اجتماعالتنويري

إلى متى يبقى الخطاب الديني التقليدي جامدًا؟

خلال العقود الثلاثة الأخيرة، سلطت الأضواء على موضوع الخطاب الديني السائد وعزوف الناس عنه وخصوصاً الأجيال الشابة، ووجهت الانتقادات الواضحة الى الناس لانشغالهم بأمور الدنيا في هذا العصر الذي نشهد فيه تقدماً وتطوراً في المجالات كافة، وأثرا على الحياة من مختلف النواحي وبقدر ما أصبحت الحياة سهلة في بعض المجالات فإنها تعقدت وتغيرت في مجالات أخرى، ومن دون شك فإن التقدم والتطور الحاصلين کما قلنا قد أثرا على المجتمعات العربية والإسلامية حالها حال مختلف مجتمعات العالم، فغيّرا الکثير من أنماط التعامل الاجتماعي وصيغ التواصل وأساليبه، وقطعاً فإننا لو قمنا بمقارنة المجتمعات العربية الإسلامية في عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي مع نظيرتها في العقود الأخيرة من القرن الحالي للمسنا اختلافاً کبيراً في العديد من المجالات.

البقاء على الخطاب الديني التقليدي انطواء لا يتماشى مع التغييرات:

تطور المجتمعات عبر الزمن وتغيير معالم الحياة وطرق التعامل الاجتماعي، يٶثران بالضرورة على العقل الإنساني بالنسبة الى الأفراد والشيء نفسه بالنسبة الى العقل الجمعي، وبناءً على ذلك فکما أن العقليات تختلف وأنماط التعامل والتواصل الاجتماعي يطرأ عليها التغيير، فإن الخطاب الموجه اليها يجب أن يحدث عليه تغيير، ذلك أنه لو بقي على الأنماط والأساليب القديمة فلن يلقى آذاناً صاغية، کونه غير مفهوم، وقد صدق الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام عندما قال: “لا تقسروا أولادکم على أخلاقکم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانکم”، ومن هنا، فإننا وفي عصر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والتقدم العلمي في مختلف المجالات، لا يزال الخطاب الديني السائد بصورة عامة يمشي على خطى النمط الذي کان سائداً في العقود التي أشرنا إليها من القرن الماضي وهو ما لا يتماشى مع هذا الزمن الذي اختلف عن بقية العصور.

الأجيال الراهنة تتطلع لخطاب ديني متوازن يتأقلم مع حاجيات عصرها:

من الواضح جداً أن مخاطبة المجتمعات العربية الإسلامية، وخصوصاً الأجيال الشابة بالطرق والأساليب التقليدية، يعني أننا نعمل من حيث نريد أو لا نريد على خلق هوة بين الأجيال الشابة وبين الخطاب الديني، وذلك ما يٶثر سلباً على الأوضاع الفکرية – الاجتماعية، ووجه الخطأ هنا أننا نخاطب عقولاً هي غير تلك العقول التي کان يجري مخاطبتها بالخطاب التقليدي السابق، وجرياً واقتداءً بما أوصانا به نبينا الأکرم (صلى الله علیه وآله وصحبه وسلم) عندما قال: “نحن معاشر الأنبياء نخاطب الناس على قدر عقولهم”، فمن المهم جداً الانتباه إلى هذه الحقيقة والعمل من أجل التعامل على أساس منها.

إن الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله وصحبه وسلم) عندما قال: “أنتم أعلم بأمور دنياكم”، فإنه بذلك قد لفت النظر إلى العاملين الزماني والمکاني وتطورهما وضرورة التعامل والتخاطب في ضوئهما، والتغيير الذي يجري في الخطاب هو تغيير في الشکل وليس في الجوهر، ذلك أننا نريد أن ننقل الأفکار والتوجهات والقيم نفسها ولکن بصيغ و‌أنماط تتآلف وتتفق مع العقليات السائدة في هذا العصر، وکما يقول المثل “لکل مقام مقال”. وفقاً لكل هذا نأتي الى زماننا لنقول وبكل شجاعة ونضع النقاط على الحروف، ونتساءل؛ لماذا لم يتم تحديث الخطاب الديني وفقاً لزماننا؟ لماذا الإصرار على خطاب تقليدي لم يعد له تأثير ولا تغيير؟ ومع هذا نسأل لماذا هناك نفور من الخطاب الديني الحالي؟ المطلوب هو التحديث والتجديد في الخطاب مع المحافظة على أصالته بما يلائم الزمان والمكان ويحاكي المتلقي بحيث يفهمه ويستوعبه وبالتالي يستفيد منه.

________
*السيد محمد علي الحسيني/أمين العام المجلس الإسلامي العربي.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.