الاهتمام بموضوع العلاقة بين الغرب والشرق الإسلامي، له أولويّات ذات دلالة تتوقّف عليها، نتائج خطيرة، ومصائر كونيَّة، تتمثَّل في مراكز القوى، وعمليَّة تبادل الأدوار، واختلاف الأساليب والسبل لتحقيق غاية كل طرف، وحسب متطلّبات المرحلة التي يمرّ بها هذا الصراع الدائم.
يقول المؤلّف: إن هذا الكتاب، كان على شكل مقالات ودراسات ثقافيَّة وفكريَّة لا تخلو من الطابع السياسي، كتبت ما بين عامي 1998 و2001، ونشر القسم الأعظم منها، في مجلَّة الوحدة التي تصدر باللغة العربيَّة من قبل مؤسَّسة الفكر الإسلامي في العاصمة الإيرانيَّة طهران.
وهذه المقالات والدراسات قد لا تكون متسلسلة، من حيث سياقاتها مع بعضها البعض، أو من حيث الوقائع والأحداث والأفكار فتلاحظ في الفصل الأول (رؤى جديدة ما زالت غامضة) المعرفة السلطة الجديدة، ماركس وتوفلر… نظرات إلى العالم، اندماج وانقسام، العولمة ونهاية التاريخ والتمزّق الكبير، أوروبا والولايات المتّحدة والعالم متعدّد الأقطاب، ثورة الإنترنت وتحدّيات القيم الثقافيَّة، الفساد السياسي وأزمة الديمقراطيَّة الليبراليَّة، الدين والسياسة والكنيسة في أوروبا، شبح النازيَّة ومعضلة الثقافة الأوروبيَّة الشاملة، الثورة الفرنسيَّة وإشكاليّات الشعارات المطروحة، الفرانكوفونيَّة والعولمة وتحدّيات الثقافة والسياسة والاقتصاد في الغرب، الغرب والشرق هكذا يقرأ أحدهما الآخر، مقاربات بين الثورة البلشفيَّة والثورة الإيرانيَّة.
أمّا الفصل الثاني (نظرات على الإسلام السياسي) والذي يشمل الحركات الإسلاميّضة والإسلام السياسي وتعدّد القراءات الغربيَّةن إشكاليَّة العلاقة بين السلطات الحاكمة والحركات الإسلاميَّة، الأقلّيات المسلمة في الغرب بين التهميش المقصود والاهتمام المدروس، الأقلّيات المسلمة.. كيف تتأقلم مع مجتمعاتها، الوجود الإسلامي في أوروبا من تحدّيات الاندماج إلى ترسيخ الهويَّة، (الإسلام السياسي) معضلة القبول وسلامة التوظيف، وجهات نظر غربيَّة في الإسلام والحركات الإسلاميَّة، صور وأهداف متعدّدة للإرهاب… نماذج من الواقع، النموذج الغربي والنموذج الإسلامي.. تصادم أم تصالح قرن ميلادي جديد يحمل صورة الأمس الغامضة، (إشكاليَّة الإسلام والحداثة).. تأمّلات في تحدّيات العصر، عودة إلى التاريخ من زاوية أخرى، هل المحكمة الإسلاميَّة فكرة قابلة للتطبيق.
أمّا الفصل الثالث (تناقضات لها دلالات) معوقات التنمية السياسيَّة في العالم الإسلامي، الديمقراطية أم التنمية أولا، امتزاج معايير الثقافة بضرورات الاقتصاد والسياسة، ثقافة التجسّس… الوجه الآخر لحروب العصر، مراكز الدراسات وموضوعة حقوق الإنسان، استئصال المسلمين على يد الهندوس… نموذج لـ(ماذا؟) أقلّيات لا تعرف ماذا تريد، قراءات ورؤى حول السلطة في العالم العربي. أمّا الفصل الرابع (كارثة 11 سبتمبر..لماذا؟) لماذا من الغرب ثمّ إلى أين. أزمة القرن الجديد وإعادة إنتاج القيم، لماذا غاب منطق العقل في الغرب. لعبة الإرهاب.. هجمات 11 أيلول والتحالفات الجديدة. رغم تنوّع وتفرّع المواضيع لكن سيلاحظ القارئ ذلك بعد قراءة متأنّية أنّ ما يميّزها هو أنّها ترتبط بوحدة الموضوع.
فالعلاقة بين الإسلام والغرب، لم تكن في يوم من الأيّام قائمة على التبادل والثقة والمصالح المشتركة. فالتاريخ يوضح لنا من خلال الأحداث والحروب والكوارث، سواء كانت هذه الحروب الباردة والحروب المدمّرة، إنّ الشرق الإسلامي، كان بالنسبة للغرب هو المنجم الذي لا ينتهي، والمحيط الذي لا ينضب، ولمّا كانت العلاقة بينهما مبنيَّة على هذا النهج واضح المعالم، فمن الطبيعي أن تكون العلاقة تصادمًا وصراعًا، وحروبًا نفسيّة، وحروبًا علنيَّة، وحروبًا سرّيَّة.
ويوضح الكاتب أنّ سبب هذا التصادم والصراع الأزلي هو بسبب الاختلاف التامّ بين المنظومة الإسلاميَّة في جميع مجالات الحياة الدنيويَّة والأخرويَّة، والمنظومة الغربيَّة التي تختلف كل الاختلاف عنها، ولا توجد بينهما نقاط التقاء يمكن الاعتماد عليها وجعلها ضمن أرضيَّة الواقع المعاش، وإذا كانت هناك محاولات لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، فهي لم تكن مدعاة للتفاؤل حيث تمثّل حالة استثناء عن القاعدة.
لكن من خلال استطراد الوقائع التاريخيَّة، والغور في أعماق التاريخ الحديث والمعاصر ومن خلال الأدوار ومراحل النموّ التي مرَّت وتشكّلت للطرفين، وتطوّرت في صيرورة استمراريَّة التحوّلات الكبيرة في كافة المجالات، وبهذا يستقري المؤلّف فيقول من المنطقي أنّ نقاط الالتقاء نسبيَّة جدا بالنظر إلى مرتكزات المنظومتين اللتين ليس بينهما خطّ بياني واضح المعالم ينحو إلى الالتقاء.
وقد استعرض المؤلّف ومن خلال تحليل للأحداث والقضايا المعاصرة التي تحدث في هذا العالم المتناقض، واستمراريَّة الصراع القائم باستناده إلى وقائع تاريخيَّة، جرت على أرض الواقع في ذلك الزمن وما نتج عنها، من تداعيات وتصاعد في الأزمات، وبهذا التحليل الموضوعي يكون هناك، تطابق وتشابه في الرؤى والمؤثّرات ما بين الحالتين للصراع، رغم البعد الزمني واختلاف الظروف والإمكانيّات المتاحة، الاستعمار القديم بأدواته الكلاسيكيَّة والاحتلال المباشر للشرق الإسلامي، ولكن بعد انتهاء زمن الاحتلال المباشر، بدأ زمن الاحتلال غير المباشر، واستعمل أدوات وأساليب حديثة ومعاصرة تواكب التطوّر والتحوّلات السريعة، وبدأ يفرض ويبسط نفوذه، من خلال الحوارات والتفاهم ومدارات العولمة وديناميكيّة أحاديَّة التدفّق الإعلامي الموجّهة إلى الشرق، والمحطّات الفضائيَّة، وآلاف المواقع على الإنترنت، وبهذا أصبحت وتحوّلت الحروب من حروب تقليديَّة بدائيَّة إلى حروب إعلاميَّة فاقت خطورتها كل الحروب السابقة.
وبهذا يكون التحدّث بما يوافق (ركوب الموجة) وما تفرضه متطلّبات العصرنة والعالم الذي أصبح قرية صغيرة كان هذا الجهد واضحًا ومرسومًا بدقّة واختيارًا ملائم هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى هناك رؤى ونتائج توقّعها المؤلّف من خلال الصراع القائم، ما يجعل المؤلّف يواكب المهمّة بكل تفاصيلها وأحداثها والحقيقة يجب أن تقال إنّ هذه المهمّة الصعبة هي من أولويّات الكاتب المبدع و(الكاتب السياسي) بشكلٍ خاصّ، حيث يرد على الكلام، باللغة التي يفهمها المقابل أو الضدّ أي بلغتهم وبالمصطلحات المناسبة، ويتبارى معهم على نفس المنوال في الوصول إلى الغاية في طرح المفاهيم الإسلاميَّة وفق أطر حديثة ومعاضرة تواكب التطوّرات التي لا تحصى.
______
**الراصد التنويري/ العدد الخامس (5)/ آب- أغسطس/ 2009.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.