يحدث في زمن الرقميات أن تتشكل الهوية الجماعية عبر مجموعة من الوسائط التقنية الجديدة، وهذا يعكس مستوى التطور الفكري الذي بلغته إنسانيات القرن الواحد والعشرين، بالموازاة مع السبق المحتشم الذي حاولت تأكيده إنسانيات القرن العشرين، من خلال بعض المحاولات الجادة التي اخترقت تصانيف ونماذج المدرسة الكلاسيكية في مختلف المجالات تقريبا. ونتيجة للتداخل العالمي الذي جعل من العالم قرية صغيرة ومختصرة، انطلقت صيحات العولمة الاقتصادية أولا، لتعلن عن سيطرة أمريكية أحادية على السوق الاقتصادية العالمية، هذا طبعا لا ينفي المنافسة القوية التي أبانت عنها عملاقة آسيا “الصين”، بصفتها قوة اقتصادية صاعدة على الرغم من أن تصنيفها على مستوى التنمية البشرية بأبعادها الثلاثة: “التعليم، الصحة، الدخل الفردي”، ما يزال جنبا إلى جنبِ دول الجنوب، أو كما يحب بعض الشماليين تسميتها بدول العالم الثالث، أو بتسمية إيديولوجية جارحة ” الدول المتخلفة”.
وتدعيما للسيطرة الاقتصادية الأمريكية، كان لا بد من إقامة ثورة تكنولوجية بوتيرة سريعة ومتسارعة نحو تملك العالم والسيطرة عليه من هذا الجانب أيضا، وهو ما تحقق بفعل الإرادة القوية التي انتقلت بالعالم من مستواه الواقعي المباشر إلى مستواه الرقمي الافتراضي، الأكثر إثارة للجدل الناجم عن سوء الفهم تارة وعن سوء التوظيف والتداول تارة أخرى. وبما أن المجتمع العالمي اليوم هو مجتمع مسؤول عن انخراطه الرقمي، فإن نتائج هذا الانخراط – طواعية أو كراهية – تختلف من مجتمع إلى آخر، ويتباين حجم الاختلاف بالنظر إلى طبيعة المعرفة التي ينتجها كل مجتمع باستناده إلى أدوات الإنتاج الرقمي من جهة، وباعتماده على أحدث الوسائط الرقمية في عملية بناء الذاكرة الإنسانية التي بات وعيها مهددا بالانحراف أكثر من أي وقت مضى من جهة أخرى.
فما السبيل إلى تحصينه إذن؟
إن تحصين الوعي من الانحراف الرقمي هو مطلب اجتماعي بالدرجة الأولى، وذلك لأن حياة الأفراد أصبحت متجزئة على نحو متفرق، إذ نادرا ما نعيش لحظات الجمع أمام هذا التزايد المخيف في العزلة والخلوة بالذات الرقمية. ومن هنا؛ لا بد أن ندق نواقيس الخطر الذي يقترب يوما بيوم من مجتمعاتنا التي فقدت السيطرة على قيمها ومبادئها، حيث إنها لم تعد تشكل بالنسبة إليها مصدر قوة وتمكُّن بسبب المتغيرات الخارجية، التي فرضت من مدخلها قيما ومبادئا جاهزة للاستهلاك المفرط، بفعل قوة تأثيرها الذي يتخذ من الإغراء الأخاذ طريقه إلى تزييف الوقائع والحقائق، هذا بالإضافة إلى الانتشار الكاسح للكثير من الأنماط، والسلوكات، والمواقف، التي تمارس من جهة فعل التغريب حسب تعبير رائد علم اجتماع التربية “بييربورديو“، والتي تمارس من جهة ثانية فعل الهيمنة الاجتماعية حسب تعبير عالم الاجتماع الأمريكي “هربرت شيللر“.
ولا نشك في كوننا لا نختلف إذا اعتبرنا أن الإعلام يتحمل الجزء الأكبر مما يتم عرضه والترويج له داخل المجتمع، خاصة وأننا نستقبل نمطين اثنين من ميدان الإعلام السمعي البصري عموما، أولهما الإعلام الممول الذي تتحكم فيه سلطة المال، خاصة تلك التي تحاول احتكار المشهد الإعلامي من خلال فرض قواعد تحجيزية تتماشى مع التوجهات الليبرالية القائمة على خوصصة القطاعات الحيوية الفاعلة. أما ثانيهما، فهو الإعلام المسيس الذي تتدخل في تنميطه وأدلجته الجهات السياسية المعنية بتصدير مشاريعها واتجاهاتها، وهي بطبيعة الحال غير قابلة للنقد ومانعة لكل المحاولات التي تبدي خلاف ما تشير إليه. ولهذا بالذات، يجب الرفع من مستوى التعبئة الفكرية لدى الأفراد والجماعات، وذلك في ضوء إشراك مختلف الفاعلين المدنيين في عملية التغيير الهادف إلى طرح بدائل جديدة للممارسات الرقمية، والحرص على الالتزام بقواعدها البنائية المرتبطة على نحو منظم بمسار التكوين التربوي التكنولوجي، الذي ينبغي أن يستهدف بالأساس مادة “التربية الرقمية” في المدارس، والمعاهد، والجامعات، وذلك في سياق التركيز المؤسساتي والمقاولاتي على خلق مشروع رقمي متكامل، عوض العمل التقليداني البسيط الذي يبحث عن أسهل السبل الممكنة والمتمثلة على سبيل التمثيل لا الحصر، في تحويل المدرسة التقليدية إلى مدرسة رقمية حينما تدعو الضرورة إلى ذلك، أي في الأوقات الصعبة والحرجة فقط. وهو خطأ تعسفي فادح لا يمثل روح التحول الرقمي الذي تنادي به المركزيات التربوية الجديدة، وهو المعطى الذي تؤكد حصيلته نتائج ” التعليم عن بعد ” في زمن كورونا، إذ لم نجن منه سوى المزيد من التراجع إلى الخلف، بسبب الانعدام التام للتجهيزات الرقمية التي كان بإمكانها أن تسهل عملية التواصل بين قطبي العملية التعليمية التعلمية، أي بين المعلم والمتعلم.
ونضيف إلى ما سبق، كل ما من شأنه أن يساهم في تحصين هذا الوعي، ونذكر في ضوء ذلك، أهمية الحفاظ على الأنساق التي بمقدورها أن تجعل المجتمع في حالة وعي دائم، وهي أنساق ثلاثية الأبعاد والمجالات، ونقصد بها تحديدا: التربية، والفن، والثقافة. إنه ثلاثي المعرفة بامتياز، إذ لا مناص لنا منه للحفاظ على وحدات الفكر، والحرية، والانفتاح، وليس لنا غيره لدعم مبدأي الإبداع والابتكار، ولا أنفع لنا منه للرفع من مستوى الدبلوماسية الثقافية بين بلدان العالم، وتقديم أجود المنجزات التي تضع صورة البلد أمام مرآة العالم. وبالتالي؛ وجب الحرص على محاربة كل الأشكال التي تحاول تشويه صورة المجتمع عبر قناتي “الفضيحة والتفاهة “، فمن المؤسف حقا أن نشاهد التزايد المخيف لعدد المشاهدات اليومية التي يحظيان بها، وذلك في غياب تام للرقابة النقدية والمؤسساتية التي تركت المجال مفتوحا أمام صناع الفضيحة والتفاهة، دون أن تحاول الحد من توغلهم الكارثي داخل المجتمع الذي انساق وراء فضائحهم وتفاهاتهم.
وبالنظر إلى آليات التوظيف الرقمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاته، نلاحظ مدى التأثير القوي لهذه المنصات التي تحولت بفعل سوء الاستعمال إلى فضاءات للمعارك الثقافية والسياسية، إذ أصبح من السهل الآن الدخول في صراعات ثقافية بين مجموعة من الدول التي بينها على سبيل المثال صلات تاريخية ” المغرب/ الجزائر “، أو تلك التي بينها نزاعات تاريخية واجتماعية قديمة ” فرنسا / ألمانيا“، أو تلك التي بينها صراع قطبي ثنائي للسيطرة على العالم ” الولايات المتحدة الأمريكية / روسيا “.وبالتالي؛ فإن هذا الصراع يتخذ من ثقافة البلد واجهة للدفاع عن بعض الإيديولوجيات السخيفة، التي تحاول تكريس مجموعة من المواقف المعادية لثقافة الآخر، وذلك بالاعتماد على مختلف الوسائل المرئية التي بإمكانها أن تشحن المجتمع، رافعة ضغطه ودافعة إياه إلى مواجهة الأغيار بطرائق تتنافى مع كل القيم الإنسانية المتفق عليها كونيا. ومن ثم، كان لزاما على المشتغلين بميدان الدراسات الثقافية أن يكثفوا الجهود المبذولة من أجل صياغة مجموعة من التصورات النقدية المضادة لمبدأ العداء، وهو ما تبدى بشكل جلل في أعمال وكتابات الرواد الذين نذكر من بينهم على سبيل التمثيل لا الحصر: الكاتب ذو الجنسيتين والهويتين الفلسطينية والأمريكية ” إدوارد سعيد “، الذي استطاع أن يؤسس لمدرسة ثقافية مبنية أسسهاعلى وضع الخطابات الفكرية الإنسانية ضمن نسيج ثقافي متعدد السياقات والدلالات. وقد تمكن الكاتب من آليات النقد الثقافي، وهو تمكن يترجمه كتابه المرجعي الهام ” الثقافة والإمبريالية“، موضحا فيه مختلف الخلفيات الثقافية المتحكمة في الخطابات السياسية الغربية، خاصة تلك التي تخفي الوجه اللامرئي للإمبريالة التوسعية للدول الحاكمة بالغلبة والهيمنة. وبالمقابل، الوجه المرئي للثقافة التي تمثل النشاط المجتمعي العام بالنسبة للدول التي تستعين بهذه الثقافة للخروج من وطأة الإمبريالية الاستعمارية. ونذكر في السياق نفسه، المفكر الهندي ” هومي بابا“، الذي اشتغل مبكرا في مجال الدراسات المقارنة، مركزا على أحد أهم فروعها المتعلقة تحديدا بعلم الصورولوجيا، أي العلم الذي يسلط الأضواء على صورة الآخر في الثقافات العالمية. وقد كان هومي بابا حريصا على دحض الصور المزيفة التي حاول المستعمر تعميمها على الدول المستعمرة، خاصة وأنها لا تمثل الحقيقة، وتفتقر للموضوعية، وتتعارض مع مبدأ التعددية الثقافية. وهو الأمر الظاهر علانية في أطروحة المدرسة الفرنسية التقليدية، التي ارتأت أن تقسم آداب وثقافات العالم حسب تنميطها الخاص إلى قسمين اثنين: قسم موجب وقسم سالب. واعتبرت القسم الأول أنه خاص بالدول المستعمرة، أي الدول القوية التي احتلت سابقا ما ليس لها. أما القسم الثاني، فاعتبرت أنه خاص بالدول المستعمرة، أي الدول الضعيفة التي سبق احتلالها بقوة التدخل العسكري أولا، وبقوة التدخل الفكري والإيديولوجي ثانيا. وبالتالي؛ فإن كل الدول المتمركزة في القسم السالب، لا تملك حسب هذا التقسيم السلبي ما تقدمه على المستوى الثقافي، ولا يحق لها الدفاع عن مشروعيتها الثقافية بحكم ما فرضه عليها التاريخ الاستعماري الخارج عن إرادتها ورغبتها. وعليه؛ لم يكن من السهل على دول الجنوب أن تفرض حضورها الثقافي العام، وأن تحصل لها على مقعد مؤثر ضمن ثقافات العالم الأكثر بروزا، خاصة وأن العامل المتحكم في تصدير المشاريع الثقافية هو عامل سياسي بالدرجة الأولى، مضافا إليه العامل الاقتصادي بصفته دعامة أساس للتنمية الثقافية، فالعامل الإيديولوجي باعتباره توصيفا دقيقا لحالات الطعن التي تتعرض لها ثقافات الهامش، على خلاف الترحيب العالمي الكبير الذي يخصص لثقافات المركز. وتتمة لما نرصده من نماذج الرواد، نضيف في سياق ما سبق، الكاتبة الفرنسية ” مدام دي ستايل“، التي تعد حسب النقاد أول من نبه إلى أهمية العلاقات بين الأدب والمجتمع، وذلك من خلال كتابها الصادر عام 1800 “عن الأدب في علاقته بالمؤسسات الاجتماعية“. وقد عملت مدام دي ستايل على ربط جسور التصالح والتسامح بين فرنسا وألمانيا، ويظهر ذلك من خلال كتابها “ ألمانيا“، الذي حاولت في ضوئه تقديم مختلف الأدلة العقلية التي بإمكانها أن تبطل صور العداء بين الشعبين ” الفرنسي والألماني”، ففي رحلتها الطويلة إلى ألمانيا، اتضح لها مدى القرب العاطفي الذي يجمع بين الشعبين، إذ تتلاشى كل الخلافات المفتعلة أمام اللقاءات الإنسانية التي توحد ثقافيا ما افترق سياسيا، واقتصاديا، ودبلوماسيا. وبالتالي؛ فقد كانت مدام دي ستايل حريصة على دعم أواصر التعايش بين الشعبين، مركزة على توضيح مجموعة من الوحدات الفكرية والاجتماعية التي تتفاعل بكيفية مشتركة مع ما يمثل أساس الهوية الفرنسية والألمانية على حد سواء. وختام الرصد، نذكر الكاتبة والناقدة المغربية المقارنة ” فاتحة الطايب“، التي فازت مؤخرا بمنصب في اللجنة التنفيذية للرابطة العالمية للأدب المقارن، وهي مهتمة كثير الاهتمام بكل ما له صلة بالأدب المقارن من جهة، وبكل ما له علاقة وثيقة بالدراسات الثقافية من جهة ثانية. وتعتبر فاتحة الطايب رائدة الأدب المقارن في المنطقة العربية، وتشهد على ذلك أعمالها البارزة في هذا المجال التي نذكر من بينها على سبيل المثال: “على حدود المقارنة دراسات ثقافية مقارنة في النظرية والأدب والفن – كيليطو والحوار النقدي العالمي – دراسات في الترجمة من العام إلى الخاص“، هذا بالإضافة إلى وعيها الثقافي المتعدد الذي مكنها من الانفتاح على مجموعة من التجارب الأدبية العالمية، خاصة تلك التي تتوفر فيها الشروط والمعايير المترجمة للنزعة الإنسانية التي تجعل من أدب ما أدبا عالميا. وتحرص فاتحة الطايب بمعية الباحثين والدارسين الذين تتقاسم معهم التجربة الأدبية نفسها، على النهوض بميدان الدراسات الأدبية المقارنة، وذلك في سياق تطوير أدبيات الدرس المقارن بالجامعة المغربية، فاتحة أبوابه على مختلف الشركات والمشاركات العربية والغربية. ولا شك في أن الغاية من المقارنة، هي أولا وأخيرا تحقيق فعل المثقافة الذي يمكن من التعرف على أشكال ونماذج ثقافية مغايرة ومختلفة، كما أن غايتها أيضا هي تقليص المسافات البعيدة بين ثقافات الأمم، وجعل التفاعل بين بعضها البعض قائما في الحاضر ومستمرا في المستقبل.
يتخذ المجال الرقمي طابعه الخاص من خلال العمليات الذهنية، التي تشتغل على طرائق توظيف الآليات والوسائل الرقمية، الكفيلة بإنجاح مشروع الزمن الرقمي داخل المجتمع المعاصر. ونحن بحاجة ماسة إلى الانخراط القوي في تأهيل كل المجالات لتكون قادرة على مسايرة العالم في ثورته التكنولوجية، التي باتت مستقله بنفسها وبحضورها النوعي الذي يعدنا بالتقدم والتطور المستمرين. وبالتالي؛ لا عذر لمن لم يطور أنساقه الرقمية بعد، خاصة وأن السبل متاحة الآن للتعلم ومحو الأمية الرقمية، وذلك لأجل المساهمة الفردية في تغيير الزمن من سياقه الثابت إلى سياقه المتحول. ومع كل ذلك، ستظل إشكالية التوظيف تراودنا مادمنا لم ننجح بعد – على المستوى الاجتماعي خاصة – في تغيير طرائق توظيفنا للأجهزة الرقمية ووسائلها التقنية، وهو ما سينعكس سلبا على الذاكرة المجتمعية التي تطالبنا اليوم بتحصين وعيها من الانحراف الرقمي. ومن ثم، لا بد من تسليط الأضواء على نظريات ومفاهيم المعرفة الرقمية، مركزين على أهم روادها الذين بذلوا جهدهم العلمي الكبير في سبيل النهوض بقطاع الرقميات. ولعل خير نموذجين نستحضرهما في هذا السياق، هما نموذجي الكاتبين المغربيين ” سعيد يقطين ” و ” زهور كرام“. الأول، استطاع أن يدخل إلى الرقميات من باب السرديات، مركزا على فهم طبيعة التحول من السردي إلى الرقمي، أو بصيغة أكثر دقة، محاولة الجمع بينهما في سياق متفاعل ومتآلف، دون المساس بخصوصية كل واحد منهما، على اعتبار أنهما مرتبطان بوحدات فكرية مختلفة، ومعقدة، ومركبة. ويقترح سعيد يقطين على سبيل المثال، إنشاء لوحة رقمية تستجيب لمتطلبات الإبداع الرقمي، متسائلا بتعبيره عن ” ما الذي يمكن أن يجمع بين الأجيال العربية الجديدة؟ ” مجيبا في الآن نفسه، بضرورة التفكير المتخصص في إنشاء لوحة إلكترونية جامعة لمختلف الأنشطة التربوية، والتعليمية، والتثقيفية، والترفيهية. وذلك في سياق الحرص على تطبيق الفعل الرقمي بدل الاكتفاء بالتنظير له من زاوية معرفية فقط، أي التأكيد المباشر على الانتقال إلى مستوى التجربة الرقمية المتأخرة في مجتمعاتنا العربية. أما الثانية، فقد حملت مشروعا رقميا كبيرا، تقدمت به إلى أعلى المستويات، ودفعته إلى أن يصبح نموذجا مرجعيا يحتذى. إنها الكاتبة زهور كرام التي اجتهدت لتكون أبرز الأسماء المتبنية لمجموعة من المشاريع الرقمية، داعمة إياها بمجموعة من الإصدارات العلمية، التي نذكر من بين أهمها : ” الإنسانيات والرقميات وعصر ما بعد كورونا – السرد الأدبي من التجريبي إلى الترابطي”، هذا بالإضافة إلى سلسلة روابطها الرقمية التي بلغت في الآونة الأخيرة العدد الرابع المعنون ب ” كورونا والتكنولوجيا“، ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الرباط . وبالتالي؛ فإن زهور كرام تدشن صرحا علميا داخل الجامعة وخارجها، وتفتح أبواب المعرفة على مستجدات العصر الراهن، لافتة الانتباه إلى مجموعة من الظواهر الإنسانية، التي تحتاج الدراسة العلمية من منطلق البحث في تمظهراتها الخارجية الموازية لانشغالات المجتمع واهتماماته، خاصة تلك التي ترتبط بمستقبله المهني باعتباره أفضل مردود على التنمية الاقتصادية وازدهارها. وفي هذا الصدد أيضا لها كتاب صدر حديثا، يحمل عنوانا مثيرا، ألا وهو ” المهارات الذاتية ومهن المستقبل”.
بناء على ما سبق، وانطلاقا من ربطنا لحالتي التأثير والتأثر بين الرقمي والثقافي، نخلص إلى أن المفهومين معا أصبحت لهما قاعدة جماهيرية عريضة في الأوساط الاجتماعية وغيرها، كما أن التعبير عنهما أضحى يتخذ بعدا علميا مصاحبا للاهتمام المتزايد بهما على المستوى الجامعي ضمن أطاريح الباحثين والدارسين، الذين أولوا للمكتبة الرقمية والثقافية اهتماما ذاتيا بالغا، وبحثا علميا عميقا، ودراسة نقدية فاحصة. وفي ضوء ذلك كله، يتضح أن الثقافة تصل إلى الحد الذي لا يمكنها عبوره إلا بواسطة الممر الرقمي الذي بإمكانه أن ينقلها إلى الضفف الأخرى، وعليه وجب الحرص على تفادي الاصطدام بين الثقافات التي تتواصل عبر الوسيط الرقمي، والحفاظ على استقلالية المكون الموضوعي للثقافة، أي تجنب كل السياقات الخارجية التي تعزلها عن طبيعتها المخالفة للتعصب التاريخي، والسياسي، والإيديولوجي. هذا بالإضافة إلى ضرورة الانتباه إلى أن التنوع الثقافي الذي يحقق الازداوجية الكونية حسب الفيلسوف الفرنسي إدغار موران، لا ينبغي أن يتم في ظروف تغفل الهويتين المحلية والوطنية، باعتبارهما رديفا للخصوصية التي تميز كل مجتمع على حدة.
__________
*محمد بلوق، باحث بسلك الدكتوراه، وفاعل في المجال التربوي.
التعليقات:
Comments are closed.
دام حبر هذا القلم