اجتماعالتنويريسلايدر

صورة الإسلام في الإعلام الغربي

*نشرت في الراصد التنويري/ العدد السادس(6)/ خريف 2009.

من تابع الفيلم السينمائي الذي عكف على إنتاجه سياسي ونائب في البرلمان الهولندي يُدعى غريت فيلدرز يشعر أنّ الفيلم بالرغم ممّا أثير حوله من ضجّة إعلاميَّة كبيرة يبدو من الناحية العمليَّة مجرّد صورة جديدة من سلسلة إساءات تُشنّ من قبل شريحة في العالم الغربي المتمدّن ضدّ دين بعينه، وهو بهذا التصنيف يمثِّل خروجًا عن النسق القديم الذي قضى بالتحسّس من المسلمين بوصفهم يمثّلون مجتمعًا بدائيًّا أو حضارة متخلّفة إلى التوجّس بل الطعن في الإسلام بوصفه دينًا من الأديان ليس إلا، أو بحسب تعبير فيلدرز نفسه، نقلا عن صحيفة أويزرفر البريطانيَّة ” أنا أكره الإسلام ولا أكره المسلمين”.

 

وبهذا السياق التاريخي الذي تكوّن بعد حقبة من الشجار الحضاري بين الشعوب والقوميّات نكون قد وصلنا إلى مرحلة جديدة من الصراع الديني الخطير على مستوى الأديان الرئيسة الكبرى في العالم أو على الأقل بين المسيحيّة والإسلام، فيما أصبح معروفًا بالإسلاموفبيا التي تطوّرت عن ذلك المفهوم الذي ظهر في ثمانينيّات القرن العشرين وكان يُعنى بالتمييز ضدّ العرب والمسلمين أو العرب بشكلٍ عام حتى المسيحيّين منهم أحيانًا، وتعهّدته بالرعاية والاهتمام ىراء مسؤول قسم التحليل والاستشراق في المجلس القومي الأميركي سابقًا صموئيل هانتنجون عام 1993 والتي تأسّست على فكرة أنّ “الصراع القادم سوف لن يكون آيدلوجيّا مثلما كان إبان الحرب الباردة بقدر ما سيكون صراعًا بين الحضارات لا سيما الحضارة الإسلاميّة والغربيَّة”، ثمّ شاع هذا المفهوم إلى درجات قياسيَّة في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول العام 2001، عندما استهدفت رموز السياسيَّة والمال في الولايات المتّحدة الأميركيَّة.

ومعلوم أنّ مصطلح الفوبيا مستمدّ أصلا من مواضيع علم النفس ويعبّر عن نوع من أنواع العصاب القهري، حيث لا يملك المريض معه القدرة على التحكّم في ردود أفعاله عند تعرّضه لما يخاف منه، فيعيش في حالة من الهلع وتبدو عليه أعراض من قبيل جفاف الحلق وازدياد ضربات القلب وسرعة التنفّس وشحوب الوجه وارتعاش الأصابع إلخ، ومخاوف المريض لا تستند عادة إلى تهديد جدّي بقدر ما تتّكئ على نوع من الاستذكار لمواقف مؤذية حدثت سابقًا.

ولكن ما الذي يدعو شعوبًا يُفترض أنّها وصلت قممًا حضاريَّة سامقة وأدركت مدى خطورة العداوات الدينيَّة بحكم ما وقع فيما بينها من صراعات دينيَّة تاريخيَّة إلى تبنّي أو احتضان نظريّة الصراع الديني من جديد.

المعنيّون بالخوض في جواب هذا السؤال يعدّدون مسوّغات تصلح لتعليل إيراد هذا السؤال من حيث الأصل ولكنّها لا تفلح كثيرًا في تشخيص الأسس الموضوعيَّة التي تنبني عليها فكرة السؤال الرئيسة، وبمعنى أكثر دقّة فإنّ تفسيرات من قبيل، أن صراع الثقافات أو الحضارات، أو أنّه جزء من معادلة سياسيَّة تقضي بوجود عدو فإن لم يوجد مثل هذا العدو على أرض الواقع فلا بد من إيجاده أو اختراعه أو حتى تخيّله، ما هي إلا تفسيرات تتجنّب الخوض في ماهيذة الأسس والقواعد المنطقيّة التي تجعل من دين ما يقف بوجه دين آخر في ساحة القتال.

ذلك أنّ كل ما ذكر آنفًا يحيل مشكلة التنازع والصراع إلى عوامل خارجيَّة بحته ويتحاشى النظر إلى العوامل والأسباب الداخليَّة والكامنة في كل دين من أديان النزاع، ولو تأمّلنا في جوهر القضيَّة حقًّا لأمكننا التعرّف على أوّل تلك الأسباب وأكثرها تعقيدًا والمتمثّل باحتكار الحقيقة المطلقة من قبل اتباع كل دين ونفي الآخر، وفي فرض الاعتراف بالدين الآخر فإنّه يجيء في أحسن الأحوال بصيغة الاعتراف به مبدئيًّا، واعتراف بمثل هذه الهشاشة لا يندرج في خانة المسلّمات ولا يوفِّر بيئة قانونيَّة واجتماعيَّة سليمة سيجر عاجلًا أو آجلًا إلى حالة من الاصطراع مع أو بادرة تتغيَّر فيها الموازين على الأرض، ليصبح ما كان واقعيًّا في مكان أو زمان معيّن شيئًا غير واقعي في مكانٍ أو زمان آخر. وشواهد التاريخ قديمة وحديثة تعطي شواهد لا حصر لها على انجرار اتباع الديانات إلى حروبٍ طاحنة على خلفيَّة عدم إيمان طرف بما يتبنّاه الطرف الآخر من رؤى وقناعات وطقوس.

وعليه فإنّ القبول بالآخر مبدئيًّا على ما هو عليه يمهّد الطريق أمام الإخاء الإنساني ويوفّر ضمانة أكيدة لإشاعة ثقافة التعايش السلمي بين أتباع الأديان المتباينة على المدى البعيد، أمّا أطروحات من قبيل السياسات الدينيّة المتطرّفة ضدّ الأجانب بشكلٍ عام فإنّها مدعاة إلى إغفال الإنسان بوصفه إنسانًا وبالتالي النظر إليه من خلال عناوين هامشيَّة يمكن أن تزيد من حدّة الاحتقان وتتحوّل إلى بؤر للتوتّر وفقدان السلم الأهلي في أية لحظة زمنيذة مناسبة أو أيّة لحظة يعمد إلى خلقها المغرضون مع سبق التخطيط والترصّد.

كما أنّ غضّ النظر عن بعض الأفكار التي يلتزم بها اتباع دين ما من أجل تحقيق غاية عظيمة طراز نبذ العنف والتزام عقيدة التعايش السلمي لا يمكن إدراجها في خانة التنازل عن المسلّمات مثلما يحاول أن يشيع ذلك بعض المتزمّتين دينيًّا في أوساط تابعيهم أو المغرَّر بهم.

وغاية نبذ العنف والتعايش السلمي هذه ينبغي تحقيقها في المقام الأوّل من قبل الجاليات المسلمة المقيمة في الغرب، ويمكن إجمال السبل والوسائل المساعدة على تحقيق هذه الغاية بما يأتي:

-إيجاد وشائج قويَّة تجمع بين الجاليات المسلمة من جهة ومواطني الدول التي يتواجدون على أراضيها بوصفهم مواطنين أو مقيمين، وتأسيس مجالس وتجمّعات طوعيَّة تتكفّل بإدامة العلاقات الطبيَّة بين المسلمين أنفسهم والمسلمين وغيرهم.

-توطيد عرى التعاون مع الجمعيّات الحقوقيّة الأجنبيّة التي تُعنى بمكافحة العنصريَّة ومحاربة التعصّب والدفاع عن حقوق الأقلّيّات.

-العمل على إدخال مواد دراسيَّة تدعو إلى نبذ العنف والإرهاب وتحثّ على التعايش السلمي بين الجماعات المختلفة في مناهج التعليم بالنسبة للمدارس الإسلاميَّة الخاصّة الموجودة في العالم الغربي.

-إقامة المؤتمرات والندوات والمناظرات عن طريق وسائل الإعلام المؤثّرة والقادرة على تنميط الصورة إيجابيًّا وإخراجها عن النمط السلبي الدارج في وسائل الإعلام الغربيَّة المتحاملة.

-التعريف بالوجه الحقيقي للإسلام والمسلمين والتبرّي من أصحاب المناهج التكفيريَّة، والضغط على مراكز الفُتيا في العالم الإسلامي من أجل استصدار فتاوى واضحة تدين الإرهاب وأتباعه، وعدم الاكتفاء بتصريحات مبهمة أو قابلة للتأويل.

-محاولة فكّ الارتباط بين مفهومي الإسلام والأصوليّات المتطرّفة والإسلام والعرب، من خلال التعريف بالمدارس الإسلاميّة ذات التوجّه المعتدل من جهة والتعريف بالقوميّات غير العربيَّة المنتمية إلى الإسلام كالقوميّات الكبيرة القاطن في القارة الأوروبيَّة مثل أبلنيا والبوسنة والهرسكإلخ، والعمل في ذات الوقت على فضح الحكومات الإسلاميّة التي تحكم شعوبها بالحديد والنار وتساهم بشكلٍ أو بآخر في خلق الجماعات المتطرفة والترويج إيجابيًّا لمن تقف منها موقفًا جيّدًا من مسائل الحرّيات العامّة وحقوق الإنسان.

-التفاعل مع النسيح الاجتماعي الغربي ودمج الشباب المسلم بنشاطات وفعاليّات الحياة العامّة ولكن مع الاحتفاظ بالهويذة الدينيّة الجوهريَّة وبيان مدى أهمّيّة البناء الأسري مثلا في تعضيد روابط المجتمع، والاستفادة من تجارب الأقليّات الدينيّة الأخرى التي أحرزت نجاحات واضحة على هذا الصعيد.

-تشكيل جماعات ضغط إسلاميَّة للوقوف ذد الجماعات اليمينيّة المتطرّفة سياسيًّا في بلدان مثل هولندا وسويسرا والدانمارك وغيرها، ومقاومة عوامل اليأس والإحباط التي تحاول تصوير وجود جماعات إسلاميّة فاعلة في الغرب على أنّه ضرب من ضروب المستحيل.

-غعطاء صورة إيجابية عن الإسلام واتّباع الأساليب التربويَّة المفضية إلى تجسيد تلقائي للفضائل الأخلاقيّة في سلوك الإنسان المسلم ورفض المجموعات المسلّحة العنيفة التي تشيع الخوف بين الشعوب المسلمة وغير المسلمة.

-الترويج لثقافة التديّن وحرّيّة الاعتقاد من خلال الاستناد إلى منطلقات الفكر الإسلامي الحديث والميثاق العالمي لحقوق الإنسان والنظريّات الاجتماعيذة الغربيَّة التي تُعلي من شأن الإنسان بوصفه إنسانًا.

– ضرورة الاتّفاق إسلاميًّا على تجديد الخطاب الديني بشكلٍ عام وإصدار فقه خاص بالمغتربين يراعى فيه التباين الثقافي بين الشرق والغرب ويتجاوز الخلافات الثانويَّة فيما بين المذاهب المختلفة ويستند في إقراره والمصادقة عليه إلى مرجعيّة دينيَّة أو مجمع إسلامي رصين.

_____
*لطيف القصاب.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة