أنشطة داعمة في مجزوءة منهجيَّة البحث
النشاط رقم : 2
يكتسي الشق النظري أهمية بالغة في الهندسة المشكِّلة للبحث التربوي، ففي هذا الشقّ يتم مقاربة الظاهرة التربوية في جهة المفاهيم والأسباب البعيدة والقريبة المشكلة لها،مع إبراز وإظهار التجليات المدروسة بذكر مسارها بشكل مختصر، والاستعانة بتحديد المفاهيم المشكلة لبنية البحث في محاوره الكبرى، وهو ما يستلزم من الباحث والمشتغل على البحث التربوي، من أن يكون على اطلاع بأهم الدراسات والبحوث والدوريات العلمية التي تشغل على المجال التربوي في جهته التربوية والإجرائية .
وثيقة معينة ومساعدة
لقد جاء المنهاج الجديد للتعليم الابتدائي في سياق خاص، له راهنيته واعتباريته وأهدافه في مسار تطور قطاع التربية والتعليم، يتعلقهذا السياق بما حملته نتائج التقويمات الدولية والوطنية من نتائج مقلقة، وأرقام مجلية لأوضاع منظومة التعليم في المغرب ومن ذلك :التقويم الدولي للقراءة : 2016 ـ PIRLS،والتقويم الوطني للتعلمات ” PNEA 2009″ . [1]،فقد أظهرت نتائج هذين التقويمين عن واقع التراجع الملحوظ، وعن الصعوبات والإخفاقات والتعثرات التي يعيشها المتعلم في تحصيله للتعلمات الأساس، وفي تمكنه من المهارات التواصلية التي يحتاجها في درس التعبير والكتابة والتواصل، وهو ما يحضر في الأنشطة الصفية، وفي الأعمال والأنشطة المنزلية، وهو ما يدل وبشكل صريح عدم تمكن المتعلم في التحكم في للكفاية التواصلية في قطب اللغات بصفة عامة.[2]
المطلوب
انطلاقا من مضمون هذه الوضعية،أنجز الشق النظري لبحث تربوي بعنوان:”التعدد اللغوي في المنهاج التربوي الجديد للتعليم الابتدائي”.
الأجوبة المقترحة
تحديد المفاهيم من مستلزماته الاستعانة بالمعاجم التربوية المختصة لأنه:”لا يمكن أن تستقيم علوم التربية ولا تغدو مفاهيمها، ومعارفها واضحة لذا مكتسبها أو المتلقي لها بدون وضوح مصلحاتها ومفاهيمها…”.[3]،وكان اعتمادنا في تحقيق المصطلحات والمفاهيم التربوية،على أهم المعاجم المختصة والمتداولة في المصطلحات التربوية منها :
1-المعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربوية لأحمد اوزي وهو من منشورات مجلة علوم التربية السنة:2006.
-2-المنهل في علوم التربية عبد الكريم غريب منشورات مجلة عالم التربية السنة-ط:-2-:2016.
-3-معجم علوم التربية : مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك إعداد الفرابي عبد اللطيف وآخرون وهو من إصدار سلسلة علوم التربية للدراسة والنشر دار الخطابي للنشر المغرب 1994.[4]
4-معجم علم النفس والتحليل النفسي للدكتور فرج عبد القدرطه إصدار دار النهضة العربية السنة: 1989.
ومن أهم المفاهيم التي جاءت في هذا البحث: التعدد اللغوي ـ المنهاج التربوي الجديد ـ التعليم الابتدائي.
1ـ تعريف المنهاج لغة:
يقصد بالمنهج في اللغة العربية الطريق الواضح و السبيل الراشد، والمسلك المتبع والمعين، ومنه قوله تعالى: “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا“المائدة: 48.
ثم تحول المنهج مصطلحا في المجال التربوي ليعني ويدل إجمالا على “الطريق أو مسلك البحث بحثا عن الحقيقة أو المعرفة في أي علم من العلوم، أو في أي نطاق من نطاقات المعرفة التي تنتمي إما إلى العلوم الإنسانية أو العلوم الحقة”[5].
وبعبارة أخرى فان المنهج هو مجموعة من الإجراءات التي يتخذها الباحث للبرهنة على إشكالية البحث أو الإجابة على الفرضيات التي عادة ما تصدر بها البحوث الإجرائية العملية.
