سأحكي عن خلود الطين في غرب المدى الأسمر
عن السونغاي..
عن أقمار باماكو التي انتظمت
على كف الإمام البر سبحة نور
عن الصحراء
ذرات تنملها خطى الأجداد
تبحر في رسيس الشوق للآثار
لآثار الأحاديث الملاح السمر.لا الأسرار
تنسى نفسها في طي نجواها
تدب نمالها السوداء
تزحف نحو تمبكتو لتنقل للشتاء
الحب والأسفار
تغيب الشمس في غاوة
فيستفتي مجون النهر عما يوقظ
الأعراس في الأطمار./ عبد المنعم حسن
(1)
في فيلمه تمبكتو /شجن الطيور.يقف المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساغو على آثار الأحداث التي عصفت بجوهرة الصحراء 2012 يسائل الفجيعة ويندب تمبكتو الجريحة، تمبكتو التي تبدو كأطلال طروادة. ويطرح السؤال العميق الذي يختصر تراجيديا الموقف لماذا حدث كل ذلك لتمبكتو؟ هذه المدينة الخالدة عند أقدام النهر والتي تستعصي على النسيان ويندر أن يمر بها عابر إلا وأخذته الدهشة، إذ لها سطوة سحرية على القلوب، ما تفيأ ظلالها أحد أو جلس عند نهرها الأخضر إلا وأحبها .وشعر بعبق التاريخ والأعاجيب والأساطير يلامس روحه. على مر العصور فتنت الرحالة كاييه ومونجو بارك. مدينة في وسط الصحراء يتلفعها الصمت، ليست مثل اورشليم ولا أثينا ولا اطلانتيس ولا فينيسيا. متواضعة المعالم ومع ذلك فهي ساحرة ببيوتها وطراز معمار مساجدها وجامعها الكبير الذي بناه المهندس والشاعر الأندلسي أبو إسحاق إبراهيم الساحيلي المعروف باسم الطويجن. تمبكتو موئل الأساطير والأعاجيب. لذالك ليس غريبا أن يندهش أحد الرحالة عندما رآها بعد عناء سفر و يصرخ : إنها تمبكتو.إنها المتوجة في الأفق بجلال ملكة.إنها مدينة الخيال “.
سحر تمبكتو بلغ كل أصقاع الدنيا؛ واختلجت له قلوب الشعراء والملوك؛ تمبكتو فسيفساء التاريخ والجغرافيا والحضارات والأعراق قد انتسجت في نسيج واحد وقصة واحدة، تحكي مواجع الصحراء وتحولات النهر وحكاية تمبكتو الضائعة في أبجديات ضائعة. تمبكتو أخت اوروك وسمرقند وفينيسياوكل المدن الخالدة جوهرة الصحراء المطلة على النهر والتي وفد إليها من الشرق والغرب وافدون كثر وعاشوا فيها أهنأ عيش أيام كانت تهب الذهب الخالص للعالم. تمبكتو التي امتزجت فيها الأعراق وانصهرت فتلاقت دماء العرب والتماشق والسونغاي والبمباره لتكوِّن الثراء والتنوّع والأساطير العجيبة.
تكتسي هذه المدينة رمزية كبيرة ببعدها التاريخي والأسطوري والعلمي الحضاري وتميز موقعها الجغرافي واحتوائها على إرث ثقافي عالمي ضخم، إذ تحتوي على آلاف المخطوطات والتي لا يزال البحث العلمي لم يكشف بعد كل مكنوناتها وما تحويه من معارف وعلوم.
يقدِّم المخرج الموريتاني فيلمه الذي أراد ان يكون التفاتة نحو افريقيا والضمير الإنس أجل إنقاذ مدينة. سردية تمبكتو كما يصورها سيساغو هي سردية الخراب والدعوة لإحياء التاريخ المجيد للمدينة التي كانت مركز إشعاع ووطنا لكل الأمم والهويات والثقافات. وسيساغو بفيلمه يقدم سينما صعبه في بلد ” موريتانيا ” لا تستهوي أهله السينما ولا يأبه لها، يفتقر لصالات ودور للسينما وليست فيه معاهد متخصصة بصناعة السينما ولا ينتج السينما..وهو بذلك يواجه صعوبات وتحديات كثيرة، وإضافة على ذلك يطرح فيلمه ويعالج قضية هامة وهي حرب الساحل وقضية التشدُّد الديني والتنظيمات الإسلامية .ويحاول أن يبرز أن هذا الخطاب ليس هو الإسلام السمح الناصع الذي عرفته تمبكتو أيام عزها، وما يطرحه في هذه القضية يتحلل إلى مستويات عديدة تتجلى في ظلالها مفاهيم الإسلام والعصر والإسلام والآخر. الدولة والهوية والأرض.
