القتل بدافع الشرف إحدى الظواهر الموجودة في بعض المجتمعات العربية والإسلامية وهي تختلف في حجمها من بلد إلى آخر، وليس المجتمع الأردني بمنأى عن هذه الظاهرة، ويشكل هذا القتل بلا أدنى شك جريمة بشعة مستنكرة شرعا وطبعا.
وقبل أن نتحدث عن حكم هذا القتل لا بد من بيان الأسباب التي تؤدي إليه وتشجع عليه، وهي لا تخرج على سببين اثنين، أولهما التمييز المجتمعي الظالم بين الرجل والمرأة، الذي يرى الشرف خاصاً بالمرأة ومقتصراً عليها، فالمرأة بفعلها المشين هي التي تجلب العار والشنار للأسرة كلها، بينما لا يرى في فعل الرجل مهما كان مشينا ومعيبا أي إساءة لشرف العائلة ومكانتها، ونتيجة لذلك تعاقب الأنثى اجتماعيا على فعلها ولا يعاقب الرجل، وفي هذا استقواء قبيح على الأنثى باعتبارها طرفا ضعيفا عاجزا عن الدفاع عن نفسه، وهذا التصور مناقض لصريح الدين ومضاد لمقاصده.
والسبب الثاني هو التفسير المتعسف والمنحرف لمفهوم الشرف المنحصر والمقتصر على فعل المرأة المرتبط بالناحية الجنسية ومتعلقاتها، فالشرف بناء على هذا التفسير ليس سوى عفة المرأة وطهارتها الجنسية، وهذا خلل كبير في الفهم والتفسير، فالشرف في نظر الإسلام هو كل سلوك قويم ملتزم بالمثل العليا والقيم السامية، فالكذب والخيانة والفساد المالي والإداري كلها أفعال مخلة بالشرف بقطع النظر عن جنس مرتكبها ومركزه العام،، لا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى، فالشرف ليس هو العفة الجنسية وحدها، وليس خاصاً بالمرأة دون الرجل.
أما عن حكم هذا القتل فلا شك في حرمته وبشاعته وهو جريمة عظيمة، بل إن هذا القتل أبشع وأشنع من فعل الزنا نفسه على فرض حصوله وثبوته، لقوله تعالى ” وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالدا فيهَا وَغَضًبَ اللَّهُ عَلَيْه وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابا عَظيما “، وقوله تعالى:” وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ” وقد نص الفقهاء على أن هذا القتل موجب للعقوبة والقصاص على القاتل، ولا تعتبر دعوى الزنا عذراً محلاً أو مخففاً.
إن هذا القتل فضلاً عن كونه اعتداءً على حق المرأة في الحياة فيه اعتداء على كرامتها بتلويث سمعتها والإساءة إلى شرفها والطعن في عرضها، وحرمانها من حق الدفاع عن نفسها وإثبات براءتها، وهو فعل محرم يتوجب اللعن والطرد من رحمة الله، لقوله تعالى:”إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” كما أنه يشكل جريمة قذف في نظر التشريع الإسلامي تستوجب العقوبة، لقوله تعالى:” وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ “
ولعل أبشع ما في هذا القتل أنه في غالب أحواله لا يستند إلى أدلة أو براهين، وإنما يقوم على الشُّبه ويستند إلى الشك، فهو قتل ظالم في بدايته ونهايته، ويعتبر اعتداء صارخاً على حق الدولة في احتكارها لحق العقاب وافتئاتا على سلطتها العامة وانتقاصا من هيبتها، إذ ليس للفرد في الدول المنظمة والمتحضرة أن يستوفي الحق بيده أو أن يقيم العقوبة بنفسه، ومما يدل على ذلك ما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله: إنْ وجدت مع امرأتي رجلاً أؤمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: نعم ، وما رواه أبو هريرة أن سعد بن عبادة الأنصاري قال يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لا.
ولما كان هذا القتل محرماً ومستنداً لأدلة واهية وفيه اعتداء على مكانة الدول وتشويه لصورة المجتمع الأردني النبيل كان لا بد لنا من وقفة جادة تدين هذا القتل بأقوى صور الإدانة وتستنكره بأشد عبارات الشجب والاستنكار، تجرد هؤلاء المجرمين من كل سند يستندون إليه، وترفع عنهم الغطاء الاجتماعي وتحول بينهم وبين التعاطف الشعبي، وعلى الدولة إيقاع أشد العقوبات بحقهم وحرمانهم من أي عذر يؤدي إلى تخفيف العقوبة خاصة تلك الأعذار المتعلقة بإسقاط الحق الشخصي الذي يعتبر في هذه الحالات تحصيل حاصل، وعلى العلماء والدعاة القيام بمسؤوليتهم الدينية وواجبهم الأخلاقي والاجتماعي بالتصدي لهذا الجريمة، وإعادة تشكيل الضمير والوعي الجمعي بتغيير هذه الثقافة الجائرة فلا تعاطف مع القتل ولا تستر على قاتل، وعلى الخطباء استغلال خطب الجمعة ودروس الوعظ والإرشاد لتحقيق هذا المقصد، وهم بلا شك قادرون على صناعة التغيير وإحداث الفرق.
_________
*نشرت في الغد الأردنية في يونيو 2018
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.