أدبالتنويريسلايدر

“اللغة والأدب، تحدّيات الوجود والهويَّة” محاضرة للدكتور خالد عزب

نَظَّم مختبر السرديات والخطابات الثقافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، محاضرة علمية ألقاها الأكاديمي المصري خالد عزب في موضوع: “اللغة والأدب، تحديات الوجود والهوية”، يوم الاثنين 22 نوفمبر 2021 ابتداءً من الساعة السابعة بتوقيت المغرب (الساعة الثامنة بتوقيت مصر)، عبر تقنية التّناظر المرئي “غوغل مِيت”.

افتتح منسق أشغال المحاضرة إبراهيم أزوغ كلمته بتقديم عام، أبرز فيه بعد كلمة الترحيب بالضيف باسم مختبر السرديات والخطابات الثقافية لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، كون د. خالد عزب وجه من الوجوه الفكرية والثقافية العربية التي أغنت المكتبة العربية بأبحاثها المتعددة الروافد، وخاصة في الجماليات، مؤكدا على أن عزب الذي يشغل منصب مدير المشروعات بمكتبة الإسكندرية، يحمل صفة محاضر من عدد من الجامعات العالمية المرموقة، مثل جامعة القاهرة وجامعة الإمارات العربية المتحدة وميلانو وجامعة أوكسفورد والسوربون، وله من الأعمال المنشورة ما يزيد عن خمسين كتابا بين المشترك والمُنفرد.  كما أشار إلى موضوع المحاضرة من خلال محاوره والملخص الذي قدمه المحاضر للمختبر يجمع بين الجدة في الموضوع في التصور.

وقد استهل د.خالد عزب محاضرته بالإشارة إلى العلاقة الجامعة بين علم الآثار واللغة والأدب، إذ يشير إلى أن الغوص في الزمن يرينا عدة حقائق، من بينها أنه كان في العصر المملوكي بمصر حياة أدبية مفعمة بالحيوية، حيث كان الناس يستمتعون بالأدب في كل مكان: في الشارع والمقهى والمسجد والمدرسة، وذلك وفق أشكال الأدب المتاحة والمتعددة، التي تجمع بين ما هو شعبي وما هو رسمي. كما يشير إلى دور “الحكواتي” (الراوي الشعبي للقصص) في نشر هذه الثقافة وإشاعتها بين الناس، عبر طرقه الخاصة في استمالة المتلقي وتشويقه، منها القصة الممتدة التي يجزئها إلى قصص صغيرة تحكى منها قصة كل ليلة. كما وقف عند مفهوم “أحدوثة”، التي تعني – وفقا لتعبيره – إحداث حديث غير موجود من قبل، وهي قصة تُروى في ليلة واحدة وتقف، عكس القصة الممتدة أو الطويلة.

ويجذب المحاضر انتباهنا إلى فكرة أساسية، وهي أنه كانت هناك ميزة أساسية افتقدها العصر   الحديث، وهي فكرة التأليف الجمعي: حيث شهدت تلك الفترة ازدهار لهذا النوع من التأليف الذي كان شائعا ومتأصلا، إذ إن “ألف ليلة وليلة” الشهيرة، التي كتبت في النسخة البغدادية، كتبت النسخة الأخيرة القاهرية منها في عهد العصر المملوكي. وهذا ما يدعو إلى طرح عدة أسئلة، حول ما إذا كان تاريخ العربي قد كتب فعلا، إذ إن ما كتبه المستشرق “كارل بروكلمان” وبعده “شوقي ضيف” وإصدار”موسوعة كامبريدج” الأخير المتعلق بالأدب العربي، لا يستحضر التأليف الجمعي للعقل العربي للأدب. وهذا ما ينطبق – أيضا – على تاريخ اللغة العربية، التي يرى المحاضر أنه لم يدرس بطريقة كافية وشافية. مما يجعله يعجل بطرح تساؤله حول الحاجة الماسة إلى موسوعة جديدة لتاريخ اللغة العربية والأدب العربي. وفي هذا الصدد، يحيل “خالد عزب” إلى الاستلاب اللغوي والثقافي الذي باتت تعاني منه اللغة العربية، مع رصد أشكال مزاحمة اللغات الأوروبية لها في الحضور والاستعمال اليومي، وأثر ذلك على الأجيال الصاعدة وعلى مصير اللغة والهوية العربية. ومن هذه اللغات: الانجليزية والفرنسية، اللتان ترتبطان بالحضور الكولونيالي لبلديهما في المنطقة.

 ويشدد المحاضر على أن الحل الأنجع لإعادة الاعتبار للغة العربية ككيان لغوي ووعاء ثقافي، يكمن في التركيز على النص وجمالياته، الشيء الذي يخلق علاقة فنية ونفسية متينة بين الأطفال واللغة العربية. كما يطرح فكرة العودة مجددا إلى استخدام الحرف العربي في العمران، لما له من تأثير بصري وجمالي باعث على حضور اللغة العربية الدائم في الذاكرة الحية للأجيال.

وينتقل المحاضر إلى تخصيص القول في اللغة، إذ يعتبر اللغة بمعجمها وتركيبها ودلالاتها هي المرآة التي تعكس مختلف التصورات في ثقافة ما عن هذا الموضوع، إذ إنها يجب أن تبقى لصيقة بتطورات الزمن عبر الاستعمال، حتى تكتسب حيثيات التعبير الواعي بالزمن المواكب لتحولاته وشتى انعطافاته المتعددة. ومن هنا يَعْبُر في كلامه إلى مسألة الشباب واللغة، إذ يرى أن شباب اليوم لا يستصعبون كتابة لغتهم عبر الهواتف المحمولة، مما يطرح تساؤل رؤية  لغة جديدة مستقبلية بديلة للغة العربية، يتم تداولها بين مختلف الأوساط والوسائط وتمتلك أدبها الخاص كالقصة القصيرة جدا، التي بدأت تنتشر مع انتشار الإلكترونيات.

  وتأسيسا على هذا، يذهب د.خالد عزب نحو علم اللغة التاريخي، الذي يعد فرعا من فروع علم اللغة، فعندما يدرس علم اللغة التاريخي مجموعة من اللغات ذات قرابة، فإنه من الممكن معرفة قصة تغير الأصوات والألفاظ والقواعد اللغوية في تلك اللغات المدروسة، مما سهل ظهور علم جغرافيا اللغات، الذي جاء تلبية لاتجاه دراسات اللغات إلى العديد من الزوايا الجديدة. ويشير المحاضر إلى التطبيقات التقنية، ويفصل القول في مدى دعمها للغة العربية، إذ إن اللغة العربية في العصر الرقمي لم تعد لها ضفاف أو حدود جغرافية تمنعها من التغلغل والانتشار، والهجرة صوب دول مثل دول أسيا وأوروبا، إلا أنه في نفس الوقت، كانت سببا لتأثر الأجيال الجديدة باللغات الأجنبية وبثقافتها وبخاصة الإنجليزية، وذلك على حساب حضور اللغة العربية كلغة وثقافة وهوية.

ويقف المحاضر على العلاقة الكامنة بين علم الآثار واللغات وجذورها، إذ يرى أن العلاقة قد ازدادت يوما بعد يوم حتى أفرزت لنا ما يعرف الآن بالحفريات اللغوية، التي تسبر أغوار اللغات القديمة لتقف على التأثيرات وتستخرج العلاقات مع اللغات الحية. وفي هذا الخصوص، يستحضر تأثير اللغة السومرية الغير المباشر على اللغة العربية، الذي حدث بواسطة اللغة الأكادية، واللغة الفارسية المتأثرة باللغتين المذكورتين. كما يستحضر العلاقة بين المصرية القديمة وبين اللغة العربية، محيلا على مشتركات مهمة تشمل أساسا: وجود حرف الحاء وحرف العين، وشيوع المصدر الثلاثي، وغلبة الفعل المعتل الآخر فيهما، وإلحاق الصفة فيهما بالموصوف مع التماثل بينهما جنسا وإفرادا وجمعا…كما يشير، بعد ذلك، إلى عدة مشتركات بين اللغة المصرية القديمة ولغات المنطقة، منها تلك التي تجمعها مع اللغة الأمازيغية. وقد تمخض عن هذا الاهتمام ظهور علم اللغويات الاجتماعية، المهتم بالطرق التي جعلت من اللغة مشيدة للمجتمع وواضعة لطابعه الخاص.

  بعد كل هذا، طرح د.خالد عزب موضوع اللغة الأم، إذ إن القول باللغات السامية – بحسبه – أصبح من الماضي، إذ فقد معناه وحُجّيّة استمراره في ظل تطور علم اللغة التاريخي والحفري والعلوم اللغوية التي تكشف عن المشتركات بين اللغات. كما ينصص على أن هذا الطرح الجديد، يحتاج إلى إقامة معجم يجمع هذه المشتركات.

  ومن هنا، يتساءل المحاضر عن تغير مفهوم التعاون مع اللغة، في ظل تقدم اللغات وتداخلها، إذ يشير في هذا المستوى إلى أهمية المصطلحات، واعتبار كمها مؤشرا على الطفرة العلمية والثقافية والنهوض والتقدم الذي يشمل كل المجالات. ويخص بالذكر – هنا – مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الذي قام بدور ريادي في العقد الثالث والرابع والخامس من القرن العشرين، تمثل في إدخال كلمات جديدة تعبر عن مستجدات التقدم العالمي والعلمي، سواء من خلال الاشتقاق أو من خلال القياس على المستوى الصوتي للغة العربية، الشيء الذي يدل على أن اللغة العربية قادرة على مواكبة روح العصر واستيعاب التغيرات الجديدة، وهذا ما يثبته معجمها التاريخي.

ويختم د.خالد عزب محاضرته الغنية بطرح إشكالات متعددة، همت بالأساس اللغة العربية ورهاناتها ومحددات استمرارها وارتباط وجود الأدب العربي بذلك، وربط وضعها بمستقبل الهوية في المنطقة العربية، وقيامه بتوجيه الدعوة للاهتمام بالنماذج المندثرة من الأدب العربي، كالموشح والموال والزجل، والعمل على إعادة إحيائها، قبل التحدث عن وجود آداب غربية وعن ضرورة الاستفادة منها.

وختم إبراهيم أزوغ منسق المحاضرة، بالإشادة بموسوعية مداخلة د.خالد عزب واصفا إياها بالمحاضرة العابرة للتصورات والمناهج والحقول المعرفية، ثم فتح أمام المتابعين للمحاضرة باب المناقشة.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة