ما يؤسف له أنَّ ظاهرة تمزيق الدين إلى فرق ومذاهب تكرَّرت ضمن تاريخ الأمَّة الإسلاميَّة، وما تبعها من تفرقة ومعاداة يمثِّل مخالفة صريحة وخطيرة عبر التاريخ الإسلامي، كما نقرأ في الآية 105 من سورة آل عمران: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، في إشارة إلى بني إسرائيل لاسيما قضيَّة أولاد ألأفاعي وهم الفريسيون والصديقيون بسبب عدم إيمانهم بالبعث، فقد أجمعت الدراسات الإسلاميَّة، أنَّ الفكر الإسلامي منقسم إلى اتجاهين: الاتجاه الديني أو المحمدي، والاتجاه السياسي أو الخلافي أي الإيمان بالمهدي المنتظر.
يمثل الإيمان بالمهدي المنتظر تفوق العقيدة الإسلاميَّة على الديانات الأخرى، أما الخلافة فهي المثل الأعلى للدولة الإسلاميَّة فهي ترقى إلى إعادة المجد البائد للإمبراطوريَّة الإسلاميَّة على غرار ما كان في عهد الخلفاء الراشدين، والحكم المتنامي للأمويين والعباسيين، وحظيت الدراسات الإسلاميَّة لاسيما قضيَّة المهدي المنتظر باهتمام المؤرخين والمختصين في الفكر الإسلامي وبالأخص المستشرقين الذين دأبوا على الدراسات الإسلاميَّة، وبالخصوص فكرة المهدويَّة أو المهدي المنتظر ومن هؤلاء نقف مع ألفريد شاتوليي Alfred chatelier من خلال دراسته السياسة الإسلاميَّة، فمن وجهة النظر الإستشراقيَّة، فإن الإسلام عجز عن مقاومة الأفكار الحديثة فما كان على المفكرين المسلمين إلا التكيف مع التطور التكنولوجي حتى لا يبقى الإسلام دينا متحجرا ـ فكان عليهم الاستجابة لمتطلبات العصر، وإلا سينعزل المجتمع المسلم عن الحياة المعاصرة.
هذا ما حدث في تركيا ومصر، حيث يرى المستشرقون وحتى المؤرخون الغربيون، أن الحركة المهدويَّة هي شكل من أشكال الحقد لدى المسلمين وردّ فعل ضد الهيمنة المسيحيَّة، حيث كانت ولا تزال تعبر في جوهرها عن تدمير محلي، وبالتالي تظل الشرارة التي بإمكانها أن تغذي وفي أيّ لحظة لهيب الحرب سواء كانت أهليَّة ضد الأنظمة المستبدة أو حرب بين دولة ودولة أجنبيَّة، حسب الكتابات فإن خصوم الإسلام يرون أن الذي أجَّج التعصب الديني لدى بني ملته بواسطة الوعظ والإرشاد رجلٌ طموحٌ ومريض عقليا وخير مثال على ذلك انتفاضة جنوب الونشريس التي دبرتها عائلة أولاد حمزة سنة 1864 مستغلة نفودها الديني، وكذلك ثورة الأوراس سنة 1879 وانتفاضة بوعمامة في الجنوب الوهراني، أما الخلافة فمصيرها سياسي فقد كانت النخبة في بدايتها دينيَّة، كأيّ ظاهرة في الفكر الإسلامي.
