*فرنسوا دوبيت.[1]/ ترجمة محمد امباركي
آلان تورين (1925-2023)، عالم اجتماع ملتزم من أجل الديمقراطية[2]
تقديم (المترجم)
استحضارا لروح وعطاءات السوسيولوجي الفرنسي بل العالمي” آلان تورين ” الذي وافته المنية مؤخرا وبالضبط بتاريخ 9 يونيو 2023 عن عمر يناهز 97 سنة، وبذلك تفقد المدرسة النقدية المعاصرة في السوسيولوجيا أحد روادها الكبار، ارتأينا ترجمة هذا النص / الشهادة لصديقه السوسيولوجي ” فرنسوا دوبيت”…وهو نص منشور بالموقع الالكتروني للمجلة الفرنسية ” العلوم الإنسانية ” بعد ثلاثة أيام على وفاته.
وهذه هي مضامين النص مترجما:
توفي آلن تورين بتاريخ 9 يونيو 2023 عن عمر يناهز 97 سنة. لقد طبع صاحب كتاب سوسيولوجيا الفعل (1965) تخصصه العلمي بقدرته على استشراف التغير في مجالات ” حيث لا يرى فيها آخرون في غالب الأحيان غير الفوضى والأوهام ” كما يفسر لنا ذلك صديقه فرنسوا دوبيت. هو أقرب إلى ” الجيل الثاني من اليسار “، وكان هذا المتخصص في المسألة الاجتماعية، مدافعا شرسا عن الديمقراطية.
خريج المدرسة العليا للأساتذة وأستاذ مبرز في تخصص في التاريخ بعد فترة تحرر فرنسا من النازية، أصبح آلان تورين عالم اجتماع نتيجة عاملين ظل يوضحهما على الدوام. يتجلى العامل الأول في شغفه بالجهد العمالي في المجتمعات الصناعية. والعامل الثاني ارتبط بتذوق ممتع للتاريخ، ليس التاريخ كما هو قائم أي ذلك التاريخ الذي صاغه المؤرخون، بل التاريخ كما هو مصنوع داخل الحياة العادية للمجتمعات من خلال الصراعات الاجتماعية والتغيرات الثقافية. هذا بالإضافة الى أن عمله يصاحب وأحيانا يستشرف التحولات التي شهدناها خلال العقود السبع الأخيرة.
إن أولى الأبحاث التي باشرها آلان تورين كانت مخصصة لسوسيولوجيا العمل وتكوين الوعي العمالي داخل مصانع “رونو” خلال سنوات 1950. بالنسبة له، الوعي الطبقي ليس هو فقط وعي الاستغلال أو الشعور بالانتماء الى جماعة ثقافية : إنه التقاء بين الإرادة في الاستقلالية الذاتية وتنظيم العمل. الوعي العمالي هو تجربة فردية وجماعية تساءل تنظيم العمل باسم القدرة على أن تتحول الى ذات لحياتها الخاصة أي لحياة التجربة الفردية والجماعية. إن الذي يهم، هو الفعل الذي يظل صامدا ومقاوما لنظام الأشياء. أصبحت سوسيولوجيا آلان تورين في عداد ” ماهو كلاسيكي ” وهي تعارض هؤلاء الذي كانوا يتصورون الحركة العمالية باعتبارها المدافع الوحيد عن مصالحها التي يجسدها المشروع السياسي للحزب الشيوعي. هذا النموذج الأخير كان وجهة لانخراط أغلب المثقفين الفرنسيين.
يعتبر آلان تورين عالم اجتماع المجتمعات الصناعية، وقد أعلن عن انحدار هذه المجتمعات منذ ماي 1968. إذن يتحول المجتمع الصناعي الى مجتمع مبرمج من خلال التقنية والتكنوقراطية التي تراقبان وتؤطران كل مناحي الحياة، وليس فقط العمل.
داخل هذه المجتمعات ما بعد الصناعية تتشكل حركات اجتماعية جديدة تعمل على نقد هذه الأنماط من الهيمنة الثقافية والاجتماعية، ويتم هذا النقد باسم القدرة على أن تصبح هذه الحركات ذاتا لحياتها الخاصة وتستعيد زمام المبادرة في العلاقة بتاريخ قيد الصنع. انخرط آلان تورين بمعية فريقه داخل مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية (EHESS ) ومركز التحليل والتدخل السوسيولوجي (Cadis)، الذي تم إنشائه سنة 1981، في سلسلة من البحوث حول الحركات الجديدة التي كانت قيد الولادة والتشكل. لقد شيد طريقة منهجية هي التدخل السوسيولوجي الذي يتجلى في تنظيم نقاشات داخل مجموعات مناضلي الحركات الاجتماعية بهدف تسليط الضوء على مختلف منطقيات الفعل التي تحرك المعارك النضالية الجهوية، الإيكولوجية، الطلابية، النقابية، أو المعارك الديمقراطية من قبيل المعركة التي خاضتها حركة تضامن في بولونيا سنة 1981. تنطلق أبحاثه من المسلمة التي تقول أن الفاعلين الاجتماعيين بإمكانهم معرفة ما يقومون به ولا يمكن اختزالهم في مصالحهم الخاصة أو في استدماج الأدوار الاجتماعية التي من المفروض فيهم أن يقوموا بها.
موقع متميز للغاية
باعتباره عالم اجتماع الفعل وإنتاج المجتمع من طرف ذاته، احتل آلان تورين موقعا متميزا للغاية في الحقل السوسيولوجي لسنوات 1970. فهو يختلف عن الماركسية البنيوية التي كانت مهيمنة آنذاك بشكل واسع، وأيضا عن السوسيولوجيا التي تنظر الى الحياة الاجتماعية باعتبارها استدماجا ذاتيا لأشكال من الهيمنة تسعى قبل كل شيء الى إعادة إنتاج نظام اجتماعي معين. كما كان ألان تورين يعارض نظريات الاختيار العقلاني التي تفسر ما تصطلح عليه ب” المجتمع” من خلال تلاقي المصالح الفردية. إن الفعل الاجتماعي بالنسبة له، هو فعل متعدد : فهو ينبثق من الاندماج في عوالم منظمة، في قواعد لعب مؤسساتية وسياسية، إلا أنه يكشف أيضا عن علاقة نقدية بالعالم وبذات الفعل، الإرادة في أن يصبح ذاتا. وعلى الرغم من التوظيف المتنامي للحركات الجديدة والتي ساهمت في زعزعة القوى السياسية التقليدية، ظل تفكير ” آلان تورين” أكثر قلقا : لما نعيش في عالم يكتسي طابعا شموليا وعنيفا بشكل تدريجي، لا يمكن بتاتا أن تكون السوسيولوجيا علما للمجتمع، علما لاندماج ثقافة معينة، لاقتصاد وسيادة سياسية معينين. في نظره، يتحول الدفاع عن الديمقراطية الى قضية أساسية إذا كانت هناك إرادة لاكتساب القدرة على أن نعيش جميعا ونحن مختلفين.
على الرغم من أنه لم يكن لآلان تورين مشروع إنشاء مدرسة في السوسيولوجيا، أو الإشراف على مجلات ولجان بحثية، وفضل الباحثين المبدعين على التلامذة الأوفياء، فقد ظل تأثيره قويا خاصة قدرته على رؤية التغير حيث آخرين لا يرون غير الفوضى أو الأوهام. لقد أصبحت أغلب أطروحاته حول تحولات عالمنا الاجتماعي أفكارا واضحة وبديهية. كما كان للآلان تورين تأثير كبير خارج فرنسا وبشكل خاص بأمريكا اللاتينية حيث كان لمؤلفاته إشعاع ملحوظ، هذا الإشعاع الذي يعترف به علماء الاجتماع اليوم.
أ.آلان تورين، عالم اجتماع ملتزم، فهو ليس منخرطا فقط في الإدانة العامة للنظام، بل منخرط مع الفاعلين الاجتماعيين ومن أجل الديمقراطية، ملتزم أيضا باسم أخلاقية المسؤولية. قربه من “الجيل الثاني لليسار” لم يمنعه من توجيه النقد لمعسكر هذا اليسار نفسه، واضعا نفسه غالبا في موقف متعارض. لم يكن هذا السوسيولوجي اللصيق بالميدان وب”الوقائع ” من عشاق المواقف. هو لامع ومثير، مع ذلك لم يكن منشغلا بالرغبة في أن يعجب الجميع. ولا شك أنه كان السوسيولوجي الذي أتاح لنا بشكل أفضل إمكانية فهم كيف يتغير العالم ولماذا ينبغي أن نظل نحن هم الفاعلين في هذا التغير، مهما كانت تكلفته. حقيقة نفتقد آلان تورين، يفتقده الجميع بما فيهم أولئك الذين لم يحصل لهم شرف الاشتغال معه.
ب.من أجل إحاطة أكثر بإنتاجات آلان تورين يمكن الرجوع الى أعماله التالية:
- سوسيولوجيا الفعل، 1965
- المجتمع ما بعد الصناعي. ولادة مجتمع، 1969
- إنتاج المجتمع، 1973
- الكلام والدم، 1988
- نقد الحداثة، 1992
[1] فرونسوا دوبيت François Dubeهو عالم اجتماع مزداد سنة 1946، باحث في مركز التحليل والتدخل السوسيولوجي (CADIS ) التابع لمدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية والذي كان مدير للدراسات داخله كان أستاذا بجامعة بوردو الى أن تقاعد سنة 2013. له العديد من المؤلفات ذات الصلة بقضايا الشباب والمدرسة والمؤسسات.
[2] https://www.scienceshumaines.com. Publié le 12/06/2023
_____ *محمد امباركي/ باحث في سلك الدكتوراه. تخصص علم الاجتماع. جامعة ابن طفيل . القنيطرة