شاهدت فيلم تمبكتو على اليوتيوب ثلاث مرات واستمتعت كثيرا رغم أن عندي مآخذ كثيرة على الفيلم..إلا أنني مع ذلك قد أعجبت به كثيرا. ليس مهما أن نختلف مع المخرج في رؤيته وسرديته لما يجري على صعيد الواقع، فالسينما هي مزيج من الواقع والخيال وليس بالضرورة من الشرط أن تنقل لنا الواقع كما هو وألا تحرّفه، ليس ذلك مطلبا. الفن يقوم على الإبداع ومحاكاة نقل الواقع لا يمكن أن تنفصل عن الخيال. الرؤية التي يقدِّمها الفيلم ورسالته لا ينبغي أن تكون عائقا في عدم تقبل الفيلم فنيا. وكذلك الايديولوجيا، ما يهم هو الأشياء التي راهن عليها الفيلم وسعى لأن يضعها أمام المشاهد. والأهم من كل هذا أنه موريتاني محفز ويمكن أن يستثمر في صناعة سينما تقدِّم قضايا موريتانيا وتستنهض أجيال السينمائيين الشباب الموريتانيين ليقدِّموا الثقافة والتاريخ والروح الموريتانيَّة للعالم.
(2)
يبدأ فيلم تمبكتو بمشهد مثير ولقطة شاعرية تصوّر مجموعة من مقاتلي الجماعة الإسلامية وهم يطاردون غزالا ويطلقون عليه النار، والغزال هنا يكتسي رمزية معبّرة فهو يرمز لروح الصحراء وللجمال والحرية والبرية النقية البكر التي وهبها الله الخالق العظيم لسعادة الإنسان، تصور اللقطة مدى شهوة الدم والرغبة في قتل كل شيء لدى هؤلاء المقاتلين، وهي رسالة تعمَّد المخرج أن يجعلها فكرة محورية في فيلمه، وكأنَّه يذكِّرنا بمقولة نيتشة “ويل لمن تسوِّل له نفسه أن يستولي على الصحراء ” ذلك أنه لا يمكن أن نعبث أو نطمس أو نشوِّه هذا الجمال، لأنه من صنع الله الذي أتقن كل شيء.
يقوم الفيلم على مجموعة من اللقطات والمشاهد تنتظم كلها في سرديَّة القهر والقتل والإيديولوجيا المغلقة على نفسها.
يجوب بنا المخرج شوارع تمبكتو فنلتحف ترابها المغبر ونمر بين بيوتها الطينية ومساكنها العتيقة، ونرى المتشددين الإسلاميين يحملون مكبرات الصوت وينادون بشعاراتهم ويقيمون الدوريات الليلية ويمنعون الموسيقى والسجائر ولعب الكرة ويحثّون على ارتداء الحجاب.لا ينتظم الفيلم في بنية حكائية واحدة وإنما في لقطات ومشاهد تعكس ما آل اليه حال تمبكتو، وهو ما جعل كأن ليس في الفيلم بطلا، وإن كان كيدان يلعب الدور الكبير في الفيلم.
على ضفة النهر يقدم لنا الفيلم نمطا من الحياة التمبكتية فنرى مجموعة من البدو الطوارق والزنوج ممثلتين في أسرة الطارقي كيدان والزنجي الصياد آمادو. يأخذنا المخرج إلى مضارب خيام كيدان وأسرته المكونة من كيدان وزوجته ساتيما وابنته تويا وابنه بالتبني إيسان والتي تعتمد في معاشها على تربية الأبقار فنرى الجبال والرمال ونسمع صفير الريح، كل ذلك في تصوير بارع.
وذات مرة يذهب إيسان في أثر القطيع وتشرّد البقرة جيباسو عند النهر وتدخل في شباك الصياد آمادو وتقطعه، فيغضب آمادو ويقتلها، ويعدو إيسان يصرخ ويبكي، ومن هنا تبدأ اللحظة السردية في الانفجار وتبدأ الأحداث الدرامية تتوالى وكأن المخرج أراد بهذا المشهد أن يوثق للأسباب العميقة في صراع أهل النهر، والتي هي في نظرنا ليست دينية وإن غفل الفيلم عن ذلك، لأن منشأ الصراع في تمبكتو كما هو معروف ايديولوجي تحركه منازع الهوية وتتجاذبه هويات أهل تمبكتو من العرب والتماشق والسونغاي والبمبارة.
عندما يصل الطفل إيسان مضارب الخيام يهرع إليه كيدان مستفسرا عما حدث، فيخبره أن الصياد آمادو قتل بقرته جيباسو، وعندئذ يستشيط كيدان غضبا ويأخذ مسدسه ويمضي إلى النهر، وعندما يصله يجد آمادو امامه فيصرخ في وجهه :يا آمادو هل النهر نهرك؟ أم نهر أبيك؟ وهنا نصغي لصوت الهوية يبرز بحدَّة، وهي رسالة ذكية من المخرج اكتفى بها دون الدخول في تاريخ صراع أهل النهر، وقد جعل بعض الأحداث تنبني عليها، واعتقد أن ما دار بين الصياد آمادو وكيدان هو لب الصراع، وهو الذي أدى إلى الأحداث الفاجعة التي عاشتها تمبكتو في 2012، في لحظة غضب يدخلان في عراك ويمسك الصياد آمادو كيدان ويصرعه في النهر، وفجأة ينطلق رصاص مسدس كيدان ويردي الصياد آمادو في مشهد رائع أبدع فيه سيساغو يقوم كيدان وهو يترنح ويصور المخرج النهر عند الغروب وتبدو اللقطة شاعرية حزينة وجميلة، لقطة جميلة ومؤثرة ولا يدرك كل قوتها إلا من يعرف تمبكتو، لايعرفها إلا الذي رأى تمبكتو رأي العين
في مشهد آخر ينقلنا المخرج إلى تمبكتو فتبدو مدينة محاصرة من قبل متشددين؛ نرى جنودا يسيرون دورية في الليل وهم يتنصتون على الجدران، ثم يداهمون منزلا بعد أن سمعوا موسيقى بداخله، فيقتحمونه ثم يعودون أدراجهم بحجة أنها ليست موسيقى فاحشة، وهنا يهزأ المخرج بهؤلاء المتشددين فالأغنية التي استمعوا إليها والتي أمرهم قائدهم أن يخلوا أهلها لأنها أغنية في مدح الرسول صلي الله عليه وسلم، هي أغنية للفنانة الموريتانية الشهيرة المرحومة ديمي بنت آبه وهي:
قل للمليحة ذات الخمار الأسود
ماذا فعلت براهب متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه
حتى وقفت له بباب المسجد
وهنا تكمن مفارقة الوعي لدي هؤلاء المتشددين فكل ما يتصل بالهوية العربية هو من الدين وينبغي أن يترك على حاله وهي حقيقة واقعية لدى التمبكتيين، وهي وإن كانت من ناحية تبيِّن مدى الجهل والتناقض، فإنها مع ذلك تبرز نفوذ الهوية العربية ومدى قوتها في مجتمع تمبكتو وهو أمر واقعي تأسَّس عليه الفهم الديني التمبكتي، ويبرز لنا المخرج من زاوية أخرى تناقضا صارخا في تحريم الموسيقى، إذ يمسك هؤلاء المتشددون زنوجا في الليل وهم يغنون ويقتادونهم ويقيمون عليهم الجلد.
في مشهد آخر نرى تناقض هؤلاء الإسلاميين وهو تناقض يبرز إلى حد كبير مدى العذاب النفسي الذي يعيشونه والقلق الذي يسيطر عليهم. نرى الجهادي عبد الكريم يدخن في الخلاء مستترا لا يريد أن يراه احد. في الوقت الذي يقول له صاحبه الطارقي بأنه يعرف أنه يدخن ويعرف أنه واقع في غرام ساتيما زوجة كيدان، وأن نظراته وما في قلبه كل ذلك، علمت به كل الدنيا.
في مشهدٍ آخر، نرى المجاهدين يدخلون في حوار مع بائعة سمك ويحثونها على ارتداء القفازات، وفي الوقت الذي يحرمون فيه لعب الكرة نرى مجموعة منهم تتناقش في أخبار ريال مدريد وبرصا وزين الدين زيدان وهو ما يعكس الوجه الاخر لهؤلاء الإسلاميين ويبرز مدى التناقض.
في مشهدٍ آخر، نرى مجموعة من الفتيان يلعبون الكرة في مساء باهت ويقتحم عليهم الملعب حمار، وكأن الطبيعة تشاطرهم في نوع من التأييد الضمني المبطَّن بالمفارقة البديعة، في الوقت الذي يصل أحد الجهاديين على دراجة ويطوف بهم وكأنه يحرسهم ويراقبهم.
في مشهدٍ آخر، نراهم يجلدون امرأة اربعين جلدة على الغناء ونراهم ينزلون عقوبة الرجم بشاب وفتاة، ونرى عبد الكريم يمارس اليوغا وصفية تجبر على الزواج من أبي جعفر دون رضاها.
مشاهد كثيرة تتوالى تباعًا وكلها تفضح التناقض وتبيِّن عدم التوازن النفسي والعذاب الذي يعانية هؤلاء الإسلاميين وهم يصدرون تعاليمهم بمنع كل شيء من سجائر وموسيقى وكرة وسراويل طويلة.
في الفيلم رموز لست أدري ما علاقتها بالفيلم؟ هل هي لإحلال العالمية على الفيلم أم أن لها دلالة ترمز لها، في أحد المشاهد نرى العجوز زابو القادمة من هايتي، عندها ديك، تجر ثوبها وتقف مرفرفة بذراعيها في وجه المجاهدين وهي تضحك ضحكات هيستيرية!
تتوالى أحداث الفيلم دون تعقيدات، وكأن المخرج أراد أن يكون فيلمه ومضات ولقطات تكتفي بنقل الأحاسيس تكتفي ببعد الشاعرية وكأن سيساغو أراد أن يكون تمبكتو: شجن الطيور.مرثية لتمبكتو.
في آخر الفيلم يأخذنا المخرج إلى محاكمة كيدان، فنراه وقد حكم عليه بالإعدام ونقل إلى ساحته، ونرى الجموع من حوله وفي لحظة مؤثرة يذهب أحد الزنوج جار كيدان إلى زوجته ليحضرها لتودع زوجها، وعندما يأتي تقبل ساتيما نحو زوجها وهي تجري فيطلق الجهاديون عليها النار ويموت الزوجان وتتدافع الجموع وتتفرق ويعلو الصراخ ويهرب صاحب الدراجة، ونرى الطير محلقا والغزال يجري، والبنت تويا هائمة على وجهها تجري في الصحراء وإيسان الصغير يجري وصاحب الدراجة يجري وجيش عرمرم يطارده ويطلق عليه النار، في مشهد قوي يختم المبدع عبد الرحمن سيساغو، سردية تمبكتو بالفجيعة والهروب نحو الصحراء، نحو المجهول..
يقدم الفيلم رؤيته للعالم في صورة قاتمة تبعث على التساؤل وتدعو للتفكير في كل المآسي والفظائع التي حدثت لتمبكتو،المدينة القابعة في الصحراء. ويطرح أسئلة كثيرة حول التعصب الديني وقيم الدولة ومفهوم الإسلام والحرية كمعطي جوهري.سيساغو الموريتاني ابن كيفة الذي تلقى معظم تعليمه في مالي الشقيقة تتنازعه انتماءات ثقافية عديدة عربية إسلامية وإفريقية غربية. وهو بذلك يقف على مفترق طرق من كل هذه الثقافات لذالك تبدو الهوية في صلب كل أعمال سيساغو سؤالا جوهريا يطرحه سيساغو في فيلمه في انتظار السعادة وتمبكتو فنرى الفنانة في الفيلم تذكّرنا وتقول : تمبكتو تسع الجميع وهي مقولة تعكس مدى رسالة الفيلم الذي لايرى الهوية إلا تسامحا وانفتاحا وتشبثا بالأرض وسعيا لإصلاحها وهو ما يؤكد عليه سيساغو في حواراته..الخراب الذي عرفته تمبكتو لم يكن في رأيي نتجة لعمل الإسلاميين وإنما كان نتجة للكوارث التي لحقت هذا البلد بسبب الايديولوجيا التي مارست الإقصاء والتهميش والقتل والتشريد والتجويع وكل أنواع التدمير. لذلك من الطبيعي أن يحدث ماحدث وإن كان الذين فعلوا ذلك يتلبسون بالدين، الذين حملوا المعاول وهدموا الأضرحة وحرقوا المخطوطات وأشاعوا الرعب في الناس هؤلاء معظمهم عرب وطوارق وهم يعانون من الحيف تاريخيا وهذا شيء معروف، ويكاد يكون الحال لهؤلاء مشابه لآخرين في دول افريقية أخرى,
الإسلاميون الذين يقدمهم الفيلم ويصورهم بصورة نمطية فيها الكثير من النماذج التي تقدمها هوليود عن الإسلاميين.ليسوا هم كل الإسلاميين، فليس كل الإسلاميين جامدين ومتطرفين وقتلة. هناك إسلاميون مثقفون ومسؤولون ويحملون مشاريع كبيرة لبناء دولهم وهم منفتحون ويؤمنون بحق المواطنة للجميع ويستطيعون أن يكونوا شركاء في التنمية والرقي ببلدانهم
قد نختلف معهم ولكن لايمكن أن نجعل كل الخسارات والويلات بسببهم، ومع ذلك فإن الصورة التي يقدمها الفيلم عن هؤلاء المقاتلين الإسلاميين فيها بعض الصدق، إذ ليسوا كلهم متعلمين وقد يكون ذلك سببًا في التعصّب، كما أن معظمهم عاش المعاناة عبر تاريخ نضاله السياسي وهو ما قد يفسِّر نزعة الإنتقام عندهم، ومع ذلك لم يسلط الفيلم الضوء على الصراع التاريخي المرير حول تمبكتو والذي هو بالأساس أيديولوجي. من زاوية أخرى لم يتطرق الفيلم لحرق المخطوطات وهي حادثة لها دلالة كبيرة وتبين إلى حد كبير مدى الخراب الذي لحق هذه المدينة، والذي يشبه ما حدث لبغداد على يد هولاكو.
يقدم سيساغو صورة شاعرية لمدينة مجروحة. ينقل لنا تمبكتو كحلم مجهض وسوناتا لأشباح مدينة، وأناشيد من الحنين إلى السلام لإنقاذ هذه المدينة العريقة وبين حقيقة الواقع وتجليات الخيال. يصور سيساغو تمبكتو الأسطورة، ويبدع في نقل أجواء المكان/ الصحراء من رياح وشجر ورمل، وخيام.
تمبكتو: شجن الطيور هكذا أراد سيساغو أن يصور ويسمعنا صوت نشيد مقموع لمدينة ترفرف في التاريخ والجغرافيا، سيساغو المبدع أراد ان ينقل رسالة سامية للعالم المتحضر والمشغول بالمركزية الثقافية الغربية، ليقول للعالم أن تمبكتو جوهرة الصحراء وموطن الإشعاع
الحضاري الكبير. تستحق السينما وتستحق الحياة وقد أبدع سيساغو في فيلمه إبداعا منقطع النظير.
(3)
وأنا أشاهد الفيلم تذكرت شوارع تمبكتو المغبرة ومبانيها العجيبة والتي للأسف لم تمهلني الأقدار أن أزورمعالمها التاريخية وأقف عليها كلها.إذ شاء ت مشيئة الله العلي القدير في رحلتي إلى تمبكتو أن أتعرض لحادث أجبرني على الرجوع إلى أرض الوطن ولم أمكث في تمبكتو إلا ليلة وبعض يوم.
اخيرا أقول إن الفيلم حرك في نفسي مشاعر من الحب والتعاطف تجاه محطتي تمبكتو التي خسرت فيها أحلامي. وأدعو الدولة المالية أن تهتم بهذه المدينة وتسعى للمحافظة على تراثها العالمي، وأن تبني مدينة أخرى للسكان وتدع المعالم القديمة، وتسعى لتحديث المدينة أكثر بإنشاء فنادق ومركبات سياحية عصرية وتعمل مع اليونسكو على رقمنة المخطوطات التمبكتية الهائلة وجعلها على الانترنت ليستفيد الباحثون من هذا التراث العالمي الزاخر.
(4)
بطاقة عن الفيلم :
تمكتو: شجن الطيور
فيلم موريتاني من إخراج عبد الرحمن سيساغو 2014
الكاتب: عبد الرحمن سيساغو
مدة الفيلم ساعة و35دقيقة.
بطولة :عادل جعفري
هشام اليعقوبي
تولو كيكي
فاتو ماتا دياورا
التصوير :سفيان الفاني
تركيب :نادية بن رشيد
الشركة المنتجة :les films du worso
المنتج :اقواس فيلم
التوزيع :vertigo media
لغات الفيلم الفرنسية.العربية (الحسانية ).التماشق.البمبارية
مكان التصوير. ولاته موريتانيا.
الجوائز: جائزة سيزار لأفضل فيلم.
الجائزة الكبرى لجمعية نقاد السينما البلجيكية وقد رشح الفيلم للأوسكار.
___________
*حمود ولد سليمان/ غيم الصحراء.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.