تهدف هذه الورقة إلى الكشف عن قضيَّة إنسانيَّة شائكة للغاية وخلافيَّة إلى أقصى حدّ، ألا وهي قضيَّة ” الأبعاد الحقيقة لنشأة العلم عند اليونان”، وقد أصبحت مثل هذه الدراسة ضروريَّة وملحة، بسبب الخلط والفوضى الفكريَّة والأخلاقيَّة التي تحيط بهذه القضيَّة. فمعظم المؤرِّخين والعلماء والفلاسفة الغربيّين يحاولون تعتيم هذه القضيَّة، من خلال الغرس فى الأذهان، أنَّ اليوناني هو مبدع الفكر والعلم والأخلاق والاجتماع والسياسة والفن والرياضيات والفلك والطب والمنطق والفلسفة…وغيرها. وكأنَّ الحضارة اليونانيَّة خلق عبقري أصيل جاء على غير منوال، لم تسبقها حضارات أخرى، ولم تتَّصل بها مصر القديمة ولا كنعان ولا بابل ولا أشور ولا فارس ولا الهند ولا الصين….بل هي في زعمهم ـ أوروبيَّة النشأة والتطوّر.
أصحاب هذا الرأي هم دعاة ” المعجزة العلميَّة اليونانيَّة ” الذين يسعون بكل ما أوتوا من قوَّة إلى أن يمجِّدوا الحضارة اليونانيَّة – حضارة أجدادهم، فتحدَّثوا طويلاً عن ذلك الإنجاز الهائل الذي حقَّقه اليونانيّون فجأة دون أي مقدّمات تذكر، ودون أن يكونوا مدينين لأي شعب أو حضارة سابقة عليهم.
وهؤلاء هم أكثر الناس إيماناً بأن أقدم الحضارات كانت مزدهرة وناضجة كل النضج بالقياس إلى عصرها، ومن ثم فقد كان من الضروري أن ترتكز في نهضتها على أساس من العلم.
إلا أن هذا العلم في نظر دعاة المعجزة العلميَّة اليونانيَّة كان يعتمد على الخبرة والتجربة المتوارثة؛ وأن تلك الحضارات كانت تكتفي بالبحث عن الفائدة العمليَّة أو التصرّف الناجح دون سعي إلى حب الاستطلاع الهادف إلى معرفة أسباب الظواهر، كما أن تلك الحضارات لم تملك نفس القدر من البراعة في التحليل العقلي” النظري” لهذه المعارف.
أمَّا الحضارة التي توصَّلت إلى هذه المعرفة النظريَّة، والتي توافرت للإنسان فيها القدرة التحليليَّة التى تتيح له كشف المبدأ العام من وراء كل تطبيق عملي فهي الحضارة اليونانيَّة (2).
فمثلاً قالوا إنَّ المصريين القدماء قد استخدموا الرياضيات فى مسح الأرض وشقّ الترع وغيرها من أغراض عمليَّة، استعانوا بها وبالميكانيكا على إقامة الأهرامات التي ما زالت تتحدَّى الزمن، أقاموها لحفظ الجثث المحنَّطة، اعتقادا منهم في خلود النفس وحساب اليوم الآخر، وتوسَّلوا بعلم الكيمياء في تحنيط الجثث واستخراج العطور والألوان، وغير هذا من أغراض دينيَّة. ولكن اليونان هم الذين أنشأوا هذه العلوم في صورتها النظريَّة الخالصة، وتجاوزوا في الرياضيات مرحلة الأمثلة الفرديَّة المحسوسة إلى مرحلة التعاريف والبراهين، فتوصَّلوا إلى القوانين والنظريات التي تستند إلى البرهان العقلي.
وكذلك كان الحال في علم الميكانيكا، كان اليونان فيما يقول دعاة المعجزة العلميَّة اليونانيَّة – أول من عالج دراساته بروح علميَّة؛ إذ كان لأرسطو الفضل في إنشاء هذا العلم النظري، وإن جانبه التوفيق في صيغة عبارته؛ وأكمل الاسكندريون من أمثال ” أرشميدس” (ت212ق.م) ممَّن قننوا المعلومات الميكانيكيَّة لأول مرَّة في تاريخ العلم.
وكان البابليون والكلدانيون قد سبقوا إلى مشاهدة الكواكب ورصدها، فأنشأوا بهذا علم الفلك العملى، ولكنَّهم كانوا مسوقين بأغراض تنجيميَّة أو عمليَّة ( كمعرفة فصول الزراعة ومواسم التجارة ونحوها ).
أما اليونانيون فهم الذين أقاموا علم الفلك النظري في رصد الكواكب لمعرفة ” القوانين ” ووضع ” النظريات ” التي تفسِّر سيرها وتعلِّل ظهورها واختفائها. ويرجع الفضل الأكبر في هذا إلى “بطليموس” الإسكندري ( في القرن الثانى) بكتابه” المجسطي” الذي ظلَّ المرجع الرئيسي حتى مطلع العصر الحديث.
ومثل هذا يقال في العلوم التي أدَّت إليها في الشرق بواعث دينيَّة أو أغراض عمليَّة؛ عالجها اليونان بروح علميَّة، حتى نشأت علوماً نظريَّة تستند إلى البرهان العقلي وتقوم على” تقنين ” المعلومات بغير باعث ديني أو عملي.
ولم يكتف دعاة ” المعجزة العلميَّة اليونانيَّة ” بذلك؛ بل خرج منهم فريق يرى أنَّ التنقيب في أطلال الماضي للتوصّل إلى حضارات مزدهرة قبل اليونان ليس سوى مضيعة للوقت إزاء الطابع الملح للمشاكل القائمة، وهو موقف عفا عليه الزمن، وعلينا أن نقطع صلتنا بكل هذا الماضى المشوّش والهمجي واللحاق بالعالم الحديث الذى تندفع تقنياته بسرعة الإلكترونات، والعالم في طريقه إلى التوحّد. وعلينا أن نكون في طليعة التقدّم، وسيحل العلم في القريب العاجل كافة المشاكل الكبرى، بحيث تصبح تلك المشاكل المحليَّة والثانويَّة غير ذات موضوع. ولا مجال لأن تكون هناك لغات تعبِّر عن ثقافة ما سوى غير ثقافة أوربا التي أثبتت أصلاً قدرتها على ذلك، ممَّا يعني أنها قادرة على نقل الفكر العلمي الحديث، وأنها عالميَّة فعلاً.
وفي الوقت الذي كان فيه دعاة المعجزة العلميَّة اليونانيَّة يصولون ويجولون لإثبات أن نشأة العلم يونانيَّة خالصة، وأن اليونانيين قد توصَّلوا إلى اكتشاف ميادين العلم من فراغ كامل، كانت هناك طائفة من المؤرّخين والفلاسفة أمناء مع أنفسهم ومع الحقيقة ومع التاريخ، فقالوا بما أملته عليهم ضمائرهم الحيَّة وروحهم العلميَّة الموضوعيَّة؛ ومن ثم قرَّروا أنَّ الكلام عن معجزة يونانيَّة ليس من العلم في شيء؛ فالقول بأن اليونانيين قد أبدعوا فجأة ودون سوابق أو مؤثّرات خارجيَّة حضارة عبقريَّة في مختلف الميادين ومنها العلم هو قول يتنافى مع المبادئ العلميَّة التي تؤكِّد اتّصال الحضارات وتأثيرها بعضها ببعض، بحيث تؤثِّر الحضارة السابقة في الحضارة اللاحقة وتتأثَّر هذه بتلك تأثراً تتعدَّد أبعاده تارة وتختلف مجالاته وتتفاوت درجاته تارة أخرى.
فمن المستحيل مثلاً تجاهل شهادات اليونانيين القدماء أنفسهم، فقد شهد أفلاطون بفضل الحضارة المصريَّة القديمة، وأكَّد أنّ اليونانيين إنما هم أطفال بالقياس إلى تلك الحضارة القديمة العظيمة، وذلك في الحوار الذى أورده في محاورة ” طيماوس” بين سولون وأحد الكهنة المصريين الذي قال للمشرع الأثيني ” إنَّ اليونانيين لا زالوا أطفالا في مضمار الحضارة “. وهناك روايات تاريخيَّة تحكي عن اتّصال فلاسفة اليونانيين وعلمائهم ومنهم ” أفلاطون ” ذاته بالمصريين القدماء وسفرهم إلى مصر وإقامتهم فيها طويلاً لتلقِّي العلم.
ويمكن توضيح ذلك من خلال العناصر التالية:
أوّلاً: نقد بعض الغربيين لفكرة الأصول الشرقيَّة للعلم اليوناني:
شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين نزعات فكريَّة تدعو الإنسان الأوروبي إلى التحرُّر من أيَّة مفاهيم متجاوزة، مثل مفهوم ” الإنسان ككل ” أو ” الإنسانيَّة جمعاء ” أو ” صالح الإنسانيَّة ” وكذلك التحرير من كل القيم المطلقة، مثل ” مستقبل البشريَّة ” و ” المساواة ” و” العدل “.
وقد كانت هذه النزعات تحاول جعل الإنسان الأوروبي المركز والمطلق والمنفصل تماماً عن كل القيم والغائيات الإنسانيَّة العامَّة، وفي نفس الوقت يصبح هو نفسه تجسيداً لقانون الطبيعة ولحركة المادَّة، كما يصبح مرجعيَّة ذاته ومعيار ذاته وغائيَّة ذاته.
وكان من آثار هذه النزعات أن أخذت تتحوَّل الإنسانيَّة الأوربيَّة إلى إمبريإليَّة وآداتيه، ثم إلى عنصريَّة، وانقسم إلى supermen إمبرياليَّة يتحكَّمون في كل البشر والطبيعة وإلى submen دون البشر آداتين يذعنون لإرادة السوبر ولقوانين الطبيعة والمادَّة، وهو ما يسمّيه البعض “النفعيَّة الدارونيَّة ” وهي المنظومة التي تذهب إلى أن من يملك القوَّة له الحقّ في أن يوظِّف الآخرين لخدمة مصالحة، مستخدماً في ذلك آخر المناهج العليَّة وأحدث الوسائل التكنولوجيَّة، متجرّداً من أيَّة عواطف أو أخلاق أحاسيس كليَّة أو إنسانيَّة، باعتبار أنّ الإنسان ما هو إلا مادَّة في نهاية الأمر. ومن ثم فمثل هذه الأحاسيس هي مجرَّد أحاسيس ميتافيزيقيَّة أو قيم نسبيَّة مرتبطة بالزمان والمكان وليس لها أيَّة ثبات أو عالميَّة ” (1).
وقد تحقَّقت هذه النزعات أوَّل ما تحقَّقت بشكل جزئي وتدريجي في التجربة الاستعماريَّة الغربيَّة بشقيها الاستيطاني والإمبريالي، فقد خرجت جيوش الدول الغربيَّة الإمبرياليَّة تحمل أسلحة الدمار والفتك والإبادة، وحوَّل الإنسان الغربى نفسه إلى supermen مطلق له حقوق مطلقة تتجاوز الخير والشر، ومن أهمّها حقّ الاستيلاء على العالم وتحويله إلى مجال حيوي لحركته ونشاطه، وتحوّل العالم بأسره إلى مادَّة خام: طبيعيَّة أو بشريَّة فاعتبرت شعوب أسيا وأفريقيا مجرد submen ؛ أي مجرد مادة طبيعيَّة توظَّف في خدمة دول أوربا وشعوبها البيضاء المتقدِّمة، واعتبرت الكرة الأرضيَّة مجرَّد مجال حيوي يصدر له مشاكله (2)
وقد كان من نتيجة ذلك: – (3)
1- نقل سكان افريقيا إلى الأمريكتين لتحويلهم إلى مادة استعماليَّة رخيصة.
2- نقل جيوش أوربا إلى كل أنحاء العالم، وذلك للهيمنة عليها وتحويلها إلى مادَّة بشريَّة وطبيعيَّة توظّف لصالح الغرب.
نقل الفائض البشريَّة من أوربا إلى جيوش استيطانيَّة غربيَّة في كل أنحاء العالم لتكون ركائز للجيوش الغربيَّة والحضارة الغربيَّة.
نقل الكثير من أعضاء الأقليات إلى بلاد أخرى ” الصينين إلى ماليزيا – الهنود إلى أماكن مختلفة – اليهود إلى الأرجنتين ” كشكل من أشكال الاستعمار الاستيطاني، إذ أن هذه الأقليات تشكل جيوباً استيطانيَّة داخل البلاد التى تستقر فيها.
نقل الكثير من العناصر المقاتلة من آسيا وأفريقيا، وتحويلهم إلى جنود مرتزقة في الجيوش الغربيَّة الاستعماريَّة، مثل الهنود ” خصوصا السيخ ” في الجيوش البريطانيَّة وفي الحرب العالميَّة الأولى تم تهجير 132 ألفاً من مختلف أقطار المغرب لسدّ الفراغ الناجم عن تجنيد الفرنسيين، بالإضافة إلى تجنيد بعضهم مباشرة للقتال.
وما يهمّنا من هذا كله، هو أن تلك الأحداث قد تمخَّض عنها شعور الإنسان الأوربي بعد ذلك بالهيمنة الثقافيَّة؛ وخاصَّة بعد أن دأب المؤرّخون الأوربيون، وخاصَّة في عصر اشتداد الروح القوميَّة في القرن التاسع عشر في تمجيد الحضارة اليونانيَّة – حضارة الأجداد، فتحدَّثوا طويلاً عن ” المعجزة اليونانيَّة ” – أي عن ذلك الإنجاز الهائل الذي حقّقه اليونانيون فجأة، دون أيَّة مقدّمات تذكر ودون أن يكونوا مدينين لأي شعب سابق، وعن ذلك الوليد الذي ظهر إلى الوجود يافعاً هائل القوة، وكلها تعبيرات لا يمكن أن تخلو من عنصر التحيّز،لا سيما وأن أحفاد الحضارات الشرقيَّة القديمة كانوا هم الشعوب الواقعة تحت قبضة الاستعمار الأوروبي في ذلك الحين، وكانوا يعاملون علي أنهم شعوب ” من الدرجة الثانية ” ومن ثم كان من الطبيعي أن تكون الحضارات التي انحدروا منها حضارات من ” الدرجة الثانية ” أيضاً (4).
وأصحاب هذا الرأي لا حصر لهم،نذكر منهم على سبيل المثال:- هم برتراندرسل (5)، البيريفو (6)، وسانت هلير (7)…الخ
فأما ” برتراندرسل ” فيقول في كتابه ” حكمة الغرب ” تبدأ الفلسفة حين يطرح المرء سؤالا، وعلى هذا النحو ذاته يبدأ العلم، ولقد كان أوَّل شعب أبدى هذا النوع من حبّ الاستطلاع هم اليونانيون، فالفلسفة والعلم كما نعرفهما اختراعان يونانيان. والواقع أن ظهور الحضارة اليونانيَّة التي أنتجت هذا النشاط العقلي العارم، إنما هو واحد من أروع أحداث التاريخ، وهو حدث لم يظهر له نظير قبله ولا بعد، ففي فترة قصيرة فاضت العبقريَّة اليوناينة في ميادين الفن والأدب والفلسفة بسيل لا ينقطع من الروائع التي أصبحت منذ ذلك الحين مقياساً عامّاً للحضارة الغربيَّة (8).
وأما ” البيرريفو” فيقول في كتابه ” الفلسفة اليونانيَّة ” إن فنوننا وعلومنا وفلسفتنا وجزء من نظمنا ترجع أصولها إلى اليونان، وكثيراً ما نسينا ذلك – إذ لولا اليونان لكان من المحتمل ألا تكون لنا قواعد للغة ولا رياضة ولا طب ولا فلك ولا فن مسرحي – وهم قد صاغوا أغلب الفروض الهامة التي يعيش عليها تفكيرنا. أمَّا المعتقدات التي تؤلَّف هياكل ديننا فلعلّها لم تكن تبرز يوماً إلى الوجود لو لم يمهّد لها اليونان (9).
وأمّا ” سانت هلير ” فيتساءل هل استعارت اليونان شيئاً من الشرقيين أم هل هي مستقلة تمام الاستقلال لم تتبع سواها؟ وهل لم تنهل شيئاً من غير مناهلها الذاتيَّة؟ أكانت مذاهب طاليس وفيثاغورس واكسينوفان محض إبداع لها من الأصليَّة، فالشعراء ” هوميروس ” و”سوفوكاليس ” و”أسخليوس ” ؟ وبعبارة أخرى هل الغرب الذي هو مخالط له والذي هو معتبر أنه متقدّم عليه بكثير في هذا الطريق الوعر الذي حدّه النهائي هو الفلسفة ؟!.
ويجيب ” هلير ” من غير تردّد بالسلب فيقول:” إنَّ اليونان لم تدن لأحد غيرها وأنَّ المساعدات التي وردتها تكاد تكون من خفّة الوزن، بحيث يمكن الجزم بأن اليونان في العلم أيضاً كانت ذات أحدث وإبداع، شأنها في بقيَّة الأشياء الأخرى، وإذا كانت تلقَّت شيئاً من جيرانها فما هو إلا أصول عديمة الصور فصورتها هي وبلغت من تصويرها حدّ التمام، بحيث يمكن القول بحقّ أنها هي التي أوجدتها في الواقع ” (10).
ولما كان معظم المفكرين الغربيين قد أكَّدوا بأن كل إنجازات المجتمع اليوناني وأوجه النشاط الثقافي والحضاري انبثقت من داخل بلاد اليونان فحسب، دون أن تتأثَّر بمؤثّرات ثقافيَّة وحضاريَّة جاءت من مناطق أخرى خارج هذه البلاد. إلا أنهم لم يكتفوا بذلك بل أكَّدوا على أن الإنجازات الثقافيَّة والحضارة للمجتمع اليوناني القديم تمثِّل مرحلة من المراحل الثقافيَّة والحضاريَّة للقارة الأوربيَّة وحدها، وأنها لا تنتسب إلى إطار آخر غير إطار القارة الأوربيَّة.
فمثلا يقول ” أرنولد توينبى ” (11): ” أن أرومة الحياة الاجتماعيَّة في الغرب الحديث تكونت في جسم الحياة الاجتماعيَّة الإغريقيَّة، كما تتكوّن الأجنَّة في الأرحام، فكانت الإمبراطوريَّة الرومانيَّة من ذلك المجاز مدّة الحمل، وفى غصون تلك المدّة كمنت الحياة الجديدة، وتغذَّت بالروح القديمة وكان العصر المظلم شديد المخاض، وفيه بان الجنين عن أمّه، وأصبح مخلوقاً، إلا أنه كان عارياً ضيق الحيلة، وكانت العصور المظلمة عهد الطفولة، وفيها عاش الجنين واستقام على ما كان عليَّة من وهن، وكان القرن الربع والخامس عشر من ذلك المخلوق زمن أبلغ وهما يمتازان بكثير من معالم التغير والانتعاش. أمَّا القرون المتوالية منذ بداية القرن السادس عشر إلى اليوم، فهي التي فيها اكتمل الطفل، وبلغ غايته، وهذا المجاز يوضّح ما نقصد إليه، وهو ما خلَّفه الإغريق لغرب أوربا الحديثة ” (12)
وأمّا ” د.أ. ل. فيشر (13) فيقول:” إنَّ أصول الحضارة الأوربيَّة ينبغي في الواقع أن نبحث عنها في اليونان القديمة، وفي آثار المفكّرين والفنانين اليونانيين الذين كشفوا حقيقة الإنسان، وكانوا أوَّل من حلّ ألغاز الطبيعة وعرضوا مفاتنها ” (14)
وأمَّا ” د. ف. كيتو ” (15) فيقول في كتابه “الإغريق”: ونحن نعترف بما أسدى الإغريق إلى الغرب، وبما امتازوا به من العناية بالتفكير المنطقي وقوانينه الصارمة ” (16) .
ممّا سبق كان اختصاراً لبعض مزاعم القائلين بالمعجزة اليونانيَّة، وهذه المزاعم إذا أخضعناها للبحث العلمي الدقيق يتَّضح لنا تفاهتها، فالزعم بأنَّ اليونانيين قد أبدعوا فجأة ودون سوابق أو مؤثّرات خارجيَّة حضارة عبقريَّة في مختلف الميادين، ومنها الفلسفة والعلم هو كما قال الدكتور “فؤاد زكريا” زعم يتنافى مع المبادئ العلميَّة التي تؤكِّد اتِّصال الحضارات وتأثيرها بعضها ببعض، وعلى حين أن لفظ ” المعجزة اليونانيَّة ” يبدو في ظاهرة تفسيراً لظاهرة الانبثاق المفاجئ للحضارة اليونانيَّة، فإنه في واقع الأمر ليس تفسيراً لأي شيء؛ بل إنه تعبير غير مباشر عن العجز عن التفسير، فحين نقول إنّ العلم اليوناني كان جزءًا من المعجزة اليونانيَّة يكون المعنى الحقيقي لقولنا هذا هو أننا لا نعرف كيف نفسِّر ظهور العلم اليوناني (17).
ومن ناحية أخرى، نودّ أن نشير بأن المكان الذي ظهرت فيه أولى المدارس الفلسفيَّة اليونانيَّة، هو ذاته دليل على الاتِّصال الوثيق بين الحضارة اليونانيَّة والحضارات الشرقيَّة السابقة، فلم تظهر المدارس الفكريَّة الأولى في أرض اليونان ذاتها، وإنما ظهرت في مستوطنة ” أيونيا” التي أقامها اليونانيون على ساحل آسيا الصغرى، أي في أقرب أرض ناطقة باليونانيَّة إلى بلاد الشرق ذوات الحضارات الأقدام عهداً، وهذا أمر طبيعي لأنه من المحال أن تكون هذه المجموعة من الشعوب الشرقيَّة قريبة من اليونانيين إلى هذا الحد، وأن تتبادل معها التجارة على نطاق واسع، وتدخل معها أحياناً أخرى في حروب طويلة دون أن يحدث تفاعل بين الطرفين، كما أنَّه من المستحيل تجاهل شهادات المؤرّخين اليونانيين القدماء الذين أكّدوا تلمذة معظم فلاسفة اليونان في بلاد الشرق (18).
لذلك لم تكن نشأة العلم يونانيَّة خاصَّة، ولم يبدأ اليونانيون في اكتشاف ميادين العلم من فراغ كامل ؛ بل إن الأرض كانت ممهَّدة لهم في بلاد الشرق، وبالتالي يتَّضح لنا أن الاعتقاد بضرورة أصل واحد للمعرفة العلميَّة، وتصوّر واحد يرجع إليها الفضل في ظهورهما، ربما كان على حدّ قول الدكتور “مصطفى النشار “عادة أوربيَّة سيِّئة ينبغي التخلّص منها، فإصرارنا على تأكيد الدور الذي أسهمت به حضارات الشرق القديم، لا يعنى أبدا أننا من الذين ينكرون على اليونانيين أصالتهم العلميَّة، ولا نشكّ لحظة في أنهم يمثلون مرحلة عمليَّة ناضجة ومتميِّزة، ولكننا لا نوافق على ادّعاء أن تلك الأصالة، وهذا التمايز قد أتيا من فراغ، فقد كانت عظمة اليونان أنهم استطاعوا أن ينقلوا بشغف كل ما وقعت عليه أعينهم وعقولهم من التراث السابق عليهم، وأن يهضموه هضما يتلاءم مع بيئتهم الخاصَّة، وأن يحوّلوا هذه المؤثِّرات إلى شيء شبيه بتراثهم،،وأن ينتقدوا هذا وذاك شئياً فشيئاً، حتى استطاعوا في النهاية أن يتجاوزوا المرحلة الشرقيَّة في الفكر،أن يبدأوا مرحلة جديدة متميِّزة، إلا أنَّ هذه الجدّة، وهذا التميّز قد بهرهم لدرجة أن بعضهم، بل معظمهم قد تنكَّروا لأجدادهم الذين علّموهم ألف باء الحضارة بدءاً من الزراعة وانتهاءً بحروف الكتابة التي كانت سبباً في تمكّنهم من صياغة أفكارهم وتسجيلها وتضخّمت إنجازاتهم أمام أنفسهم فظنّوا خطأ أنهم أصل البشريَّة، وأنهم مبدعو العلم والفلسفة، ولو أنهم تخلّوا عن عنصريتهم التي ورثوها عن أجدادهم الذين اعتبروا كل من عداهم ” برابرة ” لا يصلحون إلا للرقّ والعبوديَّة، ونظروا بموضوعيَّة أفكارهم من الشرق وليس من اليونان (19).
وعلى ذلك فنحن ننكر ما يسمى بـ ” المعجزة اليونانيَّة ” فالمجتمع اليوناني قد استلهم التراث الشرقى السابق عليه، واستحوذ عليه بروحه الفتيَّة، وحاول تجاوزه حينما صبغة بصبغة النظريَّة النقديَّة، وقد فعل ذلك فلاسفة العرب والمسلمين ” أمثال الفارابى وابن سينا وابن رشد ” حينما نقلوا التراث اليوناني وحاولوا تطويعه، مع مبادئ دينهم في شتى الميادين، ثمّ تجاوزوه بما قدّموا من جديد في العلوم، وكذلك فعل الغربيّون المحدثون مع التراث العربي والإسلامي، حينما نقلوا منجزاته، وأخذوا عنه مبادئ المنهج الاستقرائي وتطبيقاتها في العلوم المختلفة، كما نقلوا منجزاته، وأخذوا عنه مبادئ المنهج الاستقرائي وتطبيقاتها في العلوم المختلفة، كما نقلوا المبادئ الشاملة للتراث الأخلاقي والسياسي والقانوني الإسلامي، كما درسوا بأناه منجزات العرب في ميادين الطب والفلك والكيمياء والهندسة.. الخ ليبدأوا نهضتهم العلميَّة الحديثة (20).
ثانياً: الأدلة التي استند إليها بعض الغربيين لإنكار الأصول الشرقيَّة للعلم اليوناني:
يزعم بعض الغربيين أن هناك أدلَّة واضحة تؤكِّد أن العلم اليوناني ليس له أصول شرقيَّة، وهذه الأدلَّة تتمثَّل في أنَّ سمات العلم اليوناني تختلف كلاً وجزءاً عن سمات العلم – فمثلاً يزعمون أن في حضارات الشرق القديم تراكمت حصيلة ضخمة من المعارف ساعدت الإنسان في هذه الحضارات على تحقيق إنجازات كبرى ما زالت آثارها تشهد بعظمتها حتى اليوم، ولكن هذه المعارف لم تكن سوى خبرات موروثة، بل ربما كانت راجعة في أصلها إلى أقدم العصور البدائيَّة للإنسان، وقد ظلَّت تورث جيلاً بعد جيل، وساعات على إثراء حياته العقليَّة ؛ ذلك لأن هذه الشعوب التي عاشت في الشرق القديم، كانت بارعة فى الاستخدام العلمي للمعارف الموروثة، ولكنها لم تتوصَّل إلى النظريات الكامنة وراء هذه الخبرات، ولم تخضعها للتحليل العلمي الدقيق. أمَّا الحضارة التي توصَّلت إلى هذه المعرفة النظريَّة، والتي توفَّرت للإنسان فيها القدرة التحليليَّة التي تتيح له كشف المبدأ العام من وراء كل تطبيق عملي، فهي الحضارة اليونانيَّة (21).
فمثلا قالوا إن المصريين القدماء قد اهتمّوا بالخبرة إلى أنّ مجموع المربعين المقامين على ضلعي المثلث القائم الزاويَّة يساوى المربع المقام على وتر هذا المثلث، وكانوا يستخدمون هذه الحقيقة بطريقة عمليَّة في أعمال البناء، فعندما كانوا يريدون التأكيد على أن الجدار الذي يبنونه عمودي على سطح الأرض، كانوا يصنعون مثلثاً أبعاده ( 3، 4، 5 ) أو مضاعفاتها، حتى يضمنوا أن هذا المثلث سيكون قائم الزاوية، ومن ثم يكون الجدار عمودياً بحقّ ” لأن مربع 3 هو 9، ومربع 4 هو 16 مجموعهما هو مربع 5، أي 25 “، وقد ظلَّت هذه الحقيقة تستخدم عندهم بطريقة عمليَّة تطبيقيَّة، دون أن يحاولوا إثباتها بالدليل العقلي المقنع، بل إن الرغبة في إيجاد مثل هذا الدليل لم تتملّكهم على الإطلاق، لأن كل ما يهدفون إليه هو الوصول إلى نتيجة عمليَّة ناجحة، وهذه النتيجة تتحقَّق بتطبيق القاعدة فحسب، ولن يزيدها الاهتداء إلى الدليل العقلي نجاحاً (22).
وفي مثل هذا الجو يستحيل أن يظهر العلم، لأن العلم هو في أساسه بحث عن المبادئ العامَّة لا عن التطبيقات الجزئيَّة، وهو سعي إلى القاعدة النظريَّة، وليس اكتفاء بتحقيق أهداف عمليَّة، ولذلك فإن العلم لم يظهر للمرَّة الأولى، إلا عند اليونانيين القدماء الذين كان يتملّكهم حافز آخر يضاف إلى الإنجاز العلمي، هو الرغبة في الاقتناع، ولـم تكـن عقـولهم تهدأ إلا حين تهتدي إلى الدليل القاطع والبرهان المقنع (23).
وكذلك كان الحال في علم الميكانيكا النظري، كان اليونان _ فيما يقول جمهرة الغربيين من المؤرّخين – أوَّل من عالج دراساته بروح عمليَّة إذا كان لأرسطو الفضل في إنشاء هذا العلم النظرى، وإن جانبه التوفيق في صيغة عبارته، وأكمل الاسكندريون من أمثال ” أرشميدس ” ممن قنَّنوا المعلومات الميكانيكيَّة لأول مرَّة فـي تـاريخ العـلم (24).
وكان البابليون والكلدانيون قد سبقوا إلى مشاهدة الكواكب ورصدها، فأنشأوا بهذا علم الفلك العملى، ولكنهم كانوا مسوقين بأغراض تنجيميَّة أو عمليَّة ” كمعرفة فصول الزراعة ومواسم التجارة ونحوها “. أمَّا اليونان فهم الذين أقاموا علم الفلك النظري ورصدوا الكواكب لمعرفة القوانين ووضع النظريات التي تفسِّر سيرها تعلِّل ظهورها واختفاءها ويرجع الفضل الأكبر في هذا إلى ” بطليموس” الاسكندري في القرن الثاني بكتابه “المجسطى” الـذي ظـل المرجع الرئيسي في علم الفلك حتى مطلع العصر الحديث (25).
ومثل هذا يقال في العلوم التي أدَّت إليها في الشرق القديم بواعث دينيَّة أو أغراض عمليَّة، عالجها اليونان بروح عمليَّة حتى نشأت علوماً نظريَّة تستند إلى البرهان العقلي وتقوم على ” تقنين ” المعلومات بغير باعث ديني أو علمي (26)، وفي هذا يقول “تشارلس سنجر” (27): ” كان أهل المدنيات الشرقيَّة السابقين للإغريق يحصّلون المعرفة لأغراض عمليَّة، ذلك أنهم كانوا محتاجين إلى مسح الأرض وتحديد مواسم البذر والحصاد تحديداً دقيقاً وتقديم القرابين لآلهتهم، وتقسيم الوقت، ومعالجة المرض، ورفع شرّ السحر، والتحايل على قضاء ما تتطلّبه الحياة اليوميَّة من حاجات كثيرة، وقد تتقدّم المعرفة تقدّماً كبيراً إذ تسدّ هذه الحاجات، ولكنَّها لا تصبح قط علماً بكل ما في الكلمة من معنى، لأن حقيقة العلم كما يدل اسمه هي المعرفة الخالصة المجرَّدة – المعرفة بلا وصف ولا تعريف – المعرفة التي تقصد لذاتها، فالعلم بلا جدال شيء آخر غير سدّ هذه الحاجات، ولكن المعرفة بهذا التحديد هي العلم، ذلك أنّ من يحصلون المعرفة على هذا النحو الذي ذكرناه ينبغي أن يكونوا مقتنعين بأنَّ هذه المعرفة لها حقيقة في ذاتها خارجة عن عقولنا، وهذا هو ما آمن به الإغريق وما أنكروه على أهل الإمبراطوريات الشرقيَّة الكبرى ” (28).
ويذكر الدكتور ” فؤاد ذكريا ” أنَّ هناك مبرّرات جعلت بعض الغربيين يقولون بذلك، منها: (29)
أنَّ ما أنجزته الحضارات الشرقيَّة في باب العلم النظري أو الأساسي لا يكاد يعرف عنه شيء بطريق مباشر، ومعظم ما نعرفه عنه غير مباشر، أي من خلال التطبيقات العمليَّة لهذا، كما هو متمثِّل في الآثار الباقية من هذه الحضارات.
أن الفئة التي كانت العلم النظري كانت فئة الكهنة التي حرصت على أن تحتفظ بمعلوماتها العلميَّة سراً دفيناً تتناقله جيلاً بعد جيل وأن يبوح به إلى غيرها حتى تظلّ محتفظة لنفسها بالقوّة والنفوذ والمهابة التي تولدها المعرفة العلميَّة، حتى تضفي على نفسها وعلى الآلهة التي تخدمها هالة من القداسة أمام عامَّة الناس الذين لا يعرفون من العلم إلا قليلة.
وفضلاً عن ذلك فهناك كوارث طبيعيَّة وحروب وحرائق متعمّدة أو غير متعمّدة، أدَّت بدورها إلى ضياع ما يمكن أن يكون قد دوّن من هذا العلم في كتب، ونتيجة هذا كله هي أنَّ المعلومات عن الأصول النظريَّة للعلم الشرقي تكاد تكون محدودة للغاية.
تلك هي أهم المبرّرات التى يسوقها بعض الغربيين في افتقار الأدلَّة الواضحة على عدم وجود علم نظري عند الشرقيين. ولا شك في أنّها مبرّرات تفتقر إلى الدقَّة، بل ربما كانت مرتكزة على أسس غير علميَّة، ولكن الصعوبة الكبرى التي تجعل من العسير رفضها كليَّة، هو فعلاً النقص الشديد في المعلومات عن الأصول النظريَّة للعلوم التي توصَّل إليها الشرقيون، ويعترف بهذا بعض مؤرِّخي الغرب المنصفين، ولذا لا يجدون في هذا الموضوع مفراً من الاحتفاظ بقدر من الصورة على اقتناعهم في قرارة أنفسهم بافتقارها إلى الدقَّة.
فمثلا يقول “جوستاف لوبون”: ” لم يؤلّف كتاب في مصر إلا وفيه إطراء عظيم لمعارف المصريين. ولكن إذا أريد تحديد مدى هذه المعارف بالدقّة أعوزت المصادر والمستندات ” ويعطينا أمثلة على ذلك فيقول: ” لا نكاد نعرف شيئاً مثلاً عن الهندسة عند المصريين، ولكنّنا نستطيع الحكم إذا التفتنا إلى تطبيقاتها بأنها كانت راقية، فقد كان المصريون يعرفون تقدير سطح الأرض تقديراً ألمحوا إليه كثيراً في ورق البردي، وكانوا يعرفون الأقنية والبحيرات الصناعيَّة، وعرفوا أيضاً نظريَّة قطع الأحجار كما تدلّ على ذلك الآثار العجيبة، وخصوصاً في ممرّات الأهرام الكبيرة ” ويقول أيضاً “ونجهل مثلاً طرق الرقابة عند المصريين في علم الهيئة، ولكننا نعرف أنهم مهروا كل المهارة في توجيه آثارهم وكانوا على علم بمدار السنة، وهذا العلم يقتضي عدَّة معلومات لم تصل إليها الشعوب الراقية إلا أخيراً “.
ويستطرد ” لوبون” فيقول أيضاً: ” ولا نعرف تفصيلات الإجراءات الكيماويَّة الصناعيَّة، ولكننا ندرك أنها كانت عديدة معقَّدة، لأنهم استخرجوا بها المعادن وصنعوا الزجاج والميناء والبردى والعطور، حتى الجواهر الصناعيَّة والأواني والأصباغ التي لم يذهب بهاؤها آلاف السنين (30).
ولمَّا كانت الوثائق والمستندات عن الأصول النظريَّة للعلم الشرقي غير كافية، فقد جاهر معظم العلماء الغربِّيين إلى القول بأن الفلسفة والعلم يرجعان إلى الإغريق وبخاصَّة طاليس، فمثلاً يقول “إميل برييه ” E.Briehie في كتابه ” تاريخ الفلسفة “: ” إذا كنا نبدأ تاريخنا بطاليس فليس معنى ذلك، أننا نتجاهل التاريخ القديم الذي تمَّ فيه تكوين الفكر الفلسفي، وإنما لسبب عملي صرف، هو أنَّ الوثائق المتعلّقة بالمجتمعات البدائيَّة لا تكفي بدورها في إرشادنا عن اليونان في طورها البدائي”(31).
ولقد كان لنقص الوثائق وقلَّة المستندات عن الأصول النظريَّة للعلم عند الشرقيين، أثره السيّء في عقول وقلوب كثير من علماء الغرب؛ حيث أضحى العلم الشرقي يمثِّل عندهم موضع شك، وبالتالي فلم يدرس بعد الدرس اللائق به، لا من ناحية تاريخه ولا نظرياته ولا رجاله، ولا يزال يمثِّل الحلقة المفقودة في تاريخ العلم، فحتى اليوم لم تعرف نشأته بدقَّة، ولم يبيّن في وضوح كيفيَّة تكوينه، ولا العوامل التي ساعدت على نهوضه، ولا الأسباب التي أدَّت إلى انحطاطه والقضاء عليه، ولم تناقش نظرياته نظريَّة لتوضيح ما اشتملت عليه أفكار العلماء الشرقيين الأقدمين، وما جاؤوا به من ثروة جديدة أضافت إلى رصيد الإنسانيَّة قيمه لا تقدر. ونتيجة هذا كله أخذ بعض الغربيين يلقون على مسامعنا بأن الباحث إذا أراد أن يخوض في الكشف عن الأبعاد الحقيقة لنشأة العلم اليوناني سيجد نماذج ناقصة ومبتورة ومشوّهة وكلمات غامضة للدلالة وأساليب تدلّ على معانٍ قد اندثرت مع عادات للقوم لا نعرف عنها شيئاً. وهذا ” جون برنال” Jhon Bernal يعلن هذا بصريح العبارة إذ يقول:” إنَّ دراسة أصول العلم تمثِّل مشكلة مزدوجة فهناك أولاً تلك الصعوبة التي تعترض كل دراسات الأصول ونعني بها أن الدارس كلما تعمَّق في الماضي البعيد، والتقى بالفترات الحرجة إلا أنَّه في حالة العلم يواجه صعوبة إضافيَّة ناشئة عن أن العلم لا يبتدي في الوهلة الأولى في مظهر معروف ” (32).
لذلك يتَّضح لنا ممّا سبق أن بعض الغربيين ينكرون فكرة أن الأبعاد الحقيقة لنشأة العلم اليوناني، قد ظهرت في حضارات الشرق القديم، وإنما كل ظهر في تلك كان مجرَّد بوادر أوّلي لا تستحقّ أن تعد بداية حقيقة للعلم الذي لم تتَّضح معالمه الحقيقيَّة إلا فيما بعد عند قدماء الإغريق.
وفي الوقت الذي أخذ فيه هؤلاء الغربيّون يؤكّدون هذا كان فريق منهم يصول ويجول لإثبات أن العلم بمعناه الحقيقي لم تظهر معالمه الحقيقيَّة في بلاد اليونان فقط، وإنما ظهر في عصر النهضة.
وهذا الفريق ينطلق من مقولة أنَّ التنقيب في أطلال الماضي للتوصّل إلى حضارات مزدهرة قبل اليونان أو بعد اليونان ليس سوى مضيعة للوقت؛ وذلك إزاء الطابع الملح للقضايا والمشكلات العلميَّة القائمة الآن، وهو موقف عفا عليه الزمن، وعلينا أن نقطع صلتنا بكل هذا الماضى المشوَّش والهمجي واللحاق بالعالم الحديث الذي تندفع تقنياته بسرعة الإلكترونات، والعالم في طريقه إلى التوحّد، وعلينا أن نكون في طليعة التقدّم. وسيحل العلم في القريب العاجل كافة المشاكل الكبرى؛ بحيث تصبح تلك المشاغل المحليَّة والثانويَّة غير ذات موضوع، ولا مجال لأن تكون هناك لغات تعبِّر عن ثقافة ما سوى لغات أوربا التي أثبتت أصلاً قدرتها على ذلك ممَّا يعني أنها قادرة على نقل الفكر العلمي الحديث وأنها عالميَّة فعلاً (33).
وأصحاب هذا الرأي كثيرون، ونكتفي بذكر واحد منهم على سبيل المثال لا الحصر، هو ” برتراندرسل “؛ حيث يرى أن العلم التجريبي لم يصبح عنصراً أساسياً من عناصر الحياة الإنسانيَّة إلا منذ عهد قريب نسبياً، إذا قيس بالفن الذي سار خطوات نحو التقدّم قبل العصر الجليدي الأخير – ذلك إن صح أن يقال عن الفنون أنها تتقدَّم – إذ تدل الرسوم التي نراها على جدران الكهوف القديمة، على أن الإنسان القديم ساكن تلك الكهوف، قد عرف التعبير عن نفسه تعبيراً فنياً حتى في ذلك العهد البالغ في القدم (34).
وكذلك يتَّصف العلم التجريبي بالحداثة إذا قيس بالدين، لأن الإنسان قد أعتقد وعبد منذ فجر التاريخ، فلست تجد بين المدنيات القديمة، مهما رسَّخت في القدم خلت من الدين عنصراً أساسياً جوهرياً يصبغ كل آثارها بصبغتة (35).
وأما العلم فيمكن القول بأنّه لم يبدأ شوطه في حياتنا الإنسانيَّة بصفة جديدة إلا منذ النهضة الأوربيَّة، وعلى ذلك فعمره لا يزيد على ثلاثة قرون أو نحو ذلك. وحتى في هذه الفترة القصيرة، تراه قد اقتصر في نصفها الأوّل على العلماء وحدهم؛ بحيث لم يكد يتغلغل بتأثيره إلى عامَّة الناس في حياتهم اليوميَّة، فلم يكن له هذا الأثر العميق في حياة الناس إليوميَّة إلا في المائة والخمسين عاماً الأخيرة. واستطاع في هذا العمر البالغ في القصر أن يغيِّر من وجهة الحياة الإنسانيَّة بما لم تغيّره القرون منذ عدّة آلاف من السنين قبل ذلك، فمائة وخمسون عاماً من حياة العلم، هي في حياتنا أعمق أثراً من خمسة آلاف عام مضت، كادت ألا تعرف العلم في ثقافتها (36).
ولم يكن ظهور الروح العلميَّة الصحيحة أيَّام النهضة الأوربيَّة، ثم تطوّرها تطوّراً سريعاً مدى ثلاثة قرون، مصادفة عمياء جاءت عرضاً في سير التاريخ – بل جاء ذلك نتيجة مباشرة لبذر بذور المنهج العلمي على يد “جاليليو ” في القرن السابع عشر الميلادي، وفي هذا يقول “رسل ” في كتابه ” النظرة العلميَّة “:” إذا قلنا أننا نعيش في عصر علمي، كنا نردِّد قولاً معروفاً، غير أنه كمعظم الأقوال الشائعة غير كامل الصحَّة، فلو قد أتيح لأسلافنا أن يروا مجتمعنا، لبدا لهم بلا مراء أننا قوم علميون جداً، ولكننا في أغلب الظن سنبدو عكس ذلك تماماً في نظر أخلافنا، ولم يصبح العلم عنصراً من عناصر الحياة إليوميَّة، إلا منذ وقت قريب أبلغ القرب. أمَّا الفن فقد كان متقدّما قبل العصر الجليدي، وآيَّة ذلك الصور البديعة التي وجدت في الكهوف، ولا يسعنا أن نتحدَّث عن قدم الدين بنفس الثقة، ولكنه في أغلب الظن مقترن بقدم الفن، ويمكننا أن نحزر أن كليهما قد وجد منذ ثمانين ألف سنة تقريباً. أمّا العلم فلم يبدأ بوصفة قوَّة مهمة إلا بجاليليو، أي أنه لم يوجد إلا منذ ثلاثمائة سنة تقريباً، وفي النصف الأول من هذه الفترة القصيرة، لم يكن يشغل غير العلماء، فلم يكن يؤثِّر في أفكار الأشخاص العاديين وعاداتهم، ولم يصبح العلم عنصراً هاماً في تحديد شكل الحياة إليوميَّة للناس عامَّة إلا في أثناء المائة والخمسين سنة الأخيرة، وقد أخذت من التغيّرات العظمى في هذه الفترة القصيرة، ما لم يحدث مثله منذ أيام المصريين القدماء، فقد كان لمائة سنة من العلم تأثير ضخم عجز عن إحداث مثله خمسة آلاف سنة من ثقافة ما قبل العلم “(37).
ولقد ساير الدكتور ” محمد عابد الجابري ” فيما ذهب إليه رسل هنا، حيث يذكر ” الجابري ” أكثر من سبب لبداية العلم الحديث مع جاليليو وبداية القرن السابع عشر الميلادي من هذه الأسباب ما يلي (38).
1- إذا رجعنا القهقرى، كما فعلنا من العصر الحاضر، نجد أن خيط التطوّر مستمراً متواصلاً – على الرغم من منعطف القرن العشرين إلى جاليليو. أما قبل هذا الأخير فشعاب الطريق متقطّعة، وسهام التوجيه تتَّجه إلى الماضى لا إلى المستقبل.
2- إن الفكر العلمي في القرن الوسطى الأوربيَّة كان يخضع للمفاهيم الأرسطيَّة والتطوّرات اللاهوتيَّة المسيحيَّة، فكان قديماً في روحه قديماً في إطار ومناخه قديماً في مناهجه وأدواته.
3- إن العلم الحديث وليد الحضارة الحديث وعنصر فاعل فيها، والحضارة الأوربيَّة الحديثة لم تستكمل مقوّمات انطلاقتها إلا في القرن السابع عشر.
4- إن تاريخ العلوم السائد الآن تاريخ أوروبى النزعة تتّجه أنظاره من “اينشتين” و”ماكس بلانك” إلى “نيوتن” و”جاليليو”، ومنها إلى” اقليدس” و”أرسطو”. أما العلم العربي فهو لا يحظى في أحسن الأحوال إلا بإشارات عامَّة عابرة. أمَّا المسار العام فلا يتَّخذ منه سوى قنطرة مر عليها التراث الإغريقي إلى العالم الغربي. ومن هنا كان القديم _ في هذا المنظور التاريخي الأووربي – يعني “العلم الأرسطي”. وكان الحديث يعني “العلم الجاليلي”.
وهذه الصورة التي يصوّر بها رسل نشأة وأتباعه العلم الحديث يمكن لنا أن نبدي عليها بضع ملاحظات نعتقد أنها على جانب كبير من الأهميَّة:
أ- إننا لا ننكر أن العلم قد خطا خطوات واسعة وجبّارة على يد “جاليليو”، إلا أن “جاليليو” لم يبدأ من فراغ، بل إنه استوعب جهود العلماء السابقين عليه، ثم انطلق هو وغيره من العلماء الأوربيين من هذه الأعمال وغيرها محقّقين تطوّراً مذهلاً فى العلوم، ومقدّمين للبشريَّة منجزات هائلة طوال القرون الثلاثة الماضية.
ب- ليس من اليسير أن نحدِّد نقطة الصفر التي انطلق منها العلم؛ لأن العلم شأنه شأن صور الفاعليات الإنسانيَّة الأخرى كائن متطوّر نامٍ، لم يولد كاملاً راشداً: بل لا بد أن يكون قد مرَّ بمراحل طويلة من الصقل والتهذيب، لكى يبلغ مرتبته الراهنة من النضج، وبالتالي يجب أن نقتفي أثره حتى أدنى مستوياته في الحياة البدائيَّة للإنسانيَّة.
جـ- إن برتراندرسل وأمثاله حين شرعوا في ثورة التحديث في مجال العلم، لم ينكروا ماضيهم وتراثهم اليوناني ولم يستنكروه، بل إن التحديث لديهم اعتمد على الولاء الإبداعى للماضي وليس قطع الصلة به. ألم يقل “رسل” فى مطلع كتابه الضخم المسمَّى” تاريخ الفلسفة الغربيَّة”: ” أن اليونان هم الذين أنشأوا الرياضة وابتدعوا العلم الطبيعي وابتكروا الفلسفة “!. (39).
ومن هذا المنطلق وجدنا أنه منذ الأربعينيات والعقل الأوربي يراجع ناقداً نفسه وقد انحسرت هيمنته، وأخذ يتساءل: هل استقال العقل الأوربي عن دوره الحضاري ؟!… ومنذ الستينيات تفجَّر بركان الغضب، وشملت الأزمة العقل الغربي بعامَّة، واهتزَّت مقولات رسَّخت على الساحة الفكريَّة زماناً تجاوز القرنين. وبدا أن التاريخ الذى رسم مساره الفيلسوف الألماني ” هيجل ” ليس هو الخطاب الصحيح، وظهرت اليابان وبلدان العالم الثالث على السطح بثقافاتها وتطلعاتها وجهودها باحثة عن هويتها وتاريخها، ناقدة وناقضة مقولات الغرب، وبدت حضارات هذه الشعوب بتعددها الخصيب المتكامل وبعمقها التاريخى العريق خطاباً إنسانياً جديداً فى المعرفة (40).
وتعدَّدت البحوث والدراسات الفكريَّة والفلسفيَّة والعلميَّة في محاولات نقديَّة وتصويبيَّة للعقل الغربي، وعقل عصر التنوير الأوروبي بالذات ولمعت أسماء وسطعت تيارات فكريَّة وسادت نظريات ومناهج بحث كاشفة عن دور الايديولوجيات في العلوم الإنسانيَّة والطبيعيَّة معاً، وانحيازها الخفي أو الساخر دفاعاً عن ثقافة الغرب. وتجسّد هذا الانحياز في نظريات وصفت بالأكاديميَّة، حيث حدّثتنا عن العرق الأسمى والعقل الأرقى، وأن لهما الحقّ بالوراثة والطبيعيَّة في السيادة على من هم دونها، وهذا ما يعنى فى النهاية سيادة الغرب عقلاً وعرقاً على العالم أجمع لأنَّه الأدنى (41).
وارتدينا جميعاً قناع الايدلوجيا الغربيَّة زمناً، وكأن فروضها من حيث لا نعي مسلّمات تصوغ رؤيتنا للحياة والتاريخ (42).
إلا أن الأقدار لم تشأ أن تستمر تلك الأيدولوجيات كثيراً، فقد ظهر علماء ومفكّرون وفلاسفة كانوا موضوعيين مع أنفسهم ومع الحقيقة ومع التاريخ، فقالوا بما أملته عليهم ضمائرهم الحيَّة وروحهم العلميَّة الموضوعيَّة، ومن ثم قرَّروا أن الكلام عن معجزة يونانيَّة ليس من العلم في شيء.
الهوامش
- د.عبد الوهاب المسيرى: الصهيونيَّة ونهاية التاريخ، دار الشروق، القاهرة، 1997، ص 27.
- نفس المرجع، ص36.
- نفس المرجع، ص37.
- د.فؤاد زكريا: التفكير العلمى، ص120.
- برتراندرسل: هو فيلسوف إنجليزي معاصر توفى سنة 1970.
- البيرريفو: هو مفكر فرنسي معاصر، له اهتمامات خاصة بالفلسفة اليونانيَّة.
- سانت هلير: هو أستاذ الفلسفة اليونانيَّة بالكوليج دى فرانس وقد كان وزير للخارجيَّة الفرنسيَّة في الأربعينات.
- برتراندرسل: حكمة الغرب، الجزء الأول، ترجمة د. فؤاد زكريا، سلسلة عالم المعرفة،عدد62، ربيع الثانى، جمادى الأول سنة 1403هـ – فبراير سنة 1983، ص 22.
- البيرريفو: الفلسفة اليونانيَّة – أصولها وتطوراتها، ترجمة د. عبد الحليم محمود ود.أبو بكر زكرى، مكتبة دار العروبة، القاهرة، بدون تاريخ، ص 24.
- سانت هلير: مقدمة كتاب الكون والفساد لأرسطو، ترجمة د. أحمد لطفي السيد الدار القوميَّة للطباعة والنشر، والقاهرة، بدون تاريخ ص64.
- أرنولد توينبي: هو واحداً من كبار المفكرين الأوربيين المعاصرين المتخصّصين في فلسفة التاريخ، من أشهر أعماله موسوعته العظيمة، دراسة التاريخ، حيث شرع يعمل فيها من عام 1921 حتى عام1961.
- أرنولد توينبي: التاريخ، بحث منشور ضمن كتابه ما خلفه لنا اليونان، ترجمة أحمد فردريك ومحمد على مصطفى، المطبعة الأميريَّة، القاهرة 1929، ص 350.
- هـ.أ.ل. فيشر A.L.Fisher: هو مفكر إنجليزى حصل على درجة الدكتوراه فى القانون وعضو الجمعيَّة الملكيَّة بلندن وعميد الكليَّة الجديدة باكسفورد ومؤلف كتاب Commonweal ” الصالح العام ” و” البوابارتبه “
- هـ.أ.ل. فيشر: فضل اليونان على العالم، بحث منشور ضمن تاريخ العالم، المجلد الثاني، الهيئة العامة للتأليف والترجمة والنشر، القاهرة،بدون تاريخ، ص 173.
- كيتو D.F.Kito: هو مفكر إنجليزي معاصر، تخصص في الآدب اليوناني والروماني وله أعمال كثيرة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر كتابه Poiesis.structure and thougth
- هـ.د. كيتو: الاغريق: ترجمة عبد الرزاق يسرى، دار الفكر العربي، القاهرة، 1962، ص 231-232.
- د. فؤاد زكريا: التفكير العلمي، ص 122.
- نفس المرجع، ص 132.
- د. مصطفى النشار: المعجزة اليونانيَّة بين الحقيقة والخيال، ص 92.
- نفس المرجع، ص97.
- د. فؤاد زكريا: نفس المرجع، ص 121.
- د. توفيق الطويل: أسس الفلسفة، ص 34.
- نفس المرجع، ص 34.
- نفس المرجع، ص 35.
- نفس المرجع، ص 35-36.
- نفس المرجع، ص 36
- تشارلس سنجر: هو واحداً من كبار المتخصصين في تاريخ الطب بجامعة لندن، ومؤلف كتاب ” علم الحياة وعلم الطب عند اليونانيين “
- تشارلس سنجر: الإغريق والكشف العلمى، مقال منشور ضمن كتاب تاريخ العالم المجلد الثانى، الهيئة العامة للتأليف والترجمة والنشر، بدون تاريخ، ص 77.
- د. فؤاد زكريا: نفس المرجع، ص 123 –124.
- جرستاف لوبون: الحضارة المصريَّة، ص 89-91.
- إميل برييه: تاريخ الفلسفة، الجزء الأول ” الفلسفة اليونانيَّة ” ترجمة جورج طرابيشى، دار الطليعة، بيروت،1982،ص 10-11.
- جون برنال: العلم فى التاريخ، الجزء الأول، ترجمة د. على على ناصف، المؤسسة العربيَّة للدراسات والنشر الطبعة الأولى، بيروت، 1981، ص 67-68.
- شيخ أنتى ديوب: الأصول الزنجيَّة للحضارة المصريَّة، ص18.
- برتراندرسل: النظرة العلميَّة، ترجمة عثمان نويه، مكتبة الانجلو المصريَّة، القاهرة، بدون تاريخ، ص ح.
- نفس المرجع، ص ح.
- نفس المرجع، ص ح.
- نفس المرجع، ص ح.
- د. محمد عابد الجابرى: مدخل إلى فلسفة العلوم ” العقلانيَّة المعاصرة وتطور الفكر العلمي ” مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، 1994، ص 233-234.
- برتراندرسل: تاريخ الفلسفة الغربيَّة، الجزء الأول، ترجمة د. زكى نجيب محمود، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1957، ص 37-38.
- شوقى جلال: الحضارة المصريَّة ” صراع الأسطورة والتاريخ ” دار المعارف، القاهرة، 1997، ص 85.
- نفس المرجع، ص88.
- نفس المرجع، ص89.