التنويريتربية وتعليمسلايدر

تشريعات القيم في التعليم الجامعي ضرورة أمن قومي


رؤية تأصيلية  

مقدمة:

من المشهور أنه ليست في عقول الشباب ولا في نفوسهم – أينما كانوا – أي مرض أو آفة يعانون منها، ولكنهم بمثابة جهاز حساس، يرتسم عليه كل ما قد يكمن في المجتمع الذي هم فيه من مظاهر الفوضى والتخلخل والاضطراب، ولو كان الكهول والشيوخ يتمتعون بمثل تلك الحساسية التي عند الشباب؛ لاشتركوا معهم في معاناة المشكلات ذاتها (البوطي، 1983: 14)

إن المراقب لواقعنا العربي والفلسطيني يجد أن المجتمع يمر بفترة حرجة من حياته تتسم باهتزاز القيم، واضطراب المعايير الاجتماعية والأخلاقية، وكثرة حالات الخروج على تعاليم الدين الحنيف فنظرةُ إلى الحياة النفسية والاجتماعية التي يحياها الشباب تؤكد ما يعانونه من اغتراب نفسي وخلل قيمي.

في هذا العصر – عصر التطور التقني والانفجار المعرفي – نجد أن الأمور تسير في طريق إبعاد الفرد والمجتمع عن قيمة ودينه أكثر فأكثر، ابتداءً من الانبهار بالتطور التقني
والتجاوب معه دون وجود رصيد قيمي وسلوكي يضبط الحياة، مروراً بالميل المتنامي لدى كثير من الأفراد نحو اللامبالاة بما يقترفه بعض الأفراد والجماعات في المجتمع من سلوكيات تتنافى وقيم هذا المجتمع، إضافة إلى ظهور بعض التيارات والدعوات التي تنادي صراحة أو ضمنياً بالخروج على هذه القيم، مع تسلل القدوة السيئة التي لا تتفق مع قيمنا إلى معظم البيوت من خلال أجهزة الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة بحيث أصبحت هذه القدوة – مع مرور الوقت – شيئاً مألوفا. هذا مع انشغال الناس في هذه الأيام أكثر فأكثر بهموم لقمة العيش التي أصبح تحصيلها يستنزف معظم وقت وجهد رب الأسرة (المجلس القومي للتعليم، 1993، 215-216).

لقد بدأ التعليم الجامعي الحديث في المجتمعات العربية في النصف الأول من القرن العشرين في صورة بدايات متواضعة، ومثّل خريجوه نخبة محدودة في المجتمع من حيث عددها وأثرها. ثم شهد الربع الأخير من القرن العشرين توسعاً كبيراً في التعليم الجامعي، تزايدت معه أهمية موقع الجامعة في إعداد الأفراد للحياة وللعمل المتخصص في قطاعات الخدمة العامة والإنتاج والتنمية الوطنية. ولم يقتصر الهدف المعلن للتعليم الجامعي على تزويد الطلبة بالمعلومات والمعارف المتخصصة وإكسابهم المهارات الفنية والعملية، بل استمر هذا التعليم في تأكيده على أهمية تطوير القيم الشخصية والاجتماعية والمهنية.

ومن هنا تأتي أهمية دراسة موقع القيم في التعليم الجامعي للكشف عن الجهود المبذولة للعناية بموضوع القيم في تشريعات التعليم الجامعي وممارساته. وإذا كان خريجو الجامعات يمارسون عملهم في المجتمع على أساس ما تزودوا به من معارف ومهارات متخصصة، فإن ذلك يتم في حقيقة الأمر في إطار من القيم التي تحدد سلوكهم وتوجهاتهم نحو الحياة ونحو المجتمع.

