اجتماعالتنويري

المهووسون في السلطة في الجزائر من هم؟ وإلى أيّ تيّار ينتمون؟

قراءة في كتاب مع تعقيب

كثير من الثورات نالت اهتمامًا كبيرًا لدى الباحثين الذين قاموا بتحليل نفسي اجتماعي للعملية الثورية ومدى استعداد الشعوب للموت من أجل قضيتهم العادلة التي كانت ولا تزال على المحك، تداولت فيها شعارات : ” ارفع رأسك أنت مصري، ارفع راسك أنت عراقي، ارفع راسك أنت جزائري، تونسي، مغربي”، وقد اختصر هذا الشعار  في “ارفع رأسك أنت عربي”، كانت التعبئة جماهيرية ضد الأنظمة القمعية  ومواجهة آلتها الدكتاتورية كانت نقطة تحول جذري نحو التغيير الحقيقي.

كتاب مهووسون في السلطة لموريال ميراك وفايسباخ سلط الضوء على الأنظمة الاستبدادية العربية وكيف واجهت الشعوب العربية  لهذه الأنظمة وكيف غيرت الأحداث والأفكار، هو كتاب يؤرخ للزعامات العربية التي كرست كل ما تستطيع تكريسه من أجل البقاء في الحكم وتسلطها لو بممارسة القمع والاستبداد، الكتاب  صدرت طبعته الأولى سنة 2012 عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر لبنان وقام بالتدقيق اللغوي محمد زينو شومان وهو يحتوي على 137 صفحة دون حساب المراجع والفهرسة، ومقدمة في 13 صفحة كانت كافية للوقوف على الحقائق والأحداث دون الإطلاع على المضمون، الذي هو تحليل سايكولوجي لزعماء عاشوا ثورات 2011، بيد أنه عبارة عن تحصيل حاصل للأحداث التي وقعت في الساحة العربية ونضال الشعوب من أجل تحقيق التغيير كذلك دور الزعماء  ومواجهتهم للمعارضة المخالفة لسياسة النظام.

وقد خص صاحب الكتاب أسماء أربعة زعماء عربي وهم:  العقيد معمر القذافي، حسني مبارك، زين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح، وخصص في كتابه فضلا حول الحاكن الصالح، وكما هو معلوم فمنظري الفكر السياسي عادة ما يستخدمون مفاهيم ومصطلحات محددة تخدم الفكرة المراد معالجتها كمفهوم ( الزعيم والحاكم والقائد والرئيس ) بعدما زالت مفاهيم كانت أكثر استعمالا في وقت مضى كاستعمال مفهوم ( الإمبراطور)، ما عدا عبارة الملك والأمير لا تزال مستعملة في البلدان التي تتبع النظام الملكي كما نجده في المغرب والأردن مثلا، ولو أن مفهوم  “الأمير” أعطيت له أبعادًا سياسية مخالفة، حيث يطلق هذا اللقب على الزعماء الذين يقودون الحركات الإسلامية المسلحة (داعش والقاعدة)  ومن سار على نهجهما.

الملاحظ أن صاحب الكتاب استثنى بعض الدول التي عاشت عربية وحروب أهلية قد تكون في عمقها أكثر من البلدان التي ذكرها الكاتب، لا سيما الجزائر  التي عاشت أحداثا دموية وصل صداها إلى كل العالم منذ الربيع الأسود إلى غاية العشرية السوداء  في 1990 وخلفت مآسٍ لم يندمل جرحها إلى اليوم، أراد المؤلف القول إن الحروب الأهلية التي استعمل فيها السلاح بين النظام والمعارضة اسبابها اقتصادية أكثر منها سياسية، وهذا يعني أنه يحاول إغفال جانب مهم جدا  مما كان يدور في الساحة العربية وسبب وقوع هذه الحروب وهو الدعوة إلى بناء المشروع الإسلامي وتأسيس الدولة الإسلامية ومحاربة الفساد وإصلاح الشباب والعودة إلى الإسلام في ظل الصراع بين الحداثة والأصالة، أي أن الصراع ليس دينيا ولا هو سياسي من أجل الحكم بل هو اقتصادي دفع بالشعوب إلى الانتفاضة تحت اسم ثورة الخبز، الأهم في هذه الحروب هو أن هناك من كانوا المستفيدين من هذه الحروب ومن فساد الأنظمة المستبدة واقتصاداتها التي تدار بأسلوب “المافيا” .

فمنذ قرون لم تكن هناك معارضة شرسة مثل التي شهدها القرن الواحد والعشرين بين المعارضة وما أطلق عليها بـ:”الدولة البوليسية”. ومهما تنوعت هذه الثورات والحروب الأهلية وتلونت وتعددت اسماؤها (حركة كفاية، حركة البوعزيزي ثورة الياسمين، الثورة الخضراء,, وغيرها من الأسماء دون أن ننسى حركة بن غازي )، بما فيها الأحداث الدموية التي وقعت في الجزائر، كل هذه الحركات كانت ضد نظم مستبدة، ففي الجزائر مثلا لم تقبل السلطة بفوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ FIS في انتخابات 1990 وحدث الإنقلاب على الشرعية، ووقع الحصار على الحزب المحظور وتعرض قائده أو زعيمه الشيخ عباسي مدني إلى النفي ظلما وقهرا، فما حدث للفيس يؤهله لأن يدخل التاريخ كما دخل من قبله زعماء آخرون، ولعل لقاء روما  الذي اشتهر بلقاء سانت إيجيديو لعقد الصلح وإصلاح ذات البين بين الفيس والنظام، شارك فيه قادة أحزاب سياسية معارضة وأبرزهم المجاهد الوطني حسين آيت أحمد وأحزاب موالية للسلطة ومنهم حزب جبهة التحرير الوطني بقيادة المجاهد عبد الحميد مهري يعتبر التأشيرة (االفيزا) لدخول الفيس التاريخ من أبوابه الواسعة، باعتباره الحزب الوحيد الذي واجه النظام المستبد وما يمتلكه من أجهزة الدولة البوليسية، إذ لا يزال اكثر من 160 سجينا سياسيا داخل القضبان الحديدة ولمدة تزيد عن 30 سنة.

