اجتماعالتنويري

فوضى الفتاوى وعلاجها

إن ارتياد الجامعات الإسلامية والحصول منها على شهادات نجاح وتخرج لا يعني أبدا القيام بالافتاء في مرحلة متقدمة جدا، فالافتاء ليس عملية بسيطة تقوم على مجرد إبداء رأي في مسألة شرعية، بل هو مسؤولية عظيمة تترتب عنها آثار مهمة تتعلق بالحلال والحرام وغيرها من الأحكام الشرعية، ولاشك أن إصدار الفتوى يكون عند غياب حكم في أي مسألة فقهية بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ونظرا لأهميتها، فإن أي تسرع فيها أو صدورها من غير أهلها قد يتسبب في فوضى وتداعيات خطيرة ما يستدعي ضرورة علاجها. 

الفتوى سلاح فتاك يشتت الأمة ويضرب استقرارها

من موقعنا الإسلامي نؤكد أن الفتوى وبما لها من تبعات على الفرد والمجتمع والدولة، هي سلاح خطير جدا تغير معادلات تصلح وتخرب، تبني وتهدم، تخمد فتنة أو توقظها، لذا جاء التأکيد في القرآن الكريم على عدم الحكم بغير علم في قوله تعالى:” ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا”، وهذا لاشك يعكس حرص الإسلام على التريث قبل التفوه باي كلمة قد تكون نتائجها وخيمة، كما أخبرنا نبينا الأكرم ( صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ) عن جزاء من يفتي بجهل، فقال:”من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض”، وهذا يعني أن الإسلام عبر تعاليمه شدد على خطورة الفتوى وما قد تتسبب فيه في ضرب معالم الدين وإفساد دلالاته وتشويه صورته، لذلك جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم): “من أفتى الناس بغير علم كان ما يفسده من الدين أكثر مما يصلحه).

ولا شك أن تنظيمات الاسلام السياسي تستغل فوضى الفتاوى لتبدأ في بث سمومها، فهي أدواة مشبوهة بيد أصحاب الفکر الضال الذين يسعون لأجل تحريف الأصول والمباني الإسلامية والتلاعب بالنصوص واللعب  بالمتشابهات والبحث في روايات ضعيفة مهجورة والاستناد عليها لبناء حجتهم الهشة أساسا من أجل الافتاء بما لايرضي الله ويتناقض مع النهج الاعتدالي التسامحي للإسلام، ومحاولة تشتيت الأمة وضرب استقرارها.  

ضرورة ضبط الفتاوى عبر لجنة علمائية للإفتاء

لا يمكن معالجة فوضى الفتاوى التي تصدر في كل وقت وفي كل مكان دون ضابط لها، إلا باتفاق علماء الأمة على ضرورة تأسيس لجنة علمائية تنتقي خيرة العلماء الثقاة المعروف عنهم الاعتدال والوسطية ولااختلاف على مؤهلاتهم وكفاءتهم العالية ودرايتهم الكافية وحسن اطلاعهم على مختلف المجالات والإحاطة علما بالظروف السياسية والاجتماعية..وتحديد الأخطار والتهديدات والأعداء، خصوصا حركة الإسلام السياسي لأن خطرهم داخلي ويضرب الأمة في عمقها الإسلامي  ومكوناتها، لذلك من الضروري مواجهة هذه الحركات بإغلاق باب الإفتاء في وجههم، حيث تقع هذه المهمة حصرا على لجنة الإفتاء التي تكون لها صلاحية إصدار الفتاوى وفقا لما تقتضيه المصلحة، ومن المهم أن تكون في كل دولة هذه لجنة رسمية توكل لها مهمة الإفتاء ورصد كل الفتاوى التي تصدر خارجها لوضع حد لها، بل ينبغي تحميلهم المسؤولية ومعاقبتهم. 

_____________

*امين عام المجلس الإسلامي العربي./ نشرت في صحيفة مكة.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.