ولا تقتصر القيم في سياق هذه الورقة على ما هو معروف من قضايا الصدق والأمانة والوفاء وأمثالها من الفضائل العامة، التي تتعلق بسلوك الفرد مع نفسه ومع الآخرين، وإنما تشمل بالإضافة إليها فئات من القيم الخاصة بالحياة المدنية، من مسؤولية اجتماعية، واحترام الآخرين، وقيم الولاء والانتماء العامة، في دوائره المختلفة: على مستوى الشعب والأمة والإنسانية. كما تشمل القيم المهنية والأكاديمية. ولا شك في أن الفرد يبدأ منذ ولادته بتشرب هذه القيم نتيجة التنشئة الاجتماعية في البيئة الأسرية والمدرسية وفي المناخ الاجتماعي العام بمؤثراته السياسية والاقتصادية، لكن الطالب الجامعي يأخذ في التعامل مع القيم بطريقة مختلفة عن تعامله معها في البيئة الأسرية والبيئة المدرسية، حيث تسود فيهما عمليات التكيف الاجتماعي وتؤثر قوى تشرب القيم بطريقة غير واعية. على حين يشعر الطالب الجامعي بالاستقلالية في التفكير واتخاذ القرارات والاختيار الواعي للتوجهات القيمية. ومن المتوقع أن تكون القيم أول ما يتعرض للتغيير في الحياة الجامعية، حيث تتزعزع منظومة القيم التي كانت سائدة في مرحلة ما قبل الجامعة ويعاد تشكيلها، وعليه فليس من المستغرب أن تحاول كل الإيديولوجيات المتصارعة في المجتمع التأثير في قيم الشباب الجامعي لتكون أساس التغيير في المجتمع.

وبالرغم من الأهمية البالغة لتعليم القيم في الجامعات، فإن مراجعة دراسات القيم في التعليم الجامعي في البلاد العربية، لم تكشف عن وجود أية برامج أو مواد دراسية محددة تتعلق بتعليم القيم أو تقويمها. (Bligh, 1999: 17) ورغم تأكيد الباحثين في مجال التعليم العالي على أن أهداف التعليم العالي يجب أن تتوزع على الفئات الثلاث من الأهداف التربوية حسب تصنيف “بلوم” المعروف: المجال المعرفي والمجال النفس حركي والمجال الانفعالي فقد أصبحت الممارسة الأكثر شيوعاً في التعليم العالي هي إتاحة المجال للطلبة لاكتساب المعارف والمهارات (المجالان الأول والثاني) ولذلك لإعداد الأفراد لمتطلبات سوق العمل، في الوقت الذي أهملت القيم إهمالاً كاملاً حتى أصبحت البعد الغائب أو المفقود من مناهج التعليم الجامعي، وقد وثق “بروس ماكفارلين” ذلك من أدبيات التعليم العالي ووثائقه وبخاصة في الجامعات البريطانية. (Macfarlane, 2004: 27)

أهمية الورقة:

تأتي أهمية الورقة من موقع التعليم الجامعي في برامج التنمية والتطوير والتقدم في المجتمعات الحديثة من جهة ومن موقع القيم في البنية الثقافية والحضارية لهذه المجتمعات من جهة أخرى بوصف القيم رأس مال المجتمع وأساس أي إصلاح تربوي فيه. فقد أصبحت الجامعات مسئولة عن إعداد المعلمين في جميع مراحل التعليم، مما يجعل من الضروري فهم انعكاسات موقع القيم في التعليم الجامعي على النظام التربوي العام. ففي دراسة معمقة جرت في بيئات مدرسية متفاوتة)  Carr, 1999: 23) وحاولت الغوص في أعماق ما يتم بالفعل في صفوف المدرسة وفعالياتها، وتجاوزت ذلك إلى محاولة الكشف عن الخواطر والنوايا، ومصادر التأثير غير المباشرة، المقصودة منها وغير المقصودة، كشفت المناقشات المعمقة بين المدرسين عن خلل واضح في برامج إعداد المعلمين لمهنة التعليم، وبخاصة في مجال المشكلات المفاهيمية المعقدة للقيم والأخلاق. وهو خلل في برامج التعليم الجامعي التي يمر بها المعلمون في أثناء إعدادهم المهني الأولي، حيث يتم التركيز على الجوانب الفنية والتنظيمية لعملية التعليم، مع إهمال واضح لقضايا التربية القيمية والقيم التربوية.

منطلقات الورقة:

وتنطلق هذه الدراسة من عدد من الافتراضات:

أولها/ أن مفاهيم القيم والمثل العليا والأخلاق والفضائل والاتجاهات النفسية والانفعالية تتداخل فيما بينها إلى حد كبير. ومع أنه يمكن وضع تعريف لهذه المفاهيم وبيان دلالات الألفاظ والكلمات التي تعبر عن كل منها بطريقة اصطلاحية، لكن هذا على فائدته لن يكون من اهتمام هذه الورقة.

وثانيها/ أن قضايا القيم والأخلاق هي محددات وضوابط لسلوك الناس، ترتبط بالكرامة الإنسانية، وتميّز النوع الإنساني عن غيره من المخلوقات، كما ترتبط بمتطلبات الاجتماع الإنساني والعيش المشترك. وتقع قضايا القيم في القلب مما شرعت له الأديان والفلسفات المختلفة منذ بدء الحياة الإنسانية.

تشريعات القيم في التعليم الجامعي:

على المستوى العربي:

1. نصّ قانون التعليم العالي والبحث العلمي في المملكة الأردنية الهاشمية على عدد من أهداف التعليم العالي تتوزع في مجموعات يمكن التمثيل عليها بالقيم الروحية والأخلاقية والوطنية والاجتماعية والعلمية.. ومن أمثلة ذلك ما ورد في المادة الثالثة من القانون من تعميق العقيدة الإسلامية وقيمها الروحية والأخلاقية وتعزيز الانتماء الوطني والقومي.: (وزارة التعليم العالي الأردنية، 2001: 12)

2- ونصت المادة الأولى من قانون تنظيم الجامعات في جمهورية مصر العربية على: “تختص الجامعات بكل ما يتعلق بالتعليم الجامعي والبحث العلمي الذي تقوم به كلياتها ومعاهدها في سبيل خدمة المجتمع والارتقاء به حضارياً، متوخية في ذلك المساهمة في رقي الفكر وتقدم العلم وتنمية القيم الإنسانية ” (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، 2003: 2)

3- في المملكة المغربية يجري منذ سنوات تطوير نظام جديد للتعليم العالي عملاً بمقتضيات القانون رقم 1 لعام 2000 المنظم للتعليم العالي، وضمن إجراءات التطوير تم إعداد وثيقة “الإصلاح البيداغوجي في أربعين سؤالاً” التي حددت أهداف هذا الإصلاح ومن ضمنها هدف يتعلق ب “تلقين القيم الثقافية والحضارية.” (وزارة التعليم العالي بالمغرب، 2003:1).

على المستوى الأجنبي:

1.لوحظ من خلال تقرير خاص عن الاتجاهات والتطورات التي حدثت في التعليم العالي في أوروبا، عام 2003 تطور التعليم العالي في أوروبا في اتجاه بلورة نموذجين متنافسين، يؤكد الأول على القيم الأكاديمية التقليدية، ويطرح الثاني قيماً آخذة في التمايز تتعلق بالاستجابة لسوق العمل ومتطلبات اقتصاديات المعرفة. (UNESCO,2003: 28).

2.وفي الولايات المتحدة الأمريكية فإن الاتحاد الأمريكي للتعليم العاليAmerican Association for Higher Education يتجنب أن يذكر في وثيقته الرئيسية -التي تبين الرؤية العامة للاتحاد ورسالته ومبادئه– مصطلحات القيم والأخلاق بشكل صريح. ولكن صدر عن الاتحاد كتاب متخصص في أخلاقيات العمل العلمي. وتتناول فصول الكتاب الأطر الأخلاقية الموجهة لقضايا البحث العلمي والتعلّم والتعليم الجامعي.

(Hutchings, 2002: 23)

على المستوى الدولي:

1.نصت وثيقة “الإعلان العالمي حول التعليم العالي للقرن الحادي والعشرين: رؤية وتنفيذ” التي أصدرتها اليونسكو عام 1998 على حاجة التعليم العالي إلى تنوع واسع ووعي كبير على الأهمية الحيوية للتطور الاجتماعي/الثقافي والنمو الاقتصادي وبناء مستقبل الأجيال القادمة المسلحة بمهارات ومعارف ومُثل عديدة جديدة. ولاحظت الوثيقة أن المجتمعات المعاصرة في العالم تمرّ في أزمة عميقة في مجال القيم (UNESCO, 1998: 1-14) لذلك أشارت في عدد من موادها إلى ضرورة تبني قيم خاصة للتعليم العالي (المادة الأولى) وتطوير أدوار المسؤولية الأخلاقية (المادة الثانية)، وتحديد معايير أخلاقية (المادة السادسة) وضرورة أخذ القيم الثقافية الوطنية بعين الاعتبار (المادة الحادية عشرة)

2.وقد نصّ الاتحاد الدولي للجامعاتUniversities  Association of International  في تعريفه برسالة الاتحاد على سعيه لدعم القيم الأكاديمية الجامعية مثل الحرية الأكاديمية، واستقلال الجامعات، وحق المعرفة للجميع، واحترام الاختلاف في الرأي، وواجب الجامعات لتطوير الفكر الناقد في البحث عن الحقيقة. ومع ذلك فقد نصّ الاتحاد أيضاً على دعم القيم الأخلاقية في عمل الاتحاد في المجتمع، وعلى مسؤولية الجامعات -بوصفها مؤسسات اجتماعية- عن توجيه التعليم والبحث لخدمة المجتمعات، وتطوير مبادئ الحرية والعدل والتنمية، إضافة إلى صون الكرامة الإنسانية والتضامن بين البشر.

استنادا على ما سبق يرافق الحديث عن قضية تعليم القيم وتعزيزها في التعليم الجامعي كثير من التساؤلات التي تشوش موقع القيم في هذه المرحلة، وإمكان تعليم القيم فيها. وقد حدد (Arthur,2000) ثلاثة من عوامل سوء الفهم حول هذا الموضوع وناقش هذه العوامل بوصفها خرافات تتضمن: (Arthur,2000: 23)

الخرافة الأولى الادعاء بأن الفرد عندما يأتي إلى الجامعة تكون صفاته الأخلاقية قد تشكلت تماماً، ولذلك سيكون من العبث الاهتمام بتعليم القيم في الجامعة.

-الخرافة الثانية إنه ليس من مهمة أساتذة الجامعات تعليم القيم والأخلاق، بل إن مهمتهم تقتصر على تزويد الطلبة بالحقائق المتعلقة بالتخصص. ويتم تعيين المدرس في الجامعة بسبب الحاجة إلى تخصصه وتتم ترقيته فيها بسبب ممارسته لتدريس تخصصه وما يجريه من بحوث في موضوعه، وليس لأنه يتميز بقدرته على تعزيز القيم والأخلاق من خلال تدريسه وبحوثه.

-الخرافة الثالثة فهي النظر إلى موضوع القيم والأخلاق بوصفه موضوعاً دينياً، وتوجهاً إيديولوجياً محافظاً.

ولا خلاف على أهمية التنشئة الأسرية والتعليم المدرسي وبخاصة في مراحله الأولى في تعليم القيم وإكساب الفرد خصائصه الأخلاقية لكن دراسات النمو الخلقي عند الأفراد تؤكد أن الفرد يمكن أن يغيّر من أحكامه وممارساته الخلقية في سنّ التعليم الجامعي. بل إن عدداً من الدراسات أكدت أن معظم التغير في القيم يحدث في نهاية المرحلة الثانوية وأوائل ا المرحلة الجامعية رغم أن هذا التغير يمتد حتى المراحل المتأخرة من العمر. (خليفة، 1993: 127)

وعلى ذلك يأخذ تعليم القيم في الجامعات صوراً عديدة، فبعض الجامعات والكليات المتخصصة تحاول أن تبني مناخاً جامعياً ملتزماً بالقيم والفضائل الخلفية يسهم في بنائه كل الأفراد من فئات البيئة الجامعية جميعها: الأساتذة والطلبة والإداريين. ومن الجامعات ما يقدم برنامجاً متكاملاً من المواد الإجبارية والاختيارية إضافة إلى النشاطات العملية الموجه لتعزيز السلوك القيمي لدى طلبة الجامعات بطريفة مباشرة. ومنها أن الجامعة تدرس عادة عدداً من المساقات في قضايا القيم والأخلاق سواءً في أبعادها النظرية أو العملية وينطبق ذلك على وجه التحديد على تخصصات الفلسفة والتعليم الديني وعلم الاجتماع وفي أحيان قليلة تطرح بعض الجامعات مادة اختيارية عامة في قضايا القيم والأخلاق يدرسها من شاء من الطلبة المهتمين بها. كما تطرح كثير من الجامعات في العالم العربي الإسلامي مادة في الثقافة الإسلامية تحتوي أحياناً على قدر كبير من المفاهيم والتوجيهات الأخلاقية.

عندما تتخذ الجامعة قراراً بتدريس مادة معينة (مساق دراسي) في أي برنامج فإنها تفعل ذلك انطلاقاً من قيمة معينة لهذا المساق، تقدرها الجامعة، وتخصص لها متطلباتها من الوقت والمواد التعليمية والأساتذة، ومن الطبيعي أن تأخذ الجامعة عند اتخاذها هذا القرار بالاعتبار مصدر هذه القيمة ومحتواها، ومواقف الأفراد والفئات ذوي التوجهات المختلفة منها، إضافة إلى النتائج المتوقعة من تعليمها.

كما يتمتع الكائن البشري بقيم وأخلاق إنسانية، هي جزء من إنسانيته وتتمتع المجموعات البشرية بقيم ثقافية خاصة بها، كذلك يتمتع العاملون في مهنة من المهن بقيم مهنية خاصة يتم اكتسابها عن طريق الدراسة والتدريب الذي يتلقاه الفرد، فلا يخلو برنامج دراسي يدرسه طالب الهندسة أو القانون أو الطب أو التربية أو المحاسبة أو التمريض.. أو أي مهنة أخرى.. من مادة دراسية عن أخلاقيات تلك المهنة؛ أي المعايير والقيم التي يجب أن يتحلى بها من يمارس هذه المهنة، ويقدم للمجتمع الخدمات التي تقدمها المهنة على الوجه الأفضل. ويتعزز تعلّم الفرد لأخلاقيات المهنة بعد الالتحاق بها عن طريق الضوابط التي تضعها النقابات والجمعيات المهنية لسلوك العاملين في هذه المهنة، كما تضع الإجراءات التي تكفل التزام أعضاء المهنة بهذه الأخلاقيات، وتوفر فرصاً إضافية من التعليم والتدريب من خلال البرامج التي تقدمها هذه النقابات لمنتسبيها. (Weston,2001: 45)

لقد حصل تغير كبير في واقع التعليم العالي في معظم أنحاء العالم، فالتوسع الكمي الهائل وتحول الجامعة من مكان للعلم إلى حقل للاستثمار سمح لأعداد كبيرة جداً من الطلبة أن يلتحقوا بالدراسة الجامعية، وبالتالي حصل تغيّر كبير في نوعية الطلبة في الجامعات وإلى مدى أقل بقليل في نوعية الأساتذة الجامعيين. كما خضعت الجامعة إلى ضغوط داخلية وخارجية للمساءلة. وهذه التحولات طرحت أسئلة حول ما إذا كانت معايير السلوك الأخلاقي بقيت مسألة مشتركة بين جميع المدرسين. كذلك طرحت أسئلة حول ما إذا كانت الأعراف والتقاليد والتوقعات السلوكية موضع قناعة مشتركة لدى الطلبة الجامعيين. ولا شك في أن ذلك يجعل الجامعة في مواجهة تحديات أخلاقية حقيقية. ونتيجة لهذا العوامل حصل تغير في بؤرة اهتمام التعليم العالي، فبدلاً من القيم الداخلية التي ارتبطت بالدراسة والبحث في الجامعات في صورة البحث العلمي والفكري تحولت اهتمام الجامعة تحت تأثير هذه الضغوط إلى القيم الخارجية التي تبحث عن نتائج اقتصادية في المقام الأول. (Valey,2001: 6)

ومع ذلك فإن بعض الجامعات أخذت تطور برامج جديدة لتعليم الأخلاق، ليس من قبيل فرض نظام اعتقادي أو ديني معين، بل من باب إتاحة الفرصة للطلبة لكي يفكروا بوضوح في المسائل الأخلاقية وفي نتائج سلوكهم على أنفسهم وعلى غيرهم. وتقوم بعض هذه البرامج على دراسة النماذج التاريخية والنصوص ذات القيمة المهمة، إضافة إلى الخبرات التي يكتسبونها من النشاطات غير المنهجية مما يشجع التفكير الأخلاقي ويبلوره، ويعين على التفكير في المسائل والممارسات التي يعطونها قيمة عالية ويحترمونها ويطمحون إلى أن يتصفوا بها.

