سلايدرفكر وفلسفة

الوعي بالذات.. الطريق العربي نحو التنوير

تقديم:
انتقد المفكر التونسي، هشام جعيط، كيفية تلقي النهضويين العرب لأدبيات التنوير، مبرزًا الطابع السطحي والتبشيري لكثير من خطاباتهم في موضوع قيم ومبادئ فلسفة الأنوار. كما حاول تفسير الرفض الذي جُوبهت به القيم المذكورة في ثقافتنا، مُوضحًا أن السبب في ذلك يعود إلى المواقف الراديكالية لبعض فلاسفة الأنوار من الدين، إضافة إلى ما تتمتع به ثقافة التقليد من صلابة في المجتمعات الإسلامية. إنهما معًا يقفان وراء المساحة الصغيرة، التي انتصرت في ثقافتنا لِقِيَّمٍ ينظر إليها المجتمع بأعيُن الريبة. إلا أن متابعة أشكال تطوُّر مشروع التنوير في ثقافتنا، في علاقته بمختلف التحولات التي عرفتها مجتمعاتنا العربية، منذ نهاية القرن التاسع عشر، وإلى يومنا هذا، تُبرز أن المساحة المذكورة اتسعت، وأصبحت تستوعب فضاءات أكبر للعقل والأنوار.

تتيح لنا مواصلة الاهتمام بفكر الأنوار في الثقافة العربية أن ننتبه إلى الطفرة النوعية التي حصلت في فكرنا خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وهي طفرة ترتبط بجهود النهضويين العرب، الذين واصلوا عمليات التمرس بمكاسب الأنوار، فقد صدرت مجموعة من الأعمال الفكرية، التي تجاوز أصحابها عمليات التبشير بقيم التنوير، التي هيمنت على مساهمات نهضويي مطلع القرن الماضي، لطفي السيد، وفرح أنطون، وسلامة موسى، على سبيل التمثيل. فقد انخرط الفكر العربي في بناء أشكال أخرى من التفاعل مع مكاسب فلسفة الأنوار، وذلك انطلاقًا من مقاربة اهتمت بأسئلة التنوير في ضوء إشكالات الحاضر العربي، الأمر الذي يُبرز جوانب من العمق الذي اتسمت به نظرتهم للتنوير وأدواره في مجتمعاتنا.
اتجهت أعمال العديد من المفكرين والباحثين العرب، في الثلث الأخير من القرن الماضي إلى تعقل روح فلسفة الأنوار، وذلك في ضوء عنايتهم بأسئلة وتحديات الراهن العربي. فلم يعد ممكنًا، بعد امتحان ثقافاتٍ ومجتمعاتٍ عديدة لمبادئ فكر الأنوار، أن نواصل النظر بمقدماتها ونتائجها في نهاية القرن العشرين ومطالع القرن الجديد. ولتوضيح ذلك، نشير إلى أن أعمال عبدالله العروي، وهشام جعيط، وناصيف نصار، ومحمد عابد الجابري (1936 – 2010)، ومحمد أركون (1928 – 2010)، على سبيل التمثيل لا الحصر، أنتجت جهودًا نظرية مركَّبة، أثناء اقترابها من أسئلة مفاهيم وقيم الأنوار. نتبين ذلك في حرصهم على استحضار الشروط الذاتية لمجتمعاتنا، ومقتضياتها المتصلة بالخصوصيات التاريخية والثقافية التي تحملها، وكذا استحضار الخصوصية التاريخية والثقافية لفلسفة الأنوار في سياق نشأتها الغربية، وفي صوَّر التطور الذي لحقها بعد تعميمها في مجتمعات أخرى خارج القارة الأوروبية، الأمر الذي أنتج في فكرنا حوارًا جديدًا ومنتجًا مع قيم التنوير. ولهذا السبب، نعتبر أن مساعيهم الفكرية ساهمت في بناء الملامح الكبرى في فكرنا العربي، لما نطلق عليه عقلانية الوعي بالذات، وهي عقلانية تروم المساهمة في بناء مقدِّمات تنويرٍ مُكافئ لأسئلة وتطلعات مجتمعنا.
لا نقف في أعمال المفكرين والباحثين الذين يمثلون لحظة الوعي بالذات في فكرنا المعاصر، على حوار مباشر مع فلسفة الأنوار، بل نجد أن أعمالهم تكشف درجات تمثلهم للأفق الفكري والتاريخي، الذي أشاعته قيم التنوير في التاريخ، مع محاولات في إعادة التفكير فيها، ومراجعة بعض أسسها. صحيح أن بعضهم اتجه إلى البحث في حدود بعض قيم التنوير، مثلما فعل محمد أركون، وهشام جعيط. وأن بعضهم الآخر استعان بروحها النقدية، وحاول تكييفها مع مقتضيات التاريخ والثقافة العربية الإسلامية، كما نجد في مشاريع وأطروحات نقد العقل العربي عند كل من الجابري، وأركون، وكذا في الأعمال الأخيرة لناصيف نصار، التي اعتنى فيها بالحرية والسلطة، حيث نجد أنفسنا أمام جهد نظري كبير في عمليات إعادة البناء. وبمحاذاة من ذكرنا، نجد من استعان بروحها النقدية، وهو يواجه أوضاع التأخر التاريخي العربي، كما هو عليه الحال في كثير من أعمال عبدالله العروي. إلا أنهم جميعًا تمثلوا بطرق مختلفة روح فلسفة الأنوار، وبلورت أعمالهم نوعاُ من الحوار النقدي والإيجابي مع أرصدتها في الفكر والسياسة والتاريخ. وسنقوم اعتمادًا على معطيات مركَّبة من أعمال بعضهم، بعرض مكثَّف لجملة من المواقف الكاشفة، لجوانب من كيفيات تلقيهم وتطويرهم لفكر الأنوار.
اخترنا التوقف أمام أعمال مفكرين اثنين تجمع بينهما روابط متعددة، ويشكل هاجس التنوير جامعًا مركزيًا بينهما، إضافة إلى تميزهما معًا بتكوين معمق في التاريخ العربي وتاريخ الفكر الغربي الحديث والمعاصر، وتطلعهما معًا إلى بناء تفاعل إيجابي مع أحوال التأخر التاريخي في عالمنا. يتعلق الأمر بعبدالله العروي، وهشام جعيط، وهما معًا ينخرطان منذ سبعينيات القرن الماضي في مواجهة أسئلة التأخر التاريخي العربي، وأسئلة النهضة العربية، ويحرصان داخل هذا الأفق، على الانحياز لروح الأنوار كل بطريقته الخاصة، سواء في اختيار مجالات البحث، أو في لغته وأسئلته.