المهدويَّة والوطنيَّة تحت المجهر
يفرِّق المؤرِّخون بين المهدويَّة والوطنيَّة، إذ يرون أن المهديين يعرفون بشعورهم الديني فقط، فهم يشكلون جماعات منعزلة ومنقسمون بحكم الانتماء القبلي والصراع على السلطة، في حين فإن الوطنيين لهم هدف سياسي وهم أكثر خطورة وأكثر ذكاء ولهم نظرة واضحة للأحداث، من وجهة نظر المستشرقين فإن الابتكار الوحيد الذي جاء به العرب هو الدين الإسلامي الذي كان عائقا بالنسبة لهم، رغم أن دور الخليفة هو تسهيل العلاقات بين المسلمين أولا ثم بين بقيَّة الأجناس الأخرى وتوطيدها تحت راية الدين الذي هو عدوّ بالضرورة لكل ما هو جديد ولكل تغيير وتحديث، فهذا الراديكالي شارل ماريشال من المدافعين عن “الجزأرة” algerania، تحدَّث عن علم نفس الشعوب إذ يقول: إن أولئك الذين يزعمون من بعيد إيجاد حلول لمصير الجزائر، فالكولون وحدهم يتفهمون الظواهر التي يعيشونها والكلمة لمن يصنعون الجزائر، واحتكار التعبير يعني احتكار التحليل، هذا الذي يعتبر مطلبا مهمًّا، فالمسلمون، كما يقول هو يُسَبِّقُونَ قانون العقوبات على الإصلاح لأنه لا وجود للنظام الاجتماعي في مفهوم المسلمين وبالتالي فالسلطة الإسلاميَّة (الخلافة) لا ترقى لمفهوم القانون الذي يحفظ العامة، الملاحظ أن فكرة المهدي المنتظر تختلف عند المسيحيين، فهم ينتظرون عودة المسيح عيسى عليه السلام ليطهرهم ويرفع الخطيئة من الأرض.
أما عند المسلمين فهم مختلفون ففيما ينتظر الشيعة عودة المهدي المنتظر وهو الإمام الثاني عشر الغائب، في حين ترى بعض التيارات الإسلاميَّة وبخاصة “الوهابيَّة” هذا الطرح فهي لا تؤمن بالمهدي المنتظر وترى أنه لا نبيّ بعد النبي محمد (ص) أي لا يجب انتظار المهدي، نشير هنا أن بعض الكتابات التاريخيَّة يرى أصحابها أن الممارسات الأصوليَّة دفعت بأحد الوهابيين الإعلان بأنه هو المهدي المنتظر، عندما احتل الوهابيون الحرم المكي عام 1979، حول المهدي المنتظر ذكرت بعض المصادر التاريخيَّة عن شخص اسمه السفياني الذي أعلن أنه المهدي المنتظر، والسفياني حسب المصادر هو من نسل خالد بن يزيد حفيد أبي سفيان العدو الأول للرسول وللإسلام، وقد ارتبط اسمه بشخصيات سياسيَّة في العهد الأموي، وقيل أنه سيمكث مدة قليلة ( بعض الأشهر) وفي عهده ينتشر العنف وتسفك الدماء، فيتيقن المسلمون أنه المهدي المزيّف.
هذه التناقضات بل الانقساميَّة إن صح التعبير خلقت صراعات هويَّة بين الشيعة والسنّة وخاصة الوهابيَّة، هذه الأخيرة يلاحظ أنها منقسمة إلى جزأين: جزء محافظ وجزء ثوري، الذي نراه يدعو إلى إعادة إحياء نظريَّة الولاء والبراء، وهذه النظريَّة ترجع إلى التراث الوهابي من القرن التاسع عشر وهي تنص على مناصرة المؤمنين والتبرؤ من الكفار على كل الأصعدة وبطريقة متطرفة، والتبرؤ عندها هو الجهاد، هذا بالنسبة للإسلام السُنِّي، أما الإسلام الشيعي لا زال الشيعة كم تمت الإشارة إليه يؤمنون بالإمام محمد المهدي الذي دخل في الغيبة، ويعتقدون أنه سيعود في نهاية الزمان لينتقم لهزيمة “كربلاء” ويشيد بمملكة العهد، البعض ربط فكرة المهدي بنظريَّة ولاية الفقيه التي ابتدعها الإمام الخميني لدرجة أنه لفت اهتمام الباحثين بسبب ظهور نظريَّة ولاية الفقيه في المسرح السياسي مع وجود السلطة الإيرانيَّة الإسلاميَّة، حيث احتلَّت ولاية الفقيه مكانة محوريَّة في النظام السياسي الإيراني، فهو يبقى في السلطة مدى الحياة، لدرجة أن ولاية الفقيه أعادت إقامة النظام الأصولي الحقيقي، فالإمام الخميني في نظر بعض المحللين هو روبنسبييرrobenspierre الحداثة الإيرانيَّة و”المهدي” في شخص واحد.
الذين أيَّدوا نظريَّة ولاية الفقيه، يرون أنَّ الولاية تقترب من إرادة ولاية الإمام الغائب وتحضر المجتمع والدولة لعودته المنتظرة وهي بذلك تتمتع بقدسيَّة دينيَّة، لقد حوَّل تمثيل الخميني المهدي على الأرض إيران في بادئ الأمر إلى مجتمع ديني سلطوي وبوسائل يعقوبيَّة، لكن بعد وفاته خرجت المعارضة عن صمتها ودعت إلا إلغاء ولاية الفقيه واعتبروها مرادفة للاستبداد والدكتاتوريَّة وكان خاتمي أول من دعا إلى ذلك لكنه فشل أمام الهجمة الشرسة للمتشددين أو المحافظين وفي مقدمتهم المرشد الأعلى للجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة آية الله علي خامئني وانتهى الصراع بمجيء محمود أحمدي نجاد المحسوب على التيار الخميني.
هل المهدي المنتظر هو الذي سيبسط الدين المدني في الإسلام؟
أما بعض علماء السنة يرون أن المهدي المنتظر شخصيَّة دينيَّة أيضا، ونلمس هذا ما جاء به الشيخ محمد ناصر الدين الألباني مفتي الديار الشاميَّة الذي قال أن المهدي الذي ينتظره المسلمون عالمٌ صالحٌ اسمه محمد بن عبد الله، والسؤال هو كالتالي: هل يتحدث الألباني عن محمد بن عبد الله بن الحسن الذي ذكره الشيعة والذي لقبوه بذي النفس الزكيَّة؟ أم هناك شخص آخر عند السنيين؟ خاصة وأن بعض الشيعة اختلفوا في هويَّة المهدي المنتظر وقالوا أنه غير محدد وأنه سوف يولد في المستقبل وهو من ولد علي من فاطمة، للإشارة أن الألباني له موقف معاد للشيعة، ففي في سؤال طُرِحَ عليه حول من هو المهدي المنتظر الذي ينتظره الشيعة؟ إذ يقول أن مهدي الشيعة خيال ولا وجود له إلا في أدمغتهم وهو يشبه العنقاء.
أما المبشر به من الحديث الصحيح منها قوله (ص): لا تنقي الدنيا حتى يبعث الله رجلا يوافق اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي أي محمد بن عبد الله يملأ الأرض قسطا و عدلا، يمكث في الأرض سبع سنوات أو ثمان سنوات، في الوقت نفسه يرى الألباني أن عيسى عليه السلام سوف ينزل شرقي دمشق وتكون الصلاة قد أقيمت للمهدي، يلاحظ أن الشيخ الألباني لا يعترف ببعض المسائل التي يؤمن بها المسلمون مثل إمام علي بن آبي طالب رغم أنه رابع الخلفاء المبشرين بالجنة رغم أن هؤلاء الخلفاء ليسوا أئمة كما يقول أن الأناشيد الإسلاميَّة بدعة وليست من الإسلام وأن المجتمع الإسلامي لم يعرف أناشيد إسلاميَّة، ويبرر الألباني موقفه بأن ضعفاء الإيمان وضعفاء العلم معا لما ارتاحت نفوسهم إلى بعض الأغاني المائعة التي لا يجوز النطق بها إسلاميا فحاولوا إيجاد مخرجا لهم للتنفيس والترويح فجاءوا بالأناشيد الإسلاميَّة، وهنا يمكن أن نطرح السؤال التالي: هل نشيد طلع البدر علينا حرام؟.
علجيَّة عيش
______
*المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي التنويري.