يبحث الفرد لويس دي بريمار، الذي كان قبل وفاته عام 2006 أستاذًا في جامعة بروفانس ومدرّسًا وباحثًا في معهد الأبحاث والدراسات حول العالمين العربي والإسلامي، في كتابه الصادر مؤخّرًا عن دار الساقي بعنوان “تأسيس الإسلام.. بين الكتابة والتاريخ” ترجمة عيسى محاسبي، مسألة تأسيس الإسلام من منظور تاريخي محاولًا طرح فرضيّات جديدة حول مرحلة ظهور الديانة الإسلاميَّة وانتشارها انطلاقًا من كتابات تاريخيَّة إسلاميَّة وأجنبيَّة قديمة، واعتمادًا على النقوش والوثائق والنصوص المبكّرة التي وجدت في الرقعة الجغرافيَّة التي انتشر عليها الإسلام في عقوده الأولى.
سعى الكاتب إلى إعادة فحص الدين الإسلامي منذ البدايات الأولى للتأسيس، مستندًا إلى الوثائق التي وصلت إلينا من المؤرّخين المسلمين وغير المسلمين، وخصوصًا الذين اعتمدوا كتابات تتّصل بالسيرة النبويَّة وجمع الأحاديث المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا ما جعله ينطلق في بحثه من محاولة كتابة سيرة النبي وصولا إلى “جمع القرآن” ويشير الكاتب إلى أنّ معظم الوثائق التي نمتلكها حاليا والمستخدمة في قراءة المراحل الأولى للإسلام، يغلب عليها كونها مصادر أدبيَّة مكتوبة باللغة العربيَّة، فيما يندر وجود مصادر أجنبيَّة في هذا الخصوص، وهي عبارة عن سرديّات متقطّعة صادرة عن أكثر من مخبر، وكل حادثة لها إسناد عن الأشخاص الذين تناقلوا الخبر جيلا عن جيل، وليس أدل على ذلك أنّ معظم هذه المرويّات وصلت إلينا بعد قرنين على حصول الحدث، في فترةٍ كان النقل الشفهي هو الأساس في تأليف الكتب.
تحتلّ الكتابة عن السيرة النبويَّة موقعًا مركزيًّا في التأريخ للإسلام، ويختلط فيها ما قاله الرواة مع الأحاديث المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم ثمّ اعتماد بعض النصوص القرآنيَّة، حيث اتّسمت الكتابات الأولى عن أصول الإسلام بالروايات عن الحملات العسكريَّة التي قادها الرسول ضدّ عبادة الوثنيَّة في الجزيرة العربيَّة، ثمّ لاحقًا في الحملات الخارجيَّة لنشر الدين.
سلّط الكاتب الضوء على لما يعرف بـ”السنّة” وهي مدوّنة من النصوص على شكل أحاديث منسوبة إلى الرسول، وتشكّل اليوم جزءًا من النصّ الديني الإسلامي، وتحوي الأحاديث مجموعة ضخمة من الأقوال والأفعال والمسالك التي تعزى جميعها إلى النبي، والتي أطلقها خلال مسيرته الطويلة في تأسيس الدين الجديد. تعتمد هذه الأحاديث على إسناد من الصحابة أو المقرّبين من الرسول.