“التقويمات الدوليَّة والوطنيَّة للتعلُّمات”
يعرف قطاع التربية و التعليم المدرسي في المغرب حركيَّة مستمرَّة ودائمة، وهي حركيَّة تترجمها التغيُّرات السريعة والتحوُّلات الطارئة التي مسَّت بنيات وهياكل المجتمع المغربي، بسبب التحدِّيات والتحوُّلات التي فرضتها العولمة، وما نتج عنها من آثار، وتداعيات مسَّت بنيات ومؤسَّسات المجتمع المغربي.
ممَّا جعل إعادة النظر في محتويات البرامج التعليميَّة في المنهاج التعليمي والدراسي عامَّة، وفي التعليم الابتدائي بشكل خاص ضرورة ملحَّة، ومقتضى منهجي، تفرضه حاجيَّات العصر، ومستلزماته في البناء والتنمية، إذ عرف المجتمع المغربي تحوُّلات عميقة في المعارف والأفكاروالآراء، وبالأخص ما تعلَّق بما له صلة مباشرة بالبعد البيداغوجي والديداكتيكي .
التقوميات الدوليَّة والوطنيَّة
لقد اختار المغرب هذه التقويمات لقناعته المبدئيَّة والراسخة في ضرورة استثمار نتائج البحوث التربويَّة، وتقويم المكتسبات التعليميَّة في البناء المستقبلي للمنظومة التعليميَّة، وكان المنطلق هو اعتبار نتائج هذه التقويمات من أبرز المداخل الأساسيَّة في التوجُّه نحو إصلاح قطاع التربية والتعليم في جميع المستويات التعليميَّة.
فمن السياقات التي كشفت عنها كثير من التقاريرالدوليَّة والوطنيَّة، هو التدني الملحوظ في المكتسبات الدراسيَّة للمتعلمين في محور اكتساب اللغات عامَّة، واللغة العربيَّة خاصَّة، و يعزى هذا الخلل والتدنِّي إلى عدم ملاءمة المقرَّرات الدراسيَّة، والبرامج والطرائق التعليميَّة المعتمدة مع الحاجيات التربويَّة الأساسيَّة للمتعلِّمين، ممَّا يعني أنَّ طرائق تعليم اللغات، لا تساير الواقع التربوي، ولا يستجيب الى المستجدَّات الجديدة التي يعرفها قطاع التربية والتعليم في محور ديداكتيك اللغات.
فقد جاء البرنامج الوطني لتقويم التعلمات المنجز سنة : 2009 بنتائج صادمة، و بإحصائيات وأرقام مقلقة، أبانت بأن المتعلِّم المغربي في مختلف الأسلاك التعليميَّة يعاني من قصور كبير، ومن تعثّر شديد في التعبير اللغوي بقسميه الكتابي والشفهي سواء في اللغة العربيَّة أوفي اللغة الفرنسيَّة، فهو على سبيل المثال لا يستطيع قراءة الجمل البسيطة، ولاينجز الجمل المركبة في الكتابة والإنشاء، فضلا من تعثره في إعداد وإنجاز نصوص تعبيريَّة، وفق النماذج المقدَّمة له في الوحدات التدريسيَّة[1].
ومن أبرزءهذه التقويمات الدوليَّة التي شارك بها المغرب، التقويم الدولي لتقدم القراءة PIRLS[2]لسنة :2011، وسنة 2016 الذي خرج بنتائج صادمة وبحصيلة مقلقة، تخصُّ مهارة القراءة عند المتعلِّم المغربي.[3]
وفي نفس السياق أعدَّت مجموعة من البحوث التربويَّةالاجرائيَّة التي خرجت هي الأخرى بنتائج صادمة، ومن هذه الدراسات والبحوث التربويَّة هذا البحث الذي جاء بعنوان ” المنجز اللغوي لتلميذ المدرسة المغربيَّة :دراسة ميدانيَّة للتعثُّرات التعليميَّة: بحث ميداني”، وهو من إنجاز فريق من طلبة كليَّة اللغة العربيَّة.
وقد استغرق هذا البحث مدَّة ثلاث سنوات بإشراف الدكتور هشام فاتح.[4]، وممَّا جاء في مقدِّمة هذه الدراسة التي هي عبارة عن بحث تطبيقي عملي، أنجز على عينة من متعلِّمي الاقسام الابتدائيَّة بجهة مراكش”.
لقد أصبحنا نعايش متعلّمًا بدون لغة، لا يجيد هذا المتعلِّم ، لا الكتابة، ولا القراءة ، ولا يقدر على التواصل في الانشطة الشفهي، وغير مؤهَّل لممارسة الأنشطة الكتابيَّة المتعلِّقة بإنتاج النصوص، ما يمنح للمتابع أن يقول إنَّ المنجز اللغوي الإنشائي والتعبيري للمتعلِّم ظلّ محل استغراب مريب، وموضع شك، وسبب في إدانة المنظومة التعليميَّة، والحكم عليها غيابيا بالفشل الذريع، وبالإخفاق الكبير….”.[5]
سياق المنهاج الجديد
لقد حملت التدابير ذات الأولويَّة في موادها ومحاورها المركبة لها دعوة صريحة، وخطابا عاجلا على ضرورة المراجعة للبرامج والمناهج التعليميَّة، وبالتالي وضعت هذه التدابير ضمن رهاناتها العاجلة، ومن أولويَّاتها الأساسيَّة، تحسين المنهاج الدراسي للسنوات الأربع من التعليم الابتدائي، قصد الرفع من أداء المتعلِّم، و تنمية الكفايات الأساس في القراءة والكتابة والتواصل والتعبير…[6]
وممَّا جاء في مقدِّمة التدابير ذات الأولويَّة[7]
“بناء على نتائج مختلف التقويمات المنجزة وطنيًّا ودوليًّا، والتي تكشف عن تدنٍّ ملحوظ للمكتسبات الدراسيَّة للتلميذات وا لتلاميذ، والذي يعزى من بين مسبباته الأساسيَّة إلى عوامل بيداغوجيَّة أبرزها عدم ملائمة المقرّرات الدراسيَّة، والطرائق التعليميَّة المعتمدة مع الحاجيات التربويَّة الأساسيَّة للمتعلِّمين من جهة، ومع المستجدَّات التي يعرفها حقل التدريس من جهة أخرى…”.
ممَّا جعل هذه التدابير تدعو بشكل علني، وبلغة مستعجلة واضحة وصريحة، إلى التعجيل في تغيير البرامج التعلميَّة بدءًا من التعليم الابتدائي.
وهذا ما نجده في التدبير رقم -1-الذي نصَّ على ضرورة تحسين المنهاج الدراسي للسنوات الأربع من التعليم الابتدائي بهدف تنمية الكفايات الأساسيَّة والضروريَّة في القرءاة والكتابة والرياضيات، ممَّا سيسمح بتصحيح التعثّرات بشكل سلس ومندمج من خلال الأنشطة الصفيَّة او أنشطة الدعم الخارج صفيَّة.
ورغم ما بذل من الجهد الكبير في إعداد المنهاج الجديد، في الجانب البيداغوجي، أوفي الجانب الديداكتيكي، فإنَّ مشاكل المنظومة التعليميَّة، ما زالت مستمرَّة، وهو ما أظهره التقويم الوطني لسنة :2019 “P.E.N.A .
لقد حصل التلاميذ المشاركون في البرنامج الدولي لتقييم المتعلمين “بيزا سنة 2018 على نتائج ضعيفة، في هذا التقويم التعليمي، فهذه النتائج المحصّل عليها ليست سوى “تحصيل حاصل”، وتعكس الوضعيَّة الصعبة التي توجد عليها المنظومة التربويَّة والتعليميَّة في المغرب، والتي أكَّدت تقارير عديدة حاجتها الماسَّة إلى إصلاح شامل.
-المنهاج الجديد وأهدافه التربويَّة
مرَّ المنهج الجديد بمرحلتين أساسيتين:
-مرحلة التجريب وكانت ابتداء من سنة :2015
–مرحلة التعميم وكانت ابتداء من الموسم الدراسي 2019 :2018
ومن الأهداف التي سعى المنهاج الجديد إلى تحقيقها والوصول اليها ، هو التخفيف من ساعات الزمن المدرسي للمتعلم، وتعويض هذا الزمن بالأنشطة الصفيَّة والموازية خارج الفصل الدراسي، وتكون هذه الأنشطة داعمة ومكملة للتعلمات الأساس للأنشطة الصفيَّة التي يتلقاها المتعلم داخل الفصل الدراسي.
هندسة المنهاج الجديد
يتركب المنهاج الجديد من هذه العناصر الأساسيَّة وهي عناصر:
وهي العناصر التي يسعى المنهاج الجديد الى تحقيقها في سلوك المتعلم.
المجالات المركبة المنهاج الجديد
المرجعيَّات الكبرى في المنهاج المغربي
وعليه فانَّ أبرز من أهداف المنهاج الجديد للتعليم الابتدائي هو الأخذ بالعناصر الآتية:
– التخفيف من الحصص والغلاف الزمني للزمن المدرسي للمتعلم، وتعويض هذا الغلاف، بالأنشطة سواء أكانت صفيَّة مندمجة خادمة للتعلمات الأساس، أو أنشطة خارج صفيَّة.
-مراعاة الإيقاع الزمني، والخصوصيات النفسيَّة ، والاجتماعيَّة والبيئيَّة والقيميَّة للمتعلم.
–مراعاة خصوصيَّة المتعلم اجتماعيا، والعمل على استحضار واقع الأسرة التي يعيش فيها هذا المتعلم.
– مراعاة المحيط المجتمعي والبيئي الذي يعيش فيه المتعلم، ويتفاعل معها.
-السعي نحو تحفيز مهارة التعلُّم الذاتي عند المتعلممن.
-اختيار الطّرائق الفعَّالة التي تناسب وتوافق المستوى النفسي والعمري المتعلّم.
-الانفتاح على الطرائق البيداغوجيَّة الجديدة في التعلم مثل بيداغوجيَّة اللعب، بيداغوجيَّة تقمص الأدوار.
[1]-تقرير المركز العربي حول التعلمات السنة :2011-2010
-يراجع في هذا الموضوع :التقرير التركيبي للمجلس الأعلى للتعليم لسنتي:2008-2009- منشورات المجلس الأعلى للتعليم السنة 2009.
[2] – PIRLS 2016″ : هو تقويم دولي لمســتوى التلامــذة المغاربــة في القــراءة ويطمــح التقريــر”نتائج التلامذة المغاربة في الدراسة الدوليَّة لقياس مدى تقدم القراءاتيَّة “، لأن يكــون مرجعــًا لتقييــم منتظــم، كل خمــس ســنوات.
[3]التقرير الصحفي للنتائج العامَّة للتلاميذ المغاربة في الدراسة الدوليَّة لتقويم تطور الكفايات Pirls القراءاتيَّة الذي نشر 05-12-2017
[4] هذا الكتاب هو من منشورات كليَّة اللغة العربيَّة مراكش: السنة 2015.ص:.15
[5] يراجع : كتاب المنجز اللغوي لتلميذ المدرسة المغربيَّة دراسة ميدانيَّة للتعثُّرات بحث ميداني لمجموعة من الطلبة استغرق البحث ثلاث سنوات بإشراف الدكتورهشام فاتح.وهو من منشورات كليَّة اللغة العربيَّة مراكش:2015.
[6]– مشروع المنهاج الدراسي المنقَّح للسنوات الأربع الأولى للتعليم الابتدائي: 15مديريَّة المناهج : 2015.
[7]-التدابير ذات الأولويَّة :هي تدابير متفرِّعة عن الرؤية الاستراتيجيَّة جاءت لمعالجة الاشكالات التربويَّة والبيداغوجيَّة التي أثارتها اللقاءات التشاوريَّة حول مستقبل المدرسة المغربيَّة متخذة من الإطار المرجعي للرؤية الاستراتيجيَّة سندًا ومدخلًا ومرجعًا في الإصلاح….
يراجع مذكرة الاطار في التنزيل الاولي للرؤيَّة الاستراتيجيَّة صدرت 12/10/2015.
_________
*محمد بنعمر.