2ـ تعريف المنهاج في المفهوم التربوي:
المنهج هو المعرف والموارد والمقررات الدراسية، والطرائق التعليمية المعتمدة في مستوى من المستويات، بشرط التوافق والتناسب مع الحاجيات التربوية الأساسية للمتعلمين، مع الأخذ بالتحولات في جهة المعارفة التي يعرفها حقل التربية والتدريس، كما يشمل المنهاج التعليمي الفلسفة التربوية التي يأخذ بها في تطامه التعليمي.
ـ 3ـ أهمية اللغة العربية في بناء التعلمات
إن هذا الاهتمام الواسع باللغة العربية تدريسا وتعليما يعود إلى كون اللغة العربية هي الأداة الناقلة للمعارف والصانعة للمهارات والخبرات والمؤسسة لشخصية للمتعلم،إضافة إلى اتصافها اللغة بعدد من الخصائص الأسلوبية والدلالية والتركيبية والصرفية،مما يجعلها لغة ميسرة وسهلة للراغبين والمقبلين على تعلمها.
ـ 4المقاربات اللغوية لظاهرة التعدد اللغوي
تباينت المواقف واختلفت الرؤى الفلسفية،وتعارضت الاختيارات اللسانية و التوجهات البيداغوجية في مقاربة التعدد اللغوي الحاضر في المنهاج التعليمي المغربي الجديد، إلى درجة انه يمكن القول إن المواقف من التعدد اللغوي وصلت إلى درجة الاختلاف و التباين والتقاطع بين اللسانين والبيداغوجيين والمتدخلين مباشرة في الشأن التعليمي والتربوي..
ومن متعلقات هذا الإشكال وأثاره على متعلمي اللغة العربية في القسم الابتدائي،هو وجود مواقف متباينة،وأحيانا متناقضة من هذا الإشكال.
-الاتجاه الأول
هذا الاتجاه يتحفظ أصحابه من إدخال اللغة الثانية في التدريس في سن مبكرة لا سيما في الأقسام الأولية والابتدائية، لما لهذا الإدخال من العواقب الوخيمة على شخصية المتعلم بصفة عامة، وبالتالي فنحن أمام إشكالية لغوية معقدة ومركبة بسبب تموقع المتعلم بين اللغة الفصيحة، ولغة التخاطب اليومي أي بين اللغة التي يتعلمها،واللغة التي يتخاطب بها ويتواصل بها في البيت ،و في الشارع ومع وسطه القريب، مما يرهق منجزه اللغوي، ويؤثره على تواصليته في الأنشطة الصفية، والمدرسية، وفي الفصل الدراسي،وهذا الاتجاه دعا إلى لزوم الأخذ بلغة واحدة في السنوات الأولى من التعليم.
وهذا الموقف تبناه واخذ به الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري وفريقه اللساني، وشرحه وبينه بشكل مفصل في كتيب يحمل عنوان :” اللغة والبيئة”.
فأصحاب هذا الاتجاه يصرحون بوضوح، بأن التعدد اللغوي يشكل عائقا ثقيلا، وعبئا كبيرا على المتعلم،فهو يحد من تنمية القدرات اللغوية، وله اثر سلبي على المكتسبات التواصلية لمتعلم اللغة العربية بصفة عامة [6].
والسند التربوي والبيداغوجي الذي استند عليه أصحاب هذا الاختيار هو أن الازدواجية اللغوية في التعليم الأولي،لها تأثير سلبي وعواقب كبيرة، على المتعلم،وبالتالي ينبغي تفادي إدخال اللغة الثانية في وقت مبكر من التعليم الأولي والابتدائي.
والمرجع في هذا الاختيار،وسندهم في هذا التوجه أن لكل لغة قواعد خاصة صوتية تركيبية دلالية وثقافية إضافة إلى أن كل لغة حاملة للقواعد الاجتماعية الثقافية الخاصة بالمجتمع التي يتكلم بها .[7]
فهذا التعدد اللغوي التي يعيشه المتعلم المغربي هو المسؤول عن التعثر والتراجع والاخفاق اللغوي في مكتسباته ، إذ أصبح المنجز اللغوي والإنشائي والتعبيري للمتعلم المغربي محل استغراب مريب وشك مستمر، وسببا في إدانة المنظومة التعليمية، والحكم عليها غيابيا بالفشل الذر يع، والإخفاق الكبير….[8].
ويمكن إجمال هذا الموقف في أن أي تعليم لغوي متعدد ينبغي أن يقوم أولا على تمكين المتعلم من اكتساب اللغة الوطنية الرسمية في سن مبكرة أولا تلافيا لأثر للازدواجية اللغوية وتداعياتها على النمو اللغوي والمعرفي عند المتعلمين،مع الشروع في تعليم اللغات الحية في سن لاحقة ومتأخرة …
ما يعني أنه لا يتم الشروع في تعلم اللغة الثانية في القسم الأولي والابتدائي إلا بعد “أن يكون هذا المتعلم قد تعرف على لغته وعلى هويته وفكر في ثقافة مجتمعه بصفة عامة..”.[9].
مع الاعتماد والمراهنة على الانغماس اللغوي،فإذا اكتمل نظام اللغة في ذهنه،أمكنه أن يتعلم اللغة الأجنبية بشرط أن تتوفر الوسائل المساعدة والمعينة على التعليم…[10].
ومن أبرز هذه الوسائل والأدوات المساعدة على تعلم اللغة الثانية اعتماد المقاربة التواصلية،التي تعتمد على التواصل الشفهي لتنمية الرصيد المعجمي واللغوي لمتعلم اللغات بشكل عام.
-الموقف الثاني
هذا الموقف يمثله عدد من اللسانين،ويرون أن التعدد اللغوي لا يشكل عبئا على المتعلم،وأنه ظاهرة طبيعية وعادية .
وأن التعدد اللغوي يشكل غنى ثقافيا، لا أحد يشك فيه فهو ضروري لكل المجتمعات، لأن اللغة في أحد جوانبها تعكس الحياة بجميع تفاصيلها، وتكشف عن عقائد المجتمع،وتقاليده والقيم التي يحملها والعلاقات والتفاعلات التي يعيشها،ويمر منها…
فهذا الفريق يعتبر الازدواجية أو التعدد اللغوي ظاهرة طبيعية تعيشها جميع المجتمعات، ولا تؤثر سلبا على تعلم الفصحى،كما أشار إلى ذلك الباحث التربوي أحمد اوززي في مقال له اللغة والوعاء[11] .
لأن اللغة تحتوي على إمكانات متعددة للتعبير والتواصل والتبليغ، فهي لا تشكل عائقا أمام المتعلم في التعلم والاكتساب والتحصيل .
فالتعدد اللغوي يحقق بالنسبة إلى الفرد أفاقا أوسع في التصور والتمثل، مما يجعل اللغة الواحدة عاجزة عن تحقيقه والوصول إليه.
وهذا الاتجاه راهن عليه أستاذنا الدكتور احمد اوزي[12] عندما قال بصريح العبارة:” فبالمقابل تباينت المواقف واختلفت الرؤى الفلسفية وتعارضت الاختيارات اللسانية والتوجهات البيداغوجية في مقاربة هذا التعدد اللغوي إلى درجة يمكن القول إن المواقف من التعدد اللغوي وصلت إلى درجة الاختلاف و التباين والتقاطع بين اللسانين والبيداغوجيين…
لكن التوجه اليوم التي تسير فيه البحوث التربوية واللسانية تؤكد أنه بإمكان المتعلم أن يكتسب أكثر من لغة في مرحلة الطفولة، وأن نظرية التزاحم اللغوي لم تعد مسايرة للتحولات التي تشهدها الساحة العلمية والبحث العلمي في العلوم السيكلوجية واللسانية …[13].
كما اعتمد أصحاب هذا الاتجاه على ما جاءت به نظرية اللسانيات المعرفية التي أكدت أن الفرد يتعلم في الصغر أكثر من لغة كلما تقدّم في العمر، قلّتْ قدرتُهُ على تعلّم اللّغة واكتسابها انطلاقا من نظرية The less is more أي الأقل هو الأكثر.
رغم اختلاف الرؤى وفي وغياب البحوث الميدانية المؤطرة التي تشتغل على التعدد اللغوي، فإن الحل لهذا الإشكال اللغوي واللساني يأتي من جهة استثمار نتائج الدراسات والبحوث اللسانية واللغوية التي تطورت بشكل مثير في السنين الأخيرة وكان هذا بفضل نتائج هذا العلم المسمى بعلم اللغة التطبيقي،أو اللسانيات التعليمية -و محوره الأساسي هو اشتغاله على تدريسية وتعليمية اللغات[14]-.
فلا أحد يشك في مدى أهمية اللسانيات وضرورتها وحضورها في تعليم اللغات وتعلمها، ومعالجة القضايا والإشكالات التي تقف أمام المتعلم في اكتسابه للغة.
إن الجواب على هذا الأسئلة من شأنه أن يجد اعتباره في ازدياد الحاجة إلى علم اللغة التطبيقي-اللسانيات التطبيقية- في الآونة الأخيرة ،ومن ثم يجب إدراج هذا التخصص ضمن مواد التكوين والتهليل الأساسية الأساسية في مدارس تكوين معلمي وأساتذة مواد اللغة العربية.
إن القول والاعتراف باختلاف الرؤى حول التعدد اللغوي مرده إلى غياب البحوث الميدانية التي تشتغل على ظاهرة التعدد الغوي على المستوى التطبيقي الإجرائي، وعليه فان الحل لهذا الإشكال اللغوي واللساني، يأتي من جهة استثمار نتائج الدراسات والبحوث اللسانية واللغوية التي تطورت في السنين الأخيرة وبوتيرة سريعة، وهذا بفضل هذا العلم المسمى بعلم اللغة التطبيقي- ومحوره الأساسي الذي يدور عليه هو اشتغاله على تدريسية اللغات.
***استنتاج وتركيب
إن الجواب على هذه الأسئلة المتعلقة بالتعدد اللغوي وتداعياتها على المتعلم في الأقسام الأولية يتوقف على مدى استثمار نتائج البحوث الإجرائية والميدانية في اللسانيات التعليمية، ولا سيما البحوث والدراسات الميدانية التي اشتغلت على التداخل اللغوي في الوسط المدرسي والتعليمي.
[1] ـ البرنامج الوطني لتقييم مكتسبات التعلم لسنة :2019،الذي يرمز له: PNEA 2019.الصادر من ضمن منشورات المجلس الأعلى للتعليم سنة :2021
[2]يراد بالمنهاج خطة عمل حاملة للأهداف، والمضامين، والأنشطة التعليمية، والأدوات، والوسائل الديداكتيكية، وطرق التعليم والتعلم، وأساليب التقويم والدعم،ويدرج في المنهاج ما يعيشه المتعلم داخل القسم،وخارجه من علاقات وتفاعلات صفية،والمنهج بهذا الوصف أكبر،وأوسع من المقرر.
[3] -ا احمد اوزي :المعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربية منشورات مجلة علوم التربية السنة:2006ص: :5-
[4] -للوقوف على سرد ببيلوغرافي لأهم المعاجم المخصصة للمصطلح التربوي والبيداغوجي والنفسي يراجع: -معاجم علوم التربية :توصيف أولي لمحمد بنعمر بحث منشور بموقع جريدة الأستاذ السنة:2000.
[5]نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام لعلي سامي النشار الطبعة السابعة، دار المعارف القاهرة مصر ج1، ص: 36.
[6]– عباس الصوري :اللغة بين الاكتساب والتعلم : ضمن أعمال ندوة تعليم اللغات تعليم اللغات كلية الآداب مكناس 2002.ص: 9
[7] — مبارك ربيع : ظاهرة التعدد للغوي ومضاعفاته في المحيط لمجتمعي مجلة المدرسة المغربية العدد:-3-السنة:2011.
يراجع في هذا الموضوع: احرشاو الغالي 2007 ظاهر نمو الوعي بالازدواج اللغوية عند الطفل المغربي منشورات الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة : الكويت.
[7] – محمد بنعمر التعثر اللغوي عند المتعلم المغربي مجلة أبحاث اللبنانية العدد11-السنة2011.ص: 23 [7] -مقدمة الفاسي الفهري :لندوة تعلم اللغة العربية والتعليم المتعدد منشورات معهد الدراسات والأبحاث والتعريب الرباط المغرب 2002.[8] -التعثر اللغوي عند المتعلم المغربي لمحمد بنعمر.مجلة أبحاث اللبنانية العدد11-السنة2011.ص92
[9] -مقدمة ا لدكتور الفاسي الفهري :لندوة تعلم اللغة العربية والتعليم المتعدد منشورات معهد الدراسات والأبحاث والتعريب الرباط المغرب 2002.
[10] — الدكتورعبد القدر الفاسي الفهري :اكتساب اللغة العربية والتعلم اللغوي المتعدد -مجلة أبحاث لسانية المجلد-4-العدد:1-2السنة:1999.ص 19
[11] أحمد أوزي : اللغة والوعاء مجلة علوم التربية مجلة علوم التربية العدد:-60السنة:2000ص: 2
[12] -. نفسه
[13] . عبد العزيز العماري :اللسانيات التعليمية الواقع والأفاق ندوة تعليمية اللغة العربية ص:67
[14] – عمر اوكان :اللسانيات وتعليم اللغات مجلة فكر ونقد العدد 36 ::ص:67
________
*الدكتور محمد بنعمر.