صدر عن سلسلة “ترجمان” في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب المراقبة وحفظ الأمن على الصعيد العالمي: الحدود والأمن والهوية، وهو ترجمة عماد شيحة العربية لكتابGlobal Surveillanceand Policing: Borders, security, identity، الذي حرره إيليا زريق ومارك ب. سالتر.
يضمّ الكتاب دراساتٍ مختارة، وثيقة الصلة بهذا الموضوع، إذ تتناول حفظ أمن الحدود المادية والافتراضية ومراقبتها في زمن تتزايد التهديدات المتخيّلة.
حدود وأمن وهوية
يتألف الكتاب (440 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من أربعة عشر فصلًا. في الفصل الأول، “المراقبة وحفظ الأمن على الصعيد العالمي: الحدود والأمن والهوية – مقدمة”، يقول محررا الكتاب زريق وسالتر إنه على الرغم من الحديث عن العولمة وتلاشي المسافات، “فإن الحدود بأشكالها الجغرافية والمكانية والافتراضية باتت أساسيةً على نحوٍ متزايد لفهم فرص الناس في الحياة”. وإذا كانت الدولة الرأسمالية بالنسبة إلى كارل ماركس قد مارست احتكار وسائل الإنتاج، واحتكرت بالنسبة إلى ماكس فيبر أدوات العنف المنظمة، فإنّ الدولة الحديثة بالنسبة إلى جون توربي هي التي تحتكر وسائل الحركة. وإن كان ثمة توجهٌ نحو عالمٍ بلا حدود، فقد نجحت الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001 في وأد آمال كهذه.
بحسبهما، صورة الحدود المضبوطة تفسح في المجال لبناء فضاء وطني هادئ وآمن ومحلي، “ففي السياسات الدينامية الواسعة النطاق داخليًّا وخارجيًّا، قد يتعمم القلق من الآخر الداخلي في حفظ الأمن، باعتبار أنّ الجيش والحدود الدولية تكبح الآخر الخارجي. ما دامت هاتان القوتان تتشابكان مع التهديدات، كما يفترض بيغو، فسنرى أن قوات الجيش والشرطة تنسّق من أجل تخفيض مستوى قبول الآخر. يعدّ هذا من وجهة نظرنا إعادة تشكيلٍ للمعنى الوطني للفضاء الآمن وجزءًا حيويًا من الإقليمية الوطنية. فداخل عالم ما بعد 11/ 9 المعولم نجد أن الثورات في ميادين النقل والتكنولوجيا وحفظ الأمن جعلت الحدودَ موقعًا أساسيًا للدراسة”.
قضايا مفهومية
في الفصل الثاني، “بعض القضايا المفهومية في دراسة الحدود والمراقبة”، يرى غاري ت. ماركس أن من المغري أن نرى “أنموذجًا خطيًّا يفضي بالمعارف العلمية والتكنولوجية إلى اختراق مزيدٍ من الحدود التي بدت للأجيال السابقة عصيةً على الاجتياز وغير قابلةٍ للتغيّر. وعلى الرغم من ذلك، فنحن بالكاد في عصر نهاية الحدود؛ إذ لا يعني دفع الحدود والتخوم إلى الخلف زوالها، نظرًا إلى فعاليتها وما تلاقيه من دعمٍ ثقافيٍّ واجتماعي وغنى وتعقيد كونٍ شديد الحساسية. من المعقول بالقدر عينه الإشارة إلى اكتشاف وابتكار حدودٍ جديدةٍ ودفع الحدود القديمة أبعد نحو الخلف (أو دفعها إلى الأمام) في مسارٍ متواصل. نشاهد استمراريةً في تقدم تأكّل الحدود، وفي خلق حدودٍ جديدةٍ أيضًا. فالمضمون هو الذي يتغيّر وليس الشكل”.
يضيف: “تخلق التطورات، في ميادين الاتصالات والمراقبة، أشكالًا جديدةً وتدمّر وتعيد ترتيب وتبدّل حدودًا فيزيائيةً وجغرافيةً ومكانيةً وقضائيةً وزمنيةً عيّنت تقليديًا كرامة الأفراد والمجموعات وصانتها”.
حدود دولية واندماج اجتماعي
في الفصل الثالث، “على عتبة الأمن: نظريةٌ للحدود الدولية”، يضع مارك ب. سالتر موضع التساؤل أسس نظريةٍ عامةٍ للحدود، ويمكن تصنيف هذه الأسس من حيث النفوذية وفقًا لقدرة الدولة ومقاصدها وطابع الشخص المتنقل. بدلًا من استخدام النظريات الكلية الواسعة النطاق للهجرة أو النزوح، ينشأ هذا الأنموذج من اهتمامٍ بالسياسة الجزئية لضبط الحدود، يوضّحها تركيزٌ ذو طابعٍ إفرادي.
يقول: “لنبدأ من موقع المطار، والأنموذج الأنثروبولوجي لطقس العبور التي تفصّل العبور إلى طقوس العتبة وما قبلها وما بعدها المطبق على الحدود الحديثة المشكلة بالعمارة وعقدة الاعتراف والتوثيق المفرط. فالحدود المشتركة بين سياسة الدولة ونصوص أمن الحدود وممارسة الدولة لحفظ الأمن أو قدرتها على ذلك لم تخضع خضوعًا كافيًا للنظريات والدراسات. وقد تنامى بروز هذه المسائل على نحوٍ متسارعٍ منذ 11/ 9. إني أرى أنه لم يحدث تغيّر بنيويٌّ عميقٌ في عملية عبور الحدود منذ الهجمات الإرهابية. غير أنّ مقدار الاهتمام العام والتدقيق في السياسة قد تزايدا”.
في الفصل الرابع، “الحدود والهجرة والاندماج الاقتصادي: نحو اقتصادٍ سياسي جديدٍ للحدود”، تقول هيلين بيلران إن قضايا الحدود المعاصرة في العالم الصناعي برزت في سياق العولمة وتنامي تدفقات الهجرة، وتفاعلات الكراهية للأجانب والاستياء الشعبي من المؤسسات السياسية، “ومن الأهمية بمكانٍ في هذا السياق التحري الدقيق عن المخاطر المتعلقة بالحدود. غالبًا ما تركّز دراسات الحدود على بُعدٍ واحدٍ فقط من أبعاد هذه القضية، إمّا التفاعلات الاجتماعية، وإمّا السلطة السياسية للدولة، وإمّا المكاسب الاقتصادية للعمل التجاري”.
وترى بيلران أن شتى هذه القضايا تتعلق بسلسلةٍ من الوكالات، “لكنّها تتعلق أيضًا بسلسلةٍ من سياقات علاقات السلطة التي ينبغي تفحصها بعناية. ففي أميركا الشمالية وفي أوروبا، وبفضل قوة النيوليبرالية، تأثّرت قضايا الحدود بشدةٍ بقدرة العمل التجاري على خلق فضاءٍ تنظيمي نوعيٍّ يتعارض في كثيرٍ من الأحيان مع فضاء تلك الدول، أو ربما مع فضاء الجماعات. وفي هذا السياق، يعدّ الجانب التقييدي للحدود جزءًا واحدًا من المشكلة فقط حيث إنّ القضايا الأخرى هي فتح الحدود وتشكيل فضاءٍ إقليميٍّ وفقًا لأولويات العمل التجاري”.
الهوية والبيومتريات الآمنة
في الفصل الخامس، “الحدود في كلّ مكان: بطاقات الهوية الشخصية والمراقبة والآخر”، يوجز ديفيد ليون الطرائق التي تمثّل فيها الهوية الشخصية المقترحة قفزةً نوعيَة مهمّة في سياقات تحديد الهوية علميًا، كما أنّه يتفحص تفحصًا نقديًّا قضايا عدة. إحداها أنواع القصور الذي يعتري أنظمة كهذه، لا سيما اعتمادها على تكنولوجيات بيومترية مُريبةٍ. والأخرى قضية التمدّد الوظيفي التي يُوصى فيها باستخدامات حديثة للأنظمة التقنيّة الراهنة تضاف إلى المجموعة الأصيلة من الوظائف. أمّا القضية الثالثة، فهي معاينة تجارب بلدانٍ أخرى لديها بطاقاتٌ أو تنتجها – هونغ كونغ، ماليزيا، اليابان، الصين – إلى جانب بلدانٍ لا يزال عليها اتخاذ قرارات واضحةٍ بشأن أنظمة بطاقة الهوية الشخصية الوطنية، أو مقاومتها بشدةٍ – مثل أستراليا وكندا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة – فالأوضاع السياسية والثقافية المتباينة تعني أنّ لكلّ أمةٍ أسبابها المختلفة لإنشاء بطاقات الهوية الشخصية، وهي أسبابٌ تتصل بمن يُعتبر آخر لأهداف ضبط الهجرة”.
في الفصل السادس، “الحدود والأجساد والبيومترية: نحو إدارة الهوية”، يقول بنيامين ج. مولر إن مدافعين عن البيومترية أشاروا إلى أنّ استراتيجيات كهذه تحمل إشكالية، مبيّنين الدور المركزي للضرر الفعلي في معظم تصورات هوليوود عن البيومترية، “وكما أقرّت وزيرة الهجرة الأسترالية أماندا فانستون، لا أعتقد أنني سمعت يومًا عن فيلمٍ يُظهِر أين حمت البيومترية فعليًا الناس من اضطهادٍ في غير محله. فغالبًا ما تتضمّن إساءة استخدام البيومترية في الأفلام ضررًا فعليًا، كما هي الحال في شخصية الممثل توم كروز في فيلم ’تقرير الأقلية‘، الذي يُكرَه على حمل مقلة عينه في غلافٍ بلاستيك بعد إجراءٍ طبي سري فاشل”.
وفي نظر مولر، حين يكون الجسد هو كلمة السر، يكون ملحقه، العين هنا، مطلوبًا للتفويض. إن الضرر الجسدي والصحة والوصم تُستبعد على وجه السرعة بوصفها أقلّ من تحفظاتٍ جانبيةٍ بالنسبة إلى البيومترية، “ويمكننا أن نتأمّل إلى أيّ مدى يدفع هذا التوجه السياسة المقاومة لهذه الفضاءات المذمومة، حين تصبح المقاومة عديمة الجدوى في فضاء مجموعة البيانات الشديدة التقييد”.
توسع نطاق المراقبة
في الفصل السابع، “توسيع نطاق المراقبة: ربط أنظمة المعلومات البيومترية بالتعاون في مجال الشرطة على الصعيد الدولي”، توافق نانسي لويس على أنّ توجهات تطبيق إنفاذ القانون الحالية والمستقبلية تشير إلى أنّ الجسد واقعٌ تحت الحصار، “ففي الحقيقة، إنّ الجمع المتزايد للمعلومات البيومترية واستخدامها مُصمَمٌ من أجل الأجيال المستقبلية من نُظم المعلومات. فالتمدّد التدرّجي للمراقبة أمرٌ واقعي، لأنّ تكنولوجيا المراقبة تصبح أقلّ تعقيدًا وأخفض كلفةً، وهو يواصل تغلغله في المجتمع. ويبدو أنّ عدم وجود اتفاقٍ بين مختلف الأجهزة الوطنية على مؤشرٍ بيومتريّ قياسي لن يكون حجر عثرة؛ إذ يتنبأ بعض العاملين في ميدان إنفاذ القانون بأنّنا سنمتلك بيئة بيومترية متنوعة وسننشئ وكالة لتكنولوجيا المعلومات وإدارتها تعمل ضمن هذه البيئة”.
تضيف لويس: “لا يزال علينا النظر في ما إذا كان تزايد استخدام البيومترية المتبادل بين ما كان سابقًا أجهزةً منفصلةً سيكون له مفعول استحداث أجسادٍ منصاعةٍ ذاتية التوجيه أم لا. لحدوث ذلك، لا بدّ أن يعرف الناس حجم المعلومات الخاصة بهم والمرتبطة بشبكة، والتي تتدفق بين الأجهزة وعبر الحدود الدولية”.
في الفصل الثامن، “ماذا يحدث حين تحجز بطاقة سفر؟ جمع بيانات المسافرين ومعالجتها بعد 11/ 9″، يقول كولن ج. بينيت إن المنشورات الصادرة عن الخصوصية والمراقبة وما يستتبعهما من قضايا تحيط بمعالجة المعلومات الشخصية تطفح بصورٍ ومجازاتٍ عن الكيفية التي يكون فيها لكلّ شخصٍ ظلّ بيانات أو ربما شخصيةٌ رقمية، “لكنّ المجتمع الجديد المشبك يحدث انتشارًا لبياناتٍ شخصيةٍ ملتقطةٍ ومحفوظةٍ من بعد قد تتطابق مع شخصية المرء الحقيقية وسلوكه وقد لا تتطابق”.
وفي رأي بينيت، توجد شذرات البيانات هذه على ما يُفترض في عالمٍ غير شفّافٍ وغامضٍ ومعقد يملك المرء قليلًا من المعرفة عنه ولا يتحكّم فيه. ففي المنشورات النظرية لفترة ما بعد الحداثة، يدعم هذا الشرط النقاشات السائدة حول ذوبان الذات وعن الحدود التقليدية القائمة بين الفرد والمجتمع، وبين العام والخاص، والذات والآخر، وما إلى هنالك.
بين التهديد والاحتواء
الفصل التاسع، “تهديداتٌ محتملة ومجرمون محتملون: جمع البيانات في نظام الأمن القومي لتسجيل الدخول والخروج”، يعالج جوناثان فين مسألة جمع بيانات تحديد الهوية في نظام الأمن القومي لتسجيل الدخول والخروج. كما يبحث تطور هذا النظام وتطبيقه ليضع في الطليعة مناقشة جمع البيانات وتأثيره في الأشخاص الخاضعين للتسجيل. ويتناول في البحث مسألة أنّ النظام، بتشكيله وتطبيقه، لم يكن ردًا ضروريًا على أحداث 11 سبتمبر 2001، بل كان رجعيًا وانتقاميًا؛ “إذ إنّ جمع البيانات في النظام أدّى مهمة تحويل أجسادٍ معيّنةٍ إلى رموزٍ وتصنيفها وعرضها بوصفها تشكّل تهديدًا محتملًا وتستوجب مراقبةً متواصلةً، أكثر مما أدى مهمة تعزيز أمن الحدود. في المقابل، ستكون لهذا الأمر آثارٌ مباشرةٌ وبعيدة المدى على هويات الأشخاص الخاضعين للتسجيل وحقوقهم وحرياتهم”.
في الفصل العاشر، “احتواءٌ إمبريالي؟ تحديد الهوية وتقييدات التنقل في إمبراطورية مهيمنة”، يبحث جون توربي مسألة ما إذا كانت الولايات المتحدة إمبراطورية – مسألة التعريف هي الأمر المهم في طبيعة الحال – وكيف ترتبط ممارسات تحديد الهوية وتقييدات الحركة المقترنة بتعريف الدولة بمسألة الإمبراطورية.
وفي رأي توربي، تنطوي الهيمنة الأميركية المعاصرة، إن لم تكن “الإمبراطورية”، على جهودٍ واسعة المدى لتعزيز الدولة بهدف توسيع نطاق احتوائها لأولئك الذين تبتغي تقييد تحركاتهم، وهم أشخاصٌ غير مرغوب فيهم سواء أكانوا من الخارج أم من الداخل. فالأخيرون – “أهل الخارج” – هم أشخاصٌ يخضعون لدرجةٍ من الصرامة في التقييد والضبط أكثر مما خضع له أشخاصٌ كان لهم الموقع عينه في نظام مكافحة الجريمة السابق. وفضلًا عن الجهود المبذولة لإحكام سيطرة الدولة على مثل هؤلاء الأشخاص، دفعت التطورات الحديثة في مكافحة الجريمة في اتجاه بذل القطاع الخاص جهودًا أكبر لمنع الجريمة وعزل السكان الموصومين. كذلك، فإنّ الانتشار المتزايد للاستراتيجيات الوقائية المتعلقة بالإجرام المحلي يُرجع صدى العقائد الأمنية والعسكرية الجديدة التي تروّج للتدخلات الاستباقية في مواجهة العناصر المحتالة التي تعتبر أنّها تمثّل تهديدًا خارجيًا؛ يمكن احتجاز هؤلاء، بوصفهم غرباء الخارج، بعيدًا من متناول القانون الأميركي أو القانون الدولي”.
تكنولوجيا الحدود
في الفصل الحادي عشر، “تسييج الخط الفاصل: تحليل التصعيد الأخير لتدابير الأمن على طول الحدود المتنازع عليها والمُسلَّم بها”، يأمل جون و. دونالدسون بأن يقدم نظرةً عامةً إلى طبيعة التدابير الأمنية الحدودية الجديدة المُحدَثة داخل الأراضي المتنازع عليها وعلى طول تخومٍ عدة مُسلَمٍ بها. ليبتين من تحليل دراسات الحالة التأثير الذي قد يحدثه فرض تدابير أمن الحدود من حيث تسوية النزاعات والتصورات المتعلقة بالعلاقات الثنائية.
استخدم دونالدسون مصطلح أمن الحدود عوضًا عن مصطلح الدفاع عن الحدود، “فالفروق الدقيقة في التعريفات بين مصطلحي أمن ودفاع تطرح أسئلةً مثيرةً للاهتمام لفهم دلالة الزيادة الأخيرة قي تدابير أمن الحدود. ويستحضر مصطلح أمن صور السجون وتشييد الأسوار والمراقبة. فغالبًا ما تُقرن الشرطة بالأمن، لأنّها تُقرن بشعور الجماعة الصغيرة بالأمان في ما يبدو. بينما ينطوي مصطلح الدفاع على دلالةٍ أكثر عسكريةً، تستدعي صور التحصينات والجدران. هناك بالتأكيد درجة كبيرة من التداخل بين هذين التعبيرين، لكنّنا حين ننظر إلى جميع التدابير الأمنية الموصوفة آنفًا نستطيع طرح السؤال التالي: هل تُمثّل تدابير دفاعيةً أم أمنية؟ كثيرٌ منها وصفته وسائل الإعلام بأنّه تدابير أمنية. لعلّ ذلك يؤكد تحوّلًا في التفكير العام من أيام الخوف من النزاعات الإقليمية الكلية حين كان الطلب يقتصر على تدابير دفاعية إلى زمن تهديداتٍ أكثر محليةً يفرضها مقاتلون/ إرهابيون حيث يقتصر الطلب على تدابير أمنية”.
في الفصل الثاني عشر، “’استباق اللعبة‘: تكنولوجيات الحدود وتغيير فضاء الحوكمة”، تسعى كاتيا فرانكو آس إلى معالجة الصور المجازية المتغيرة للحدود والإقليمية وتجلياتها المادية، متخذةً من حالة الاتحاد الأوروبي نقطة انطلاق. كما تستكشف ثنائية محدّدة بين الصور المجازية السياسية والاقتصادية والثقافية لعالمٍ عالمي بلا حدود، ومن جانبٍ آخر استمرار، بل تزايد، أهمية الحدود بالنسبة إلى الإحساس الأوروبي بالأمن. وتتفحص المدى الذي يمكن أن يقدم فيه نشوء مصطلحات التدفقات والمناطق والشبكات العالمية أدواتٍ مفيدةً لتكوين مفهوم الحدود في الوقت الحاضر. كذلك، سيؤكد الفصل أنّ الظواهر العالمية الناشئة تحوّل بعددٍ من الطرائق الفضاء/ المساحة التقليدية للحوكمة، سمة الدول الأمم، وتتجاوزه، فهي تُعزّز في الوقت عينه أهمية حدود الدولة فضلًا عن إدخالها أنماطًا وضروب منطقٍ جديدةً لإدارة الحدود، وعوضًا عن النظر إلى الحدود والتدفقات على صعيد العالم بوصفهما ظاهرتين منفصلتين ظاهريًا.
القلعة الأوروبية
في الفصل الثالث عشر، “ضوابط الهجرة والمواطنة في الخطاب السياسي لحزب العمال الجديد”، يحاول دون فلين استعراض التاريخ الحديث لسياسات الهجرة في بريطانيا، بهدف توضيح طابع الابتكارات المتكررة التي كان حزب العمال الجديد مسؤولًا عنها منذ فوزه بانتخابات عام 1997، وتأثير سياسات الهجرة في القضايا الأوسع للمواطنة وانبثاق دولة مراقبةٍ فاعلة.
في الفصل الرابع عشر والأخير، “حرية الحركة داخل ’القلعة الأوروبية‘”، يقول ويليم ماس إن مشروع الإلغاء الكامل للحدود الفيزيائية بين الدول الأوروبية بُدِئ رسميًا بتوقيع ممثلي بلجيكا وألمانيا وفرنسا واللوكسمبورغ وهولندا اتفاقية شينغن في 14 حزيران/ يونيو 1985، في اليوم عينه الذي أطلقت فيه المفوضية الأوروبية كتابها الأبيض بعنوان إنجاز السوق الداخلية الذي عرض برنامج 1992. وعلى مرّ الأعوام التسعة عشر المنصرمة، تنامت مجموعة صكوك شينغن المكتسبة لتشمل جميع الدول الأوروبية الغربية تقريبًا، ومضت الخطط بصورةٍ حسنةٍ لضمان أن تُزال الحدود من القارة الأوروبية برمتها. لم يتقدم هذا التطور المذهل من دون مشكلات، فقد كانت تحديات تنسيق أنظمة الجمارك والهجرة لثلاث عشرة دولةً عضوًا وأكثر ذات دلالة. ظلّت قضايا ذات شأنٍ تحيط بحرية حركة مواطني دولٍ ثالثة، أفراد ليسوا مواطنين في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. غير أنّ تطور حقوق حرية الحركة بالنسبة إلى الأوروبيين كان لافتًا للنظر.
______
*المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.