أدبالتنويري

رواية الخيميائي

الكنز المفقود / المستكشف: بين ضياع العرب والمسلمين وخارطة طريق تقدم الغرب

بداية، لا بد مما ليس منه بد، أن أعلن أنني لست من هواة ومحترفي النقد الأدبي للمتون الأدبية، سواء منها القصصية أو الروائية أو الشعرية..، من جهة، وأن عهدي بقراءة الرواية والقصص قد كان في مرحلة ما من مساري الدراسي الثانوي، بعضها كان يخص الروايات المبرمجة في مستوى الثانوي من أقسام الباكالوريا، وقراءات أخرى للقصص كان بالصدفة فيما كنت أجده على صفحات المجلات والجرائد الوطنية والدولية، من جهة أخرى، لأعاود وأجدد رغبتي لقراءة الرواية خاصة منذ مدة زمنية ليست بالقصيرة، معلنا عن برنامج يستهدف بين وحداته إرواء شغفي وحبي للكلمة والرمز والدلالة والمعنى من خلال المتن الأدبي في كل أشكاله وصوره، طبعا لأجل رحلة استكشافية من نوع خاص، بعيدا عن نصوص ما اعتدت في سن مبكرة قراءتها والتبحر في بحورها، بمختلف مشاربها ومذاهبها … هذا بعيدا عن تخصصي الجامعي.

ففي هذه الرحلة التي بت فيها ملتصقا بقراءة الرواية من بين القراءات والاهتمامات المتعددة، لما للمتن الروائي من جاذبية خاصة، عسى أن أعثر على ما لا أمكنني العثور عليه في متون أخرى، ولما للرواية من خصوصيات تخصها في نسج كل ما تتضمنه من شخصيات وأحداث ومعاني وانفتاحها اللامحمدود على هوامش الحرية والإبداع والخيال الفياض.

حظوة رواية ” الخيميائي ” والأبواب المفتوحة:

كما أسلفت لست من هواة ومحترفي النقد الأدبي، وإني قرأت رواية الخيميائي لباولو كويلو كما يقرأها أي قارئ عادي، فكتبت عنها ألآلاف من المقالات ودراسات وبحوث ضمن دراسات مقارناتية ومقارباتية أدبية، لم لا وهي الرواية التي تخطت عتبات المبيعات والترجمات المعهودة، وذلك تأتى لها بما نالته من تأشيرات العبور للحدود من دون قيود ولا إجراءات قانونية أو جمركية ولا رقابة أدبية أو سياسية / أيديولوجية، فحطت محتفى بها في كل مسارح اللغات والثقافات والحضارات عبر العالم، مكتسحة كل الفضاءات الثقافية والحضارية، قراءة، تفاعلا، ترجمة، دراسة، ونقدا …،  استخلصت منها حكم قيمة، واسترشد بها في بعض من المجالات الدراسية النفسية/ الاجتماعية/ التنموية …، كما أنها مدت جسور التلاقي بين حقلي الدين والفلسفة أيضا، لتعرج عبر أحداثها وشخصيات على التاريخ/ الزمان، ففي وعاء هذا الأخير تحضر الأمكنة الشاسعة والممتدة الأطراف غربا وشرقا، إنه الزمن الحضاري، زمن حضاري في مفترق الطرق، فيه أكثر من فاعل، كل من فواعله وشخوصه الحضاريين له ارتباط وثيق بآخر في أكثر من قضية أو محطة أو مجال، في إطار عملية تلاقح وصراع وتدافع حضاري قائم والذي لازال قائما لحد الساعة، إنه الزمن الحضاري الأندلسي/ العربي/ الإسلامي، الغربي المسيحي/ العربي الإسلامي، حيث نقط التواصل المستمرة عبر التاريخ لازالت مستمرة بأشكال متعددة، علما أن التمفصلات بين العالمين الحضاريين، قائمة بحسب عمليات الشد والجدب بين أطرافهما على اختلاف مشاربها ومعتقداتها وأيديولوجياتها وسياسياتها، وتياراتها الفكرية والمذهبية والدينية، واستراتيجياتها أيضا.

قراءة مغايرة لرواية ” الخيميائي “: من حقل الأدب إلى التاريخ.

الرواية هي سلسلة من الأحداث تُسرد بسرد نثري طويل يصف شخصيات خيالية أو واقعية وأحداثاً على شكل قصة متسلسلة، كما أنها أكبر الأجناس القصصية من حيث الحجم وتعدد الشخصيات وتنوع الأحداث، والرواية حكاية تعتمد السرد بما فيه من وصف وحوار وصراع بين الشخصيات وما ينطوي عليه ذلك من تأزم وجدل وتغذية الأحداث “. ويكيبيديا

في رواية الخيميائي هذه يعمد باولو كويلو إلى سرد الأحداث والوقائع في قالب قصصي روائي ممتع وشيق، ارتباطا بشخصيات لا يمكن التغافل عن واحدة منها، إلا واختلت الأحداث في علاقاتها بقضاياها ومصائرها، سانتياغو الراعي هو الشخصية المحورية في الرواية، هو المبدأ في السرد القصصي، ومن ثمة تتوالى الأحداث وتتعدد الشخصيات، إلى أن تم استكشاف الكنز المدفون واستخراجه من تحت الأرض، ومن ثمة تحقيق أسطورته الشخصية كما دله الرجل /  الحكيم.

وأنا أقرأ الرواية وأستحضر في ذهني القراءات النقدية الأدبية والثقافية كل ما يمكن كتابته أو تأويله أو استحضاره من بنات أفكار أو خواطر أو نقد ودراسة…، من خلال قراءتها من قبل النقاد والقراء معا، كل بحسب مستوياته واهتماماته وانشغالاته.

ومن هذا المنطلق تبادرت إلى ذهني أسئلة خاصة، من قبيل، ما معنى أن يوجد كنز مدفون في الأندلس؟ كيف تأتى الحلم بالكنز والحالم من أرض الأندلس / إسبانيا؟ ما دلالة الأهرام والكنز المتخيل المدفون في علاقة الأندلس / الغرب بالشرق ؟ ما دلالة أرض المغرب حلقة الوصل بين الشرق والغرب الأوربي، بوابة الشرق نحو الأندلس / إسبانيا / الغرب الأوربي؟ إنها أسئلة وأسئلة أخرى تأتي في خضم هواجس القراءة المتأنية لأحداث الرواية وتفاعلات شخصياتها بفضاءاتها وأمكنتها، منها، كيف بدا الواقع العربي / الإسلامي، اجتماعيا، سياسيا، ثقافيا .. من خلال ما عايشه بطل الرواية وعاشه في رحلته هذه التي يتوخى منها العثور على مكان الكنز المدفون في أهرامات مصر واستخراجه؟ ما دلالة حضور شخصية الخيميائي / الكيميائي في الحقل العربي الإسلامي ؟ هل من علاقة بين اللص / الشخص بنفسية وتصورات وتمثلات الإنسان العربي / المسلم، الذي دل بطل الرواية من حيث لا يدري، إلى الكنز الموجود تحت شجرة الجميز بكنيسة قديمة، التي كان سانتياغو يستلقي تحتها في أوقات ما، من خلال ما تراءى في حلمه هو أيضا، إلا أنه لم يعقد العزم للذهاب إلى الأندلس ويكلف نفسه العناء والمشقة ومن ثمة تحقيق حلمه باستخراجه كما بادر ويبادر بطل الرواية سانتياغو في رحلته الشاقة هذه، بل أنه تأفف من حلمه هذا، ما علاقة هذه الواقعة المثيرة الدالة بالشخصية العربية الإسلامية وتفكيراتها وأحلامها وطموحاتها ؟ .

قد لا يعلن الكاتب، أي كاتب كان، عن ما يدور بخلده من تأويلات ودلالات ممكنة في نسجه لما يكتب، ونحن هنا لا نحاكم كاتب رواية الخيميائي، أو نخضعه لقوالب خاصة في قراءاتنا لما كتب، إلا انه قد نقرأ وليس بالضرورة أن نذهب مذهب ما يكتبه أي كاتب، بقدر ما أنه يحفزنا لقراءة توليدية من نوع خاص، ونؤول ما يكتب من حقل لحقل، هذا ما تراءى لي وأنا أقرأ الرواية واستحضرت بصددها رؤية تنم عن هواجس تتملكني في علاقة الشرق العربي الإسلامي بالغرب المسيحي.

1 – الكنز المفقود وتصدع تاريخ الحضارة العربية / الإسلامية.

لقد شكلت الأندلس العقد الفريد والمتميز والزاهي في سلسلة تاريخ الحضارة العربية/ الإسلامية، فيه اكتملت دورات الحلقات الحضارية الأكثر تقدما في تاريخ الحضارات الإنسانية، وقد شكل الإسلام عاملا مؤسسا وهاما في استنهاض الحضارة الإنسانية في تلك الحقبة – أي حقبة التاريخ الحضاري الأندلسي العربي / الإسلامي – وقبلها منذ ظهوره على ساحة الجزيرة العربية، بعد أن امتد شرقا وغربا، فكانت الأندلس محطته التاريخية والحضارية الذهبية والزاخرة بكل المنجزات الفلسفية والفكرية والعلمية والثقافية والعمرانية، إلى أن كانت الانتكاسة المدوية والمعلنة على سقوط الأندلس وانهيار الحكم العربي الإسلامي بها، ومن ثمة إنهاء الوجود المادي للعرب والمسلمين، فبقي منه هناك ما أبدعه عبر مراحل تاريخية مسترسلة، ما يحمل كل مظاهر وتجليات الحضارة العربية الإسلامية، من فن وعمران، فلسفة وفكر، علم وثقافة، منجزات مادية ولامادية، تؤشر على علو كعب تاريخ حضاري بكل إبداعاته وقيمه ومثله المتقدمة والمتطورة جدا في تلك المرحلة ذاتها في مسلسل تاريخ الحضارات الإنسانية عامة، بالمقارنة مع محطات تاريخية سابقة أو حديثة العهد بها في بقاع أخرى من العالم آنئذ.

فسقوط الأندلس، أو قل انهيار الوجود العربي الإسلامي بالأندلس/ إسبانيا حاليا، كان الحدث الفيصل في تاريخ الحضارة العربية / الإسلامية، الحدث الأعظم الدال على بداية الانهيار الحضاري العربي الإسلامي وتصدع امتداده التاريخي والحضاري، في اتجاه بوصلته التراجعية وانحسار موجات تقدميته وتطوراته، بل الأنكى من ذلك أفول شمسه الساطعة وإشراقاته الحضارية على كل البقاع المتواجد فيها آنئذ، وبدأ العد العكسي التنازلي للحضارة العربية الإسلامية في الاستطراد السلبي، مع استثناء مرحلة حكم العثمانيين بشكل من الأشكال، حيث لم تستمر بذلك التوهج الحضاري المعهود، لأسباب متعددة، إلى حدوث الانهيار الكامل للإمبراطورية الإسلامية عامة، بتفكك الكيان العثماني وظهور القوى الغربية الإمبريالية الاستعمارية على الساحة.

فمن خلال قراءتنا لرواية ” الخيميائي ” يبدو جليا أن الكاتب الروائي باولو كويلو قد استلهم فكرة ذهبية من خلال دلالة جغرافية الأندلس كجزء من الأجزاء الممتدة للحضارة العربية الإسلامية في أقصى نقطة لها من الجهة الغربية بجغرافية القارة الأوربية، وكجوهرة فريدة في سلسلة تاريخ هذه الحضارة المنتسبة للعرب والمسلمين، وأن هؤلاء الأخيرين قد فقدوا كنزا عظيما بفقدانهم وجودهم في هذه البقعة من جغرافية العالم الأوربي الغربي، ومعه كل قواهم التقدمية والتطورية الحضارية والفكرية والعلمية والثقافية والفلسفية، وبداية عهود الانتكاسات التاريخية والحضارية ليعيشوا في وهدة التخلف والرجعيات والنكوص الحضاري الممتد منذ تلك اللحظة المفقودة، ونحن هنا على سيبل التأويل الممكن كقراءة فكرية وتاريخية وحضارية لدلالة الكنز المفقود، أو أن الكاتب قد ألهمنا مشروع قراءة من حيث لا يدري ولا كان في حسبانه ما يمكننا أن نتأوله في قراءاتنا لروايته المتميزة، ففي كل الحالات نحن ممتنون له تقديرا واعتزازا على قصصه الروائي الرائد والفريد في نفس الآن.

فالكنز الأندلسي المفقود في تلك البقعة الجغرافية التي كانت خاضعة لحكم العرب / المسلمين، هو كنز كل التراثات المتطورة والمتوجة في تاريخ الحضارة الإنسانية حينئذ، أو قل، مقومات وإحداثيات التقدم الحضاري التي زخرت بها التجربة التاريخية الحضارية للعرب والمسلمين وقدموا آخر إبداعاتهم وإنتاجاتهم المتطورة والمتجددة في كل شؤون الحياة ومجالات العمران البشري، حين كانت شعوب أخرى من نفس الانتماء الجغرافي بالعالم الأوربي الغربي، ترزح تحت نير التخلف والظلامية في مراحل تاريخية نعتت بالظلامية القروسطوية وغيرها من النعوت والأوصاف على جميع المستويات، سياسيا، فكريا، ثقافيا، علميا، اجتماعيا، معتقداتيا وإيمانيا.

2 – الواقع العربي الإسلامي من خلال القصص الروائي في رواية الخيميائي.

من خلال الأحداث والوقائع التي تضمنتها الرواية وأدرجها الكاتب في إطار تفاعلات الشخصيات وعلاقتها بعوالمها الجغرافية والسياسية والثقافية العربية/ الإسلامية، تبدو صور التفكك السياسي والمؤسساتي وغياب أو انعدام سلطة سياسية وإدارية عليا، وأشكال انشطارية الثقافي والاجتماعي، وذلك حين استحضار مفهوم القبيلة والعشيرة في المتن الروائي، فترتب على هذا الوضع القبائلي/ العشائري وضعيات اجتماعية سواء تعلق الأمر بالفرد أو القبيلة / العشيرة أو الوطن، ووضعيات اقتصادية وثقافية وإدارية وسياسية… يميزها التفكك وانعدام الوحدة الوطنية / الأمبراطورية، وكذا التنابذ والتناحر على الموارد الاقتصادية بين القبائل/ العشائر، وسيادة القبائل على بعضها البعض، علاوة على اللصوصية وقطاع الطرق، حيث انعدام الأمن والأمان والسلم بين الأفراد والكتل المجتمعية، وكذا الثقافة الخرافية واللاعقلانية، إذ تغيب مع هذا كله التنظيمات والمؤسسات ذات الدلالات الجامعة والضابطة للكل المجتمعي وكل أجزائه المتعددة، في غياب سلطة سياسية عليا ضابطة الإيقاعات المجتمعية في كل مجالات الحياة عموما، المتجلية في انعدام المؤسسات الحكم على مستوى الوطني / الإمبراطوري، إلا من وجود مؤسسات القبيلة والعشيرة، حيث دلالات الأزمة البنيوية المعاشة على أرض الواقع العربي/ الإسلامي في كل مستويات الحياة عامة، ومعنى أن كل حقول المجتمعات العربية / الإسلامية ستعرف أو أنها دخلت في مرحلة أولية في صيرورات الرجعية والتخلف والنكوص التاريخي والحضاري، فبات من المعلوم بعد أن فقدت الكنز الأندلسي الغني بجواهره المضيئة والمتلألئة أنها ستعرف التدهور الحضاري المزمن والممتد إلى عصرنا هذا.  

3 – بيت القصيد:  الكنز المستكشف وخارطة طريق الغرب نحو الأنوار والتقدم والمدنية المعاصرة.

الكنز المفقود يستكشف بعد رحلة طويلة وشاقة من طرف بطل الرواية، عبر فيها الحدود البحرية والبرية، شرقا ثم غربا، من الأندلس مرورا بالمغرب، وصولا إلى أهرامات مصر، والقفول إلى الأندلس، ومن ثمة عثوره على الكنز المدفون كما أخبره أحد اللصوص حين ألقوا عليه القبض، بأنه رأى حلمين في هذا المكان الذي يحفر فيه هو لاستخراج كنز حلمه المبحوث عنه، ودله عبر حلمه على مكان كنز في الأندلس، الكنز الموجود تحت شجرة جميز عملاقة بين أنقاض بكنيسة قديمة تخبئ كنزا، تكبد في هذه الرحلة المتاعب والتجارب المضنية، هذا البطل الذي أراد أن يحقق أسطورته الشخصية كما حثه ذلك الرجل الحكيم / الغامض يدعى ملكي صادق ملك سالم، فسعى إليها بسعيه الحثيث والجاد للوصول إلى مبتغاه الذاتي الأسطوري.

 طبعا لقد تحقق الحلم، حلم العثور على الكنز واستخراجه من تحت الأرض، بأرض الأندلس / إسبانيا، أكتشفه إنسان ينتمي إلى جغرافية كانت بالأمس القريب قلعة حصينة في يد العرب / المسلمين، خلفوا وراءهم فيها آثارا وموروثات وتراثات في كل ميادين الحياة، لازالت شاهدة على وجودها لحد الساعة، كنز حضارة غني بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إنها الأندلس لؤلؤة تاريخ الحضارات الإنسانية عبر مر التاريخ الإنساني، وكل العالم مدين بها في كل المجالات العلمية والفلسفية والفكرية وثقافية والعمرانية …  ذلك الكنز الذي فقده العرب / المسلمون هناك وتخلوا عنه لأسباب ما، بمحض إراداتهم المنكسرة بفعل أسباب ذاتية، من جهة، وغصبا عنهم، من جهة أخرى، لأسباب مكرها التاريخ، التاريخ ماكر في بعض المحطات، يحسب حساباته الخاصة في غفلة منا، وقد لا نستشعرها سواء ككيانات فردية أو كيانات جماعية، أو ربما أننا لا نولي  أو نقطع صلة الاهتمام بأحلامنا ولا نريد السير على تقفي آثارها، أو لعجزنا عن مسايرتها، بشيء من تكبد التعب وتحمل المشقة وديمومة الإصرار.

ففي هذا الصدد تتبادر إلى الذهن أكثر من سؤال، من بينها، من يكون ذلك الرجل الغامض/ الحكيم / ملكي صادق ملك سالم ؟ هل هو عقلنا المتبقي بتلك البقاع الأندلسية، ومن ثمة عقل حكمائنا وفلاسفتنا وكنوز مدخراتنا العلمية والفلسفية والثقافية … ؟ لماذا لم يبادر ذلك الشخص الممتهن صفة اللصوصية لمسايرة حلمه نحو الأندلس / إسبانيا واستخراج كنزه الذي حلم به مرتين، فاسترخص حلمه ولم يوله الاهتمام الكافي للوصول إلى تحقيق حلمه أسوة بسانتياغو بطل الرواية، بل الأدهى والغريب في الأمر هو أنه دل بطل الرواية على حلمه بشكل دقيق؟ ألم تكن شخصية اللص مجازا هو ذلك العربي / المسلم الذي كف عن الحلم من جديد، ولم تعد له الرغبة في معاودة تحقيق أسطورته الشخصية التي تجسدت في أبهى حللها وصورها وأشكالها في التجربة الحضارية الأندلسية ؟ ألم يكن سانتياغو بطل الرواية هو تلك الشخصية الإسبانية/ الأوربية الغربية بكل انتماءاتها ومشاربها وتفاعلاتها وآمالها وطموحاتها وخيباتها وانتكاساتها وانتصاراتها، قد بدأت رحلتها التاريخية والحضارية من جديد بعدما اكتشفت أسرار التقدم وقوى الجذب التقدمي الحضاري في ما أبدعوه العرب/ المسلمون بأرض الأندلس وأوجدوه بها، فتلقفت ذلك الإرث العظيم وجعلت منه نبراسا وخارطة طريق لعصر الأنوار والتقدمية الحضارية إلى حدود المدنية المعاصرة في زمننا هذا، قبل أن كانت في عهود الظلام والتخلف …  ومن ثمة تحقق الأسطورة الحضارية والتاريخية لكيانات الغرب المسيحي عامة؟

ختاما : أود في الختام أن أشير إلى مسألة هامة جدا في قراءتي لرواية الخيميائي لباولو كويلو، في قراءة ذهنية تصورية لشخصياتها وأحداثها في علاقاتنا نحن العرب / المسلمون بالغرب الأوربي قبلا وبعده المنتمي للغرب كلية، بعيدا عن النقد الأدبي المعهود في القراءات النقدية الأدبية الثقافية، إني لم أدرج ولم أعرج على مقولات بذاتها ما يتصل بما حدث به الكاتب شخصياته في هذه الرواية، فقد تركت للقارئ أن يطلع على ما جاء في متن من قول وكلام وتفاعل من خلال شخصياتها المتضمنة، حيث كانت مقاربتي في هذه القراءة من خلال دلالات الأحداث ومجرياتها، وكذا الشخصيات في متن الرواية بحسب انتماءاتها ومشاربها وتقاطعاتها وخلفياتها التاريخية والحضارية، في علاقات الشخصيات بذاتها بما لها وما عليها، بما كان لها وما أصبحت عليه، منها من تخلى عن الريادة الحضارية واستسلم للقدرية الرجعية والتخلفية، تاريخا وحضارة، وأخرى بما كانت تتطلع إليه وتتوخى الحصول عليه، قبل أن كانت في سبات عميق وتخلف حضاري وظلامية قروسطوية، فاستثمرت على أرضها مدخرات وكنوز اكتشفت على جزء من جغرافيتها / الأندلس لتتحول إلى قوى رائدة تسير قدما وتحدث القطائع والطفرات التاريخية والحضارية، وتسود العالم عبر قوى رساميلها المادية والمعنوية على اختلاف مستوياتها، العلمية، الصناعية، التكنولوجية، الفكرية، الثقافية، الفلسفية، الإستراتيجية، المالية، والعسكرية، لنتساءل من جديد بلغة ما أطلعتنا عليه لغة الرواية هذه، أين نحن من ” الإشارات الكونية ” و ” لغة الأحلام ودلالاتها ” بعد أن ذقنا مرارات الهزائم وخيبات الانتكاسات المستمرة على ركح مسارحنا العربية / الإسلامية من الشرق إلى الغرب؟

وفي الأخير يمكننا طرح السؤال التالي: هل يمكن اعتبار رواية ” الخيميائي ” للكاتب والروائي العالمي الكبير الذائع الصيت باولو كويلو رؤية استشراقية في قالب روائي ضمن الدراسات الاستشراقية الغربية التي تناولت العالم العربي / الإسلامي أنثروبولوجيا وثقافيا وإثنيا وحضاريا ؟ والسؤال يدعونا إلى فتح أبواب القراءة من جديد للرواية وعلاقاتها بواقعنا التاريخي والحضاري قديما وحديثا، خاصة ونحن لا زلنا نتجرع مرارة الانكسارات والإشكاليات المتعددة والمزمنة في جوانب عديدة تخص عالمنا العربي / الإسلامي منذ سقوطنا المدوي من أعلى الهرم الحضاري البشري، إلى يومنا هذا، وإن كانت الرواية قد عرفت انتشارا واسعا بترجمتها إلى عشرات اللغات وبالملايين من مبيعاتها، وأنها تتضمن افتراضا لمضمون سؤالنا الأخير، حيث أنها ستعمل على تغذية الأشكال والصور النمطية الدونية والتحقيرية والأكليشيهات اللصيقة بالكيانات العربية / الإسلامية ذات الدلالات السلبية في الكثير والعديد من الكتابات وتداولات ومواد وسائل الإعلام الغربية ومراكز بحوثهم ودراساتهم ومؤسساتهم على اختلافها تخصصاتها تسهم في التغذية الاسترجاعية لمخيالهم الثقافي والسياسي والفكري والإعلامي والحضاري، التي تتناول كياناتنا العربية / الإسلامية بشيء من الدونية وأحكام القيمة، ولما لا والرياح الشرقية لا زالت تقض مضاجعهم وتغذي خوفهم الدائم على افتراض غزوهم أو إخضاعهم من جديد كما جاء في متن الرواية.

 ___________

*عبد المجيد بن شاوية/كاتب مغربي/مهتم بالقضايا الفكرية والثقافية/باحث في الشؤون المغاربية/فاعل جمعوي.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

عبد المجيد بن شاوية

كاتب مغربي، مهتم بالقضايا الفكرية والثقافية وباحث في الشؤون المغاربية. صاحب مجموعة مقالات بجرائد ورقية إليكترونية، مجلات، وصاحب مدونة " أصداء الحكمة".

مقالات ذات صلة