نموذج قيمي:

بناء على ما تقدم، وفي ضوء تزايد الطلب الاجتماعي على التعليم الجامعي، والدفع في اتجاه الحد من ظاهرة الاغتراب المجتمعي للشباب الفلسطيني، وترسيخ قيمه الحياتية بجانب قيمه الدينية يقترح الباحث العمل على التحويل في سياق التوجيه الجامعي لتعزيز القيم، حسب متطلبات العصر، وذلك بمساعدة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات حسب التالي:

قيم تقليديةقيم عصرية حسب التغيرات
القيام بالأشياء الخارجة عن المألوفالقيام بالأشياء التي يعملها معظم الناس ( التناغم الاجتماعي) بعيدا عن المسايرة.
أن يكون له آراء متشددة في الدين والسياسة.المحاولة في الاتفاق مع الآخرين في آرائهم ( الحوار وقبول الآخر)
التفكير في أن يحرز مركزا أعلى مما أحرزه غيري.التفكير في الاستمتاع بمسرات الحياة أكثر من غيري.
الشعور بأنه يجب أن يتحمل الألم أمر هام له في المستقبل.الشعور بأن السعادة  أهم بكثير من أمور حياتية أخرى.
الشعور أن من واجبه أن يقتصد أكبر قدر ممكن من المال.الشعور بأن الاقتصاد حسن ولكن لا يصل إلى حد حرمان النفس من متع الحياة حسب الإمكانيات.
الشعور بأنه من المهم جدا أن يعيش للمستقبل.الشعور بان اليوم هام وأن يعيش كل يوم إلى أقصى حد ممكن.
الشعور بأنه ينبغي أن يكون له معتقدات قوية عما هو صواب وما هو خطأ.الشعور بان الصواب والخطأ كلمات نسبية.
الشعور بأن العمل هام والترويح غير هام.الشعور بان الانصراف كلية إلى العمل دون ترويح يجعل الشخص غبيا.
الاستعداد للتضحية بنفسه من اجل عالم أفضل.9- ينبغي أن يعمل على تكوين أكبر عدد من العلاقات الاجتماعية.

التوصيات:

من خلال العرض السابق، يوصي الباحث بما يلي:

1- يجب أن يكون الأستاذ الجامعي في خدمة رسالة الجامعة ولا يسعى للحصول على مكانة خاصة لنفسه أو لتحقيق منفعة ذاتية.

2- ضرورة أن تتضمن التشريعات الرسمية المتعلقة بأهداف التعليم الجامعي –ولو بدرجات متفاوتة- على أن للقيم موقعاً مهماً في هذا التعليم سواء على مستوى الطالب أن الأستاذ الجامعي.

3- ضرورة تبني إستراتيجية جديدة للتعامل مع الطالب الجامعي من خلال الدعم القيمي من قبل الأستاذ الجامعي لتغيير نظرة الطالب للحياة، وذلك من خلال دورات تدريبية وتثقيفية.

4- البحث في آليات الدعم النفسي للطلبة الجامعيين من قبل أساتذتهم بتوفير معايير الجودة في نسبة الطلبة للأساتذة.

قائمة المراجع:

المراجع العربية:

1.البوطى، محمد سعيد رمضان (1983(: الإسلام ومشكلات الشباب، مؤسسة الرسالة، بيروت.

2.المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا (1993): ” تأصيل القيم الدينية في نفوس الطلاب “، مجلة دراسات تربوية، المجلد (8)، الجزء (55)، ص: 214-232 .

3.خلفية، عبد اللطيف (1993): ارتقاء القيم: دراسة نفسية، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، العدد 160، الكويت.

4.محمد، عبد الراضي إبراهيم (1989): ” موقع القيم من بعض فلسفات التربية ” مجلة دراسات تربوية، المجلد ج/16،  ص 11-31 .

5.هاشم، أحمد عمر: الإسلام والشباب، دراسة تحليلية لتربية الأبناء في ضوء الكتاب والسنة، مجمع البحوث الإسلامية، القاهرة، الكتاب الرابع، 1421هـ – 2000.

6.وزارة التعليم العالي الأردنية (2001): قانون مؤقت رقم (41) لسنة 2001 الصادر بتاريخ 24 تموز (يوليو) 2001، “قانون التعليم العالي والبحث العلمي في الأردن.

7.وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (2003): قانون تنظيم الجامعات في مصر، الطبعة التاسعة عشرة وفقاً لآخر تعديل، المجلس الأعلى للجامعات، القاهرة.

8.وزارة التعليم العالي بالمملكة المغربية (2003): الإصلاح البيداغوجي في أربعين سؤالاً، رئاسة جامعة محمد الخامس_أكدال، الرباط.

المراجع الأجنبية:

  1. Bligh, D., Thomas, H., and McNay, I. Understanding Higher Education, Exeter:  Intellect Books, 1999.
  2. Carr, David and Landon, John. Teachers and Schools as Agencies of Values Education: Reflection on Teachers’ Perceptions. Part two: the Hidden Curriculum, Journal of Beliefs and Values, 20 (1), 1999, p. 21-29.
  3. European Center for Higher Education: Trends and Developments in Higher Education in Europe. Paris: UNESCO-CEPES, 2003.
  4.  
  5. Hutchings, Pat and Park, Menlo. Ethics of Inquiry, Issues in Teaching and Learning. Los-Angeles, CA: Carnegie Foundation for the Advancement of Teaching, 2002.
  6. Macfarlane, Bruce. Teaching with Integrity: The Ethics of Higher Education Practice, London and New York: Routledge Falmer, 2004, p. 27-40. See in particular: chapter two: the lost dimension.
  7. Swartz Arthur J. It’s not too late to Teach College Students about Values, The Chronicle of Higher Education 46 (40) July 2000, A68.
  8. Trachtenberg, Stephen. Presidents Can Establish a Moral Tone on Campus. Educational Record, Spring 1989, p.7- 44
  9. UNESCO. World Declaration on Higher Education for the Twenty-First Century: Vision and Action. Paris: UNESCO, 1998. 1-5، 9-10،
  10. Valey, Thomas L. Van. Recent Changes in Higher Education and their Ethical Implications, Teaching Sociology, Vol. 29 January 2001, p. 1-8.

____________________
د. محمود عبد المجيد عساف.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

محمود عبد المجيد رشيد عساف

أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي المساعد، عضو اتحاد الأكاديميين الفلسطينيين، ونقابة المدربين الفلسطينيين، عضو اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، وعضو الاتحاد الدولي للغة العربية، وعضو هيئة تحكيم المجلة العربية لضمان جودة التعليم الجامعي باليمن، وممثل مجلة الدراسات المستدامة الصادرة عن الجمعية العلمية للدراسات المستدامة في العراق 2020 م. مدرب معتمد لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مجال القانون الدولي الإنساني، وممثل فلسطين في الدورة الإقليمية لتكوين المكونين في مجال القانون الدولي الإنساني في العامين 2017، 2019 في تونس والمغرب. حاصل على منحة وزارة التربية والتعليم العالي للبحث العلمي للعام 2014، وجائزة الأمانة العامة لمجلس الوزراء للإبداع والتميز2020، ومنحة اللجنة الدولية للصليب الأحمر البحثية 2020، وجائزة الأستاذ الدولية للإبداع الفكري الدورة الأولى 2021-2022، والمركز الأول في جائزة الياسين الدولية للبحوث العلمية عام 2022. له (15) كتاب في مجالات التربية والتعليم العالي، (3) كتب أدبية (روايات) ونشر (85) بحثا في مجلات علمية محكمة

مقالات ذات صلة