مقدمة:
شهد المجتمع الإنساني خلال القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين طفرة هائلة وغير مسبوقة في نمو وتطور وسائل الإعلام ووسائل الاتصال، لدرجة دعت البعض إلى إطلاق مسميات متعددة على العصر الذي نعيشه مثل “عصر الانترنت” “عصر الفضائيات” فقد تلاشت الحدود الجغرافية وتقاربت المسافات، وحولت وسائل الاتصال العالم إلى قرية صغيرة، يعرف سكانها كل ما يجري في أرجائها المختلفة، ويتابعون ما يحدث لحظةً بلحظة.
لذا اهتم الكثير من علماء الاجتماع المعاصرين بدراسة قضية الإعلام والاتصال ورصد أبرز ملامحها، وكشف كافة أبعادها ومؤثراتها، ومن بين هؤلاء العلماء؛ تارد، وروبرت ميرتون، ولازرفيلد، وشارلز وايت، وغيرهم.
أولاً: المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع الإعلامي: يتضمن علم الاجتماع الإعلامي العديد من المفاهيم العلمية التي قد يبدو ظاهرياً وجود نوع من التشابه بينها في المعنى، ولكنها تختلف عن بعضها البعض كما سنرى فيما بعد، ويعد تحديد المفاهيم العلمية من الخطوات المهمة في البحث العلمي نظراً لأن المفهوم يعد اللبنة الأولى في بناء النظرية العلمية وتتمثل أهم المفاهيم العلمية في علم الاجتماع الإعلامي فيما يلي:
1- مفهوم الإعلام: يعد مفهوم الإعلام من المفاهيم الحديثة والمهمة في نفس الوقت ويشير مفهوم الإعلام إلى عملية الحصول على المعلومات من مصادرها المختلفة من خلال التواجد السريع في مكان الحدث، والحصول على المعلومات بصورة متعمقة، ثم نقل هذه المعلومات إلى الآخرين من خلال الوسائل المتعددة وبالطريقة المناسبة.
ويشير مفهوم الإعلام إلى منهج وعملية تهدف إلى التثقيف، والإحاطة بالمعلومات الصادقة التي تنساب إلى عقول الأفراد ووجدانهم فترفع من مستواهم الفكري، وتدفعهم إلى العمل من أجل المصلحة العامة، وتخلق مناخاً صحياً يُمّكن الأفراد من الانسجام والتكيف.
يتضح من التعريف السابق للإعلام أن الإعلام يتضمن:
التثقيف – نقل المعلومات – نقل الأخبار والأحداث – تشكيل الرأي العام -التوجيه لتحقيق مصلحة المجتمع.
الإعلام والتعليم: هناك عدة فروق بين الإعلام والتعليم، وتتمثل تلك الفروق فيما يلي:
الوظيفة الأساسية للتعليم هي استمرار التراث العلمي والأدبي من خلال تقديمه للأجيال بصورة منظمة ومن خلال مؤسسات راسخة عبر سنوات طويلة، يقدم التعليم معلومات ثابتة وحقائق مؤكدة، بينما يهتم الإعلام في أغلب الأحوال بقضايا الساعة، كما يهتم الإعلام بالمشكلات التي تحتمل تعدد وجهات النظر، كلاً من التعليم والإعلام يتكاملان في تحقيق التغير الاجتماعي.
2- مفهوم الاتصال: الاتصالcommunication: يشير مفهوم الاتصال إلى عملية انتقال المعلومات والأفكار، والاتجاهات، والعواطف من شخص أو جماعة إلى شخص أو جماعة أخرى من خلال الرموز. وهنا نشير إلى مفهوم الاتصال الفعال والاتصال الإنساني:
الاتصال الفعال: هو الاتصال الذي يصل من خلاله المعنى الذي يقصده المرسل بالفعل إلى المستقبل.
الاتصال الإنساني: هو عملية إنسانية ترتكز على التفاعل بين الأفراد والجماعات من خلال بناء رمزي، وأساس الاتصال هو التفاعل الرمزي بين البشر، كما وتمثل اللغة المحور الأساسي للاتصال الإنساني.
3- مفهوم الدعاية: الدعاية Propaganda:عُرفت الدعاية منذ آلاف السنين, فقد عرفها الفراعنة والقياصرة واعتمدوا على الدعاية في دعم قوتهم، كما احتل مفهوم الدعاية مكاناً بارزاً في دراسات الإعلام والاتصال وقد حظي باهتمام واضح من جانب الباحثين منذ الحرب العالمية الأولى حيث لعبت الدعاية دوراً بارزاً في هذه الحرب، يشير مفهوم الدعاية إلى محاولة التأثير في الأفراد والسيطرة عليهم لأغراض محددة في مجتمع معين, وفي زمن معين والدعاية: هي مجموعة من الأساليب الفنية والطرق المستخدمة في التأثير على اتجاهات وآراء وأفكار وسلوك الناس من خلال الرموز والكلمات، والدعاية: هي طريقة لتوجيه سلوك الناس حينما تكون هناك مسائل أو موضوعات متعارضة أو محل خلاف.
الإعلان: الإعلان يهدف إلى التأثير في الجماهير واجتذابها نحو سلعة أو خدمة معينة بهدف الترويج لتلك السلعة أو الخدمة، فهو السبيل للتسويق ورفع المبيعات، والإيحاء هو العنصر الأساسي في الإعلان، فنادراً ما يخاطب المعلن فكر الإنسان وعقله، وإنما يتوجه نحو الغرائز والانفعالات والعواطف، ويسعى إلى إبراز المغريات للمستهلكين ويهدف الإعلان إلى الترويج والتسويق للسلع والمنتجات وهو هدف تجاري.
4- الرأي العام: بالرغم من أن ظاهرة الرأي العام Public Opinion ليست ظاهرة حديثة، وإنما هي ظاهرة قديمة وجدت منذ أن وجد الإنسان في مجتمع منظم، إلا أن دراسة الرأي العام كظاهرة اجتماعية، لم تتبلور إلا خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
يمكن تعريف الرأي العام بأنه مجموع الآراء السائدة في المجتمع، وتكون صادرة عن اتفاق متبادل بين غالبية أفراد المجتمع.
ثانياً: تعريف علم الاجتماع الإعلامي:
يعتبر علم الاجتماع الإعلامي فرع من فروع علم الاجتماع، كونه يدرس العلاقة الموجودة بين وسائل الاتصال الجماهيرية والمجتمع، وطبيعة هذه العلاقة تختلف باختلاف المجتمع الذي تتواجد فيه. يعتبر هذا العلم حديث النشأة مقارنة بعلم الاجتماع ومن الملاحظ أن هذا العلم ليس قائما بذاته بل هناك عدة فروع ساهمت في إثرائه.
علم الاجتماع الإعلامي أو كما يعرف أيضا بسوسيولوجيا التواصل، هو علم يدرس العلاقة القائمة بين وسائل الاتصال الجماهيرية والمجتمع، وإذا كانت الوسائل في حد ذاتها أدوات شبه محايدة ومنتج من منتجات التطور التكنولوجي، فإن العلاقة بين وسائل الاتصال والإعلام هي التي تتباين وفق هذا المجتمع أو ذاك. ويعتبر هذا العلم حديث النشأة نسبياً حيث ظهر في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بالولايات المتحدة الأمريكية أساساً، مقارنة بعلم الاجتماع الذي ظهر في أواخر القرن التاسع عشر.
ولم يحتل هذا العلم موقعاً متخصصاً ومنفرداً إذ نجده فرع من علم الاجتماع تارةً أو تابعاً لعلوم الإعلام والاتصال تارةً أخرى، كما أن مجالاته تمتد إلى مجالات أكاديمية أخرى، أي أنه يتداخل مع علوم أخرى كعلم النفس والاقتصاد واللسانيات بحكم تمازج الظاهرة الإعلامية والعوامل المحيطة بها كالعلوم الاجتماعية والاقتصادية والنفسية واللغوية.
كما يعرف علم الاجتماع الإعلامي: بأنه العلم الذي يدرس وسائل الإعلام بوصفها ظاهرة اجتماعية دراسة وصفية أي بمعنى دراسة الواقع الفعلي لهذه الوسائل، أي دراسة ما هو كائن وليس ما ينبغي أن يكون.
ثالثاًً: أهمية علم الاجتماع الإعلامي:
1- التطور في مجال الاتصالات:
أدى التطور الكبير في مجال الاتصالات والذي نتج عن التقدم التكنولوجي إلى؛ تقريب المسافات، واختصار الوقت اللازم لنقل المعلومات والأفكار في العالم، وأدت التقنيات الجديدة والمتطورة في وسائل الإعلام إلى؛ تيسير جمع المعلومات والأخبار، والتعامل معها، وتفسيرها، وتحليلها، وإتاحتها لأفراد المجتمع، وتخزينها، ونشرها، وتبادلها، وإعادة استرجاعها وقت الحاجة إليها.
ويعد تطور وسائل الاتصال ظاهرة متعددة الأبعاد، تتسم بالنسبية، وترتبط بدرجة تطور المجتمع، فما يُعد حديثاً في مجتمع يُعد تقليدياً في مجتمع أخر، فالتلفزيون على سبيل المثال يُعد من الوسائل التقليدية في المجتمعات المتقدمة، ولكنه قد يُعد تكنولوجيا حديثة في مجتمعات أخرى.
2- ظهور أشكال جديدة للإعلام:
ظهرت تصنيفات جديدة لوسائل الإعلام الجديدة ويذهب ريتشارد ديفيز وديانا أوين إلى أن هناك أشكال جديدة للإعلام تتمثل في الإعلام الجديد بتكنولوجيا قديمة ويشير إلى مجموعة من الأشكال الجديدة للبرامج في الإذاعة والتلفزيون مثل برامج الأخبار الحية، والبرامج المسائية والصباحية في التلفزيون والإذاعة، والمجلات الإخبارية.
الإعلام الجديد بتكنولوجيا جديدة ويتم من خلال أجهزة الحاسب والتي أدت إلى التبادل الحي والسريع للمعلومات، الإعلام الجديد بتكنولوجيا مختلطة وفيها يتم تبادل المنافع بين الإعلام القديم والجديد فلم يعد هناك حدوداً صناعية بين القديم والجديد. ونظراً لعدم قدرة علم الاجتماع العام على الإلمام بجميع الموضوعات ذات الطبيعة الاجتماعية فقد نشأت فروع متعددة لدراسة الموضوعات المختلفة:
فقد أدى تطور عملية الاتصال، وتطور وسائل الإعلام، والآثار المتعددة التي يحدثها الإعلام؛ على الأنماط السلوكية، وعلى العلاقات الاجتماعية، وكذلك التغيرات الاجتماعية التي ترتبت على تطور وسائل الإعلام، أدى ذلك كله إلى أن أصبحت العملية الإعلامية محور اهتمام علماء الاجتماع، وبالتالي ظهر علم الاجتماع الإعلامي كأحد فروع علم الاجتماع.
وترجع أهمية علم اجتماع الإعلام إلى:
إن دراسة الظواهر الاجتماعية من الموضوعات الأساسية للدراسة في علم الاجتماع، ويعد الاتصال أحد الظواهر الاجتماعية التي أثرت تأثيراً كبيراً في التفكير والسلوك والمواقف والعمليات الاجتماعية.
– إن العمليات الاجتماعية كالتعاون والصراع والتنافس والتوافق تتم عبر الفعل الاتصالي، وهي (العمليات) من موضوعات علم الاجتماع، كما تضم عملية الاتصال في إطارها العمليات الاجتماعية لذا وجب الاهتمام بعملية الاتصال التي تضم في إطارها العمليات الاجتماعية.
إن أهمية الظاهرة الاتصالية، وأهمية وسائل الإعلام وما يُمكن أن تحدثه هذه الوسائل من تغيرات كبيرة في العادات والتقاليد الراسخة في المجتمعات الإنسانية.
كما أن الظاهرة الاتصالية لها أبعادها الثقافية والاجتماعية التي لا يمكن إهمالها وإغفالها وبسبب تطور عملية الاتصال وتطور وسائل الإعلام واتساع الفضاء الاجتماعي الذي تتعامل معه جعل وسائل الإعلام أكثر العوامل تأثيراً في عملية التنشئة الاجتماعية. وأن التطور السريع لوسائل الإعلام أدى إلى طرح مواضيع بحوث متعددة وجديدة حول تطور هذه الوسائل, وملكية هذه الوسائل واستخداماتها وللأسباب السابقة, ولأهمية عملية الاتصال, ولأهمية وسائل الإعلام, وللتأثيرات المتعددة التي تحدثها وسائل الإعلام في السلوك الاجتماعي, والعمليات, والمواقف الاجتماعية كان لابد من ظهور علم الاجتماع الإعلامي الذي يهتم بدراسة عدد من الموضوعات التي تتعلق بالتحليل الاجتماعي للمشاهدة, والمشاهدين, وعمليات الإعلام والاتصال, ومضمون الرسائل الإعلامية, ومدى تأثير الإعلام على المجتمع والفرد.
رابعاً: نشأة ومراحل تطور علم الاجتماع الإعلامي:
خلال فترة الأربعينات وبداية الخمسينات ازدهرت وسائل الإعلام والاتصال بفضل مدرسة كولومبيا التي وضعت الأسس لعلم الاجتماع الإعلامي والذي تطور وانتشر بفضل فينيس ولازار سفيلد وغيرهم، وبعدها انتشرت إسهامات علم الاجتماع الإعلامي في كل من النمسا وألمانيا وبريطانيا وخصوصاً في فترة القرن العشرين حيث تميزت بموجة من التغيرات والتطورات من بينها التنوع في وسائل الاتصال الجماهيرية كتلفزيون، راديو، الصحافة وغيرها. وهذا ما أدى إلى بروز مفاهيم ومصطلحات ناتجة عن عملية تفاعل المجتمع بهذه الوسائل (وسائل الإعلام) ولكن هناك نوع من التمايز الثقافي والإيديولوجي لكل مجتمع.
إن الثورات الضخمة التي شهدها القرن العشرين في مجالات عديدة منها الصناعة التقنية والإعلام الآلي تركت بصماتها وآثارها في المجتمع ككل، وهذا مما أدى إلى ظهور فروع جديدة من علم الاجتماع (علم الاجتماع الإعلامي) وبفضل هذه العمليات الإعلامية التي تجري في المجتمع وبواسطتها اكتسب الناس ثقافة معينة. وقد مر علم الاجتماع الإعلامي بثلاثة مراحل أساسية وهي:
1– مرحلة انتشار البث الإذاعي: وكانت خلال الفترة الأولى من القرن العشرين حتى 1927 وخلالها كانت الدراسات الاجتماعية الإعلامية وخصوصاً قبل الحرب العالمية الثانية وقد استخدم البث الإذاعي في تلك الفترة لأغراض سياسية خصوصاً.
2– مرحلة النضج في البث الإذاعي: وتشمل الفترة الواقعة بين 1927-1940 حيث أصبح جمهور الإذاعة كبيراً ولم يعد مقتصراً على الهواة في بث الأخبار والموسيقى، وأصبح الراديو في الوقت نفسه أداة الإعلام والدعاية السياسية وقد جاءت الحرب العالمية الثانية واستخدمت الإذاعة فيها على نطاق واسع مما أدى في هذه المرحلة إلى دراسات وأبحاث اجتماعية إعلامية.
3– المرحلة الأخيرة وهي المرحلة الثالثة تبدأ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية: وتتصف بإشباع الجمهور الإذاعي وتحسن البرامج كما تتصف بظهور منافس قوي وجذاب وهو التلفزيون.
خامساً: أهداف علم الاجتماع الإعلامي:
1- الوصف الواقعي يعد أهم الأهداف المتمثل في التعرف على الحقائق الراهنة المتعلقة بطبيعة الظاهرة أو موقف مجموعة من الناس.
2- يستهدف الوصف الواقعي للتعرف على عدد المستعملين للوسيلة الإعلامية وخصائصها ودرجة تفضيلهم لتلك الوسيلة.
3- وصف الواقع الاجتماعي لموضوعه الأساسي المتمثل في العملية الإعلامية وما تتأثر به وما يِؤثر فيه في كافة مجالات التعامل الاجتماعي وتقرير أبعاد هذا الواقع.
وبصفة عامة يمكن القول إن علم الاجتماع الإعلامي يهدف إلى وصف وتحليل الحقائق الاجتماعية التي تشمل المجال الإعلامي.
_______
*الدكتورة ميادة القاسم/ أستاذ مناهج وطرائق البحث الاجتماعي/ قسم علم الاجتماع جامعة ماردين -تركيا – جامعة حلب سابقا.