تاريخانية العروي تنتصر لقيم التنوير

يستند المشروع الفكري لعبدالله العروي إلى مكاسب العقلانية في القرن الثامن عشر، ومشروع التحرر الليبرالي في القرن التاسع عشر، كما يستند إلى تصوُّر معيّن للماركسية. وهو ينطلق قبل ذلك، في بناء خياراته الفكرية من موقفه العام من التأخر التاريخي العربي، الذي شكَّلت هزيمة 1967 لحظة من لحظاته الفاصلة. وقد عمل طيلة خمسة عقود من الكتابة والبحث،على بناء مشروع فكري إصلاحي يتوخى المساهمة في تجاوز المصير العربي.

انصب اهتمام العروي على أسئلة التاريخ وأسئلة التقدم، وحاول دون توقف ولا تردُّد ولا تراجع، نقد التصورات اللاتاريخية في النزعات الإصلاحية العربية، التيارات السلفية والتيارات الانتقائية، مؤكدًا على أهمية التعلم من دروس التاريخ الحديث والمعاصر. وقد رسم في بداية حياته الفكرية نهاية ستينيات القرن الماضي، سنة صدور مصنفه الأول بالفرنسية سنة 1967 في موضوع الأيديولوجيا العربية المعاصرة، برنامجًا محددًا في الإصلاح الثقافي والسياسي، نتبيَّن في قلبه الملامح الكبرى لمآثر الأنوار. كما نقرأ فيه كيفيات توظيفه لفلسفات أخرى، استوعبت بدورها أشكالًا من الحوار مع مبادئ التنوير. يحضر كل ما أشرنا إليه في ثنايا كتبه في المفاهيم، الحرية (1981)، والدولة (1982)، والتاريخ (1992)، والعقل (1996). كما يحضر في كتاب السنة والإصلاح (2008)، وكتاب ديوان السياسة (2009)، ويحضر بشكل جَلِي ومباشِر في الترجمة التي أنجز لنص دين الفطرة لروسو (2012)، كما يحضر في المقدمة التي كتب لهذه الترجمة، حيث يبرز بوضوح تام أهم خياراته، كما يوضح جوانب من صوُّر تعامله مع مكاسب فلسفة الأنوار.
نتبين المعالم الكبرى لقيم التنوير في مساعيه الفكرية النقدية والتاريخية، وهي مساع تتوخى تمثُّل مكاسب ومنجزات الحداثة والتحديث. نتبين الملامح الكبرى لما نحن بصدده في أبحاثه الأولى المجموعة في كتابه الهام العرب والفكر التاريخي (1973)، وقد أعاد نشره في طبعة ثانية مزيدة ومعدلة بالفرنسية بعنوان: أزمة المثقفين العرب (1974). ولو توقفنا أمام بعض جهوده الفكرية قصد التوضيح، لوجدنا أنفسنا أمام مشروع فكري يتجه صاحبه للإقرار بأن بلوغ عتبة النهضة العربية يتطلب التعلم من الآخرين؛ التعلم مما يسميه في كتابه مفهوم العقل “المتاح اليوم للبشرية جمعاء”، وهي لازمة تتكرر في الكتاب، أي الاستفادة من مختلف مكاسب الحضارة المعاصرة في المعرفة والسياسة والتاريخ.
تتيح لنا المقدمة التي كتب لترجمته لنص روسو دين الفطرة، أن نقف على صوَّر تمثله لفلسفة الأنوار، حيث يشير إلى أن أعمال روسو تندرج ضمن منظور مفكري عصر الأنوار للمجتمع الجديد. كما يوضح فيها موقفه من الدين الطبيعي، مبرزًا أهمية هذه المواقف في دائرة النقاش المتصل بموضوع حرية العقيدة، وهو النقاش الذي يجري اليوم بأشكال مختلفة بيننا وداخل مجتمعنا. ونقف في مقدمة العروي المُعَدَّة بتركيز شديد، على أبرز الخلاصات التي ركَّبها التصور الأنواري في موضوع الدين الطبيعي، يتعلق الأمر بإعطاء الأولوية للعقل من جهة، وإيلاء مبدأي الوضوح والبساطة الأهمية اللازمة لحصول الاقتناع بمسألة الإيمان. وإذا كان بعض دعاة الدين الطبيعي ينكرون الوحي، فإن روسو منح في تصوراته الدينية مكانة خاصة للضمير الأخلاقي.
لا يتوقف العروي، سواء في هوامش الترجمة، أو في متنها، عن تسجيل ملاحظاته المرتبطة بسياقنا التاريخي، الذي يحتاج اليوم بدوره إلى خيارات ومفاهيم روسو، من أجل نقد منظومة العقائد والتقاليد السائدة. وسواء في الترجمة، أو في الهوامش والتعليقات، نجد أنفسنا أمام جهد نقدي لا يمارس صاحبه عملية تَخندق ناسخةٍ لمبادئ وقيم التنوير، بل يقوم بعمليات تَفَكُّرٍ في جملة من المعطيات النظرية والتاريخية، المرتبطة بأسئلة التنوير وسياقاته في مجتمعنا.
تحضر روح التنوير في أعمال العروي في صورة مركبة، والمقصود بالتركيب هنا، أن أعماله تضيف إلى مزايا أنوار القرن الثامن عشر، منجزات التنوير كما تطورت في الفلسفة المعاصرة من دون إغفال المنطلقات الفكرية لمشروعه في الإصلاح والتحديث، والمتمثلة في تطلعاته الْمُعْلَنَة إلى تجاوُز التأخر التاريخي العربي. وكل هذا يعزز نوعية العلاقة التي رسمت أعماله مع فكر الأنوار، ومع الأدوار المنتظرة منه في موضوع النهوض بالمجتمعات العربية.

ريبية هشام جعيط طريق لبناء قيم التنوير


تبني أعمال جعيط حوارًا مع فلسفة الأنوار، وهو بالرغم من محاصرته النقدية للتصورات الغربية المغرضة عن التاريخ الإسلامي، لحظة معالجته لأنماط العداء المتبادلة بين الإسلام والغرب، ونقده للمركزية الغربية ولمواقف الغرب من الإسلام في أزمنة محددة، إلا أنه مقتنع تمامًا بأن الطريق الذي يجمعنا بالغرب وأنواره واحد، وذلك رغم كل العوامل المولِّدة للاختلاف والتباعد. وبناء عليه، لا مفر في نظره من الانخراط في أزمنة الحداثة والتنوير، كما تبلورت وما فتئت تتبلور في التاريخ، ليس في أوروبا وحدها، بل في كل أنحاء العالم، حيث انخرط الجميع منذ القرن التاسع عشر في عمليات من التفاعل الإيجابي والسلبي مع منتوج الثقافة الغربية، ليصبح مشروع التنوير في النهاية مشروعًا للجميع.. أي ليصبح مشروعًا قابلًا للتطوير وإعادة البناء. وضمن هذا الأفق، تبلورت أعماله الفكرية مبرزة السمات العامة التي ميزت نصوصه.
نقف في أعمال جعيط الفكرية على شجاعة في الرأي، ووضوح في الخيارات والمواقف قَلَّ مثيلها في نصوص فكرنا المعاصر. ومنذ مصنفه الأول الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي (1974)، وكتابه أوروبا والإسلام (1978)، والمحاضرات التي جمع في كتاب أزمة الثقافة الإسلامية (2001)، نجد أنفسنا أمام ثراء في النظر مصحوب بكثير من الريبية والتوتر. إنه يعدُّ الدعوة إلى الانحياز إلى خيار مُحَدَّد ضمن ثنائية إسلام/ التنوير ليست بالأمر السهل. ولا يتردد في مختلف أعماله من تركيب الأسئلة والتحفظات المبرِّرة لريبيته. وشكَّلت ثلاثيته: في الوحي والسيرة النبوية، عملًا ينفتح على قضايا وإشكالات نظرية وتاريخية وعقائدية، نقصد بذلك موضوع الوحي والنبوة في التاريخ الإسلامي. وفيها يقترب جعيط من الوحي مستعينًا برؤية أنوارية وعقلانية تفهمية، ومنطلقًا من اعتبار أن الوحي “جدل بين أعماق الضمير المحمدي، وهو الإله الداخلي، وبين الإله الخارجي فيما وراء العالم”.
تعلم جعيط من الروح النقدية الأنوارية، لزوم المغامرة وضرورتها في التاريخ. وانخرط في معانقة قدره، وهو يَقْبَل الخلاص التاريخي الممكن، لكنه لا ينسى عذابات الروح، لا ينسى التناقض الأكبر بين الله والعالم، بين الأبدية والعدم، يبني تصوراته الفكرية والتاريخية بكثير من الاحتياط، يستوعب لغة المطلق الدينية باعتبارها جزءًا من التاريخ العام، الذي يُفْتَرَض فيه حصول المساعي الإنسانية، الرامية بلغاتها وحساسياتها المختلفة إلى فهم الإنسان والعالم في أبعادهما المختلفة. ولو انتقلنا من ذلك إلى عتبة الاستماع لهواجسه النظرية في تناقضاتها وإيقاعاتها المختلفة، لوجدنا أنفسنا أمام ثراء في النظر يعكس درجة من أعلى درجات التوتر الروحي والتاريخي في فكرنا المعاصر؛ فليس من السهل في نظره التفريط بالذات العربية الإسلامية في تركيبها التاريخي، كما تَشَكَّلَ في دائرة الزمان، ولا يمكن في الوقت نفسه، إغفال مكاسب الفكر المعاصر في تعددها وغناها المُنْقَطِع النظير.
ينتقد جعيط مثل العروي التصور السلفي للتاريخ، ويرفض المنظور الغوغائي لحركات الإسلام السياسي و”الصحوة الإسلامية”، لكنه يحفظ للإسلام وللذاكرة الإسلامية امتياز التعبير العميق، عن جوانب من مكونات ومكنونات الذات التاريخية، مساعي البشر الساعين لتعقل ذواتهم في التاريخ، ووعي مصيرهم في زمانياته المفتوحة على الأبدية.
لا نجادل في استيعاب كتابات هشام جعيط لخيار القطيعة، مثلما هو عليه الأمر في كتابات عبدالله العروي، إلا أن قطيعة جعيط تَرِدُ في قلب نصوصه المشحونة بالتوتر، ومشحونة في الآن نفسه، باستعارات دالَّة على عنفوان معاناته، فقد تحدث مرة عن التقليد الأكبر، التقليد الياباني لدروس ومكاسب الحضارة الغربية، وهو يكاد يرادف في دلالاته السياقية مفهوم القطع والتجاوز. ولأن نصوص جعيط لا تتجه بالتفكير في إشكالية العلاقة بين الإسلام ومكاسب الثقافة الغربية في دائرة التفكير في التأخر التاريخي العربي من زاوية نظرٍ سياسية خالصة، فإنه لا يكتفي مثل عبدالله العروي ببناء اقتراحات وتقديم حلول عملية مباشرة وحاسمة، في موضوع البحث في سُبُل تجاوز مظاهر التأخر وتبعاته، بل إنه يتوخى في أعماله تركيب تصوُّرات تتداخل فيها لغات متعددة، وبناء على ذلك تحدثنا ونتحدث عن التوتر والتناقض والتحفظ في نصوصه، وفي نظرته للقضايا العربية.
لا جدال في كون المعطيات التي قدمنا من خلالها عينة من كيفيات امتحان وإبداع الأنوار في ثقافتنا وضعتنا أمام الصعوبات والعوائق التي ما تزال تواجه أنماط وعينا الجديد بقيم التنوير في حاضرنا، الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن التنوير صيرورة، وإن واجهته اليوم مفتوحة على معارك، بعضها قائم وبعضها يتحين الفرص للقيام بما يمهد الطريق لمزيد من توطين قِيَّمه وتأصيلها داخل ثقافتنا. فنحن “نعيش في زمن يتجه لرفع غلالة السحر عن العالم، سحر الأقدمين وسحر المحدثين، من أجل المساهمة في بناء عالم بدون أسرار”.
تلتقي خيارات عبدالله العروي النقدية بالنزعة الريبية المعْلَنة في كثير من منطوق وبياضات أعمال هشام جعيط، وهما معًا يبنيان في فكرنا المعاصر مداخل جديدة لأنوار عربية قادمة. ولم يكن يهمنا في هذا العمل رصد أوجه الاختلاف، أو الالتقاء، في أعمالهما، بحكم أن سياق هذا العمل يتجه لرسم ملامح المشترك بينهما في موضوع التنوير، أي بناء عقلانية التنوير في فكرهما، عقلانية الوعي بالذات في عالم متغير.
تضعنا جهود من توقفنا أمام أعمالهم في علاقتها بفكر الأنوار، أمام طريق ينفتح على أفق في التأسيس لأنوار عربية، طريق يُمهد لعصر جديد وقيم جديدة، ونحن نفترض أن جوانب هامة من قوتها تتمثل في التفاعل الإيجابي والنقدي الذي مارسته أعمالهم مع ميراث التنوير ومكاسبه، إضافة إلى أشكال استحضارهما لمختلف التحديات والأسئلة المطروحة اليوم في ثقافتنا ومجتمعنا. ونفترض أن الجدل الثقافي والسياسي المتواصل اليوم في مجتمعاتنا، في موضوعات التحديث والموقف من التراث ومن الماضي، يؤشر بوضوح على عمليات التهييء والتمهيد لأنوار عربية.
______
*المصدر: ضفّة ثالثة. 


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة