يسلّط إسماعيل طه الجابري في كتابه المعنون” هبة الدين الشهرستاني- منهجه في الإصلاح والتجديد وكتابة التاريخ” الصادر عن دار الشؤون الثقافيَّة العامَّة ضمن سلسلة أطاريح جامعيَّة، الضوء على حياة العلامة الشهرستاني ودوره البارز على أصعدة عدّة، ممّا ساهمت بإنارة مدارك هبة الدين السياسيَّة فكراً ومن ثمّ مواقف غلبت عليها النزعة التجديديَّة الإصلاحيَّة ساعية بوضوح لا لبس فيه إلى التخلّص من براثن التخلّف وقوقعة الجمود.
استعرض المؤلّف في كتابه تطلّعات الشهرستاني الإنسانيَّة المبنيَّة على أسس (المحبَّة والسلام) بين بني البشر جميعهم، وهي مسألة كانت وحدها هاجساً تجسّد منذ وقتٍ مبكِّر في كثير من مواقفه وآرائه الإصلاحيَّة، إذ عبَّر عن هذه المضامين برسالةٍ بعثها في 6 من أيار مايو 1953 إلى رئيس مؤتمر الأديان في اليابان جاء فيها”إنني كنت أيّام صباي أحبّ انتشار الألفة والأخوّة بين عامّة البشر، معتقداً أنّ حبّ الإنسان غريزة طبيعيَّة وفريضة شرعيَّة. ومنذ أكثر من نصف قرن ساورتني فكرة صلح الأديان وتوحيد طوائف الإنسان تحت لواء توحيد الخالق وأخوة الخلائق”.
هاجم الآراء الشوفينيَّة والتعصّب الأعمّ لافتاً إلى ما تجرّه مثل تلك الإيديولوجيّات المتطرّفة من ويلات وحروب وسفك دماء وخراب تتعدّى نطاق ظهورها. مسرّخاً مفهوم (الإنسانيَّة) في العلاقات بين بني البشر التي ترتكز عنده على مبدأ (نبذ الحروب) وسيلة لحلّ المشاكل العالقة بين الدول من جهة، والأخذ بقيم السلام سبيلا أمثل لتحقيق المطامح المشروعة بينها على وفق قاعدة التعاون والمصالح المشتركة من جهةٍ أخرى.
لعب الشهرستاني دوراً بارزاً في جمع المؤيدين للدستور وألقى الخطب المؤيّدة له والذائدة عن مبادئه التي يرى فيها توافقاً مع روح الإسلام باعتبار أنّ النهج الديمقراطي الدستوري أساس قويم في النظام السياسي لأية دولة إسلاميَّة، تتحقّق فيه العدالة الاجتماعيَّة وعن طريقه تتخلّص الدول من سطوة الاستبداد وما يجرّه من ويلات.
يعدّد الكتاب مواهب الشهرستاني، حيث درس علم الفلك والكيمياء والفيزياء والرياضيّات. وألّف كتاباً في علم الفلك عام 1910 استعرض فيه تطوّر هذا العلم منذ القدم وحتّى كشوفات عصره ومعارفه. وقد ترجم إلى الفارسيَّة والأورديَّة والروسيَّة كما كتب عنه ملخّص بالفرنسيَّة.
وانسجاما مع اتّجاهاته فقد راسل إمام الأزهر آنذاك الشيخ محمد عبده () وتبادلا الآراء لا سيما أنّ الأخير كان من روّاد المنهج التوفيقي بين الشريعة الإسلاميَّة وإنجازات العلم الحديث في عصره، كما انعقدت له صلات حميمة مع رشيد رضا.