختلف عما تذهب إليه افتراضات المجال الخاصة بهم، وأيضاً عن معتقداتهم الوجودية والمعيارية، وذلك بسبب أن مشاعرهم قد انبثقت من خبرة البشر بالعالم، الذي من خلاله يحتاجون ويعرفون الأشياء التي تختلف إلى حد ما عن تلك التي يفترض أنهم يحتاجون أو تعلموا عن عمد أم يعرفونها. باختصار فقد يكون لدى البشر مشاعر تختلف عن تلك التي تتصل بلغاتهم المكتسبة ثقافياً، أي على خلاف مع افتراضات المجال المنتشرة في الجماعة التي تشكل مجتمعهم. وقد تكون هذه العواطف خاصة بالفرد وناتجة عن خبرته المشتركة بينهم، إذا لم تكن مفروضة ثقافياً عليهم. وعلى هذا النحو يبدو كثيراً من الشباب على سبيل المثال منذ بداية التاسع عشر على الأقل وكأنهم قد خضعوا لخبرة مشتركة دفعتهم لأن يصبحون ضد السلطة، متمردين الأوضاع السياسية والثقافية الراهنة وناقدين لها بدرجة أكثر من نظرائهم الكبار([56]).
بذلك تصبح افتراضات المجال القائمة شيء، بينما قد تصبح العواطف التي لدى البشر شيء آخر. فعندما تختلف الأحوال التي يشعر بها البشر عن افتراضات المجال، مما يؤدي إلى وجود تناقض أو توتر بين المستويين. في هذه الحالة يوجد نوعان من التعامل: الأول من خلال نوع من التملق الطقوسي لافتراضات المجال التي تعلمناها واكتسبناها من الثقافة، بينما الثاني من خلال تمرد البشر ضدها بصراحة في أحيان أخرى، أو أنهم يتبنون أو يبحثون عن افتراضات مجال جديدة أكثر انسجاماً مع مشاعرهم. ومن المحتمل أيضاً وجود صعوبة أساسية تتعلق بالتمرد الصريح على افتراضات المجال التي يتبنونها وذلك لعدة أسباب منها([57]):
1) إذا لم تكن هناك بدائل مصاغة بشكل فعلي، لذلك فإن البشر قد يجدوا أن من السهل الحياة بالافتراضات القديمة غير المريحة أفضل من أن يعيشوا بدون أية افتراضات تتعلق بالمجال.
2) إن البشر ينظرون في أغلب الأحيان إلى مشاعرهم المنحرفة على أنها خاطئة وأنها خطر على أمانهم، لذا فإنهم قد يخفون مشاعرهم غير المكتسبة Unprescribed حتى عن أنفسهم.
3) نتيجةً لذلك فالبشر لا ينقلون مشاعرهم المنحرفة صراحةً للآخرين الذين قد يشاركونهم فيها ومن ثم يشجعونهم على تبنيها .
لذا عندما تتسع الفجوة بين العواطف التي يشعر بها البشر من ناحية، وبين افتراضات المجال التي تعلموها من ناحية أخرى، فإن استجابتهم المتوقعة سوف تتجه بدرجة إلى قمع التناقض الذي يشعرون به والإبقاء عليه سراً. فهم قد يساعدون بذلك على ازدياد التوتر، أو أنهم قد يشرعون في حرب عصابات ثقافية متفرقة ضد افتراضات المجال السائدة، أو يعبرون عن استيائهم ورفضهم بصور متفرقة، إما من خلال الكوميديا السوداء أو من خلال نوع من الفتور الخامل. وقد بدأ هذا الموقف- الذي يشبه إلى حد كبير اتجاهات بعض الراديكاليين الشباب نحو علم الاجتماع الأكاديمي- يتغير بصورة واضحة عندما ظهر أن افتراضات مجال أكثر اتساقاً مع ما يشعر الناس به. أو حينما تفتقد مقاومة الافتراضات القائمة امتلاك البدائل([58]).
تتشكل النظرية الاجتماعية في جانب كبير منها بواسطة افتراضات المجال وتعبر عنها من جانب آخر، فإن لها صلتها بالعواطف كذلك. إذ تتضمن ردود الفعل نحو النظريات الاجتماعية عواطف البشر الذين كتبوها أو قرؤوها. وفي هذا الإطار لا يعد قبول نظرية أو رفضها أو خضوعها التغير أو بقائها غير متغيرة، قراراً فكرياً فقط، بل يتوقف في جانب منه على الإشباعات أو التوترات التي تؤسسها بفضل علاقتها بعواطف هؤلاء المتصلين بها. وقد تصبح النظريات الاجتماعية ذات صلة بالعواطف بأساليب عديدة ودرجات مختلفة قد تعوق أو تيسر التعبير عن عواطف بعينها. وفي بعض الحالات القليلة، قد تكون درجة تأثيرها على العواطف بسيطة للغاية لتوصف حينئذ بحيادتها من حيث صلتها بالعواطف، حيث تؤدي النظرية المحايدة عاطفياً إلى إنتاج استجابات فاترة وغير مبالية، إضافة إلى أن الشعور بأن النظرية غير ملاءمة إلى حد ما، مما يؤدي إلى تجنبها، إن لم يكن المعارضة الفعالة لها من خلال رفضها. وفضلاً عن ذلك فقد تعتمد ردود الفعل للنظرية أيضاً على أنواع العواطف التي استثيرت مباشرة أو بالتداعي. لذا يصبح تنشيط عواطف معينة عند البشر في بعض الأوقات ممتعاً، أو قد يكون مؤلماً وغير مريح([59]).
