ينشط “المنبر الدولي للحوار الإسلامي” في لندن منذ سنوات بتطوير منهج لدورة تدريبيَّة تستهدف الشباب المسلم في الغرب والعالم الإسلامي تحت عنوان “النجاح في عالم مضطرب” معتمداً على خبراء في مجالات حديثة لتطوير الذات.
بدأ الفكرة بالتدريب على عدَّة مهارات أساسيَّة لتطوير القابليّات الفرديَّة في العمل والتفكير، ثمّ تحوّلت في العام الماضي إلى دورة متكاملة لتشكيل نظرة جديدة للنفس والحياة ودور الفرد في “عالمٍ مضطرب” عبر التركيز على ستَّة مفاتيح أساسيَّة لإدارة الذهن مفاهيميّاً وعمليّاً.
نظَّمت الدورة، بنسختها الجديدة، عدَّة ورشات تتبنَّى صيغة المشاركة الفعّالة في عدّة دول عربيّضة، وستواصل جولتها في بلدانٍ أخرى حتى كانون الثاني/ يناير من العام المقبل حيث تقيم أوّل ورشة موسَّعة لتدريب المدرّبين في الشرق الأوسط ببيروت.
ولكن.. هل يمكن فعلا “النجاح” في هذا “العالم المضطرب” الذي نعيش فيه؟
ربما يعتمد ذلك على تعريف “النجاح” وعلى إدراك “الاضطراب” ومداه في العالم اليوم، أي نجاح؟ في العمل- في الموهبة؟ في الحياة الخاصَّة؟ أم في المسيرة العلميّضة؟ وأي عالم؟ بلدي؟ منطقتي؟ محيطي الثقافي؟ أم محيطي المذهبي؟ أم العالم كما يتمّ تعريفه بالمصطلحات الحديثة عبر “العولمة” حيث الكل يعيش في قرية صغيرة يؤثِّر ويتأثَّر، طبعاً على قدر السلطات التي يملكها؟
ربّما تختلف التعريفات وقد تتباين في ترتيب الأولويّات، لكنّنا ننطلق من المتّفق عليه، ونحرث معاً، عبر صيغة الورشات التشاركيَّة، أرض أذهاننا وأنفسنا، ما شكلها وما أثر وما يؤثِّر فيها، نقوم بذلك مستفيدين من آخر ما توصّلت له المعرفة الإنسانيَّة في مجال التعرّف على النفس وإدارة الذهن، ونتميَّز بمقاربة خاصَّة للمكوّن الديني في أذهاننا مشدّدين على مركزيَّة الوحي في الأديان.
العالم الذي نعرفه “بالمضطرب” هو عالمنا الإنساني الذي يتداخل مع عالمنا الخاصّ بشكلٍ لا مفرّ منه، ويتجلّضى اضطرابه في فتن ومشاكل لا تخفى.
نتعلّضم في الدورة التدريبيَّة المتقدّمة “للمنبر الدولي للحوار الإسلامي” كيف نعيد التوازن إلى نظرتنا إلى أنفسنا، والقيمة لحياتنا ووقتنا المحدود كأفراد على هذه الكرة الأرضيَّة، كيف نعي ونحرّك المعادلة الصعبة بين الحياة والدين. كما نفكِّك الدوائر الثلاث المتداخلة التي نتحرَّك فيها (النفس- المحيط- العالم) ونرسم لأنفسنا- الثقافيَّة (بمكانها داخل ومع الجماعة) دورا جديداً يعي حقائق وأرقام التاريخ والجغرافيا وليس أوهام عقد المركزيّضة في الكون أو الشعور بالدونيَّة.
ولعلّ السؤال الذي يبرز جلياً هو: هل يمكن النجاح في عالمٍ مضطرب؟
نعم، يمكن إدراك المعادلات التي تعزِّز الفرض في معرفة النفس والآخر والبحث ما بينها عن دورٍ واقعي ينجح في تحقيق أهدافه.
________
* * الراصد التنويري (العدد 2) أيلول/ سبتمبر 2008.