والسؤال الذي يستوجب طرحه لماذا استثنيت الجزائر أو زعماؤها الذين كان بعضهم مهووسون بالسلطة؟ نعم لقد عرفت الدولة الجزائرية في مرحلة ما زعماء مهووسون بالسلطة، وأبرزهم الرئيس أحمد بن بلة والرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، ودون الدخول في التفاصيل وكيف حاول بن بلة الإنقلاب على بومدين قبل وقوع التصحيح الثوري، وكيف حاول بوتفليقة أيضا  أن يحوّل  الجمهورية الجزائرية إلى ملكية خاصة هو وحاشيته، ويعتبر الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة أول رئيس جزائري يبقى في الحكم أربع عهدات أي 20 سنة كاملة،  وقد دفعته نرجسيته إلى الاعتقاد بأنه الزعيم الذي لا يأتي بعده زعيم، لولا الحراك الشعبي الذي خرج إلى الشوارع في مسيرات سلمية مطالبا برفض العهدة الخامسة ومحاربة الفساد، لا شك أن ما حدث من ثورات كان كافيا لإعطاء الدروس للأنظمة المستبدة، خاصة وأن هذه الثورات نالت اهتماما كبيرا لدى الباحثين الذين قاموا بتحليل نفسي اجتماعي للعملية الثورية ومدى استعداد الشعوب للموت من أجل قضيتهم العادلة التي كانت ولا تزال على المحك، تداولت فيها شعارات : ” ارفع رأسك أنت مصري، ارفع راسك أنت عراقي، ارفع راسك أنت جزائري، تونسي، مغربي”، وقد اختصر هذا الشعار في “ارفع رأسك أنت عربي”، كانت التعبئة جماهيرية ضد الأنظمة القمعية  ومواجهة آلتها الدكتاتورية كانت نقطة تحول جذري نحو التغيير الحقيقي.

حسبما جاء في الكتاب فقد وقف المؤلف أمام شخصيات نرجسية، حيث قام تحليله على النمط الفرويدي، وقال إن الشخصية النرجسية يتكرر وجودها لدى الشخصية السياسية والعسكرية وخصوصا أولئك الذين يرتقون إلى مراتب السلطة، والشخصية النرجسية حسبه تسعى إلى السلطة لإشباع حاجاتها المرضية، وجوهر النرجسية هو حب الذات والنرجسي يفرط عادة في المبالغة في تقدير نفسه وقدراته، ولطالما تحدث التاريخ عن صراع الزعامات، نذكر جزءًا مما جاء في مقدمة الكتاب  وهي عبارات تولد الروح الثورية في قلب كال مواطن عربي لمجابهة الظلم والاستبداد، إذ يقول: ” في الوقت الذي أخد محاربو الحرية في العالم أجمع يصفقون للثورة العرببة أخذت الأنظمة المستبدة تقاتل من أجل مجرد بقائها”.

ففي الوقت الذي كانت المعارضة والنظام في صدام عنيف كان الانتهازيون يستثمرون في هذا الصراع لنهب ثروات البلاد وفي ظرف وجيز استطاعوا أن يكونوا الثروة  قدرت بالمليارات وضعوها في حسابات خارجية بدلا من أن يقوموا بالثورة إلى جانب إخوانهم، هي الخيانة العظمى، وهو ما حدث في الجزائر مثلا خلال انطلاق الحراك الشعبي حين أدرك الجيش الجزائري أنّ أيّ ثورة قد تجر خلفها حالات فوضى وهذا لا يخدم الوحدة الوطنية، فالجزائر مرت بتجربة قاسية خلال العشرية السوداء ولا ينبغي أن يتكرر السيناريو، فكان من الضروري النظر إلى الآفاق  في إطار الامتثال للواقع ومعالجة الأمور بعقلانية ودون تهور، والسؤال الذي يفرض نفسه هل كان الفيس يرغب في السلطة إلى درجة الهوس؟ وماذا عن الرئيس الحالي؟ عل يفكر هو الآخر في البقاء في الحكم لعهدة ثانية وثالثة كما فعل من سبقوه، والسؤال الذي يلح على الطرح هو كالتالي: لماذا يرفض تبون الإفراج عن سجناء التسعينات؟ ولما لم يفصل في قانون لم الشمل الجزائري ولم يكشف عن بنوده وتفاصيله؟ تلك أسئلة الأيام وحدها كفيلة بالرد عليها.

علجية عيش بتصرف


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة