معالم لتجديد التفكير الديني؛ من علم الكلام إلى فلسفة الدين

image_pdf

توطئة:

تتأكَّد يوما بعد يوم ضرورة إعادة بناء رؤية جديدة للإنسان وللكون والحياة. لا مناص من أن تكون تلك الرؤية منصبَّة على قراءة النصوص التأسيسية للحضارة العربية الإسلامية ولا سيما النص القرآني، قراءة جديدة خلَّاقة تنبثق منها البشرية من تمثلات وصور نمطية حول الآخر المختلف، قد تراكمت على امتداد قرون من الزمن، وهي في الغالب تنبعث في الأزمات والصدام الحضاري، فتبين على أن البشرية رغم ما بلغته من رقي وتطوُّر ما زالت حبيسة لتلك التصورات التي استبطنها اللاوعي الجمعي وعجز الوعي عن نقدها وتفكيكها والتخلُّص من شحناتها السلبيَّة فأضحت عرضة للتوظيفات السياسية والإيديولوجية في الصراع الناشب اليوم.

1 – في نقد المنجز وتشخيص العوائق (محمد أركون نموذجا)

لقد ظلَّت محاولات تجديد الفكر الإسلامي حبيسة نمط من التأويل قائم على هرمنوطيقا  تستقصي داخل النصوص التأسيسية المسافة التي تفصلنا عنه عبر وسائط اللغة والتاريخ فتقف عند السياقات الأصلية وتبرزها في تاريخيتها وإختلافها وقد مثل هذا المسلك شلايرماخر (1798 – 1834) ودلتاي (1833 – 1911) .

إنَّ هذا النمط من التأويل مفيد منهجيا حيث يحررنا من سلطة التأويلات القديمة والتفسيرات الماضوية الملتبسة بالقداسة وهو ضروري لإبراز تاريخية المفاهيم والأفكار وسياقات تلقيها وانتقالها، (1) إلا أنه يقوم على وهم لا بد من التحرر منه، هو وهم النص المغلق المفصول عن قارئه، لذلك بقيت تلك المحاولات تدور في حلقة مفرغة وهي تقرأ النص الإسلامي أصلا وتراثا، فآكتفت في الأغلب بالتفكيك والنقد وعجزت عن إبداع تأويلات ثرية من شأنها تجديد الفكر الديني وتوظيف الإمكانات الخصبة في التراث.(2)

فالنظريات التأويلية في الفكر العربي لم تستطع الخروج من تلك الدائرة لتقدم بدائل مغرية ومقنعة تتصدى لجاذبية القراءات التمجيدية للإسلام التي وجدت في جمهور متعطش لثقافة دينية تلبي حاجياته الروحية سوقا رائجة لبضاعتها. يحدث ذلك في الوقت الذي إستطاع المفكرون اليهود أن يعودوا إلى النص التلمودي المليء بالخرافة والتعصب ليعيدوا قراءته بحثا عن فلسفة تبوؤهم مكانة في المجتمع الحديث وتتيح لهم الإعتراف بهم من قبل الآخرين المختلفين عنهم والمتوجسين منهم خيفة، فقد وجد الفيلسوف اليهودي إيمانويل ليفناس Emmanuel Levinas  في النص التلمودي ما يبني عليه فلسفة الاختلاف لإحداث شرخ في ذاتية الحداثة المتمحورة حول نفسها وتكريس الإختلاف مهم بالنسبة إلى اليهود كمفهوم فلسفي تتأسس عليه حقوق مدنية وسياسية مما يتيح لهم الإندماج في المجتمعات التي يعيشون داخلها.(3) كذلك الشأن مع فلاسفة الغرب المسيحيين الذين استطاعوا أن يجدوا في تحطيم نيتشه للميتافيزيقا سبيلا لتجديد المسيحية وهذا ما حاول القيام به الفيلسوف الإيطالي جان فاتيمو Jean Vatimo وزميله الفرنسي روني جيرار René Girard  (4)، فقد حاولا أن يجعلا من فكرة التجسيد المسيحية L’ Incarnation  منطلقا للتصورات العلمانية، ممَّا حدا بمارسال غوشيه Marcel Gauchet  إلى القول: ” إن المسيحية هي ديانة الخروج من الدين ” (5) بما يعني أن الإنسان أصبح إلها وأن له مطلق التصرف في الطبيعة وفي الكون وفي نفسه بلا حسيب أو رقيب سوى عقله وضميره وهو ما يفسر في جانب منه ما بلغته الحضارة الغربية من تطور وازدهار، إنَّ بقاء محاولاتنا للخروج من الأزمة التي يعانيها الفكر الإسلامي تراوح مكانها، ربما يعود ذلك في جانب منه إلى الخلفيات الفكرية التي ينطلق منها أصحاب مشاريع التحديث والتي لا ترى في النص المؤسس ولا في التراث ما يسمح ببناء نهضة حضارية.

لذلك كان تعاملها مع المناهج الحديثة للعلوم الإنسانية تعاملا إنتقائيا وتوظيفيا يخدم إستراتيجيتها القائمة إعمال معاول الهدم في النص القرآني وفي التراث بغرض تجاوزه بل التخلص منه، بدل إستلهامه وإستنطاقه، فالبعض يرى فيه عبءا ينبغي رميه في دائرة التهميش والإهمال أو إجباره على أن ينطق بما ليس فيه أو أن يصمت عن ذلك الكلام الذي لا يريد صاحب المشروع الفكري أن يسمعه من النص الأصلي ومن مشتقاته. هؤلاء يرون نهضة الأمة في إستيراد النماذج الجاهزة وإستنساخ تجارب الآخرين دون السعي إلى البناء والتأسيس النابعين من الخصوصية الثقافية للأمة.

إنَّ بعض المشاريع الفكرية وبدعوى أن إنجازها يقتضي فرق بحث متعددة في اختصاصات متنوعة نظرا لاتساعها وضخامتها، إضافة إلى غياب حرية التفكير والنقد والإبداع في المجتمعات العربية وخصوصا في مؤسسات البحث العلمي والتعليم الجامعي لذلك ظلت تراوح مكانها فآكتفت بالنقد والتفكيك وخير دليل على ذلك ما وقعت فيه المدرسة الأركونية – نسبة إلى محمد أركون رحمه الله – في نزوعها إلى مواكبة آخر المستجدات في مجالي المفاهيم والمصطلحات الحديثة التي تنتجها العلوم الإنسانية في مختلف فروعها المعرفية كعلم الإجتماع وعلم النفس والتاريخ والأنتروبولوجيا وتاريخ الأديان وعلم الأديان المقارن…حيث اكتفت باستيراد المفاهيم وتطبيقها على النص المؤسس والنصوص الثواني الأخرى. (6)

فمفاهيم مثل: الرأس مال الرمزي، مديونية المعنى،  المفكر فيه،  اللامفكر فيه، المستحيل التفكير فيه، مجتمع الكتاب،  أركيولوجيا المعرفة، الدائرة التأويلية، وضعية الخطاب،  المتخيل، العجيب الخلاب،…تجد صداها في كل ما كتبه محمد أركون، مما يشي بأنه واقع تحت سياقات تلك المفاهيم وشحنتها الدلالية، لقد كان عليه أن يتخلص من كل أولئك المفكرين الذين تقمصهم بعد أن يكون قد هضم أفكارهم وتمثلها وأن يقدم بعد ذلك على صياغة تجربته الخاصة في النقد وفي بناء جهاز مفاهيمي خاص به يتجاوز به الخصوصية الثقافية وينفتح به على الكوني.

إن السعي إلى إلغاء الماقبل العقدي L’ Apriori- théologique  في  مقاربة النص الديني والنص القرآني  خصوصا، بما يعني قطع النص وفصله عن مصدره المتعالي،تبدو عملية عبثية لا معنى لها، وإن بدت متأثرة ببعض المدارس النقدية الأدبية وتحديدا البنيوية التي تعلن موت المؤلف وتمارس قراءة للنص باعتباره شبكة من الدلالات والعلاقات تحكمها اللغة وتدرس بعيدا عن صاحب النص أو عن مبدعه. يتجاهل هذا التمشي في التعامل مع النص القرآني خصوصية اللغة الدينية والتي يعمل عدد من الباحثين على صياغة سيميوطيقا خاصة بها une sémiotique du discours religieux  وذلك لما لاحظوه من اختلاف بينها وبين لغة الشعر ولغة الأدب وإن إشتركت معهما في جوانب معينة كالمجاز والاستعارة والتشبيه، إلا أن ما يميز اللغة الدينية أنها لغة جعلت لتقرأ وتعاش Lu et Vécu  فهي لغة إنجازية بامتياز une langue performative  لذلك فهي تبوئ صاحب النص – الإله منزلة كبيرة لحضوره الطاغي وضرورته لفهم النص وآستكناه معانيه، فبدونه تظل كل قراءة مبتورة، تفقر النص وتصحره وتخصي قدرته على إعطاء المعنى وتوليده . (7)

 لقد أدرك أركون في آخر حياته أن رهانه على قدرة العلوم الإنسانية على تجديد الفكر الديني وإصلاحه لم يؤت أكله، فقد تردى العالم العربي والإسلامي في أتون التطرف والتعصب والطائفية والإرهاب وهو ما حدا به في كتابه الأخير ” الأنسنة والإسلام ” إلى العودة إلى المباحث الكلامية والعمل من داخلها من أجل بناء رؤية تنويرية تحديثية تصالح المسلمين مع عصرهم وتعمل على إنجاز الإصلاح الديني المنشود. إن إستراتيجية الخروج من الأزمة التي يعيشها الفكر الإسلامي في طموحه لبناء رؤية جديدة للكون وللإنسان وللحياة، لا ينبغي لها الإكتفاء بنقد الموروث والإكتفاء بالتنديد بما يروج له الإستشراق الجديد الذي لم يستطع أن يتجاوز عوائقه الإبستيمولوجية ويطور آليات تحليله وظل يجتر ما يقوله أسلافه المؤسسون وما يقدمه الخلف الآن لا يرتقي إلى ما طرحه الآباء المؤسسون للإستشراق ( آنظر إلى موقف هشام جعيط من الإصدار الأخير ” قرآن المؤرخين ” وهو موسوعة صدرت عن دار النشر الفرنسية cerf في أربعة أجزاء،شارك فيها 28 باحثا،(باريس، 2019 ) وهي إحياء لآراء المستشرقين المعادية للإسلام ) لقد ظل هؤلاء يجترون ما قاله أسلافهم المؤسسون ويقدمونه بلغة حديثة ما زالت تخفي وراءها رؤية جوهرانية essentialiste  للإسلام والمسلمين وتكرس بذلك ذاك الإقصاء المدبر الذي يعاني منه الإسلام منذ نشوء التحالف اليهودي – المسيحي المتمثل في اليهو- مسيحية le Judéo-christianisme  والذي تأسس على مغالطات تاريخية متعمدة، فإلى حد هذا اليوم لا البحوث التيولوجية ولا تاريخ الأديان ولا فلسفة الدين إهتمت حقيقة بإدماج الإسلام في المصادر والأصول التاريخية وفي الآفاق الروحية التي يعلن القرآن بإلحاح ووضوح إنتماءه إليها كمسألة الميثاق l’Alliance  وعلاقاته الوثيقة باليهودية والمسيحية. (9) لقد إمتد هذا الإقصاء إلى تقطيع تاريخ البحر المتوسط حسب الرؤية اللاهوتية، فجنوب المتوسط وشرقه تركا للمستشرقين وألحق الشمال بأوروبا المسيحية واللاتينية والآن الحديثة. للأسف،إن التقليد الجامعي الغربي ظل يتداول هذا التقسيم وكأنه مسلمة دون أن يخضعه للنقد والتجريحذجج ويكشف خلفيته وتهافته، مثلما عودنا على ذلك في مسائل أخرى، كان يعمل في تفكيكها آلياته العقلانية والفلسفية. رغم حجم المغالطات التاريخية والتشوهات التي أصابت الإسلام سواء في معتقداته أو في منجزه الحضاري، فإننا مازلنا نثق بقدرة هذا الدين على التموقع في قلب الحداثة دون أن يهدد مكاسبها، بل في ما بعد الحداثة وما تفتحه من آفاق رحبة يتعانق فيها الإنساني بالكوني. وذلك بما يحمله من قدرة على توليد رؤى وفلسفات تعطي أبعادا جديدة للحياة وللأفراد بما تحتويه من معقولية وجاذبية، كل ذلك يظل رهين قراءة جديدة للنص القرآني تستنطقه ضمن الشروط الحضارية الجديدة وتحترم ما بلغته الإنسانية من نضج فكري ورقي حضاري.

إن من الشروط الأولى لنجاح هذا التمشي هو الوعي بتغير الإبستيمي القديم أي نظام الأفكار الذي ساد القرون الوسطى بما يعني نقد التراث الكلامي القديم للتخلص منه وآستبدال الرؤية التيولوجية الكلاسيكية بما بلغته فلسفة الدين في منحييها الوظيفي والتحليلي من قدرة على جعل التفكير في الدين جزءا من التفكير الفلسفي في المنزلة الإنسانية. ثاني الشروط هو الإشتغال على المعطى اللغوي / اللساني لإعادة قراءة النص المؤسس متوسلين في ذلك بما توفره اللسانيات الحديثة من آليات ومناهج لتفكيك النصوص وإعادة قراءتها لا سيما وأن الفلسفة المعاصرة في بحثها عن براديغم جديد للتفلسف صارت تولي أهمية قصوى للنصوص، تبحث من خلالها عن ملامح عقل يجد ماهيته في اللغة فهو عقل لا يعقل ولا يفكر بل يحلل لغة الكائن الذي يدرسه أو يؤول لغة القائل الذي يخاطبه وأما نوع الحقيقة الذي يمفصله هو الحقيقة / الفعل القولي .(10) فهذا النوع من العقل أو المعقولية يعيننا على إعادة قراءة النصوص ويمكننا من تجسير العلاقة بين اللاهوت والفلسفة ومن التموقع في قلب الحداثة وما بعد الحداثة.

2 – الوعي التاريخي بتغير الإبستيمي من مطلق الحقيقة إلى تنسيبها:

إن تعددية الأديان والمعتقدات في الكون ظاهرة لا يمكن تجاهلها أو التغافل عنها وهي قديمة قدم الإنسان. فتنوعها بين ما هو كتابي وما هو غير كتابي وبين ما هو مستند إلى نبوة وما هو دون نبوة، حقيقة تاريخية وسوسيولوجية ماثلة للعيان، فحتى في ظل الإنتشار الواسع لدين من الأديان مثل المسيحية أو الإسلام مثلا أو لمعتقد من المعتقدات ظلت هناك أديان مختلفة موجودة وقائمة، حافظت على وجودها وعلى خصوصيتها، قد تكون عانت الحصار والمنع والتضييق ولكنها إستمرت في البقاء مما يشي بصلابة المعتقد وقدرته على إختراق الأزمنة وحتى الأمكنة .فكل سعي إلى حمل الناس على معتقد واحد أو صهرهم في دين واحد مسعى محكوم عليه بالفشل وهو عمل عبثي لا طائل من ورائه وقد حذر القرآن الكريم نبيه من مثل هذا النزوع يقول تعالى: ” ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ” (11 ). إن تعامل الأديان فيما بينها وعلى إمتداد التاريخ تراوح بين الإقصاء والإلغاء والتكفير من جهة وبين القبول والتعايش والتسامح المسيج- وهذا نلحظه في المعيش اليومي أكثر مما نجده في الكتب وفي النظريات- من جهة أخرى. هذا النمط من التعامل ينسحب أيضا على الفرق الكلامية داخل كل دين أو معتقد ويشهد أدب غزير مبثوث في كتب التاريخ والعقائد وعلم الكلام على ذلك. (12)

إن ما يمكن ملاحظته في هذا السياق هو وجود نوع من الإستقرار على مستوى خارطة الأديان وتوزعها الجغرافي فلم نعد نسمع بظهور دين جديد كما أن حركة الإنتقال من دين إلى آخر لم تنقطع وربما إرتفعت وتيرتها في الأزمنة المعاصرة بحكم أن الإعتقاد أو الإنتماء إلى دين لم تعد تلعب فيه العادات والتقاليد الموروثة عن الآباء والأجداد الدور الحاسم، بقدرما أصبح إختيارا واعيا تتحكم فيه عوامل ذاتية وقناعات فكرية وربما مقاييس وجدانية، جمالية وذوقية مما سيكون له عميق الأثر على طبيعة التدين نفسه.إن المواقف والآراء المتخذة من الأديان فيما بينها أو من قبل كل فرقة إزاء الفرق الأخرى داخل الدين نفسه ظلت محكومة بنوع من الإبستيمي السائد في العصور الوسطى والمستمر إلى الآن وأبرز تجلياته الحروب الدينية والصراعات الطائفية .و يقوم نظام الأفكار هذا على فكرة الحقيقة الواحدة المطلقة والتي تدعي كل الأديان أنها تمتلكها لوحدها وأن لها الشرعية في التحدث بآسمها والدعوة لها وتطالب غيرها بالإلتحاق بها وإلا عد كافرا وملعونا ومطرودا من رحمة الله وسدت في وجهه أبواب التوبة إذا إستمر على معتقده ولا نصيب له في الخلاص le Salut  في الآخرة ما لم يلتحق بالدين الصحيح الأوحد. يقول فوزي البدوي: ” فالجدل الديني القديم قد تحكم فيه نوع الإبستيمي القائم على الحقيقة والدين الصحيح الواحد وتحكمت فيه بنية إقصاء متبادل قامت على مفاهيم الفرقة الناجية والديانة الصحيحة ومفهوم خاص بالحقيقة وأصحابها.” (13 )إن هذا الإبستيمي يجعل تعدد الحقيقة ووجود أديان مختلفة ولكنها صحيحة، أمرا غير مفكر فيه أو مما يستحيل التفكير فيه، فحين تعلن المسيحية أنه لا خلاص خارج الكنيسة hors l’Église point de Salut  وحين يعلن المسلمون ” أن الدين عند الله الإسلام ” (14) فكلاهما يرسم للإنسان سبيلا واحدة للتواصل مع المطلق لنجد أنفسنا أمام نظامين ثقافيين من الإستبعاد والنفي المتبادلين deux systèmes culturels d’exclusion réciproques  وكأنهما متوازيان أو متضادان لا يمكن الإلتقاء بينهما.(15) إن الفضاء العقلي الحديث،فضاء الحداثة أنجز قطيعة مع نظام الأفكار السابق حين قام على نسبية المعرفة والحقيقة وهي فكرة تتعارض مع مطلق الحقيقة الذي ساد الأوساط الدينية في فضاء العصور الوسطى. لقد أصبح اليوم من غير الجائز إجبار الجميع على تبني معتقدات أو يقينيات عقائدية واحدة، فبآسم من وبآسم ماذا يحق لنا أن نطالبهم بذلك؟ في الماضي كان ذلك واردا لا يلقى إعتراضا، وحتى أولئك الذين إعترضوا قد تلقوا معاملة قانونية خاصة.(16) إن القرآن الكريم قد ذكر هذا الإستبعاد المتبادل بين اليهود والنصارى في مسألة إدعاء كل منهما إحتكاره للحقيقة وإقصاء الآخر عنها، ليكشف عدم صحة هذا المنحى، وهو أن للدين تجليات مختلفة وإن صدر من مشكاة واحدة. يقول تعالى: ” وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ” (17) كما فند القرآن إدعاء اليهود والنصارى إحتكارهما للخلاص والنجاة في الآخرة وبالتالي يفتح القرآن الكريم سبلا أخرى للإنفتاح على المطلق ومعانقته يقول تعالى : ” وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ” (18) وقال أيضا: ” وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ” (19) بل إن القرآن وفي مساره التصحيحي للرغبة الجامحة في الإستحواذ على الإرث الإبراهيمي سواء من اليهود أو من قبل النصارى، لا يتردد في كشف المغالطات التاريخية والتي ترمي إلى كسب مشروعية زائفة هدفها الإستعلاء التاريخي، إن لم نقل الإلغاء والإقصاء، يقول تعالى: ” ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما ” (20)

ويقول أيضا: ” يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ” (21) لقد زعم كل فريق من اليهود أو النصارى أن إبراهيم كان منهم وجادلوا الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فيه فقيل لهم من خلال القرآن إن اليهودية إنما حدثت بعد نزول التوراة وإن النصرانية حدثت بعد نزول الإنجيل، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلا بعد عهده بأزمنة بعيدة. فهذا محال حدوثه وجدالكم جدال عقيم لا طائل من ورائه أفلا تعقلون. إن مثل هذه الآراء والمواقف المتصلة بالصراع على الإرث الإبراهيمي ومحاولة إحتكاره، لا تزال إلى الآن تجد صداها في كتب العديد من المفكرين في الغرب، فالتصورات القروسطية تستمر في التحكم بأفكارهم رغم ما بلغه الفكر المعاصر في الغرب من تطور ومن عقلانية ونقد لا سيما تلك المدارس التي تنظر للإختلاف والمغايرة، ورغم ما أنجزته بعض المدارس الفلسفية التي عادت إلى نقد مسار الحداثة وكشفت ما إعتراه من إنحرافات، مازالت هناك أصوات متطرفة تدعو إلى الإقصاء وخطورة هذه الأفكار تكمن في أنها تعتمد في صياغة إستراتيجيات سياسية وضبط أهداف لأجندات دولية. يتحدث الفيلسوف البروتستانتي جاك إيلول Jacques Ellul  قائلا: ” إن المسلمين ليسوا سليلي إبراهيم لأن النبوة الحقيقية حكر على إسحاق فقط دون إسماعيل. ” (22) فحسب زعمه أن إسحاق هو من تلقى الميراث الإبراهيمي وهذا سعي لتكريس طلاق بائن بين الإسلام والحضارة اليهودية – المسيحية وذلك بهدف حرمان الإسلام من أن يكون وريثا شرعيا للمسيهودية التاريخية وذلك عبر إعتماد قراءة للتوراة قائمة على نظام الإستبعاد والنفي ويذهب الفرنسي آلان بيزنسون Alain Besançon  إلى أن : ” الإسلام هو من الديانات الطبيعية ولا يمكن إعتباره من ديانات الوحي على الإطلاق ” وذلك في كتابه ” غوايات الكنيسة الثلاث Trois tentations dans l’Église ” وتهدف هذه الآراء إلى قطع الطريق أمام محاولات الكنيسة التقارب مع الإسلام في ما يعرف بجماعات ” الحوار ” في فرنسا والتي ترى أن الإسلام يندرح ضمن التقليد الإبراهيمي كما تتمثله الكنيسة وأن القرآن هو بمثابة توراة ثانية أو كنا مقدس ثان Deutro-Bible وهو بالتالي مواصلة للكتاب المقدس المسيهودي. هذه الآراء يعتبرها بيزنسون زائفة ومضللة وتخفي جهلا بالإسلام وبأحندته العملية. (23)لقد هيأ القرآن الكريم الأرضية للإسلام ليكون الدين الخاتم القائم على النضج الذي بلغه الإنسان ليقرأ الوجود والنص بعقله وليكتشف سنن الحياة وقوانين الطبيعة، ومن أهم الحقائق التي ينبغي إدراكها هو ضرورة تنسيب الحقيقة والإقرار بذلك لكل الأديان والمعتقدات وذلك من خلال تصديه لكل إدعاء بآحتكارها ولكل محاولات الإستحواذ على المشترك الإبراهيمي لإكتساب مشروعية يتم توظيفها لممارسة الإقصاء والتهميش.لقد أعلن القرآن بوضوح لا لبس فيه أنه ” لا إكراه في الدين ” (24)إن تبني الإسلام لحرية المعتقد يعني الإقرار بإمكانية وجود لادينيين أو ملحدين وهو ما يعبر عنه في التشريعات الحديثة ب ” حرية للضمير ” وهي تعني فيما تعنيه أيضا التسليم بأن يكون الدين ظاهرة إجتماعية وثقافية وحضارية من بين ظواهر أخرى، عليه – أي الدين – أن يبحث عن صيغ للتعايش معها داخل المجتمع الواحد. هذا الوضع الجديد الذي يجد فيه الدين نفسه، يفترض أن يفكر فيه بآليات جديدة. لقد فقد الدين الأولوية في أن يكون الوحيد المحرك للتاريخ وأن يكون له وحده الحق في أن يضفي المشروعية على المؤسسات التي يفرزها المجتمع. إن الأديان في عالمنا المعاصر، عليها أن تكتفي بعرض عقائدها ورؤيتها للوجود وللإنسان على الناس من غير إدعاء بأفضليتها أو بأحقيتها  دون غيرها في إفتكاك الفضاء العمومي، عليها أن تمتنع عن الطعن في معتقدات الآخرين وقناعاتهم الفكرية والدينية أو أن تقلل من شأنها وأن لا تكره المختلفين عنها على الإلتحاق بها. ينبغي أن نقر كل دين أو مذهب أو فكر على ما هو عليه، طالما أن أتباعه قد إرتضوا به وأنهم قد وجدوا فيه شيئا من المعقولية إطمأنت لها قلوبهم وسكنت إليها نفوسهم وشعروا بها بالإمتلاء la plénitude

 .(25) كما أنه من حق الناس جميعا إختيار معتقدهم، كما لهم الحرية في تغييره شريطة أن يتم ذلك بآختيار ناجم عن قناعة فردية ونابع من ضمير حر غير خاضع لأي صنف من صنوف الإكراه ولا لأي نوع من الضغوط الإجتماعية أو السياسية أو الدينية أو الفكرية ليكون الفرد في النهاية هو ذاته التي وهبها الله له، ذات كما أرادها هو نفسه حرة ومسؤولة.إن إنخراط الإسلام في مثل هذه الرؤى الرائدة والنجاح في ذلك يظل رهين مراجعة بعض التصورات والمفاهيم الموروثة عن العصور القديمة مثل الجزية وأهل الذمة والكتاب المهيمن،….فالإنسانية في بعدها الكوني أفق جديد ينفتح أمام البشرية في الألفية الثالثة، يمكن للإسلام أن يلعب فيه دورا مهما بما يختزنه النص القرآني والأحاديث النبوية الشريفة من قيم إنسانية سامية يلتقي حولها الناس، إنها مبادىء تحترم الإنسان بما هو إنسان بقطع النظر عن عرقه ولونه وجنسه ودينه ولغته ويدافع عنها بما يمتلكه من جهاز تشريعي تأكد اليوم وجوب مراجعته على ضوء ما بلغه الوعي الإنساني من مراتب متقدمة وما بلغته المدونة الحقوقية الدولية، في مستوى التشريعات والقوانين من تطور. إن الإسلام يمكن أن يكون قاطرة لحداثة مأزومة، خانت مبادئها، فيصحح منجزها ويفتح لها  في نزوعها الإنساني والكوني آفاقا جديدة أكثر مصداقية .فيكرس قيم العدل والمساواة والحرية والتضامن، ويستأنف رسالته الحضارية بعد أن آستبعد من  لعب أي دور في الحضارة الحديثة وذلك لأسباب يطول شرحها. إن الجذر (س،ل،م) ومنه آشتق سلم وأسلم وسلام ومسلم،…هذه الألفاظ والمشتقات لها حضور طاغ في  النص القرآني وهي في دلالاتها الإيتيمولوجية البكر يمكن أن تكون نواة صلبة جامعة لكل الأديان بمختلف أنواعها وخاصة أديان الوحي التي تقر بوحدانية الله وتخضع له. وبهذا المعنى ننفتح على كافة أشكال التعبد والإعتقاد يقول تعالى: ” لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ” (26) فالإسلام كمفهوم تناوله القرآن في العديد من المواضع كان حرا طليقا، كانت معانيه رحبة تتسع لكل أشكال الإعتقاد .إنه في حالته البكر مضمخ بألق البدايات ونضارتها، إلا أن معتنقيه وفي سعيهم لإدارة شأنهم اليومي ينشؤون له مؤسسات تستجيب لحاجياتهم، هذه المؤسسات تستحوذ على المعاني البكر وتحتكرها لتجيرها لصالحها. فمؤسسة الفقه تعمل على ضبط معنى الإسلام فتضيق دلالته بعد إتساعها ويصبح عندنا إسلام الفقهاء،و عندما يتسع مجال الفقه وتتعدد مدارسه يعمل الفقهاء على ضبطه من خلال وضع علم أصول الفقه لتدجين المختلف والمنفلتة.كذلك الشأن مع مؤسسة علم الكلام التي تعمل على أن تحدد للإسلام أسسه العقائدية فتصوغ معتقداته وهي حين تفعل ذلك تكون مهوسة وحريصة على كل ما يميز الإسلام عن غيره من الأديان وبذلك تسقط في تضييق معنى الإسلام ثم يصبح لهذا العلم أصوله وقواعده وهو ما يعرف بأصول الدين أو علم التوحيد والعدل نحن اليوم مطالبون بآسترجاع المعاني الأصيلة لمفهوم الإسلام  وبتخليصها من إحتكار المؤسسات لها،لأن هذه المؤسسات بآستخواذها  على تلك المعاني غير القابلة للتدجين قد فرقت الأمة وجعلتها نحلا تتقاتل فيما بينها وأدت إلى ظهور فرق دوغمائية منغلقة على نفسها تدعي كل منها إمتلاك الحقيقة وتكفر من يخالفها. ينبغي الإنتقال من المعنى الفقهي والكلامي للإسلام إلى المعنى الإيماني المتحرر من كل الضوابط التي عملت على تجييره يقول عبد الجبار الرفاعي: ” فكلمة مسلم بالمفهوم القرآني تعني القبول العفوي والطوعي والمتلهف بل والعاشق لكل ما تأمر به الإرادة الإلهية..كلمة إسلام في القرآن ليس لها ذلك المعنى العقائدي واللاهوتي والثقافي الذي كان قد فرض نفسه على مدار تاريخ الإمبراطوريتين الأموية والعباسية. إن الإسلام الإمبراطوري هو جالمعبأ بمداليل سلبية فيما الإسلام بمفهومه القرآني يعني الدين الأولي والشعيرة النقية والطاعة العاشقة والكلية لله.” (27)إن إستراتيجية الإسترجاع للمعاني الأصيلة لمفهوم الإسلام  تقتضي منا التموقع في الماقبل الإعتقادي l’apriori – théologique  والمقابل الفقهي l’apriori – juridique  حتى نتمكن من قراءة الآيات المتعلقة بالإسلام في ضوء البراديغم الجديد القائم على حرية الضميرو تعدد العقائد ونسبية المعرفة. لقد لامس البعض من القدماء المعاني الأصيلة والمنفتحة للإسلام غير أنهم لم يكونوا قادرين على إستنباط ما يترتب عن تلك المعاني من مواقف وتشريعات لقد كانوا محكومين بنظام للأفكار un épistémé  قائم على الحقيقة الواحدة والفرقة الناجية والدين الحق، فسقطوا في المذهبية المقيتة وفي إزدراء الأديان . فبعيدا عن مسألة الناسخ والمنسوخ، يكون الخطاب في هذه الآية موجها إلى الناس كافة، بحيث أن لكل دين شريعة وطريقا في التدين يجرون عليه وهذا دليل على أن أتباع كل دين غير متعبدين بشرائع من كان قبلهم، إنهم بتنوعهم وآختلافهم لا يخرجون عن النواة الصلبة الجامعة، وبذلك يكون الدين عند الله الإسلام. يقول الزمخشري (ت 538 هجري ) في شرح كلمة ” مسلمون ” الواردة في قوله تعالى: ” قل آمنا بالله وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ” (28)لقد كرس الإسلام تعددية الأديان والمعتقدات في الفضاء الجغرافي الذي كان خاضعا لسلطته، فهو لم يجبر اليهود والنصارى والصابئة والمجوس وغيرهم على الدخول فيه وإنما أقرهم على ما هم عليه وأوجد صيغة للتعامل معهم تتمثل في الجزية مع إعتبارهم أهل ذمة وهي مواثيق وعهود لم ترتق إلى ما هو معلوم من الدين بالضرورة وهي ليست من الثوابت وإنما هي إجتهادات كانت محكومة بظرفيتها التاريخية وبموازين القوى، توجب اليوم مراجعتها وتجاوزها والعمل على البحث عن بدائل تستلهم الأوضاع الجديدة والشروط الحضارية وما بلغته الإنسانية من رقي في صياغة أشكال من التعاقد الإجتماعي والإنتظام السياسي. لقد أصبح لزاما علينا اليوم العمل على تأصيل مفاهيم المواطنة والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في البيئة العربية والإسلامية، ضمن قراءة تعلي من قيمة الإنسان في النص القرآني بحيث يصبح حجر الرحى الذي تدور حوله الأسئلة الوجودية الكبرى تنظيرا وتشريعات وإنتظاما.

-في مفهوم ” الكتاب المهيمن”

إن الإسلام لم يأت لنسخ الشرائع السابقة عليه  يقول تعالى : ” لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء آلله لجعلكم أمة واحدة ” (29) يكون الخطاب في هذه الآية موجها لعامة الناس بحيث أن لكل دين شريعة وطريقا يجرون عليه وهذا على أن أتباع كل دين غير متعبدين بشرائع من كان قبلهم فحتى داخل الدين نفسه يكون ضمير المخاطب الجمع ” كم ” المتصل بحرف الجر ” من ” التي تفيد مصدر الشيء،تجعل من كل أمة مطالبة أن تستنبط شرعة ومنهاجا يتلاءمان مع إحتياجاتها التشريعية وأن تستلهم طرقا جديدة في التعامل مع النص القرآني تكون صدى صادقا الشرط الحضاري الذي تعيشه وللأوضاع التاريخية والإجتماعية التي تمر بها.إن هذا الفهم الآية آنفة الذكر،تقتضي منا مراجعة مفهوم ” الكتاب المهيمن ” ونعني به القرآن الكريم للقطع مع ذلك المفهوم السائد والذي كان له أثره البالغ في بناء تصورات حددت علاقة المسلمين بغيرهم من الشعوب والأمم. لقد عمد جل المفسرين وآستنادا إلى صفة المهيمن إلى أن يشرعوا ضرورة نسخ الإسلام لكل الديانات السابقة عليه ة لاسيما الكتابية منها رغم أن الآية 48 من سورة المائدة تذهب في منحى آخر، ولو كان النسخ في الشرائع صحيحا لأجبر الرسول صلى الله عليه وسلم أهل نجران من النصارى على الدخول في الإسلام بل إنه إكتفى بأن عرض عليهم الإسلام بعد أن ناقشهم في طبيعة المسيح وهو ما يعرف بالمباهلة وحين رفضوا دعوته أقرهم على دينهم وفرض عليهم الجزية.آستعملت لفظة ” المهيمن ” في القرآن في سياقين مختلفين  : السياق الأول هو إلتصاق اللفظة بالكتاب أي بالقرآن وذاك في قوله تعالى : ” وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ” (30) والسياق الثاني هو صفة للذات الإلهية ذكرت ضمن صفات أخرى وردت في قوله تعالي: ” المؤمن المهيمن العزيز المتكبر ” (31) وفي كل سباق إتخذت اللفظة معنى مخصوصا .ففي السياق الأول هي صفة للكتاب وتعني الشاهد يعني شاهدا عليه .(32)،أي رقيبا على سائر الكتب لأنه يشهد لها كما تدل على أنه حفظ من التغيير والتبديل. أما السياق الثاني فهي إسم من أسماء الله الحسنى وتعني القائم على خلقه، القائم على الناس والقائم بأمور الخلق .(33) فالمهيمن إذا كانت إسما من أسماء الله فهي تعني القائم بأمور الخلق وإن كانت صفة للكتاب المنزل – القرآن – فهي تعني الشهادة على ما ورد في الكتب السابقة وذلك بإقرار ما فيها من عقائد صحاح وما إعتراها من تحريف،فالهيمنة بهذا المعنى بحث عن المشتركات بين الأديان والمعتقدات رغم أن فعل ” هيمن ” المتداول اليوم مشحون بنزعة إلى العنف والإكراه، دلالة لم تكن فيه، فالفعل في معناه الإيتيمولوجي بعيد كل البعد عن المعنى المتعارف عليه اليوم. لقد تنازع لفظة ” المهيمن ” معنيان هما معنى الشهادة على الأديان الأخرى التي سبقت الإسلام تاريخيا ومعنى القيام بالأمر وهو ملتصق بالذات الإلهية ثم تم سحب المعنى الثاني ليشمل المعنى الأول ويغيبه مما كرس معاني إستعلاء الدين الخاتم على بقية الأديان ووصايته عليها وهو ما رددت صداه كتب علم الكلام بالخصوص، لا سيما مع تحول الدولة الإسلامية الناشئة إلى إمبراطورية مترامية الأطراف، حاضنة لعقائد شتى ولأديان مختلفة وأجناس متنوعة، وقد إنجر عن ذلك بروز مفهوم ” أهل الذمة ” الذي إقترن في بعض الفترات التاريخية بممارسات هي من قبيل التمييز الديني une ségrégation religieuse  مثل إجبار أهل الكتاب على إرتداء نوع من اللباس مخصوص تضبطه السلطة يعرفون به في الفضاء العمومي. إننا اليوم في حاجة إلى تكريس معنى “الهيمنة ” الدال على الشهادة على الآخرين وهو معنى تتيحه اللغة ويفرضه الشرط الحضاري الذي نعيشه اليوم والقائم على التقارب بين الأديان والإنفتاح عليها وعلى مختلف المدارس الفكرية وعلى الإعتراف لها بآمتلاكها نسبة من ” الحقيقة “

3– اللسانيات وأثرها في تقويض القراءات الحرفية

” الإيمان من أجل الفهم أو الفهم أجل الإيمان ” تلك هي المعضلة التي أرقت الهرمنوتيقا الدينية في بحثها المتواصل من أجل الخروج من هذه الشرنقة. إنها دائرة تأويلية مغلقة، فالإيمان القديم أصبح شيئا غير مقبول في هذا العصر الذي شهد زلزلة أحدثها فلاسفة الشك: ماركس، نيتشه وفرويد. لقد أصبح التأويل يتيح لنا فهم كيفية الإنتقال من حالة التدين الساذج إلى حالة الإلحاد ثم من حالة الإلحاد إلى حالة الإيمان اليقظ والذكي والحديث للكلمة. إننا نعثر في تراثنا على محاولات جنينية للخروج من الدائرة التأويلية المغلقة وذلك بالسعي إلى تأسيس الإيمان على المعرفة والنظر، كانت مع الجهم بن صفوان (ت 128 هج ) الذي يعرف الإيمان بأنه معرفة، ثم جاء المعتزلة من بعده ليؤسسوه على النظر، فقد ورد في الجملة الأولى التي يبتدأ بها كتاب ” شرح الأصول الخمسة ” للقاضي عبد الجبار : ” إن سأل سائل فقال: ما أول أوجب الله عليك ؟ فقل النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى، لأنه تعالى لا يعرف ضرورة ولا بالمشاهدة، فيجب أن نعرفه بالتفكير والنظر.” (33)

إن تجسير العلاقة بين الدين والعقل أو بين الحكمة والشريعة لتجاوز تلك الثنائيات – على ما في هذا التقسيم من مغالطات – : ميتوس/ لوغوس، عقل / نقل، سيجد دعامته الصلبة في اللغة بآعتبارها الرحم la matrice  التي ستنصهر فيه هذه الثنائيات – الإشكاليات بحيث تصبح اللغة عامل تشبيك وتنافذ بينها ومن المسائل التي قد نجد المداخل الصحيحة للنفاذ إليها نظرية خلق القرآن بآعتبارها تكرس النص القرآني وحيا قد ألقي في لغة بشرية قابلة للتعقل والفهم فالخلق المتصل بالقرآن لا يمس مصدره الإلهي ولا قداسته ولا يعني خضوعه للتغيير والتبديل فهو مدونة رسمية مغلقة ومنفتحة. (34 ) un corpus officiel clos et ouvert  وإنما الذي يصيب القرآن هو ما يستطيع العقل البشري إستنباطه من مدلولات جديدة تقتضيها الشروط الحضارية للكائن البشري، فالقراءة – قراءة النص المؤسس – هي إستنطاق واع باللحظة التاريخية لدلالة النص ومتمكنة من مكوناته ومستويات الدلالة فيه.إن العقل الفلسفي ضمن تاريخه الطويل منذ اليونان إلى اليوم، كانت له ثلاث تجليات وذلك في محطات تاريخية فارقة. فالتجلي الأول كان للعقل / الجوهر وهو العقل اليوناني والذي إمتد إلى القرون الوسطى وكان له تأثير كبير في لاهوت الأديان التوحيدية الثلاث، هو عقل لا يفكر بل يعقل ما هو كائن كما هو كائن ونوع الحقيقة الذي يجزم به هو الحقيقة المطابقة، مطابقة الحكم للشيء فما كان لليونان ولمن جاء بعدهم أن يعقلوا إلا داخل براديغم الكينونة وأفضل ما يفهمونه من ماهية شيء أوكائن ما هو حد جوهره وصفته وأحواله.التجلي الثاني هو العقل / الذات وهو عقل له ماهية وعي،إنه العقل الحديث وهو لا يعقل بل يفكر في ما هو متمثل بوصفه متمثلا ونوع الحقيقة الذي يثق به هو الحقيقة الموضوعية : تمثل الكائن الخارجي بوصفه موضوعا للذهن، فما كان للمحدثين أن يتمثلوا أي موضوع إلا داخل براديغم الذات وأفضل ما يمكنهم تمثله هو صورة موضوع ما في الذهن البشري.التجلي الثالث هو العقل/ اللغة أو العقل الذي له ماهية علامة أو نص أو فعل كلامي وهو العقل المعاصر وهو عقل لا يعقل ولا يفكر بل يحلل لغة الكائن الذي يدرسه أو يؤول لغة القائل الذي يخاطبه ونوع الحقيقة الذي يتبناه هو الحقيقة -الفعل القولي، فما كان للمعاصرين أن يتحققوا من معنى كائن ما أو وعي ما أو قول ما،إلا متى تم تحليل أو تأويل اللغة أو الخطاب أو النص أو الفعل الكلامي الذي يصدر عنه أو في نطاقه. (35)إن هذا التجلي الأخير للعقل يتيح لنا إمكانية البحث عن عقل يجد موقعه في اللغة وهو ما سيمكننا من إعادة قراءة نصوصنا التأسيسية بآعتبارها نتاج حضارة مارست المنعرج اللغوي،فقد ظللنا دوما في نطاق عقل لغوي عميق. إن كل تفكير العرب في كل المجالات كان صادرا عن نوع مبكر من الوعي بأهمية اللغة – وإن كان وعيا كمونيا غير مفكر فيه – إنه ذاك الذي يرفع الكلمة إلى رتبة الكينونة. (36) تتخذ الكلمة في النصوص المؤسسة للأديان الكبرى مثل البهاقفادا جيتا والتوراة والإنجيل والقرآن أهمية خاصة لأنها- وهي المضمخة بالبعد الأنطولوجي والمتعالي – تكتسح الوعي البشري بما لها من هيبة مستمدة من علوية مصدرها ومن تمثل المؤمنين لها على ذلك الأساس.و المفارقة في هذه النصوص هو التوسل بآليات تحليل الخطاب البشري ” المدنس ” للكشف عما في النص المقدس من وجوه مباينته وإتقطاعه وفرادته. (37) رغم تلك الهالة القدسية التي تحيط بتلك النصوص وذاك التهيب الذي يصيب المقبل على دراستها،فإن اللسانيات الحديثة بما تمتلكه من آليات وما تتوفر عليه من مناهج في قراءة النصوص، إستطاعت أن تحفر في ذاك التراث الضخم الذي كتب حول النصوص المؤسسة- أي النصوص الثواني- وتخلع عليها قداسة مزيفة إكتسبتها بفعل التقادم وأن تفككها لتكتشف مثلا أن الزوج عقل / نص يؤدي إلى تكريس الرؤية النصية التي تزعم أن الإستمداد من النص هو إستمداد بريء لا يتدخل فيه العقل الإنساني إلا بالتلقي والفهم،و هو زعم لم يعد يصمد اليوم أمام الأبحاث اللسانية التي تؤكد أن كل عملية فهم هي تأويل يتزاوج فيه تفكيك النص مع إعادة تركيبه للتمكن من إستيعابه. فالإستمداد من النص هو أيضا عملية عقلية ينبغي أن تبحث آلياتها حتى لا تبقى متخفية تتستر بشرعية النص، كما أن العكس صحيح أيضا. فكل تفكير عقلي لا يمكن أن يتم بمعزل عن نص وخطاب ولغة. الأول يقدم مادة للتفكير (النص) والثاني يحدد الإختيارات الإيديولوجية (الخطاب) والثالثة ترسم الأطر والقوالب الذهنية (اللغة).(38 )لقد كشفت اللسانيات الحديثة أن فعل القراءة بما هي تفكيك للنص وإعادة بنائه تتحكم به ثلاثة مقومات: المقوم الأول النص موضوع القراءة وقدرته على توليد المعنى وإستنبات الدلالة بغنائه وثرائه. المقوم الثاني القارئ – فاعل القراءة- بما يحمله من خلفية فكرية وزاد معرفي وما يمتلكه من جهاز مفاهيمي وإلمام بشتى المناهج. المقوم الثالث الظرفية التاريخية والإجتماعية التي يقرأ في سياقها النص وهذه الظرفية تحدد توجهات القراءة ومجالاتها وتضبط مسارها وأولوياتها. لم يقتصر إهتمام اللسانيات بالنصوص الثواني وإنما وجهت مناهجها وآلياتها إلى النصوص الكبرى المؤسسة نفسها وعملت على قراءتها متجاوزة فلسفة اللغة القديمة والتي ترى أن الأسماء تحيل مباشرة على الأشياء وأن كل جملة لها معنى واحد،كما تعلن ذلك الفليلوجيا في القرن التاسع عشر حيث أن اللغة تشكل نظاما مطابقا للمعرفة الحقيقية والصحيحة فيصبح الفكر محدودا باللغة ومقيدا بها.هذا التصور قوضته اللسانيات الحديثة عندما أزاحت البعد التيولوجي لأصل اللغة من إهتماماتها وآعتبرت أن اللغة في منشئها تعود إلى المواضعة، يقول إبن جني (ت 392 هج/ 1002 م ) : ” أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع وإصطلاح لا وحي وتوقيف. ” (39)، ثم إن اللسانيات الحديثة إنتقدت اللسانيات الشكلية التي لا ترى في اللغة  سوى الجانب الحسي فهي أصوات وحروف مادية ولا تتعامل معها إلا على هذا الأساس وآعتبرت أن النص شبكة معجمية تخفي وراءها نسيجا من المعاني والدلالات تؤسس لنمط من الوعي والتصور والإدراك، لذلك عملت على الإمساك بالمعنى والدلالة، لا سيما إذا كان النص المقروء ثريا بالمجاز والإستعارة والرموز،  وأدركت أن الدلالة تقع في مستوى العلاقات بين الوحدات المكونة للنص في كليته .(40) لقد كانت التفاسير فضاء حرص فيه المفسرون على توجيه القراءة وجهة معينة، إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور تأويلات des interprétations  للنص تسقط عليه مشاغل العصر ومفاهيمه وتتصارع مع بعضها البعض. إن كل تأويل يسعى إلى أن تكون له المشروعية دون غيره، فكان دور المفسرين العمل على إثبات إستمرارية القراءة وطمس الصراعات التأويلية بإرجاعها إلى نظام الخطإ والصواب المستند بدوره إلى تصنيف ثنائي : الأرثوذكسية والهرطقات أو الفرقة الناجية والفرق الضالة. (41)إن إختلاف التفاسير وبالتالي تعدد التأويلات، تدعم ما تذهب إليه اللسانيات الحديثة من أن وراء كل تأويل لمؤول ما تقف خلفيات فكرية وإنتماءات عقائدية وكذلك ظرفية تاريخية وإجتماعية أحاطت بذلك التأويل. فالكتب المقدسة بحكم إزدواجيتها فهي من ناحية قابلة للتعظيم والتقديس وهي من ناحية أخرى أسفار تباع وتشترى وتتبادل، تظل دوما خاضعة لأشد القراءات إختلافا عبر الزمان والمكان وحسب مستويات الثقافة وإهتمامات القراء التاريخية أو الفنية أو الجمالية أو المذهبية. (42) تظل تلك الكتل دوما في نهم شديد إلى قراءات لا تستوفي كوامنها،إذ هي نصوص روحها الجوع على حد عبارة أديبنا الراحل محمود المسعدي. رغم سعي القدماء إلى وضع مقاييس صارمة لتمييز القراءة الملائمة من غير الملائمة، إلا أن ذلك لم يحد من نزوع القراءات إلى التنوع والإختلاف في تناول تلك النصوص ومقاربتها وهنا يتعين الإنتباه إلى التفاعل الجدلي بين العناصر الأربعة التي هي أطراف في القراءة : النص والقارىء والمجتمع والموروث الدلالي الذي يحمل أثر اللقاء بين أصالة رسالة الكتاب وكل ما يكون الإنسان في المجتمع : تطلعاته الدينية وأحواله الإجتماعية ومختلف السلط .(43 ) إن النص وفي تجليه المادي يظل موجودا بالقوة والقراءة هي الوسيلة الوحيدة التي تنتقل به إلى الوجود بالفعل. فالنص لا وجود له ما لم يقرأ. مما يعني أن كل قارئ يعيد كتابة النص بواسطة شبكة الإدراك وقواعد التأويل، هذه الشبكة وتلك القواعد مرتبطة هي نفسها ليس فقط بالتقاليد الثقافية التي ينتمي إليها كل قارئ ولكن أيضا بالإكراهات الإيديولوجية لجماعته ولزمنه وهذا يطرح مشكلة إسقاط الأفكار والمفاهيم والتمثلات على النص. هكذا يمكن أن نفسر حجم التضخم الدلالي والرمزي والإيديولوجي الذي يصيب النص القرآني أو التوراتي أو الإنجيلي عند إلتحامه بالتاريخ الإجتماعي والسياسي والثقافي شديد التنوع والتغير. (44) إن اللسانيات في مناهجها الباحثة على الإمساك بالمعنى والدلالة قد أولت عناية فائقة للعناصر المعنية بفعل القراءة وذلك حتى لا تسقط في القراءة الحرفية والبحث العبثي عن المعنى الأخير le dernier signifié  للنص ولا سيما تلك ”  القراءات ” التي تتماهى مع النص المقروء حد التلبس به فتدعي باطلا أحقيتها في تملك معانيه ثم تعلي من شأن ذلك الفهم إلى مستوى الحقيقة المطلقة والوحيدة. وذاك ما فعله الخوارج- أول حزب سياسي في الإسلام – حين رفعوا شعار ” لا حكم إلا لله ” المستمد من القرآن وتمسكوا بقراءة حرفية له تتمثل في أن الله وحده يحكم في المنازعات الدموية التي مزقت الأمة وليس البشر وفي نظرهم أن الله قد قضى في أمر معاوية فهو يمثل الفئة الباغية وبالتالي لا مناص من محاربته ولم يكن ينبغي وقف المعارك- أي حرب صفين – فأصبح شعار ‘ لا حكم إلا لله ” يعني أن الحكم للسيف. هذه القراءة المتشددة ستوغل بأصحابها شيئا فشيئا في أشد التوجهات عنفا وأكثرها تطرفا، فهم سيقطعون مع علي إبن أبي طالب كليا ومع أتباعه من سكان الكوفة والبصرة وسيعدون خروجهم إلى حروراء شبيها بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة بآتجاه يثرب – المدينة – وما سنجر عن ذلك من إعتبار أنهم الوحيدون الملمون بالحقيقة، فكأنهم هم المسلمون الحقيقيون الوحيدون مما سيؤول بهم الأمر إلى توجيه تهمة الكفر إلى كل من يختلفون معهم ثم سيصبح رفض التحكيم، بالرغم من أن اللجوء إلى التحكيم لحل النزاعات يدل على قدرة الأمة على إستنفار كل كوامن ثقافتها الأنتروبولوجية والسياسية والدينية لكي تضخ لبا وعقلا في السياسة والحرب – (45) سيصبح رفض التحكيم عند الخوارج عقيدة تفصل المؤمنين الحقيقيين عن كل المسلمين الآخرين المطروحين الآن بوصفهم كفارا توجبت عليهم التوبة. لقد حاول الخوارج فرض تصورهم ومصادرة كل معنى الإسلام لصالحهم، إنها كتاتورية الأقلية مغترة بحقيقتها تعمل على فرض تفسيرها للنص ورؤيتها على الجميع. ذاك نموذج من القراءات الحرفية التي صاحبت الإسلام في بداياته وما خلفته من آثار سلبية على مستوى الوعي والتفكير والتي ما زالت تفعل فعلها إلى اليوم، لقد كبلت الفكر وفرضت عليه كوابح تحد من إنطلاقته، ففرضت هيمنة النسق العقدي في صياغة المفاهيم وبناء التصورات، وهذا ما دفع باللسانيات إلى أن تأخذ على عاتقها مهمة تحرير الوعي البشري من كل ما يصادر حقه في الحصول على معنى يستجيب لمقتضيات المعقولية الحديثة بعيدا عن كل الإكراهات الإيديولوجية والتيولوجية التي تعمل دوما على تجييره لصالحها.

4-هل تكون فلسفة الدين الأفق المتاح لتجديد الفكر الديني الحديث؟

إن فلسفة الدين تنتقل بنا من الدفاع عن المعتقدات وتبريرها والتبشير بها كما يفعل اللاهوتيون والمتكلمون، إلى البحث في المعتقدات والمقدسات وتحليلها وتفسيرها إستنادا إلى العقل. ففيلسوف الدين لا يكف عن البحث والتحليل والتفكير الحر وتعقل المعتقدات والطقوس والشعائر والتجارب الدينية وبيانها والتعمق في إكتشاف ما هو جوهري فيها والتعرف على مختلف تجلياتها تبعا لاختلاف الأديان ولسياقاتها الإجتماعية والتاريخية المتعددة . فيلسوف الدين يتبصر بعمق التجربة التاريخية للدين ليكتشف أن معظم حروب الأديان تعود إلى التوظيف البشري للدين،خارج مقاصده، كما تلتزم فلسفة الدين ببيان أنماط التمثلات البشرية والزمنية المتغيرة للدين وما يشوبها من تشوهات وإكراهات وتعصب وعنف تتصل عضويا بتوظيف الدين وآستخدامه قناعا لإنتهاك قيم الحرية والكرامة البشرية والعدل والمساواة وتحويله إلى أداة للتسلط والتعسف والإستغلال في حياة المجتمعات.(46)كذلك تتناول فلسفة الدين أسئلة تتعلق بطبيعة الدين نفسه وطبيعة اللغة الدينية بالإضافة إلي مسائل تتصل بمعنى العبادة الدينية ودور الإيمان فيها وعلاقة الأخير بالعقل.(47) إن ما ترمي إلى تحقيقه فلسفة الدين يشترط وجود باحثين يتمثل عملهم في تهيئة الأرضية المساعدة على إنبثاق فلسفة للدين وذلك من خلال المراحل التي يتبعها في دراسة الأديان إبتداء بمعرفة التاريخ ولا سيما تاريخ ظهور الأديان ونشأتها، ثم تقصي خصائصها المشتركة وذلك من خلال تأسيس نحو الديانات la grammaire des religions  الذي يهدف إلى إستخراج القواعد الكلية المشتركة للأديان كالصلوات والشعائر والطقوس والقرابين وهي موجودة في كل الأديان وكذلك سرديتها لنشأة الكون .هذه القواعد ينبغي تحديدها ووصفها وتصنيفها بحثا عن ملامح مشتركة للإنسان المتدين l’ Homo- religious .يشترط أيضا في الباحث في هذا المجال أن ينطلق من دين مخصوص ثم ينفتح على بقية الأديان، مع العمل على تجنب المعيارية في مواقفه من الأديان والتحرر من وهم الخصوصية وتفضيل دين على دين،كما عليه التضلع في اللغات أي معرفة لغتين فما أكثر. إن تأويل الظواهر الدينية يظل عملا يهتم به فيلسوف الدين، المتشبع بعلم الإجتماع الديني للبحث في جوهر الإنسان المتدين الذي أصبح يعيش في عصرنا خيبة وجودية un désenchantement existentiel  والتي أصبحت غير قابلة للتعقل، بعدما أحدثته الحداثة الأوروبية من صدمة للضمير الديني منذ القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر. (48) إن اللسانيات الحديثة قادرة على الإسهام في بلورة سيميائيات اللغة الدينية، شريطة الأخذ بعين الإعتبار خصوصية تركيبتها ومضامينها. هي لغة ذات بنية أسطورية، ليس بمعنى أنها قائمة على أساطير الأولين بل بمعنى أنها لغة مجازية وإستعارية نواتها الأصلية متجذرة في التاريخ وقائمة على قصص حقيقية وليست خرافات والغلاف ” الميثي ” للقصص الديني يجعل النواة الأولى قابلة للحياة فتخترق الزمان والمكان .إن سعي اللسانيات الحديثة للإمساك بالدلالة والسيطرة عليها مشروط بإدراك طبيعة اللغة الدينية المختلفة عن اللغة العادية. هي لغة إنجازية un langage performatif  أي أن المتلفظ بها ينجز ما يتلفظ به وتلفظه بها يستتبع تحقيقا لوجوده. فلغة بمثل هذه الخصائص قادرة على توليد المعنى بآستمرار ضمن سياقات مختلفة . هذا الطموح المشروع سيروي شغف الإنسان – المؤمن في بحثه المتواصل عن المعنى، بحث لا يني ما دام حيا ولا يحقق ذلك إلا الإمتلاء الوجودي .إن فلسفة الدين في جانبها المتعلق بإدراك طبيعة اللغة الدينية، تتيح لنا التعرف على المنابع العميقة للدين التي يرتوي بها الظمأ الأنطولوجي للروح البشرية.(49) لقد أضحى تجديد الفكر الديني اليوم ضرورة حياتية تقتضيها الظروف التاريخية المعاصرة التي يعيشها الإنسان اليوم وذلك لأن الدين بما هو حاجة ماسة لنسبة كبيرة من الناس، مطالب بتقديم أجوبة وتلبية حاجيات تستجيب لشواغل الإنسان المعاصر ة ولإنتظاراته وتخفف من قلقه وآغترابه. لم تعد المعرفة القديمة حول الدين والتي تراكمت عبر العصور، قادرة على الإضطلاع بهذه الوظيفة الجديدة، ولا سبيل للخروج من الأنساق الدوغمائية المغلقة إلا الإستئناس بفلسفة الدين التي تطرح اليوم كأفق لتجديد الفكر الديني الحديث حتى ينهض بدوره في تلبية تطلعات الكائن البشري الذي يعيش اليوم مأزقا متأتيا من أن كل القدامى والمحدثين، رغم إستمرارية حضورهم بيننا إلى حد الآن. ورغم أنهم متاحون ولكن لا أحد منهم يمتلك الهيبة اللازمة ليفرض نفسه، كلهم أصيبوا بالأعراض نفسها من الإنحطاط والتفسخ والإنحلال كما لم نكف عن ملاحظة تواصل تفسخ صورة الأب في الحداثة الغربية.  إذا كانت العصور السابقة تحدد بالمسافة التي تفصل الفرد عن ما يؤسسه وهو الآخر الذي له تجليات متعددة : فهو الله في الأديان التوحيدية، وهو العرش في الأنظمة الملكية وهو المجموعة أو الشعب في النظام الجمهوري. أما في ما بعد الحداثة فيتحدد الآخر بآمحاء المسافة بين الفرد والآخر ويصبح الفرد والمتكلم يعرف بالرجوع إلى ذاته نفسها une définition autoreferentielle  (50) إزاء هذه الإضطرابات التي يعانيها الكائن- الفرد كيف يمكن للأديان اليوم أن تعيد الصلة بين الفرد والآخر حتى يستطيع كل فرد أن يعطي معنى لوجوده، يشعره بالإمتلاء ويخرجه من بوتقة ” الأنا ” القاتلة والمدمرة ولكن بأية شروط يمكن للأديان أن تضطلع بهذا الدور الخطير وأن تنجح في ذلك؟ إن فلسفة الدين وهي التي تنبني على سؤال مهم ما الدين ؟ لا تقترح من أجل الإجابة عن ذلك مقاربة واحدة وذلك بسبب تعدد تجليات الدين ومستويات حضوره، بل تقترح مقاربات متعددة تنتظمها ثلاثة إتجاهات: إتجاه الفكر الجوهراني Le courant essentialiste  وهو ينطلق من وجود إله أو عدة آلهة ويبحث في الأدلة المثبتة لوجودها والمبينة لصفاتها ولا تقيم تفاضلا بينها. وإتجاه الفكر الوظائفي le courant fonctionnaliste  وينظر إلى الدين من حيث مظاهره ووظائفه ونتائجه العملية بقطع النظر عن القيمة المعرفية لتبريراته.(51) وتلح فلسفة الدين ذات المنحى الوظائفي على البعد الإيتيقي للإعتقاد والممارسة الدينيتين وهي تقيم الدين بحسب ثماره ونتائجه آثاره المتمثلة في توصياته وتعاليمه الأخلاقية وليس بآعتبار قيمته المعرفية. أما فلسفة الدين التحليلية le courant analytique   فتنظر في مقالات الدين وفي الفكر الذي يعد الدين أساسيا وضروريا للإنسان وهي تحلل العقائد والمفاهيم الدينية من خلال الخطاب الذي تصاغ فيه مع الإلتزام بشروط التفلسف وإعمال العقل، كما يتولى هذا المنحى في فلسفة الدين البحث في معقولية الإعتقاد الديني وإمكانه، كما تستعيد القضايا القديمة وتتناولها تناولا حديثا بآعتبارها قضايا تشغل الإنسان قديما وحديثا. (52) تضفي  فلسفة الدين طابعا إنسانيا على الفكر الديني، فالدين من حيث هو حقيقة واقعية إنساني وكوني وهذا ما يجعل التفكير في الدين جزءا من التفكير الفلسفي في المنزلة الإنسانية، غير أن فلسفة الدين تعترف لغير المؤمن بحقه في أن لا يؤمن ولا تحاكمه على ذلك. لقد أتاح ما سمي في العقود الأخيرة بعودة المقدس، لفلسفة الدين التحليلية أن تزدهر، فآنكبت على تحليل الخطاب الدينى وحيا كان أو فلسفة أو تيولوجيا .(53) إن فلسفة الدين- وهي تقارب الظاهرة الدينية من زوايا مختلفة وتحاول الغوص في أعماقها- عليها أن لا تغفل عما يعتمل من إجتهادات متنوعة داخل الفلسفة الحديثة والمعاصرة والتي توهم البعض أنها قد ألغت الدين أو بشرت بآنقراضه وكرست الإلحاد وتنكرت للمقدس تارة بآسم العقل وطورا بآسم العلم وثالثة بآسم الإيديولوجيا، فإذا بالأنساق الفلسفية الجديدة لها وشائج متينة بالدين، تؤكد أن الدين لا يزال مكين الحضور، قوي التأثير في الأرضية الفكرية الغربية رغم إنهيار المؤسسة الدينية التقليدية ورغم التغيرات العميقة التي أصابت المجتمعات الحديثة وأهم مظاهرها أن الدين لم يعد وحده يحتكر منابع القيم ويسبغ الشرعية على المؤسسات التي يحدثها المجتمع. تذهب الفلسفة المعاصرة إلى البحث عما يضمن للمعنى مصداقية ويعطيه مشروعية وذلك في بحثها عن سند أنطولوجي صلب، فجاك دريدا (1930 – 2004) يرى أن الدين ينبع من مصدرين أساسيين هما تركة الثقة التي هي خلفية كل إيمان وإعتقاد، وطلب النقاء الذي هو خلفية كل مقدس ومعظم، لذا فإن اللغة والقانون يتأسسان ضرورة على الدين الذي هو مستودع الثقة في المعنى وهكذا فالدين يبدأ مع تجربة اللغة نفسها، وكل تعبير موجه إلى الآخر يقتضي حضور الغائب الضامن للدلالة والشاهد على عقد المخاطبة والتفاهم .(54) إن نفس التمشي نجده عند ديكارت Descartes  ( 1596 – 1650 ) وذلك في سعيه لبناء منهجه المستمد من الرياضيات وهو الذي أسس به النظرة التجريبية للطبيعة وقوض به الميتافيزيقا المدرسية الوسيطة وحول الفلسفة إلى علم السيطرة على الطبيعة. فقد أدرك ديكارت أن مقاربة التمثل التي يقوم عليها منهجه الفلسفي- ثنائية الذات العارفة والظاهرة المستحضرة في الوعي – تتطلب ضمانة إلهية لمعيار اليقين الذي تدعيه بآعتبار الشرخ القائم بين الفكر والطبيعة. (55)يظل الإله بالنسبة إلى دريدا شرطا لإمكانية كل فعل لغوي وهذه الإوالية اللغوية هي ما يطلق عليه اللاهوت الإله. ولا يمكن لأي خطاب سواء كان دينيا أو إلحاديا أن ينفلت من هذه المرجعية الماورائية – الإله الشاهد – التي من دونها لا تواصل ولا تخاطب. لقد عملت فلسفة دريدا علة تجديد المبحث اللاهوتي بتوظيف المفاهيم والمصطلحات التفكيكية في قراءة النص وتوليد الدلالة. فطريقة فيلسوف التفكيك في إثارة المسألة التيولوجية تبدو مهمة حين تدرج السؤال حول الإله ضمن براديغم اللغة ليصبح سؤالا حول ” كيفية قول الإله ” comment dire Dieu ? داخل هذه الرؤية تصبح التيولوجيا غير منفصلة عن مشكلية القول نفسه . إن التفكيك يتجلى في إقحام مفهوم  ” ما بين ” في إعتبار نهاية التيولوجيا وإمكانية الإستمرار في حركية التفكيك نفسها .إنه أيضا يعني النظر في إحتمالية أن تظل المؤسسة التيولوجية رهينة ما لا يسمح التفكيك بالتفكير فيه أو بما لا يفكر فيه .(56) يشتغل التفكيك على زعزعة المؤسسة التيولوجية وذلك بتعرية مفاهيمها التي تعد في النظر الفلسفي المعاصر شكلا من أشكال السطو على دين ما وتحديد هويته ثم فرضه بمقتضى التوازنات الإجتماعية والأطر الإجتماعية للمعرفة. إن كتاب دريدا ” الإيمان والمعرفة ” محاولة لإعادة إستملاك الإيمان في طهارته البكر مستهديا في ذلك بالمعرفة الفلسفية. لقد ظلت الفلسفة الغربية سواء في لحظات التأسيس أو حتى عندما أوغلت وذهبت بعيدا في منزعها العقلاني والتجريدي تعاني من “هشاشة ”  هيكلية تتمثل في ملازمة نزعتي الشك والمراجعة لكل مساراتها، مما جعلها تبحث دوما عن سند يعطيها صلابة تحول دونها والإنهيار الكبير أو يمدها بنسغ يطيل أمدها ويسمح لها بالعودة على نفسها لتجديد مفاهيمها وتصوراتها ويفتح أمامها مجالات للتفكير وإعمال العقل، من ذلك العودة إلى المطلق في مختلف تجلياته. لقد ظل الإله حاضرا،حتى في ظل الفلسفات التي قامت على تغييبه وعلى القطيعة معه وتجاوزه.  إن الفلسفة في مسارها الطويل وهي تبني كيانها كانت توهم نفسها بقدرتها على أن تستقل بذاتها وأن تطرح الدين من أفقها المعرفي طرح الحية جلدها، إلا أن ذلك كان كسراب بقيعة إذ في كل منعطف تاريخي تجد نفسها أمام سؤال الدين وإشكالية المعتقد.

الهوامش والتعليقات:

1 – د.السيد ولد باه : ” تجديد علم الكلام من منظور فلسفات التأويل والعلوم الإنسانية المعاصرة ” موقع …ص 3 .

2 – ن.م، ص 3

3 –  Emmanuel Levinas,  Éthique et infini,  ed le livre de poche,  1982, p.84

4 – René Girard et Vattimo Gianni , Christianisme et modernité, ed Flammarion,  2014, 160 p.

5 – Marcel Gauchet , Le désenchantement du monde, ed Ceres , Tunis, 1985 , pp 169 – 177.

6 – voir ,Romdhane ben romdhane, Les apports de Mohamed arkoun aux études islamiques d’ après son livre ” Lectures du Coran ” Mémoire de Master ,sous la direction de M. Mohamed cherif ferjani , faculté des langues, université Lumières, Lyon 2 ,2001 , thèse dactylographiée,  pp 74- 97.

7 – ibid,  p ..

8 – محمد أركون،  الأنسنة والإسلام، مدخل تاريخي نقدي، بيروت، دار الطليعة،  2010، ص 311 .

9 – voir , Mohamed Arkoun , ” Pour une histoire comparée des religions ” in Monothéismes et Modernités,  OROC , Frédéric newman , 1996, p 363.

10 – د.فتحي المسكيني، ” الهرمنوطيقا فلسفة عوضت أسئلة ” التفكر ” بأسئلة ” الفهم ” ” حاوره محمد حسين الرفاعي، مجلة قضايا إسلامية معاصرة، السنة 18، العدد 57 – 58،بغداد، شتاء- ربيع 2014 – 1435، ص 19

11 – سورة يونس/ الآية 99

12 – آنظر فيما يتعلق بالإسلام إلى : – الإسفرائيني أبو المظفر (ت 471 / 1078 )، التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، تحقيق كمال يوسف الحوت، بيروت، عالم الكتب، د.ت

  •  الأشعري أبو الحسن،  (ت 324 / 935 )، مقالات الإسلاميين وإختلاف المصلين، تحقيق هلموت ريتر قيسان، دار النشر فرانز شتاير، ط 3، 1980
  • إبن بطة العكبري ( ت 387 / 997 )، الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة،  جزآن، تحقيق أحمد فريد المزيدي،  دار الكتب العلمية، بيروت،  ط 1، 2002
  • البلخي أبو القاسم عبد الله بن أحمد الكعبي (ت 309 / 921 م ) مقالات الإسلاميين – باب ذكر المعتزلة – ضمن فضل الإعتزال وطبقات المعتزلة، تحقيق فؤاد السيد،  تونس، الدار التونسية للنشر،  ط 2، 1986
  • إبن حزم أبو محمد علي إبن أحمد الأندلسي، (ت 456 / 1063 م )، الفصل في الملل والأهواء والنحل، تحقيق،  محمد إبراهيم نصر وعبد الرحمان عميرة،  بيروت، دار الجيل،  1985
  • النوبختي أبو محمد الحسن بن موسى ( توفي ما بين 300 / 912 و312 / 922 م )، فرق الشيعة،  تحقيق عبد المنعم الحنفي،  دار الرشاد، د.ت
  • الشهرستاني أبو الفتح محمد عبد الكريم،  ( ت 548 / 1153 م )، الملل والنحل،  تحقيق عبد العزيز محمد الوكيل، بيروت، دار الفكر، د . ت

13 – د. فوزي البدوي، من وجوه الخلاف والإختلاف في الإسلام،  تونس، دار المعرفة للنشر،  ط 1، 2006، صص 188 – 189

14 – سورة آل عمران/ الآية 19

15 – محمد أركون،  ” الإسلام والحداثة ” مجلة مواقف، عدد 59 / 60، صيف – خريف 1989، لندن، دار الساقي،  ص 49، ترجمة هاشم صالح

16 – ن .م ص 49

17 – سورة البقرة / الآية 113

18 – سورة البقرة / الآية 135

19 – سورة البقرة/ الآيتان 111 و112

20 – سورة آل عمران/ الآية 67

21 – سورة آل عمران/ الآية 65

22 – Jacques Ellul , L’ Islam et le Judéo-christianisme,  ed PUF , 2004 , p 75

23 – د. فوزي البدوي، من وجوه الخلاف والإختلاف في الإسلام، صص 191/ 192

24 – سورة البقرة / الآية 256

25 – يعتبر شارل تيلور ” الرضا ” أو الإنشراح والتمام هو تلك اللحظات التي من دونها لا تستحق الحياة أن تعاش وهو شعور يشترك فيه المؤمن وغير المؤمن بيد أنه شعور ديني في عمقه،   voir son livre , Charles Taylor,  L’ âge séculier, ed Seuil, 2011, p 1020.

26 – سورة المائدة / الآية 48

27 – عبد الجبار الرفاعي، إنقاذ النزعة الإنسانية للدين، بغداد، مركز دراسات فلسفة الدين،  ط 2، 2013، ص 148

28 – الزمخشري،( ت 538 هجري )، الكشاف عن خصائص التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ج 1، بيروت،  دار الإحياء التراث العربي،  ط 1، 2003، ص 174 .

29 – سورة المائدة/ الآية 48

30 – سورة الحشر / الآية 23

31 – إبن منظور، لسان العرب،  ج 13، دار الفكر، دار صادر، د. ت، ص 436

32 – نفس المصدر،  ص 437 

33 – عبد الجبار بن أحمد الهمذاني- القاضي -، شرح الأصول الخمسة، تحقيق عبد الكريم عثمان، ط 1، القاهرة،  1965، ص 39 .

34 – Mohamed arkoun , Lectures du Coran, ed , Maisonneuve et Larose,  Paris, 1982, p 43   المدونة الرسمية إشارة إلى أن جمع القرآن قد تم بإذن من الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وهي مغلقة أي لا يمكن أن نضيف إليها أية لفظة وهي منفتحة على كل السياقات التي تفترضها كل قراءة.

35 – آنظر فتحي المسكيني،  ” الهرمنوطيقا فلسفة عوضت أسئلة التفكير بأسئلة الفهم ” مجلة قضايا إسلامية معاصرة، بغداد، السنة 18، العدد 57 – 58، شتاء – ربيع 2014، ص 19

36 – ن.م ص 20

37 – حمادي صمود، من تجليات الخطاب البلاغي،  تونس، 1993، ص 37

38 – د. محمد حداد، ” تعقل العقل في التراث الإسلامي “، مجلة دراسات عربية، العدد 5- 6، السنة 34، بيروت، مارس – أفريل 1998، ص 46 .

39 – إبن جني، أبو الفتح عثمان، كتاب الخصائص،  ج 1، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2010، ط 4، ص 43 .

40 – Romdhane ben romdhane , Les apports de Mohamed arkoun aux études islamiques…op .cit , p …

41 – عبد المجيد الشرفي،  لبنات،  دار الجنوب، تونس، 1994، ط 1، ص 107

42 – ن.م صص 102 – 103 voir aussi , Gric ,Ces écritures qui nous questionnent,  Paris, centurion,  1987, pp 23 – 24.

43 – عبد المجيد الشرفي، لبنات، ص 110 .

44 – voir,  Mohamed Arkoun,  Lectures du Coran, ed Alif, Paris, 1991,préface de la deuxième édition, p vi

45 – هشام جعيط،  الفتنة جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر،  دار الطليعة، بيروت، د.ت ص 222.

46 – عبد الجبار الرفاعي،  ” فلسفة الدين تمهيد تاريخي موجز “، مجلة قضايا إسلامية معاصرة، السنة 18/ العدد 57 – 58، شتاء- ربيع، 1435  هج – 2014، بغداد، صص 377 – 378.

47 – عادل ضاهر، ” فلسفة الدين ” ضمن الموسوعة العربية، رئيس تحرير د.معن زيادة، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1988، مجلد 2، ص 1000 .

48 – فوزي البدوي، مساهمة ميرسيا إلياد في دراسة الأديان، محاضرة ألقيت في مؤسسة مؤمنون بلا حدود، تونس، 28 فيفري 2020.

49 – عبد الجبار الرفاعي، ” فلسفة الدين تمهيد تاريخي موجز ” ص 378

50 – Dany  Robert Dufour, ” Cette nouvelle condition humaine,  les désarrois de l’individu- sujet ” in le Monde Diplomatique, février, 2001, pp 16- 17.

51 – د.محمد بوهلال،  ” تفكير الفلاسفة واللاهوتيين في الدين أو فلسفة الدين “، مجلة التفاهم، السنة العاشرة، العدد 38، خريف 1433/ 2012، سلطنة عمان، مسقط،ص 141

52- ن . م صص 141 – 142

53 – ن . م ص 142

54 – Jacques Derrida, Foi et savoir, ed Seuil ,Paris, 2000,p 39.

55 – عبد الله السيد ولد أباه، ” الدين في الفلسفة الحديثة ” مجلة التفاهم،عمان / مسقط، السنة العاشرة، العدد 38، خريف 1433/ 2012، ص 108

56 – François Nault , Derrida et la théologie,  Dire Dieu après la déconstruction,  ed Cerf , 2000,p 34.
__________
*رمضان بن رمضان/ باحث من تونس.

جديدنا