يذكر جولدنر مثالاً على ما سبق، أن نظرية ماكس فيبر حول البيروقراطية تميل إلى التأكيد على التكاثر الحتمي للأشكال البيروقراطية في التنظيمات الاجتماعية الحديثة المتزايدة التضخم والتعقيد، وإلى إبراز عواطف التشاؤم فيما يتعلق باحتمالات التغير الاجتماعي واسع المدى، الذي يمكن أن يعالج بنجاح ظواهر الاغتراب الإنساني. وسوف يدرك القائمون بجهود إحداث مثل هذا التغير المنشود تناقض هذه العواطف، ومن ثم فقد يستجيبون لذلك بنقد النظرية، في محاولة لتغييرها بأساليب تجردها من إحداث هذه النتائج. أو أنهم يرفضونها كلية. وعلى العكس، فقد لا يدرك هؤلاء الذين ليست لديهم طموحات في التغير الاجتماعي أو الذين يميلون إلى السعي من أجل الإصلاحات الداخلية بالنسق، من جانبهم أن النظرية الفيبرية بوصفها نظرية ذات تشاؤم بالغ. وبذلك قد تساعد النظرية في إحدى الحالات على تحقيق التكامل والتماسك، بينما قد تؤدي في حالات أخرى إلى التوتر والصراع. ولكل حالة نتائجها المختلفة بالنسبة لقدرة الفرد على سلك طرق معينة للفعل في هذا العالم. ولها كذلك متضمناتها المختلفة بالنسبة للأشكال المختلفة للسلوك السياسي. وهكذا نجد أن النظرية الاجتماعية تتبنى من خلال صلتها بالعواطف، وبالمثل من خلال افتراضات المجال الخاصة بها، بعض المتضمنات والمعاني السياسية، بغض النظر عن معرفتها أو التسليم بها بوعي من قبل هؤلاء الذين قاموا بصياغتها أو وافقوا عليها. وفي المثال الذي طرحه جولدنر، والخاص بنظرية ماكس فيبر عن البيروقراطية، فإنه يمكن أن ندرك أن النظرية تمتلك عموماً متضمنات قوية مضادة للاشتراكية، وذلك لكونها تؤكد ضمنياً أن التغيير في اتجاه الاشتراكية لن يمنع الاغتراب والتوسع البيروقراطي([60]).
4- دور مفهوم التأمل السوسيولوجي في تعميق الوعي الذاتي: أظهر ألفن جولدنر كما نعلم وعياً كبيراً بأهمية الافتراضات الضمنية، طالما أقام تصوره “للتأمل السوسيولوجي” على فكرة الوعي الذاتي. فيقول جولدنر: ” أعتقد أني قد أنفقت وقتاً طويلاً في طرح الافتراضات فيما يتعلق بعمل الآخرين، فإنه يجب أن أفعل نفس الشيء الآن مع عملي. بافتراض أنه يجب علي الآن أن أكون قادراً على أن أفحص ذاتي بدقة، بصورة مثالية، دون أن أدافع عن نفسي أو أقوم بجلد الذات. كما ينبغي أن أكون قادراً على أن أضع الخطوط العامة لافتراضاتي بطريقة متماسكة ومتواضعة إلى حد ما، ناهيك عن تقييمها. غير أني أعتقد أيضاً أن مثل هذا الجهد مآله الفشل. لأنه ليس هناك إنسان يمكن أن يكون ناقداً لذاته، وحتى إذا تظاهر بأنه في إمكانه ذلك، فإنه يعد بأن يسلم بأكثر مما يستطيع في الحقيقة. فما زال قدر من المعرفة بالذات ممكناً، وإذا أنا قد بذلت جهداً للكشف عن افتراضاتي الفعالة، وإذا كنت قد حذرت من التشويه والنقص الذي يمكن أن يتعرض له هذا الجهد، فإنني بذلك أفضل اللجوء لناقدي في إنجاز مهمتهم “([61]). من خلال تفسيرنا لهذا النص، نجد أن ألفن جولدنر يعترف بأن رؤيته لعالم علم الاجتماع هي مجرد إسقاط لمطامحه وآماله الشخصية([62]). وبرغم هذا الاعتراف الصريح فإن جولدنر يعتقد أن ذلك لا يفسد كتاباته السوسيولوجية، ذلك أن حياة عالم الاجتماع تكسب معناه حينما يحاول تأمل ذاته([63]). شرع جولدنر في فهم النظريات الاجتماعية، انطلاقاً من افتراض ” أن النظرية تتأسس من خلال ممارسات البشر في كل عوالمهم، وتتشكل بواسطة الحياة التي يعيشونها، ويسعون لتحقيق ذلك في سياقات امبيريقية واقعية، فإننا قد ننجذب إلى التصور مختلف تماماً فيما يتعلق بإنتاج النظرية الاجتماعية، وماذا يعني أن كثيراً من المنظرين يحاولون إنجاز ذلك. فإذا تتبعنا هذا التصور، فإننا سوف نكون في وضع أفضل لكي ندرك بدقة كيف تعبر النظرية الاجتماعية في الحقيقة عن النوع من الاتصال المعقد، وهو التعقد الذي لا يمكن إدراكه من خلال نظرة خاطفة ناهيك عن استيعابه وفهمه، إذا فشلنا في إدراك الأساليب التي يتحصن بها المنظرون داخل نظرياتهم “([64]).
ويعتقد جولدنر (كما أسلفنا في العنصر الأول من نظريته النقدية) أن عالم الاجتماع يتأثر بافتراضاته الضمنية خلال صياغته لنظريته الاجتماعية. بهذا الاعتقاد من طرف جولدنر تصبح النظرية الاجتماعية انعكاساً للواقع الشخصي للمنظر. ويفرق جولدنر بين مستويين لهذا الواقع([65]):
1) الواقع الخاص بدور عالم الاجتماع كعالم.
2) الواقع الخاص بدوره كشخص يعيش في المجتمع. وعالم الاجتماع لا يستطيع أن يفصل بين هذين الدورين، لأن حياته قائمة على التفاعل بينهما. لذا يطلق جولدنر على الواقع الشخصي الذي يؤثر في النظرية الاجتماعية (بالبناء التحتي) للنظرية، بالمقابل تمثل النظرية ذاتها بناءً فوقياً أو (بناء فرعياً). وكل ما يفعله عالم الاجتماع عندما يقدم نظريته يحول هذا البناء التحتي إلى إيديولوجية، تحفزنا أما إلى قبول العالم أو تغيره. لذا سعى جولدنر إلى أن يوجه نقد علم الاجتماع للكشف عن البناء التحتي للنظرية، وكذلك البناء الواقعي لحياة عالم الاجتماع ذاته. فالأول يتيح لنا أن نتعرف على الأطر البنائية والإيديولوجية التي تغلف النظرية السوسيولوجية. التي فرضت عليها أن تتخذ اتجاهاً معيناً في فهمها للواقع الاجتماعي وتفسيره. ومن ثم نستطيع أن نستخلص منها الجوانب الليبرالية الثورية القادرة على تقديم رؤية واقعية هدفها تحرير الإنسان من القهر. أما الثاني يتيح لنا التعرف على الكيفية التي يتغلب بها الباحث على التوتر والصراع القائم بين حياته الخاصة التي نفترض أن فيها قدراً من الليبرالية وبين سعيه المستمر للمحافظة على النظم القائمة وعدم تغييرها. معنى ذلك أنه يتيح له أن يواجه نفسه بكل مظاهر البس والغموض التي تكتنف مهنته، بذلك يكتسب وعياً ذاتياً يجعله قادراً على أن يميز بين الرخيص والثمين، وأن يتخلص من مظاهر السيطرة التي تحيط بعمله([66]).
بناءً على ما تقدم نجد أن النقد الذي سعى إليه جولدنر قد أصبح في هذه الحالة ضرباً من ضروب سوسيولوجيا علم الاجتماع. لذا اشتق جولدنر مفهوماً يعبر عن هذا النوع من الدراسة أطلق عليه “علم الاجتماع التأملي“، وبهذا نجد أن ” الافتراضات الضمنية ” الموجهة لجولدنر تتمثل في تصوره للمستقبل المأمول لعلم الاجتماع كما يبدو له، فهي حسب رأيه تمثل الدعامة التي ينهض عليها ” التأمل السوسيولوجي “. على اعتبار أن التأمل السوسيولوجي يتناول بالدراسة ما يهتم به علماء الاجتماع بالفعل وما يرغبون عمله داخل هذا العالم([67]).
ولتفسير ما يرمي إليه جولدنر بهذا المفهوم، ” نجد أنه يميز بين نوعين من العوالم الاجتماعية بالنسبة للمنظر: العوالم المسموحة أو (السوية)، والعوالم الممنوعة أو (الشاذة). وفي الغالب يبدأ المُنظّر بعد أن يرى (أو يدرك إمكانية) العوالم الممنوعة. ويشكل جهد المنظر لتحويل العالم الممنوع إلى عالم مسموح به جزءاً من تأسيسه للنظرية، ومن ثم يخلع السواء على عالمه، وبذلك ينبغي على المنظر أن يلغي تهديد الممنوع ويقضي عليه، أو عليه أن يقوي العالم المسموح به ويعززه، وبذلك يسعى المنظرون ضمنياً إلى تحقيق التجديد، أعني الظروف التي يمكن في ظلها تحويل العوالم الممنوعة إلى عوالم مباحة ومسموح بها، أو الظروف التي يمكن في ظلها منع العوالم المسموح بها من التحول إلى عوالم ممنوعة “([68]).
إن النظرية الاجتماعية تنشأ من خلال الصراع بين بنائين يهدد كلاً منهما الآخر. ويتخذ الباحث موقفاً من هذين البنائين بحيث ينحاز إلى أي منهما وينظر إلى الآخر على أنه يهدد البناء الذي يعتبره سوياً. فالنظرية تقوم على أساس رؤية متحيزة حيث يمكن أن يكون العالم غير السوي سوياً في نظر شخص آخر وهكذا. وهذه التفرقة بين شكلي العالم تؤكد ما ذهب إليه جولدنر إلى أن النظرية السوسيولوجية تضرب بجذورها في بناء الأحاسيس والدوافع عند الباحث، تلك التي تكون نتيجةً للافتراضات الضمنية وافتراضات المجال المرتبطة ببناء معين[69]).
إن المهمة التاريخية المنوطة بعلم الاجتماع التأملي هي أن يحوّل من اتجاه عالم الاجتماع ويجعله يتأمل بعمق حياته وعمله اليومين، وأن يكون على وعي بإمكانية انعكاس حياته اليومية وافتراضاته الضمنية في نتاجه العلمي والمعرفي، فعلم الاجتماع التأملي ما هو إلا أداة نقدية يمكن من خلال تصحيح مسار علم الاجتماع، فإذا كانت النظرية تعكس الافتراضات التي يتشربها الباحث من خلال ثقافته، ومن ثم تقوم على رؤية متحيزة، نجد أن هذه الرؤية المتحيزة قد تجسدت في علم الاجتماع الغربي من خلال الاتجاه المحافظ المرتبط بالنظام والقهر، فإن الإجراء الأول في تصحيح مسار هذا العلم ليصبح أكثر تحرراً وليبرالية هي أن يحقق الباحثون قدراً من الوعي الذاتي بطبيعة عملهم وبالقوى المحيطة به والمؤثرة فيه. وعلم الاجتماع التأملي هو الذي يمنحهم هذا الوعي. ويتصف علم الاجتماع التأملي بمجموعة من الخصائص، وهي كالآتي([70]):
أ- يتصف علم الاجتماع التأملي بأنه علم اجتماع راديكالي، لأنه يدرك أن المعرفة بالعالم لا يمكن أن تقدّم منفصلة عن معرفة عالم الاجتماع بذاته وبوضعه في العالم الاجتماعي، أو منفصلة عن جهوده لتغييره. وهو راديكالي لأنه يسعى لمعرفة العالم المغترب المحيط بعالم الاجتماع وبالمثل تغييره، وبنفس القدر تغيير العالم المغترب بداخله. وهو راديكالي أيضاً لأنه قد يقبل حقيقة أن جذور علم الاجتماع قد تسربت داخل عالم الاجتماع بصفته إنساناً كلياً، ومن ثم فإن المسألة التي ينبغي عليه أن يواجهها لا تتعلق بكيف يعمل ولكن بكيف نعيش.
ب- من خلال علم الاجتماع التأملي يستطيع الباحثون تجاوز علم الاجتماع كما هو موجود الآن، بالاعتماد على تعميق فهمنا لذواتنا السوسيولوجية، ولوضعنا في العالم، فإننا نستطيع أن نساعد في نفس الوقت على إنتاج سلالة جديدة من علماء الاجتماع الذين يستطيعون فهم البشر الذين يستطيعون فهم البشر الآخرين في عوالمهم الاجتماعية بصورة أفضل. وبذلك يعني علم الاجتماع أن نكتسب عادة تتأصل في نفوسنا، تساعدنا على إدراك معتقداتنا كما ندرك الآن المعتقدات التي يتمسك بها الآخرون.
ج- يسعى علم الاجتماع التأملي هذا العلم النقدي إلى تجاوز الفصل بين الذات والموضوع، وأعني الفصل بين عالم الاجتماع ومادته الدراسية. فالعالم الاجتماع يستطيع أن يدرك أنه جزء من العالم وأن أحاسيسه ومشاعره هي أحاسيس ومشاعر الآخرين. ويتطلب ذلك وجود بعد امبيريقي يركز على دراسة علم الاجتماع لذاته وعلمائه، وأدوارهم المهنية، والمؤسسات التي ينتمون إليها، ودرجة ارتباطهم بأنساق القوة، ثقافتهم الفرعية. وموقفهم من العالم بصفة عامة([71]).
ه- يستند علم الاجتماع التأملي إلى الوعي بتناقض أساسي فحواه أن هؤلاء الذين يسهمون بقدر كبير من أجل النمو النظامي لعلم الاجتماع هم بالتحديد الذين يشوهون سعيه من أجل المعرفة الحقيقية (أي يحرفون أسلوب بحثه عن المعرفة). فالناقد ذو الرؤية التأملية يدرك أن الدعم الذي تقدمه النخب والنظم الاجتماعية لعلم الاجتماع ترمي من خلاله الحصول على شيء يحقق أهدافها غاياتها في مقابل هذا الدعم المجتمعي، الذي يساعد علم الاجتماع على النمو وتطور في اتجاهات معينة، مقابل منع نموه في اتجاهات أخرى، مما يؤدي إلى إفساد طبيعته. لذا يدرك الناقد ذو الرؤية التأملية أن القوى التي تحرف العلم هي قوى معادية عليه أن يواجهها.
ه- يواجه علم الاجتماع التأملي قضية علم الاجتماع “المتحرر من القيم” من خلال اتجاهين. فهو ينكر من ناحية إمكانية قيام علم الاجتماع المتحرر من القيم ويتساءل في الحقيقة عن قيمته. وهو من ناحية أخرى يدرك مخاطر علم الاجتماع الملتزم قيمياً أكثر من إدراكه لمكاسبه، حيث نجد أن البشر قد يرفضون المعرفة التي قد تتناقض مع الأشياء التي يقدرونها. وهو يدرك أن القيم العليا للبشر، ليست أقل من دوافعهم الأساسية، قد تمارس الكذب عليهم. وبدون شك يوافق علم الاجتماع التأملي على مخاطر الالتزام القيمي، لأنها اخف وطأة من تحريفية التحرر من القيم.
و- بقدر ما يركز علم الاجتماع التأملي على قضية المعرفة المعادية، فعندما نجد لديه وعياً محدداً بالمتضمنات الإيديولوجية والصدى السياسي في المشروع السوسيولوجي. وهو يدرك أن الإيديولوجية يمكن أن يكون لها آثار مختلفة على الوعي في ظل الظروف المختلفة، فهي تلعب دوراً تحريرياً أو قهرياً، وهي قد تزيد من الوعي أو تعوقه. ومع إدراكه لانحراف الليبرالية الأمريكية المعاصرة، وتحكمها في مصير علم الاجتماع والجامعة، فإن المهمة الملقاة على عاتق عالم الاجتماع صاحب الرؤية التأملية هي أن يقوي الوعي النقدي بطابع الليبرالية المعاصرة، وبالعلاقة الجدلية بين سياسات الحرب والرفاهية والدور الليبرالي الذي يقوم به عالم الاجتماع كبائع بحوث على حساب كل منهما.
ز- يؤكد علم الاجتماع التأملي من الناحية الأخلاقية على القوى الخلاقة لعالم الاجتماع، والتي تعارض المجاراة التي تفرضها النظم القائمة والتنظيمات المهنية، والهيبة الجامعية، فعلم الاجتماع هنا لا يخضع لأي سلطة ولا يسمح أي قوة أن تتحكم في تفكيره.
ح- يدرك علم الاجتماع التأملي أهمية الحس التاريخي. فلكي نعمق وعي علماء الاجتماع فإن على علم الاجتماع التأملي أن يقدم لهم من ناحية وعياً بأنفسهم، وطبيعتهم المتطورة تاريخياً. وهو يدرك البشر الآخرين بصفتهم يتشكلون إلى حد كبير بواسطة ماضيهم المشترك، وبواسطة أنساقهم الاجتماعية وثقافاتهم. وعلى ذلك، فهو لا يدرك البشر بصفتهم أدوات لا قوة لها تستخدمهم قوة اجتماعية عنيدة عليهم أن ينحنوا أمامها، ولا بصفتهم السادة ذوي القدرات الكاملة في التأثير على العمليات التاريخية الني يمكن أن ينظموها بصورة دقيقة، ومن ثم فإن أحدى مهام علم الاجتماع التأملي تنحصر في مساعدة الأفراد في نضالهم من أجل تملك هذه الأجواء والسيطرة عليها.
وفي النهاية، تعتبر الأسس السابقة المذكورة أعلاه حسب جولدنر، الأداة الجديدة لتغيير النظرية والعالم الذي تفسره هذه النظرية. فالنقد الذي وجهه ألفن جولدنر لعلم الاجتماع المعاصر، من خلال في كتابه الشهير “الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي”، قد سار على خطوات الأساس النقدي الجديد الذي تحدثنا عنه فيما سبق، فقد كان جهده لتشخيص الأزمة القادمة للعلم جهداً نقداً في المحل الأول. حيث حاول جولدنر أن يبرز التناقضات التي يخبرها النسق النظري للعلم في تفاعله مع الظروف والقوى المحيطة به: الافتراضات الثورية بما تخلقه من تناقضات مستمرة في بناء العلم، الدولة بما تفرضه على العلم من حدود، الإيديولوجية التي تجعله يتخذ مساراً محافظاً مهملاً جوانب كثيرة ([72]).
– مناقشة ختامية: من خلال العرض السابق نجد أنه تم التركيز في هذه دراسة على الأسس النظرية والمنهجية للنظرية النقدية السوسيولوجية عند ألفن جولدنر، التي توضح لنا مدى الحماس الفكري الذي كان يوجه جولدنر نحو السعي إلى إحياء وتجديد حركة النقد في علم الاجتماع المعاصر. تلك الحركة التي يهدف من خلالها، إحداث تناقضات وصراعات في التراث الفكري والأساس التحتي الذي يقوم عليه هذا التراث الفكري بهدف الوصول إلى أساس تحتي جديد تستند إليه النظرية الاجتماعية الجديدة ذات طابع نقدي.
وفي سياق هذا المضمار يتبين لنا أن جولدنر حاول أن يستشف العلاقة الجدلية بين الفكر والواقع الاجتماعي، فالواقع الاجتماعي بما يحتويه من نظم وقيم، وما يحتويه هذا الواقع من تيارات إيديولوجية تنعكس في البناء الشخصي للأفراد، فالمنظرون الاجتماعيون ما هم إلا الأفراد الذين يعكسون في نظرياتهم ما استقر في بناء شخصياتهم من قيم إيديولوجيات، وما ارتبط بهذا البناء من اهتمامات شخصية.
ومن المعروف أن المؤسسات الفكرية والإيديولوجية السائدة في المجتمعات الغربية تفرض على المُنظُرين المشتغلين في ميدان النظرية الاجتماعية، أن تتجه نظرياتهم الاجتماعية نحو اتجاه معين، بهدف تبرير الأهداف والمصالح الإيديولوجية لصالح فئة معينة، مثال ذلك تبرر الاتجاه ذا الطابع المحافظ (النظرية الوضعية) لممارسات النظام الرأسمالي في المجتمعات الصناعية المتقدمة. استمرار هذا الوضع أدى إلى وقوع أزمة في علم الاجتماع الغربي، فالعلم الذي من المفروض أن يساهم في تحرر الإنسان بدأ يتجه نحو الاستخدام الأداتي في استغلال الإنسان وكبحه.
ويعتقد جولدنر أنه لتخطي أزمة علم الاجتماع لابد من حدوث تغيير للنظرية الاجتماعية القائمة، عن طريق تغيير بنائها الاجتماعي، الذي لا بد أن ينعكس على كشف زيف البناء الفوقي لها، وهذا النوع من النقد السوسيولوجي يتجسد على أرض الواقع عندما يستطيع الباحث في مجال النظرية الاجتماعية أن يتملك مفهوم التأمل السوسيولوجي، الذي يساعد الباحثين إلى إدراك أن نظرياتهم الاجتماعية ما هي إلا انعكاس لواقعهم الشخصي، الأمر الذي يفضي إلى حث الباحثين في هذا المجال إلى التمعن في أنفسهم بغية أدراك العوامل والقوى المؤثرة في تكوين اتجاهاتهم النظرية. وبالمقابل نجد أن هذا مفهوم يساعدهم على اكتساب تنمية قدرة الوعي بالذات لإدراك القوى الخارجية المسيطرة التي تؤثر على بناء العلم، للسير به نحو وجهته المعرفية الصحيحة وليس الإيديولوجية. فليس معنى اكتساب هذا الوعي أن يصبح الباحث منعزلاً عن قيم مجتمعه بل إن يتبنى القيم التي تحرر الإنسان والمجتمع([73]).
د. حسام الدين فياض
· ولد ألفن وارد جولدنر عالم الاجتماع الأمريكي المعاصر في ولاية نيويورك عام 1920. ومن الجدير بالذكر أن اسم وارد لم يكن هو الاسم الأوسط لجولدنر بالميلاد، فقد اتخذه جولدنر تكريماً له من عالم الاجتماع الأمريكي لاستروف وارد. تخرج جولدنر في عام 1941 من كلية مدينة نيويورك بعد أن حصل على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال، وفي نفس العام بدأ جولدنر التحضير لنيل درجة الماجستير في علم الاجتماع من جامعة كولومبيا بعد أن افتتح فيها قسم لعلم الاجتماع الصناعي الذي كان أحد أهم ميوله البحثية آن ذاك، في نفس العام أيضاً انضم روبرت ميرتون إلى هيئة التدريس في جامعة كولومبيا، حيث تعرف على جولدنر وأعجب بفطنته، وبجديته العلمية التي يتمتع بها، فقرر الإشراف على رسالته بالماجستير. في عام 1945 حصل جولدنر على درجة الماجستير في علم الاجتماع الصناعي. وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة تولى جولدنر عدداً من المناصب أثناء عمله في جامعة كولومبيا في إطار أطروحة ميرتون، فمن عام 1945إلى عام 1947 شغل منصب أستاذ علم الاجتماع المقيمين باللجنة اليهودية الأمريكية. في هذه الفترة أيضاً نشر جولدنر أول مقالاته العلمية في العديد من المجلات الأمريكية المحكمة. وفي عامي 1951 و 1952 عمل في علم الاجتماع التشاوري مع شركة ستاندرد النفطية في ولاية نيو جيرسي، ثم كأستاذ مشارك في كلية أنطاكية. وفي عام 1953 جولدنر ناقش جولدنر أطروحة الدكتوراه بنجاح فائق التي كانت تحت عنوان ” أنماط البيروقراطية الصناعية “، ومن الجدير بالذكر أن روبرت ميرتون هو الذي تولى منصب رئيس لجنة المناقشة، حيث عبر لجولدنر عن إعجابه بأطروحة الدكتوراه. تقلّد جولدنر العديد من المناصب الأكاديمية والإدارية خلال مشوار حياته العملية، فقد كان جولدنر يعمل كأستاذ لعلم الاجتماع في جامعة واشنطن بشارع لويس (1959-1967)، كما عمل في فترة لاحقة في جامعة بافلو (1967-1972)، وعمل أيضاً كرئيس لجمعية دراسة المشكلات الاجتماعية (1962)، وفي نهاية مشواره المهني عمل كأستاذ لعلم الاجتماع في جامعة أمستردام (1972-1976). تندرج معظم كتاباته في الحد الفاصل بين علم الاجتماع المعرفة والنظرية الاجتماعية فمن أهم أعماله: ” أنماط البيروقراطية الصناعية ” عام 1954- ” خرافة التحرر من القيم في علم الاجتماع ” عام 1964- “ المدخل إلى أفلاطون ” (دراسة للفكر الإغريقي الكلاسيكي و أصول النظرية الاجتماعية) عام 1967- ” دراسات في القيادة ” (محرراً) – ” اشتراكية إميل دوركايم وسان سيمون ” (محرراً)- ” ملاحظات حول التكنولوجيا والنظام الأخلاقي ” (بالاشتراك)- إضافة إلى مؤلفه الشهير ” الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي ” عام 1970. وكتابه النقدي الثاني ” من أجل علم الاجتماع، التجديد والنقد في علم الاجتماع اليوم ” عام 1973، الذي حاول من خلاله أن يرد على بعض الانتقادات التي وجهت إليه في كتابه الأول ” الأزمة القادمة ” مع تلافي بعض الثغرات التي رآها هو في عمله. ” الجدل حول الإيديولوجية والتكنولوجيا “ عام1976- ” مستقبل المفكرين ونشأة الطبقة الجديدة ” عام 1979- ” ثنائية الماركسية “عام 1980.تأثر جولدنر منذ بداية حياته الأكاديمية بالتقاليد الفكرية الأوروبية حتى أنه قرر الاستقرار في أوروبا في الفترة الأخيرة من حياته، لذا يمكن اعتبار بأن كتابه “الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي” من أهم مؤلفاته، فقد أثار هذا الكتاب جدلاً كبيراً على الساحة الأكاديمية لعلم الاجتماع، خاصةً وأنه تضمن على تطوير مفهوم سوسيولوجي جديد يدعى ” علم الاجتماع التأملي “. ناقش جولدنر في العمل أن علم الاجتماع يجب أن يتخذ مسراً بعيداً عن استخلاص الحقائق الموضوعية بل يجب التركيز على فهم الطبيعة الذاتية لعلم الاجتماع والمعرفة بوجه عام، مع توضيح كيف أن هذا العلم مرتبط بسياق الأزمنة. ولأهمية هذا الكتاب استخدم كمرجع أساسي في العديد من مدارس علم الاجتماع لتحليل نظرياتهم وأساليبهم ومناهجهم الخاصة بهم. كما انتقد الكتاب جميع أساليب التيارات السائدة في علم الاجتماع الحديث والمعاصر، ولكن الجزء الأساسي منه قد كرس لنقد الوظيفية البنائية عند بارسونز. توفي جولدنر عن عمر يناهز (60 عاماً ) عام 1980، في أحد شوارع مدريد بسبب أزمة قلبية ناتجة عن فشله الذريع في السيطرة على حب حياته مع أحد الفتيات الشابات آن ذاك.
* من رواد هذا المستوى (الاتجاه) جون ركس، توم بوتومور– وبعض الاتجاهات النقدية التي ظهر في فرنسا وألمانيا- الذين كرسوا جهودهم لربط النقد السوسيولوجي بنقد المجتمع، فكانت آرائهم عبارة عن امتدادات حقيقية لآراء رايت ميلز. فسعيهم المتواصل إلى تطوير نظرية للنقد الاجتماعي يمثل وجهاً هاماً من أوجه حركة التجديد والنقد الاجتماعي. وفي هذا المجال أصدر توم بوتومور عام 1975 كتاباً بعنوان ” علم الاجتماع كنقد اجتماعي “، أما جون ركس فأصدر عام 1973 كتاباً بعنوان: ” استكشاف علم الاجتماع ” ألحقه بكتاب آخر عام 1974 بعنوان: ” علم الاجتماع الحديث “.
[1] – أحمد زايد: علم الاجتماع (النظريات الكلاسيكية والنقدية)، دار المعارف، القاهرة، 1984، ص(289).
[2] – عبد الباسط عبد المعطي: اتجاهات نقدية في علم الاجتماع، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ع 44، شهر أغسطس، 1981، ص(152).
[3] – المرجع السابق نفسه، ص(154).
[4] – أحمد مجدي حجازي: علم اجتماع الأزمة ( تحليل نقدي للنظرية الاجتماعية في مرحلتي الحداثة وما بعد الحداثة )، دار قباء، القاهرة، 1998، ص(144).
[5] – أحمد زايد: علم الاجتماع (النظريات الكلاسيكية والنقدية)، مرجع سبق ذكره، ص(252).
[6] – Mills C.W: The Sociological Imagination, Oxford University Press, 1959, p.(5).
[7] – أحمد زايد: علم الاجتماع (النظريات الكلاسيكية والنقدية)، مرجع سلق ذكره، ص(254-255).
[8] – المرجع السابق نفسه، ص(303).
[9] – Alvin Gouldner: The Coming Crisis of Western Sociology. Heimann , London ,1970.
[10] – http://www.jstor.org/pss/2776573. John Rhoads: On Crisis of Western Sociology ,The American Journal of Sociology (A.J.S), Vol.78, No.1, July, 1972, p.(136) .
[11] – لمزيد من القراءة والاطلاع انظر:
– Alvin Gouldner : patterns of industrial bureaucracy. The free Press – Corporation, New York, 1954.
– Alvin Gouldner: Metaphysical Paths and The Theory of Bureaucracy, The American sociological Review (A.S.R), Vol. 49, 1955 .
[12] – أحمد زايد: علم الاجتماع (النظريات الكلاسيكية والنقدية)، مرجع سبق ذكره، ص(291-292).
[13] – A. Gouldner ” Organization Analysis ” in : R . Merton (ed.), Sociology Today, Basic Books, New York, 1959.
[14]- أحمد زايد: علم الاجتماع (النظريات الكلاسيكية والنقدية)، مرجع سبق ذكره، ص(292).
[15] – حسام الدين فياض: تطور الاتجاهات النقدية في علم الاجتماع المعاصرة- دراسة في النظرية السوسيولوجية المعاصرة، دار كريتار، إسطنبول، ط1، 2020، ص(242).
[16] – أحمد زايد: علم الاجتماع (النظريات الكلاسيكية والنقدية)، مرجع سبق ذكره، ص(293).
[17] – المرجع السابق نفسه، ص(294).
[18] – George Ritzer: Encyclopedia of Social Theory, University of Maryland, college Park, A Sage Reference Publication, v(I), 2005, p.(341) .
[19] – Nazneen Kane: Alvin Gouldner Critical Theorist, University of Maryland, p.(4). http://www.allacademic.com/
[20] – علي ليلة: البنائية الوظيفية في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا- المفاهيم والقضايا، دار المعارف، القاهرة، ،1981، ص(42).
[21] – Thomas Ward: Definitions of Theory in Sociology, Denisoff, Serge and Etall(eds.), Theories and Paradigms in Contemporary Sociology,1974, p.(28) .
[22] – علي ليلة: بناء النظرية الاجتماعية، سلسلة النظريات الاجتماعية، الكتاب الأول، المكتبة المصرية، الإسكندرية، بدون تاريخ، ص(218).
[23] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، ترجمة وتقديم: علي ليلة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 2004، ص(80).
[24] – علي ليلة: بناء النظرية الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص(233).
[25] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، مرجع سبق ذكره، ص(80).
[26] – علي ليلة: بناء النظرية الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص(234).
[27] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، مرجع سبق ذكره، ص(80).
[28] – علي ليلة: بناء النظرية الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص(234).
[29] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، مرجع سبق ذكره، ص(80-81).
[30] – علي ليلة: بناء النظرية الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص(235).
[31] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، مرجع سبق ذكره، ص(81).
[32] – علي ليلة: بناء النظرية الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص(235).
[33] – المرجع السابق نفسه، ص(236).
[34] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، مرجع سبق ذكره، ص(82).
[35] – علي ليلة: بناء النظرية الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص(236).
[36] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، مرجع سبق ذكره، ص(82).
[37] – علي ليلة: بناء النظرية الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص(237).
[38] – المرجع السابق نفسه، ص(238).
[39] – المرجع السابق نفسه، ص(238-239).
[40] – المرجع السابق نفسه، ص(239-243).
[41] – حسام الدين فياض: تطور الاتجاهات النقدية في علم الاجتماع المعاصرة- دراسة في النظرية السوسيولوجية المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص(269-270).
* يقصد بالطبيعة الثانوية للافتراضات الضمنية، أن تأثيرها على الأداء العلمي للمنظر العلمي لا يتم مباشرة، ولكن بصورة غير مباشرة، من خلال المقولات النظرية الصريحة لنظريته، فهي كامنة وراء هذه المقولات.
[42] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، مرجع سبق ذكره، ص(87-88) .
[43] – المرجع السابق نفسه، ص(82) .
[44] – Alvin Gouldner: The Coming Crisis of Western Sociology, op.cit, p.(29-30) .
[45] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، مرجع سبق ذكره، ص(83).
[46] – علي ليلة: بناء النظرية الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، (248).
[47] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، مرجع سبق ذكره، ص(85-86).
[48] – علي ليلة: بناء النظرية الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص(248).
[49] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، مرجع سبق ذكره، ص(88).
[50] – علي ليلة: بناء النظرية الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص(249).
[51] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، مرجع سبق ذكره، ص(89).
[52] – المرجع السابق نفسه، ص(90).
[53] – المرجع السابق نفسه، ص(85).
[54] – المرجع السابق نفسه، ص(92-93).
[55] – المرجع السابق نفسه، ص(93).
[56] – المرجع السابق نفسه، ص(93-94).
[57] – المرجع السابق نفسه، ص(94).
[58] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، مرجع سبق ذكره، ص(94-95).
[59] – المرجع السابق نفسه، ص(95).
[60] – المرجع السابق نفسه، ص(96).
[61] – Alvin Gouldner: The Coming Crisis of Western Sociology, op.cit, p.(481) .
[62] – Ibid, p.(482) .
[63] – السيد الحسيني: نحو نظرية اجتماعية نقدية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1985، ص(215).
[64] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، مرجع سبق ذكره، ص(703-704).
[65] – حسام الدين فياض: تطور الاتجاهات النقدية في علم الاجتماع المعاصرة- دراسة في النظرية السوسيولوجية المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص(280-281).
[66] – أحمد زايد: علم الاجتماع (النظريات الكلاسيكية والنقدية)، مرجع سبق ذكره، ص(314) .
[67] – السيد الحسيني: نحو نظرية اجتماعية نقدية، مرجع سبق ذكره، ص(216) .
[68] – Alvin Gouldner: The Coming Crisis of Western Sociology, op.cit, p.(484) .
[69] – أحمد زايد: علم الاجتماع (النظريات الكلاسيكية والنقدية)، مرجع سبق ذكره، ص(315).
[70] – ألفن جولدنر: الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي، مرجع سبق ذكره، ص(712- 724- 725) .
[71] – أحمد زايد: علم الاجتماع (النظريات الكلاسيكية والنقدية)، مرجع سبق ذكره، ص(316) .
[72] – أحمد زايد: علم الاجتماع (النظريات الكلاسيكية والنقدية)، مرجع سبق ذكره، ص(318) .
[73] – حسام الدين فياض: تطور الاتجاهات النقدية في علم الاجتماع المعاصرة- دراسة في النظرية السوسيولوجية المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص(286-287).
________
*د. حسام الدين فياض/ الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة/ قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقاً.