اجتماعالتنويريسلايدر

دور التسامح الديني في الحياة الاجتماعيَّة

 (التسامح من أجل التعايش)

إن الظروف الحالية التي تمر بها أغلبية المجتمعات ولا سيما المجتمعات العربية من أعمال عنف واضطرابات والتي من أسبابها غياب التسامح بين الأفراد ومعتقداتهم وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي انعكس سلباً على الحياة الاجتماعية لأفراد المجتمع، مما دعا هذا الأمر إلى تبني فكرة التسامح والحوار العقلاني ونبذ العنف والصراع وإلا سينعكس هذا التناحر سلباً على مختلف فئات المجتمع.

“كما طُرح مفهوم التسامح بقوة في نهاية القرن الماضي؛ كنتيجة طبيعية لانفتاح العالم على بعضه البعض واختلاط الأديان والأعراق مما يتطلب وجود التسامح فيما بينهم لضمان التعايش، كما أنه صفة سامية تعمل على نشر التعايش السلمي وإحلال ثقافة التعايش محل ثقافة الحرب ورفض الآخر. بذلك ارتقى مطلب التسامح والحاجة إليه إلى مستوى غير مسبوق في مدارج التعايش المشترك بين مختلف الأمم والشعوب وثقافتها. ([1])

والتسامح جزء أساسي في بناء المجتمع ويراد به موقفاً إيجابياً متفهماً من العقائد والأفكار يسمح بتعايش الاتجاهات المختلفة على أساس شرعية الآخر المختلف دينياً وسياسياً وحرية التعبير عن آرائه وعقيدته. وذلك لأن فكرة التعايش والتسامح تعني تجاوز سبل الانقسام الذي يقوم على أساس القومية والدين والعشيرة.([2]) ويعد التسامح واحداً من المفاهيم التي تعددت بشأنها وتنوعت الآراء لأنه يعد قيمة إنسانية، ويمكن النظر إليه على أنه علاج نفسي فإذا امتلأ القلب بالتسامح وانشغل العقل بالتساهل والتغاضي عن الأخطاء، وساد التعايش امتلأت الأرض بالخير وانتشرت المحبة بين البشر، لأن التسامح يعمق التعايش بين الأمم والشعوب.”([3]) ولهذا يعد التسامح خطوة مهمة تسهم في حل الكثير من المشكلات القائمة بين الأفراد، كما يسهم في حدوث التعاون والثقة لإقامة علاقات اجتماعية هادفة. وتبرز أهمية التسامح في مجتمعاتنا، وذلك لتعدد الطوائف الدينية والقومية وقد أكدوا في كثير من المؤتمرات على التعايش السلمي والتسامح الاجتماعي واحترام تعدد الأديان، ودعم كثير من المنظمات التي تولي الاهتمام بثقافة التعايش السلمي ودعوة المؤسسات الإعلامية المختلفة في ممارسة دورها الإيجابي والمؤثر في إشاعة وترسيخ مفاهيم التسامح والتعايش السلمي وقبول الآخر، واحترام تعدد الثقافات علماً بأن جمهور هذه المؤسسات مازال متابعاً جيداً للوسائل الإعلامية، ويعتمد عليها في تحصيله الثقافي والمعرفي والسلوكي.([4]) فالفرد المتسامح يكون متفهماً ومبتعداً عن الجمود الفكري ولا يعير اهتماماً للفروق الفردية أو الاجتماعية.([5])

وبناء على ذلك علينا أن نبدأ بترسيخ قيم التسامح والحوار الثقافي ليكون جسر عبور إلى تقبل الآخر، وتحقيق حياة اجتماعية داخل المجتمعات المختلفة في التقاليد الثقافية والدينية بشكل يؤدي إلى امتصاص العنف. ” لأن التسامح من الخصال الحميدة، ينزع به الغل والحقد من النفوس لتحل المحبة والسلام والوئام، لأن العفة عن الآخرين تقربك منهم وتأسرهم، ولم تتركز الدعوة السلمية في الكتاب العزيز بل كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فضلاً عن أدبه وسماحته عنواناً بارزاً للتعايش السلمي إذ وصفه الله تعالى في كتابه العزيز بالرحمة وصفاء القلب والسريرة والتسامح ” قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ “([6])

وقد كان صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالمؤمنين من أنفسهم وسار صحابته على سيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم ووصفهم بالجسد الواحد لألفة قلوبهم وصفاء سريرتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: “مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى”([7]) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو للتراحم فيما بين الناس كثيراً لإضفاء روح المحبة ورفع الغل والحقد والضغائن عن القلوب وتنقيتها من الدرن والآثام، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ.”[8] ثم كانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وتهيئة أسباب الاستقرار من حيث إعداد العدة لمنع الاعتداء عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تآخوا في الله أخوين، أخوين([9]) من هنا تأتي أهمية السلام من الآثار المترتبة على تحقق السلام سواء على صعيد الأفراد أو الأسر أو المجتمعات واستقرار المجتمع بكافة أفراده مسلمين وغير مسلمين .

من الإشارة إلى أن التسامح الديني والسلام في المجتمع لا تعني الاستسلام والقبول بالأمر الواقع، بل عليها التنديد بكل أوجه الاحتلال والعدوان التي تتعرض لها الشعوب في العالم وعليها أن تكون في خدمة القضايا العادلة،([10]) ولم يأمر الله سبحانه وتعالى أنبيائه إلا لتحقيق المحبة والسلام والتعايش، ورسالة الأديان السماوية كانت على الدوام تدعو للتآلف والتآخي بين الناس دون مصادرة الحريات ودون فرض أو إكراه في قوله تعالى “فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ”([11])  وهذا دليل على مدى تسامح وتقبل الآخر في الدين الإسلامي. فلا يجوز إكراه أحد، لأن الدين في القلب وليس كلمة تقال باللسان، فمن أجبر على اعتناق دين معين بلسانه فلن يقبله بقلبه.  وما مبدأ التسامح الديني مع أهل الكتاب وغيرها في تاريخ المسلمين الممتد إلا نموذج لأصالة التعايش والسلام في المجتمعات التي يعرف فيها المواطن ما له وما عليه دون طعن أو تجريح لعقائد الآخرين، بل حوار بالتي هي أحسن، ودعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة. ([12]) وهذا يشير إلى دور التسامح الديني في الحياة الاجتماعية ويكون مفتاح لتحقيق التعايش السلمي بين أفراد المجتمع الواحد. وبالتالي يعد السلام طريق لتطور هذه المجتمعات، ولذلك لابد من نشر التسامح وفقاً لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف فالإسلام يدعو لإقامة علاقات طيبة تمتد جذورها إلى كل أطياف المجتمع، والتي باتت مبنية على التسامح وعدم الإضرار بالآخر وهو دين فاصل عند النزاع لإحقاق الحق وإبطال الباطل وإنصاف المظلوم. وقد أمر الدين الإسلامي كل أفراد المجتمع أن يعملوا جاهدين على النظم الأخلاقية التي من شأنها أن تبني وتعمر الأرض التي جاء فيها قوله تعالى” إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً([13])

والرسالات السماوية كلها أكدت على التسامح والتعايش وقبول الآخر بين البشرية، وذلك لأن الأصل واحد فالقرآن الكريم يؤكد كما جاء في سورة البقرة قال تعالى ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ([14]) والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: “أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك” ويقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ” خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ.” وفي القرآن الكريم والسيرة النبوية العطرة لشواهد واضحة على التسامح. قوله تعالى” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} ([15])

فالمجتمع العربي الإسلامي بحاجة إلى التسامح وقبول التعددية واحترام الرأي والرأي الآخر واجتناب أساليب العنف، فتاريخ الاستبداد في المجتمعات العربية كان قد مسخ العديد من معالم الثقافة الإسلامية التي ترتكز على الاعتراف بكرامة الانسان بما هو إنسان بغض النظر على أي عنوان آخر.([16]) فثقافة التسامح باتت من الضروريات الملحة التي يفرضها الواقع الراهن لمواجهة العنف المجتمعي، مما يوجب الحرص على ترسيخ القيم الإنسانية فالتسامح من الصفات التي تحبها النفوس وتنجذب لها القلوب.([17]) هكذا اقتضت التعددية في مفهومها تقبل الرأي الآخر كحقيقة واقعة بحكم الطبيعة الإنسانية. ويقول الإمام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) حيث عرف الإسلام منذ فجره بدعوته إلى السلام وبنى علاقة المسلمين على المحبة والاخوة، قال تعالى” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” ([18])

لقد حرص الإسلام على تأكيد التسامح بين الأديان فالأديان السماوية جميعها في نظر الإسلام حلقات متصلة لرسالة واحدة جاء بها الأنبياء والرسل من عند الله عز وجل، وضرب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أعظم الأمثال في التسامح. وكذلك موقفه صلى الله عليه وسلم مع حكام الفرس والروم عندما بعث برسائل إلى قيصر الفرس والروم ومقوقس مصر لدعوتهم إلى دخول الإسلام وعدم إجبارهم على اعتناقه وترك الحرية لهم. ([19]) وقال سبحانه وتعالى” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ”([20]) وهذا تأكيد على أن الشريعة الإسلامية ترغب الناس بدخول الإسلام دون الإكراه في ذلك. فقد كرم الله سبحانه وتعالى بني آدم على اختلاف مذاهبهم الدينية بالعقل وحرية الاختيار وهذا ما يؤدي إلى التنوع بين البشر في معتقداتهم ومذاهبهم الدينية وهذا أمراً طبيعياً في حياة البشر “ولم يمر وقت على الناس لم يكونوا فيه مختلفين بل تميزت حياتهم بثبات التعددية والتنوع، بل إن هذا التنوع والتعدد أمر اقتضته مشيئة الله عز وجل. بل وأكثر من ذلك فقد يحدث أن يختلف الانسان مع نفسه بأن يرى اليوم رأياً ويرى غداً رأياً آخر.”([21])

التسامح من وجهة نظر القرآن الكريم والسنة النبوية:

قبِل الإسلام الآخر وأرسى قواعد للتعايش السلمي معه، انطلاقًا من الوحدة الإنسانية، وحرية الاختيار وتحقيق العدالة والمساواة بين الجميع دون تمييز، ونشر السلم الاجتماعي، إن الإسلام هو الدين الذي أوحى به الله سبحانه وتعالى إلى نبيه ورسوله محمد بن عبد الله، عليه الصلاة والسلام حين أنزل عليه القرآن مصدقاً لما بين يديه من التوراة والانجيل فهو رسالة السماء الخاتمة الجامعة لما فيه الخير والصلاح للإنسان، في دنياه وآخرته إلى يوم الدين.([22]) فقد بعث الله محمداً عليه الصلاة والسلام رسولاً للعالمين، ولم يبعثه لقومه العرب من دون غيرهم، قال تعالى” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ([23]) وقال تعالى” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا”([24]) قال تعالى” قلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا”([25]) 

ولما كان الإسلام قد أوجب الإيمان بجميع الرسل وعدم التفرقة بينهم،  “ولما كان الدين الإسلامي خاتمة الشرائع والأديان والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم الخاتم لجميع الأديان والشرائع كان الإيمان به وبكل الأنبياء والمرسلين وبجميع الكتب السماوية حقاً على كل مسلم ومسلمة ولا شك أن المسلمين جميعاً يؤمنون بكل ذلك،”([26]) قال سبحانه وتعالى” آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ([27]) وتعددية الشرائع الدينية سنة من سنن الله في الاجتماع الديني قال تعالى” لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ  ([28]) ومبدأ عالمية الرسالة هو مبدأ  من مبادئ الإسلام الراسخة، وهو الأساس الثابت الذي تقوم عليه علاقة المسلم مع أهل الأديان الأخرى ومن هذا المبدأ تنبع رؤية الإسلام إلى التعامل مع غير المسلمين، فلا تكتمل عقيدة المسلم إلا إذا آمن بالرسل جميعاً لا بين أحد منهم وهذا هو البعد الإنساني الذي يعطي للتسامح في الإسلام مساحات واسعة، قال سبحانه وتعالى ” نزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ  مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ”([29]) ولا يجوز أن يفهم هذا التسامح الإنساني على أنه استعداد للذوبان في أي كيان من الكيانات التي لا تتفق مع جوهر هذا الدين فهذا التسامح لا يلغي الفارق والاختلاف ولكنه يؤسس للعلاقات الإنسانية التي يريد الإسلام أن تسود حياة الناس،  ولقد رسخ الإسلام تحت عنوان التسامح عدة أمور ليحدد التسامح المطلوب من إنسان يعيش على هذه الأرض و ليؤكد للناس إنسانية الانسان الرائعة أهمها: 1- رسخ في قلوب المسلمين أن الديانات السماوية تستقي من معين واحد من أجل التسامح فقال سبحانه وتعالى: “شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ([30])

 2-رسخ الإسلام أن الأنبياء أخوة لا تفاضل بينهم من حيث الرسالة فقال تعالى” قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ”([31]) صدَّقنا أيضًا وآمنا بما أنـزل إلى إبراهيم وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباط،
وقوله: ” ومَا أوتي مُوسَى وعيسى ، يعني: وآمنا أيضًا بالتوراة التي آتاها الله موسى، وبالإنجيل الذي آتاه الله عيسى، والكتب التي آتى النبيين كلهم، وأقرَرنا وصدّقنا أن ذلك كله حَق وهُدى ونور من عند الله، وأن جَميع من ذكر الله من أنبيائه كانوا على حق وهدى، يُصدِّق بعضهم بعضًا، على منهاج واحد في الدعاء إلى توحيد الله، والعمل بطاعته,” لا نُفرِّق بَينَ أحد منهم “، يقول: لا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض، ونتبرَّأ من بعضٍ ونتولى بعضاً، كما تبرأت اليهودُ من عيسى ومحمد عليهما السلام وأقرّت بغيرهما من الأنبياء، وكما تبرأت النصارَى من محمد صلى الله عليه وسلم وأقرّت بغيره من الأنبياء، بل نشهد لجميعهم أنّهم كانوا رسلَ الله وأنبياءَه، بُعثوا بالحق والهدى.

3- لقد رسخ الإسلام أنه لا إكراه في الدين فالعقيدة ينبغي أن يستقبلها القلب والعقل بشكل واضح وبشكل جلي: قال تعالى” لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[32]

أكرم الله تعالى الإنسانية بالشريعة الإسلامية السمحة وختم بها الرسالة والأديان، وأنار لها الطريق وأوضح لها المنهج الذي فيه نجاتها وبه صلاحها إلى قيام الساعة في جميع شؤون الحياة، والمتأمل في سمات الشريعة الإسلامية في أمور الدنيا والآخرة يجدها قد قدمت القيم والمعايير التي يمكن على ضوئها تسير أمور الحياة كافة، فقد كانت وما زالت الشريعة الكاملة المنظمة في التعامل والتسامح والتعايش في سائر شؤون المجتمع الإنساني، ومن ينظر إلى الشريعة الإسلامية يجدها تتسع لجميع الناس، فلا تدعو لإلغاء الآخر بل تعترف به، ومن المعلوم أن الإسلام يوازن بين ثوابت الشريعة ومتغيرات العصر الذي نعيشه يتميز بتلاشي المسافات وتطور التكنولوجيا الهائل فأصبحت فيه العلاقات الاجتماعية البشرية أكثر اتساعاً الأمر الذي أدى إلى مزيد من التفاعل البشري، كذلك يؤمن الإسلام بوجود التعددية الدينية والمذهبية فالاختلاف وتعدد الأمم والشعوب وانقسام الناس إلى قوميات وقبائل أمر واقع، وهو وسيلة للتميز والتعارف،([33])  يقول سبحانه وتعالى” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ([34]) إن شريعة الإسلام شريعة حافلة بالقيم النبيلة من العدل والإحسان والرفق للمسلمين ولغيرهم من أصحاب الديانات والمذاهب الأخرى وهذه قيم أساسية في الإسلام، فالإسلام دين السلام والسلام لن يتحقق في أي مجتمع دون التعايش والتسامح على الرغم من اختلاف الآراء والأديان في المجتمع. إن الإسلام قد أسس ثقافة إنسانية تدعو إلى تعايش الناس على الرغم من اختلافهم وتعددهم، كما نص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على وحدة الأصل الإنساني مع الإقرار بمبدأ الاختلاف والتنوع البشري، وهو ما يقضي الحوار بين المختلفين وتجنب الصدام والصراع، وجعل حالة السلم هي الأصل وحالة الحرب هي الاستثناء، الله سبحانه وتعالى أوجد الإنسانية من نفس واحدة وأنشأ من هذه النفس زوجها ومنهما نشر في الوجود رجالاً ونساءً قال تعالى” وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ”([35])

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينشر التسامح والإخاء الإنساني الذي يتجاوز المسلمين إلى غير المسلمين ويؤكد أن البشرية كلها من أصل واحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى” وهذا يقتضي منهم الرحمة بالتعاون. الإسلام يقر بوحدة البشرية واختلاف الناس وهذا يهدف الى معرفة بعضهم بعضاً وبالتالي يستلزم التعايش والتسامح بينهم. وهذه الوحدة الإنسانية تتضمن الدعوة إلى التآلف بالتعارف، وإلى ترك التعادي بالتخالف.

وحينما بعث الله تعالى نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالشريعة السمحة حث على الصفح عن الناس والتسامح مع الجميع وهو من الخصال الحسنة التي تسعى الشريعة لنشرها في المجتمع لتقوية العلاقات الاجتماعية وإحلال السلم الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، وقد حث المولى عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم على الصفح والتسامح ليكون قدوة في ذلك فقال سبحانه “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”([36]) وقال في موضع آخر داعياً لكظم الغيظ والعفو قال تعالى” وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”([37]) وحث الله سبحانه وتعالى في آية أخرى على العفة والصفح” وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ([38]) وقد وعد الله المسلم الهين اللين السمح المتسامح بالقصر العالي في الجنة ففي الحديث الذي أورده السيوطي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ” رأيت قصوراً مشرفة على الجنة فقلت : لمن هذه يا جبريل قال:  للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس”

فمن أراد العزة في الدارين ما عليه إلا أن يكون متسامحاً مع الناس ففي الحديث الذي رواه أبي هريرة عن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفوٍ إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله[39] كما أخبر الحبيب عليه الصلاة والسلام بكظم الغيظ والتسامح مع الآخرين قال صلى الله عليه وسلممن كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة فيخيره من الحور العين ما شاء “ أبو داوود والترمذي وابن ماجه.  

ولا يمكن أن يكون المجتمع متماسكاً ومتآلفاً متراحماً إلا من خلال إشاعة ثقافة التسامح والتجاوز عما أساء إليك فيصبح المجتمع متراحماً، فقد روى النعمان بن بشير رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ” رواه البخاري

إن التسامح لا يقدر عليه إلا أصحاب النفوس العظيمة ذات الخلق الكريم وقد ضرب لنا المصطفى عليه الصلاة والسلام مثلاً عظيماً في التسامح حينما فتح مكة وتمكن ممن أذووه وأخرجوه من أحب البلاد إليه من أهل قريش فقال عليه الصلاة والسلام لهم: ما ترون أني فاعل بكم وما تظنون وما تقولون ” قالوا خيراً أخ كريم وابن أخ كريم ” وهم يرتقبون الرد في وجل وخوف فجاءت الطمأنينة والمسامحة لهم من سيد البشرية عليه الصلاة والسلام. قال ” اذهبوا فأنتم الطلقاء” لا تثريب عليكم أقول لكم كما قال يوسف عليه السلام ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ” رواه البيهقي. نفس عظيمة حوت واحتوت واتسعت لجميع الأعداء قبل الأصحاب صلى الله عليه وسلم. ([40])

نماذج من تسامح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:

لقد سجل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الخلق الرفيع والصحبة الكريمة وسعة الحلم حتى مع ألد أعدائه فكان بحق قدوة حسنة وأول من أرسى أسس التسامح والتعايش السلمي.

بينت لنا سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام كم هو متسامح قال تعالىوَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ “([41]) هذا الخلق العظيم تجسد في سلوكه مع أصحابه رضوان الله عليهم، وفي تعامله معهم، ومن تسامحه صلى الله عليه وسلم ما رواه لنا ابن مسعود رضي الله عنه عن تسامحه وفي ذلك يقول: كأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء عليهم السلام ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون” متفق عليه يضرب النبي صلى الله عليه وسلم ويتسامح عمن ضربه يسيل الدم من جبينه الطاهر فلا يلتفت لذلك الدم فيتسامح بل يصل به الأمر إلى أعظم من ذلك لا يقدر عليه إلا أصحاب النفوس الكبيرة والعظيمة، عندما لم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسامحة من اعتدى عليه بل دعى لهم بالمغفرة والتمس لهم العذر عند ربهم بأنهم لا يعلمون. ولأهمية إقامة علاقات بين الناس تكون قائمة على المسامحة والتسامح مع الجميع نرى نموذجاً ومثلاً من تعامله صلى الله عليه وسلم مع أشد أعداء دعوته وممن كادوا له الدسائس ألا وهم اليهود فقد تسامح مع اليهودي الذي يضع في طريقه الأوساخ والقاذورات فحينما اختفى عن الطريق ثلاثة أيام فاستغرب النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر فسأل عن اليهودي فأخبروه أنه مريض فذهب إليه عليه الصلاة والسلام يزوره مما زاد اليهودي دهشةً وحيرةً فسأل اليهودي النبي صلى الله عليه وسلم لم هذه الزيارة يا محمد فقال عليه الصلاة والسلام لم تضع ما كنت تضعه فحسبتك مريض فجئت أزورك فقال اليهودي للرسول صلى الله عليه وسلم : أدينك يأمرك بهذا يا محمد فقال: الرسول صلى الله عليه وسلم بل أكثر من هذا فقال اليهودي : أشهد أن لا إله الا الله واشهد ان محمد رسول الله . بتسامحه ومسامحته صلى الله عليه وسلم كانوا سبباً في دخول اليهودي في دين الإسلام. فما بالنا بالتسامح في نشر السلام المجتمعي.

ومن المواقف التي تدل على تسامح النبي صلى الله عليه وسلم” استقبل المصطفى عليه الصلاة والسلام وفد نصارى الحبشة وأكرمهم بنفسه وقال: إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، فأحب أن أكرمهم بنفسي” استقبل النبي صلى الله عليه وسلم هدية من المقوقس في مصر وهي مارية القبطية التي أنجبت إبراهيم بن المصطفى عليه الصلاة والسلام فجعلت نبي الاسلام يوصي أتباعه بقوم «مارية» فيقول: «الله الله في أهل الذمة أهل المدرة السوداء السحم الجعاد، فإن لهم نسباً وصهراً». ويقول: «استوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمةً ورحماً». قد روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمةً ورحماً، وروى الطبراني والحاكم عن كعب بن مالك مرفوعاً. إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيراً، فإن لهم ذمةً ورحماً.

“وقد سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع أهل الأديان المختلفة في إطار علاقات إنسانية تنبذ العنف والتطرف والأنانية وسحق الإنسان لأخيه، فكانوا يبيحون لأهل البلد الذي يفتحونه أن يبقوا على دينهم مع أداء الجزية وكانوا في مقابل ذلك يحمونهم ضد كل اعتداء ولا يمسون عقائدهم وشعائرهم ومعابدهم. فالتاريخ الإسلامي هو تاريخ القوة والانتصار وهو نفسه تاريخ التسامح والتعايش وهناك الكثير من المواقف التاريخية بينت تمسك المسلمين بحقوق غير المسلمين في العيش في سلام وأمان على الرغم من النزاعات والخلافات، إلا أنها لم تثن المسلمين عن حسن معاملة اليهود والنصارى وغيرهم داخل الدولة الإسلامية.”([42])

“كما جسد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أروع أمثلة التسامح والعفو- العفو عند المقدرة على إنزال العقاب لمن يستحقه- وتلك أخلاق الأنبياء وشيمهم وسجاياهم، فقد سامح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (وحشي) قاتل عمه الحمزة رضي الله عنه وقبل إسلامه، وذلك لأن الإسلام يجبّ ما قبله ولأنه دين التسامح والعفو ولأن قلب النبي الكريم لا مكان للحقد واللؤم فيه، وفيه دلالة أكيدة على دعوته صلى الله عليه وسلم للتسامح والتعايش السلمي تحت مظلة الإسلام وتعاليمه السمحة، وتأكيده العيش بأمن وسلام وطمأنينة وعندما خاطب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قريش عند دخوله مكة فاتحاً في قوله المشهور ( يا معشر قريش ما ترون إني فاعل بكم) قالوا خيراً أخ كريم وابن أخ كريم قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ”([43]) اذهبوا فأنتم الطلقاء.”([44]) ففي كتب السير يروي طرفاً من عطفه وترحمه على الموتى ودعوته صلى الله عليه وسلم إلى إكرامهم سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين وجاء في الخبر عن جابِرِ بنِ عَبدِ الله رَضِيَ الله عنه، قال:  مرَّتْ جنازة، فقام لها رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقُمْنا معه، فقلنا: يا رسولَ الله، إنَّها يهوديَّةٌ، فقال: إنَّ المَوتَ فَزَعٌ؛ فإذا رأيتُم الجِنازة فقُوموا ([45]) «أليست نفسًا؟!».

خاتمة:

قمنا بهذا المقال لتوضيح دور التسامح الديني في الحياة الاجتماعية للأفراد في كافة المجتمعات الإنسانية لتشجيع وتجسيد روح التسامح السلمي الذي يحفظ المجتمع من الخلافات ويؤمن له العيش السلمي بين الناس على تباين معتقداتهم وأفكارهم وثقافتهم.

لقد امتاز الإسلام برعاية الإنسانية من حيث العموم، وأصحاب الديانات السماوية من حيث الخصوص فبسط الله تعالى به روح الانتماء بين البشر وألف به بين الفئات المختلفة، ونشر به روح العدل والإحسان بين البشر كافة. وهكذا بات واضحاً أن التسامح الديني مطلب إنساني نبيل دعت إليه الأديان كافة. وكيف لا تدعو إليه وقد أرادته الحكمة الإلهية واقتضته الفطرة الإنسانية واستوجبته النشأة الاجتماعية وحفلت الثقافة الإسلامية بمنظومة متكاملة ترعى المسيرة التعايشية بين الشعوب وتجمع في رباطها شتات العروق والفصائل وتضفي عليها محاسن الأخلاق، كل ذلك في سبيل أن يحيا الانسان حياة طيبة شعارها السلام ومنهجها وفكرها لا يحيد عن الإسلام.

من هنا كان منطلقاً إلى تحقيق ثمار وآثار تعاليم الإسلام في التأليف بين القلوب والشعوب حيث كان مرادنا. فالتسامح أواصره كثيرة وسبله وفيرة والعاقل من أدرك أن الحياة تسع للجميع وأن الأفكار قابلة للنقاش وأن العمر لا ينبغي أن يضيع في ظلال الحروب والخلافات والتناحر والتنافر، وأن الإسلام بعث الله به الأنبياء وألف به بين شعوب الأرض وبه تصلح النفوس لتتقبل التسامح من الآخر على ضوء ضوابطه ومقرراته وسعة رحمته واتساع معالجته، فالإنسان الحق هو من قام بحق الإنسانية وحفظها لأبناء جنسه والمسلم الحق من حفظ للإنسانية حقوقها وبادلها بالرأفة والإحسان والتسامح، وسعى في نجاتها بما آتاه الله من طاقة وعقل وإيمان وقدم للبشرية قدوة في أخلاق الإسلام وسعة رحمته وعدالة مبادئه لنحيا بسلام ونذوق وتذوق الأجيال القادمة لذة العيش في ظلال السلام والإسلام. ولم يمنع الإسلام المسلمين من مخالطة ومعاشرة المخالفين لهم في العقيدة والمذهب ومنذ بداية الإسلام وحتى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض وما عليها.


[1] – أميرة أحمد كوكش، دور شبكات التواصل الاجتماعي في نشر ثقافة التسامح من وجهة نظر طلبة الجامعات الأردنية، رسالة ماجستير جامعة الشرق الأوسط، كلية الإعلام، قسم الإعلام، الأردن،2017، ص (14-15).

[2] – نادية فاضل عباس فضلي، ثقافة التسامح ودورها في بناء المجتمع العراقي، الموقع الالكتروني: cis.uobaghdad.edu.iq ،2013، ص (1- 2).

[3] – حميد جابر محمد وآخرون، التسامح الاجتماعي لدى طلبة كلية الآداب، رسالة لنيل درجة البكالوريوس، جامعة القادسية، كلية الآداب، قسم علم النفس، 2017، ص12.

[4] – المرجع السابق نفسه، ص 13.

[5]– port, G, The Nature of prejudice, Addison-Wesley publishing Company, New York1979, P (1).

[6] – القرآن الكريم، سورة آل عمران، آية (159).

[7] – الراوي: النعمان بن بشير، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الجامع، الصفحة: 5849 أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586)

[8] –  أخرجه البخاري (5997)، ومسلم (2318)، وأبو داود (5218)، والترمذي (1911)، وأحمد (10673.

[9] – الجزء رقم: 99، الصفحة رقم: 158.

[10] – أميرة أحمد كوكش، دور شبكات التواصل الاجتماعي في نشر ثقافة التسامح من وجهة نظر طلبة الجامعات الأردنية، مرجع سبق ذكره، ص (15).

[11] – القرآن الكريم، سورة الغاشية، آية (21-22).

[12] – عبد السلام حمود غالب، أثر الحوار في التعايش مع الآخر، شبكة الألوكة، بدون تاريخ، ص 15-16.

[13] – القرآن الكريم، سورة البقرة، آية (30).

[14] – القرآن الكريم، سورة البقرة، آية (256).

[15] – القرآن الكريم، سورة فصلت، آية 34-35.

[16] – ناديا فاضل عباس فضلي، ثقافة التسامح ودورها في بناء المجتمع العراقي، مرجع سبق ذكره، ص 3.

[17] – حسن أبو غدة، حاجتنا إلى التعامل بثقافة التسامح، مجلة الوعي الإسلامي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدد 576، الكويت، 2013، ص23.

[18] – القرآن الكريم، سورة الحجرات، آية 10.

[19] – عمرو فاروق محمد القرش، تصور مقترح لتنمية قيم التسامح لدى طلاب التعليم الثانوي الصناعي، مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، العدد 176، 2017، ص 378-379.

[20] – القرآن الكريم، سورة يونس، آية (99).

[21]يوسف ذياب عواد، التسامح ما بين الدين والسياسة، أعمال المؤتمر الدولي الثامن، التنوع الثقافي، طرابلس، 2015، ص 13.

[22] – عبد العزيز بن عثمان التويجري، الحوار من أجل التعايش، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1998، ص (79).

[23] – القرآن الكريم، سورة سبأ، آية (28).

[24] – القرآن الكريم، سورة الأحزاب، آية (45).

[25] – القرآن الكريم، سورة الأعراف، آية (158)

[26] – حيدر صاحب شاكر، أثر الإسلام في التنوع الثقافي والتعايش السلمي، أعمال المؤتمر الدولي الثامن: التنوع الثقافي، طرابلس،2015، ص 49.

[27] – القرآن الكريم، سورة البقرة، آية (285).

[28] – القرآن الكريم، سورة المائدة، آية (48).

[29] – القرآن الكريم، سورة آل عمران، آية 3-4.

[30] – القرآن الكريم، سورة الشورى، آية 13.

[31] – القرآن الكريم، سورة البقرة، آية 136.

[32] – القرآن الكريم، سورة البقرة، آية 256.

[33]محمد ضياء الدين خليل إبراهيم، موقف الشريعة الإسلامية من التنوع الثقافي والتعايش السلمي، أعمال المؤتمر الدولي الثامن: التنوع الثقافي، طرابلس، 2015، ص 1.

[34] – القرآن الكريم، سورة الحجرات، آية 13.

[35] – القرآن الكريم، سورة الأنعام، آية (98).

[36] – القرآن الكريم، سورة المائدة، آية (13).

[37] – القرآن الكريم، سورة آل عمران، آية (134).

[38] – القرآن الكريم، سورة النور، آية (22).

[39]خالد بن محمد بن عبد الله الدهمش، تصور مقترح لتنمية قيمة التسامح لدى طلاب المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية، مجلة البحث العلمي في التربية، العدد 17، 2016، ص 368.

[40] – المرجع السابق نفسه، ص 368.

[41] –  القرآن الكريم، سورة القلم، آية (4).

[42] – محمد ضياء الدين خليل إبراهيم، موقف الشريعة الإسلامية من التنوع الثقافي والتعايش السلمي، مرجع سبق ذكره ص35-36.

[43] – سورة يوسف، آية 92.

[44] – حيدر صاحب شاكر، أثر الإسلام في التنوع الثقافي والتعايش السلمي، مرجع سبق ذكره، ص54.

[45] – خرجه البخاري (1311)، ومسلم (960)، وأبو داود (3174) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2049)، وأحمد (14427)

_________
*الدكتورة ميادة القاسم الأستاذ المساعد في مناهج وطرائق البحث الاجتماعي قسم علم الاجتماع -جامعة ماردين- حلب سابقاً.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة