يمثِّل كتاب ” أوروبا والإسلام.. تاريخ من سوء التفاهم” للمرِّخ الإيطالي فرانكو كارديني، الصادر عن دار شرقيّات القاهريَّة بترجمة الدكتور عماد بغدادي، بحثًا اكاديميًّا مهمًّا في تحليل ونقد مسار العلاقة بين أوروبا والإسلام، ابتداءً من العصور الوسطى مرورًا بعصر التنوير ولغاية العصر الحديث.
يتناول المؤلِّف في الفصل الأوَّل من كتابه وعنوانه ” نبي وثلاث قارات” قضيَّة استمرار الصدام بين المسيحيَّة والإسلام، رغم أنّ الحداثة في أوروبا فصلت الدين عن الدولة، إلا أنَّ معظم الأوروبيّين ينظرون بقلق للنفوذ المتزايد للحركات الإسلاميَّة، ما يسهم في ترسيخ الفكرة القديمة، التي مفادها أنَّ الإسلام هو العدو الأوَّل للحضارة الغربيَّة.
يرفض المؤلِّف في دراسته المقارنة بين أوروبا والإسلام لأنّها تقوم بين مصطلح جغرافي وديانة سماويَّة، ويرى أنّ المقارنة الصحيحة من الضروري أن تكون بين أوروبا وآسيا وذلك بسبب التناقض الشاخص بين العالمين، في إطار الصراع بين الشرق والغرب والذي يسبق التطاحن بين الإسلام وأوروبا بمدّة زمنيَّة طويلة.
ويسلّط الكتاب الضوء على أنَّ الإسلام لم يكن مجرَّد ديانة بل تحمل قوانينه نظامًا اجتماعيًّا متخمًا بالقواعد والأحكام التي يقارب بعضها ما يعرف اليوم بالدستور، ليسافر هذا النظام إلى أوروبا عبر التجارة والغزو الجزئي، إلى جانب العلوم والترجمات ومؤلّفات المسلمين، غير أن الحروب الصليبيَّة والأندلس والغزو التركي لشرق أوروبا، أسهم في تعزيز الفكرة السائدة بأنّ العرب والمسلمين هم الغزاة في الثقافة الأوروبيَّة، لذا ارتبط الإسلام لدى الأوروبي بالأتراك وجيوشهم، ولا يزال لدى شريحة غير قليلة من الأوروبيّين.
ويشير الكتاب كذلك إلى المنعطفات الحرجة التي شهدتها علاقة أوروبا بالإسلام، خاصَّة في القرنين التاسع عشر والعشرين الماضيين ولغاية إعلان وعد بلفور وتأسيس إسرائيل.
ويعزو الكتاب الأسباب الحقيقيَّة التي ساهمت بتأجيج العداء بين الأوروبيّين والإسلام، إلى المعلومات غير الدقيقة التي ترسّبت في الثقافة الأوروبيَّة الجمعيَّة عن الإسلام خلال القرون الماضية.
________
*الراصد التنويري (العدد 2) أيلول/ سبتمبر 2008.