بين النصف الثاني للقرن الـ19 والنصف الأول من القرن الموالي
ينبغي أن يكون سبيلنا لمن بعدنا
كسبيل من كان قبلنا فينا، على أنّا
وجدنا من العبرة أكثر ممَّا وجدوا
كما أنَّ من بعدنا يجد من العبرة أكثر ممَّا وجدنا
أبو عثمان الجاحظ: كتاب الحيوان
المقدّمة:
اتَّصف الفكر الإصلاحي التونسي المعلن في الحيِّز الزمني المشار إليه بخاصيَّة الشموليَّة، حيث تعلَّقَت جهود النخب الإصلاحيَّة المتعاقبة برغبة المعالجة لمختلف مظاهر التردِّي التي غلبت على كلِّ المجالات الحيويَّة كما بانت خاصيَّة توحيد الجهود واستمراريتها من خلال مشروع متكامل تضافرت لأجله جهود نابعة عن مرجعيات فكريَّة وتكوينيَّة مختلفة.
من القطاعات المراهن عليها والمعتبرة كركيزة أساسيَّة لنجاح جهودهم الإصلاحيَّة، قطاع التربية والتعليم(*) الذي طغى على مناهجه، أنواعه وفضاءاته التخلُّف والجمود مقارنة بنسق التغيُّر المتسارع الذي شهدته الدول المتعلِّقة بأسباب الحداثة والتحديث.
* ما هي المبادئ أو الضوابط التي استندت عليها جهود تطوير المنظومة التربويّة؟
* فيما تمثَّلت الروافد والمصادر التي استلهمت منها النخب الإصلاحيَّة تصوُّراتها؟
* ما هي المقترحات والمشاريع المعلنة في سياق التطوير وما درجة حضور البعد الاستشرافي فيها؟
- المبادئ أو الضوابط المستندة عليها جهود تطوير المنظومة التربويَّة في صلة بالفكر الإصلاحي:
- الخصائص العامَّة للمحيط الاجتماعي والسياسي التونسي المساعِدة على الإصلاح: تميَّزت البلاد التونسيَّة في الحيِّز الزمني المعلن آنفا بجملة من الخصائص التي ساعدت على قيام مشروع إصلاحي متكامل، علما أنَّ توفُّر هذه الخصائص يعود إلى انطلاقة العهد الحسيني بقطع النظر عن فترات الاضطراب ومن مكوِّنات هذا المشروع العمل على تطوير المنظومة التربويَّة التعليميَّة.
تمثَّلت هذه الخصائص في:
- حالة الاندماج الوطني مقارنة بالبلدان العربيَّة الإسلاميَّة، قوامها دولة أو سلطة مركزيَّة تبسط نفوذها على الإيالة.
- هويَّة واضحة المعالم تعتمد اللغة العربيَّة كأداة تخاطب قومي سواء من قبل النخب الفكريَّة، الأهالي والنخب السياسيَّة.
- وحدة الديانة بقطع النظر عن التنوُّع المذهبي (مالكيَّة + حنفيَّة).
- التعلُّق بمبدأ التسامح في علاقة بالآخر وبالديانات الأخرى وبالتالي تجاوز عقليَّة التكفير.
- الانسجام البيِّن بين النخب الفكريَّة على اختلاف مرجعياتها الفكريَّة من ناحية وبينها وبين القائمين على الشأن السياسي من ناحية ثانية.
- النسق المتدرِّج في المجهود الإصلاحي للمنظومة التربويَّة وتنوُّع التصوُّرات والمشاريع.
- المبادئ أو الضوابط المتنزّلة في سياقها جهود تطوير المنظومة التربويَّة: استندت جهود الإصلاح التربوي على جملة من الضوابط أو المبادئ أبرزها:
- مبدأ الشموليَّة والمراوحة بين الجوانب الماديَّة والروحيَّة:
أعربت النخب الإصلاحيَّة على اختلاف أجيالها أنَّ الإصلاح والتقدُّم عمل متكامل ومشروع شامل من أبرز آليات نجاحه النهوض بالتربية والتعليم في إطار الموازنة بين الجوانب الماديَّة والروحيَّة في ذات الوقت وذلك خلافا لما دعا إليه الغربيون من ضرورة القطع مع المقدَّسات في إطار الحداثة والتحديث وكذلك ما دعت إليه النخب العلمانيَّة(*) العربيَّة الناشئة ببلاد الشام منذ القرن التاسع عشر.
كان انبهار النخب الأهليَّة بمظاهر التقدُّم المادي (الفضاءات الحديثة للتعليم، التجهيزات والمناهج) لكن بان إلى جانب ذلك تعلُّقَهم بالجوانب الروحيَّة (الثقافة والتربية الدينيَّة، الفكر الديني والمقاصد الأساسيَّة للشريعة الإسلاميَّة) لذلك عابوا في التقدُّم الغربي عدم اعتقاده في الديانات ظنّا من معلنيه أنَّ جميعها مردودة بالعقل. لقد أثبتت النخب الإصلاحيَّة التونسيَّة وبالأساس الروّاد منهم، أنّ أيَّ مجهودٍ إصلاحي وأساسا ما اتَّصل بالتربية والتعليم يقتضي الحرص فيه على مصالح الدارين (الدين / الدنيا) إيمانا منهم بنجاعة الشريعة الإسلاميَّة في صلة بتنظيم الجوانب الدنيويَّة وفي ضمان استقامة الدين.
- مبدأ الانسجام بين النخب الفكريَّة والنخب السياسيَّة:
وذلك بنيَّة إضفاء صبغة رسميَّة على المجهود الإصلاحي ودفع الدولة والحكومة إلى التكفُّل بالإصلاح واعتبار التربية والتعليم شأنا وطنيّا عامّا يدرج ضمن الاهتمامات الرسميَّة ممَّا يضمن نجاح المطالبة بتخصيص الاعتمادات الماديَّة لذلك. أطَّرت علاقة الانسجام بين الطرفين منذ القيام الدولة الحسينيَّة – كما سلف وأن أشرنا – باتِّفاقٍ ضمنيّ مفاده رعاية البايات للعلم والعلماء بالإنفاق على مؤسَّساته وتخصيص الجرايات وخصّ العلماء بالمكانة الخاصَّة في المقابل يساهم هؤلاء في إضفاء الشرعيَّة الدينيَّة على السلطة السياسيّة. لقد أعرب السياسيون عن تحمُّسِهم لجهود الإصلاح التعليمي منذ موفَّى النصف الأوَّل للقرن التاسع عشر وذلك بالتكفُّل ببعض الإصلاحات الجزئيَّة للتعليم الزيتوني (لائحة باب الشفاء التي صدرت سنة 1842 عن أحمد باشا باي) بالإضافة إلى التحمُّس لإقامة أولى المؤسَّسات التعليميَّة العصريَّة (باردو الحربيّة 1840) تأثّرا بمصر وتفاعلا مع الأدوار التي قام بها “السانسيمونيون” بعدد من البلدان العربيَّة (مصر، الجزائر…) في إطارِ الحثِّ على إقامة المشاريع التي تعكس التقدُّم العلمي والتقني.
أدركت النخب الفكريَّة أنَّهُ وجب تجاوز ظاهرة تشتُّت فضاءات التعليم واختلاف أساليبه بين الطبقات الاجتماعيَّة بتدخّلٍ من الدولة وذلك إيماناً منهم بأهميَّة المساواة والعدالة إذ رأوا “أنّه وجب إيجاد نظام مبني على العدالة والمساواة يقوِّض التجاوزات والمحسوبيَّة ويحلّ الدور الفعلي للحكومة، ألا وهو حماية الشعب وإعادة الهيبة لها ليتسنَّى لها قيادة البلاد نحو الازدهار”([1]).
- مبدأ الموازنة بين الفكر الاجتهادي العقلاني العربي الإسلامي والمدنيَّة الغربيَّة:
تمثَّلت قيمة هذا المبدأ في المراوحة بين تثمين الفكر الاجتهادي العقلاني العربي الإسلامي وذلك بالاحتكام للجوانب الإيجابيَّة ممَّا أسَّسه السلف في صلة بالتربية والتعليم وبين التعلُّق بمكاسبِ الحداثة الغربيَّة في إطار منطق الاقتداء والاقتباس الواعي والمسؤول إيمانا منهم بانعدام نجاعة وجدوى التجديف ضدّ تيّار الحداثة. من المواقف الدالَّة في هذا الصدد ما صدر عن الشيخ محمود قابادو بأسلوبٍ شعري :
تأخَّرتُ أستبقي الحياةَ فلم أجِد لنفسي حياة مثل أن أتقدَّما([2])
يُحيلُ منطق الموازنة بين الثابت والمتحوِّل الذي تعلَّقوا به إلى أنَّ إصلاح المنظومة التربويَّة لا يقتضي الإلغاء الكلِّي لما بلغه السلف من أفكارٍ بخصوص العمل التربوي التعليمي؛ ذلك أنَّ الفكر التربوي لدى العرب له من العمق التاريخي والامتداد حيث برزت عديد المصنّفات الفكريّة في هذا الصدد مثل (تهذيب الأخلاق لمسكويه(*)، أدب الدين والدنيا للماوردي(**)، المقدِّمة لابن خلدون، رسالة في المتعلِّمين للجاحظ(***) ومعيد النعم ومبيد النقم لتاج الدين السبكي وغيرهم كثير…) إذ صدرت عنهم أفكار سابقة لأوانها وقابلة للاستخدام في إطار إخضاع التراث للعقل لا الخضوع له.
بالإضافة إلى ذلك يعكس المبدأ المشار إليه نيَّة النخب الإصلاحيَّة في تجاوز واحديَّة النموذج الحضاري المستلهم منه وبالتالي التنويع في النماذج الحضاريَّة المتفاعل معها ويرتبط توجههم هذا بتفعيل مقاصد الشريعة الإسلاميَّة من ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم “الحكمة ضالة المؤمن ينشدها حيث وجدها” وساهم هذا التعلُّق في تخلَّيهم عن عقليّة التكفير التي غلبت على سلوك المحافظين الرافضين لمنطق التنويع في النماذج الحضاريَّة، علما أنَّ الشريعة كانت أيضا من دوافع حرصهم على تأمين المساواة في الاستفادة بالتعليم؛ ذلك أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلَّم نادى بالحرص على العدالة أو ما يُعبَّر عنه بتكافؤ الفرص والحظوظ بين المتعلِّمين (ديمقراطيَّة التعليم) بقوله“أيّما مؤدّب وليّ ثلاثة صبية من هذه الأمّة، فلم يعلّمهم بالسويَّة فقيرهم مع غنيّهم، وغنيّهم مع فقيرهم حشر يوم القيامة مع الخائنين”.
- المرجعيات الفكريَّة التي استلهمت منها النخب الإصلاحيَّة في إطار تطوير المنظومة التربويَّة التعليميَّة بتونس:
إنَّ تنوُّع المرجعيَّات أفضى إلى ثراء المكاسب ونضج الرؤى بخصوص المجهود الإصلاحي المتَّصِل بالمنظومة التربويَّة التعليميَّة أو بغيرها من المنظومات ذات الصلة بكلِّ المجالات. أفضى الاختلاف في التعامل مع هذه المرجعيَّات إلى ظهور تيّارات متنوِّعة في أوساط النُخَب الإصلاحيَّة التونسيَّة.
- المرجعيّات المستلهم منها: تمثَّلت في رافدين مختلفين يتَّصل كلّ منهما بمدنيَّة من المدنيَات أو بالأحرى بحضارة من الحضارات.
- الفكر الاجتهادي العقلاني العربي الإسلامي والجانب المقاصدي للشريعة الإسلاميَّة :)المدنيَّة العربيَّة الإسلاميَّة (
تضمَّنت هذه المرجعيَّة المتصلة بالمدنية العربيَّة الإسلاميَّة عديد الأفكار والأحكام المتَّصِلة بقيمة الإصلاح وأهّميته والمنوَّهة بقدرة العقل على التحسين والتغيير والداعية إلى التدبُّر والتأمُّل والتعقُّل أو بالأحرى إلى الإيمان بقيمة العقل وبقدرته على تجاوز التردِّي والتخلُّص من القصور الذي ينتابه سواء كان ذلك في صلة بمصادر التشريع الإسلامي الأساسيَّة (القرآن والسنَّة) أو كذلك في صلة بالجانب الاجتهادي العقلاني للنُخَب المسلمة المتعاقبة.
إنّ الإصلاح وفق هذا الرافد العربي الإسلامي هو إعادة الشيء إلى نصابه أو إرجاع صلاحه إليه بعد أن انتابه الخلل وبذلك يكون المجهود الإصلاحي هادفا إلى التصويب والتصحيح. لكلمة إصلاح مكانة واضحة في المصادر التي أشرنا إليها وثمَّة نوع من الإجماع على “أنّه يفيد القيام بالعمل الصالح وبإصلاح أحوال الناس مع الاستناد إلى أمثلة يُحتذى بها، ويعَوّل عليها قصد الاستئناس بها والاقتداء والاقتباس عنها”([3]).
إنَّ التعلق بهذه المرجعيَّة مرتبط بعامل الحفاظ على الهويَّة، وعلى الجوانب الإيجابية في التراث الفكري العربي الإسلامي الذي يعكس حضور مدلول الإصلاح وتداوله في الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة وتحديدا في مصادر التشريع وذاك ما رسَّخ هذه الفكرة لدى النخب الإصلاحيَّة التونسيَّة بالإضافة إلى إدراكهم للمكانة المتميِّزة للمصلحين عند الله.
إنَّ الإصلاح في معناه الديني تحقيق مطابقة بين المنشود والموجود وفق ما يطرأ من تغيُّرٍ وبالتالي لا نلمس رفضا للجوء إلى التفاعل مع الآخر، لكن الإصلاح الدينيّ في حدِّ ذاته يعني المطابقة بين إسلام مرجعي وإسلام معيش فهو سعي للالتزام بالنموذج أو الأصل ويرام كلما بأن انفصاما بين المرجعي والمعيش أو بين المثال والواقع.
- النموذج الغربي والمدنيَّة الغربيَّة:
إنَّ اللجوء إلى هذا الرافد غير مرفوض شرعا، باعتبار أنَّ الشريعة الإسلاميَّة لا ترفض التفاعل والتواصل بين الجماعات والحضارات من منطلق إيمانها بوحدة القيمة الإنسانيَّة وبحاجة الناس الماسَّة لبعضهم البعض بقطع النظر عن الاختلافات العقائديَّة. لقد تعدَّدت الأدلَّة الحاثَّة على التنويع في النماذج الحضاريَّة قصد تأمين الاستفادة وتحسين الأوضاع سواء في النصِّ القرآني أو في السنَّة النبويَّة، وكذلك في الفكر الاجتهادي العقلاني العربي الإسلامي. منأكثر المفكِّرين تأثيرا في النخب الأهليَّة على اختلاف أجيالها؛ عبد الرحمان بن خلدون الذي أكَّد على البعد المدني في الإنسان وعلى ضرورة الاقتداء بمن أحرز السبق في المجالات الحيويَّة، ذلكَ أنَّ المغلوب دائما مولع بالاقتداء بالغالب أضِف إلى كون المواقف الشرعيَّة والاجتهادات تبيح ذلك من منطلق القول بما لا يصحُّ الواجب إلا بهِ فهو واجب، وكذلك من منطلق الندب والإباحة.
إنَّ تعلُّق النخب بهذه الروافد لم يكن بنفس الكيفيَّة والدرجة فمنهم مع أعلن التحيُّز للمرجعيَّة الأولى دون سواها ومنهم من عبَّر عن نيَّة الاعتدال والتوفيق بين المرجعيتين والمدنيتين مع ظهور بعض الميل أحيانا للحداثة الغربيَّة نتيجة الانبهار المفرط.
- تيارات النخب الإصلاحيَّة الأهليَّة: توزَّعت النخب التونسيَّة إلى تيّاراتٍ ثلاثة وذلك بحسب درجة التفاعل مع المرجعيَّات المشار إليها آنفا.
- المحافظون: الذين عكسوا نوعاً من التشدُّد ويرون في الإصلاح بما في ذلك الإصلاح التربوي تعلُّقا بالنموذج السلفي العربي الإسلامي، وذلك نظرا لنوع من القصور في إدراك مقاصد الشريعة الإسلاميَّة آنذاك. إنَّ الإصلاح في منظورهم لا يفترض تجديدا أو إحداثا على أصل فالإحداث يؤول به إلى الابتداع وهو شأن مستبشع ومستهجن وهو الحامل دون سواه على إجراء فعل الإصلاح. والأكثر من ذلك أنَّهم يرون أنَّ الإصلاح بهذا المنظور واجب شرعي وينحصر في التقليد لا بمعناه الإيجابي حيث يرادف الاقتداء بالسنن التي سار عليها السلف وشكَّلت جزءا عضويّا من بنية النموذج الأصل. مَثّل هؤلاء مصدر تعطيل للمسار الإصلاحي وساندهم سكَّان المناطق الداخليَّة والأرياف وبعض الملتفّين حولهم من سكّان المدن والحواضر”([4]). لقد انتقدت النخب الفرنسيَّة سواء بفرنسا أو بتونس هذه الفئة من النخب التونسيَّة حيث اعتبروا أنّهم “يحولون دون تحقُّق أسباب التقدُّم والإصلاح في تونس باعتبار أنَّهم يعتقدون أنَّ الحقيقة قد وصلت جاهزة عن طريق الوحي الإلهي ويقِدّسون المؤسّسات القديمة ويقفون من الأوروبيّين ونموذجهم موقف القرف”([5]) وبذلك نتبيَّن أنَّ“المحافظين المتعِلّقين بواحديَّة النموذج الحضاري قد تمسّكوا بالمدلول “الكونفوشيوسي” للتربية الذي يعكس التعُلّق المطلق بالتقاليد والإيمان الوثيق بطريق الواجب القاضي بالتزام تعاليم الكسب المقدَّسة”([6]).
- الليبراليون: مثَّل هذا التوجُّه جيل الروّاد من المصلحين وكذلك جيل الشباب المستأنف للمجهود الإصلاحي بعد التوقُّف الحاصل نتيجة الإجراءات التعسفيَّة المترتِّبة عن النازلة التونسيَّة 1885(*).
لئن تكوَّن الجيل الأوَّل من نخب ذات ثقافة دينيَّة صرفة، عدا بعض الاستثناءات المتخرِّجة عن باردو الحربيّة (خير الدين، حسين ورستم…)، فإنَّ جيل الشباب عكس فسيفساء من المرجعيَّات التكوينيَّة راوحت بين الثقافة الدينيَّة، الثقافة المتَّصِلة بالمدنيَّة الغربيَّة والتكوين المراوح بين ما سلف ذكره من أنواع وذلك بفضاء الخلدونيَّة أساسا. لم يمنع هذا التنوُّع من وجود قاسم مشترك ألا وهو رغبة التوفيق بين المدنيَّة العربيَّة الإسلاميَّة والمدنيَّة الغربيَّة في إطار منطق المراوحة بين الثابِت والمتحوِّل والكوني والخصوصي، لكن أفضت الضغوطات الصادرة عن النخب الفرنسيَّة بتونس والعاملة على دعم ومساندة النخب الأهليَّة في مجال مشروعهم الإصلاحي إلى توفُّر أسباب الانقسام في صفوف الليبراليّين من النخب وترتَّب عن ذلك ظهور الطرف الراديكالي الذي تكوَّن من قدماء الصادقيَّة والأجيال اللاحقة منهم. طالب هؤلاء بالإقلاع عن سياسة التوفيق حيث أنَّها تتنافى ومقاصد الحداثة وبالتالي دعوا إلى الأخذ بالنموذج الغربي وبالمدنيَّة الغربيَّة الأكثر اتِّصالا بالواقع ومردوديَّة حسبهم.
نظر الفرنسيَّون إلى هذه النخب الليبراليّة والراديكاليّة على النحو التالي : “الليبراليون من أنصار التيّار التوفيقي الوسطي المعتدل أو بالأحرى هم من أنصار محمّد عبده المتأِثّرين بمجلّة المنار وبرشيد رضا والذين لا يرون تناقضا بين الإسلام والتقدُّم في حين أنَّ الراديكاليّين مَثّلوا الجماعة التي ترى أنَّ للدين سلطة على الضمائر فحسب (فكرة روسو) وأنّ التقُدّم يتحقَّق بموجب التخلُّص من النصوص المتحجِّرة وأنّ غايتهم هي تحقيق الرفاهية الماديَّة والكرامة للإنسان ونظرا للوسط الذي يعيشون فيه فإنّهم لا يستطيعون التصريح بآرائهم بحريّة”([7]).
وبقطع النظر عن هذا التنوُّع، فإنَّ النُخَب الفاعلة في تطوير المنظومة التربويّة التعليميّة تكوّنت من تآلف الحزبين الأخيرين. ما يستخلص أيضا أنَّ الإصلاح سواء التربوي أو العامّ وجب أن يكون موكولا للنخب الفكريَّة دون سواهم باعتبار ما يمثِّلونه من تميُّزٍ فكري وقدوة، وقد أكَّدت على ذلك القواعد الفقيهة الإسلاميَّة “فالعامي يجب عليه تقليد المجتهد، إذ لا يمكن للعامَّة التكفُّل بهذا الدور حيث قد يتمسَّك قصّار النظر بالنفع الظاهر والمصلحة العاجلة ويغفلون أو يتغافلون عن المضرَّة اللاحقة أو المفسدة غير المباشرة فيختلط عليهم الأمر فيبدو لهم إصلاحا ما ليس بإصلاح([8]).
- المقترحات الإصلاحيَّة في إطار تطوير المنظومة التربويَّة التعليميَّة بتونس:
إنَّ الجذور التاريخيَّة القريبة نسبيّا لفترة الإصلاح التربوي تعود إلى موفَّى النصف الأوَّل من القرن التاسع عشر لمَّا ظهرت مدرسة باردو الحربيّة (1840) * وعكست نوايا التوفيق بين المدنيّة الغربيّة والمدنيّة العربيّة الإسلاميّة حيث تمّت الاستعانة بالنخب الغربيّة من إيطاليِّين وفرنسيِّين كما كانت هذه المؤسَّسة فضاء تفاعل بين تلك النخب ونخبنا الأهليَّة من الروّاد فإلى جانب التقنيات العسكريَّة والعلوم الصحيحة أدرجت اللغات الأجنبيّة (الإيطاليَّة + الفرنسيَّة) وكذلك حضرت اللغة العربيَّة والثقافة الدينيَّة.
يعتبر الشيخ “محمود قابادو” أوَّل الروَّاد انخراطا في هذه المؤسّسة وتفاعلا مع الخبرات الأجنبيّة المستجلبة إذ توطدت علاقاته بأوّل مدير للمدرسة الحربيّة وهو الإيطالي المستشرق “كاليغاريس” الذي ساعده في إقامة حركة ترجمة لعديد المصنَّفات الأوروبيَّة وتحويلها للغة العربيَّة وقد اتَّصل أغلبها بالتاريخ السياسي الأوروبي وبالفنون الحربيَّة والعسكريَّة. تبعا لهذه البادرة التحديثيَّة سعى جيل الروّاد من المصلحين بزعامة كلّ من قابادو وخير الدين إلى العمل على:
- إصلاح مناهج التعليم في الفضاءات التقليديَّة.
- المراهنة على التربية والتعليم في نجاح فكرة التقدُّم بتونس.
لم يقتصر الأمر على جهود جيل الروّاد وإنَّما تجلَّت الاستمراريَّة مع النخب الموالية إلى حدِّ النصف الأوَّل للقرن العشرين في ظلِّ ظرفيَّة سياسيَّة مغايرة وبعقليَّة أكثر تحررا وميلا نحو الحداثة والتحديث.
- المقترحات الإصلاحيَّة في صلة بجيل الروَّاد :
- المساعي الأولى: آمن هذا الجيل الذي ضمَّ كلّ من ابن أبي الضياف، محمّد بن عثمان السنوسي الشيخ سالم بوحاجب، محمود قابادو، محمّد بيرم الخامس، الباجي المسعودي، خير الدين والجنرال حسن وغيرهم… “بأنّه لا يمكن حصول التقدّم بالإكراه الحسّي أو المعنوي وإَنّما يكون بإقناع القلوب واستمالتها له وذلك بأن يباشروا تنظيم أحوالهم بأنفسهم ويتَّخذوا من التمدُّن الأوروباوي أحسنه”([9]).
فاتَّجهت مساعيهم في مرحلة أولى إلى الإشارة على الباي أحمد باشا (1837/1855) بإدخال إصلاحات على التعليم الزيتوني وتمَّ ذلك بموجب القرار الصادر سنة (1842) والداعي إلى إعداد لائحة للمؤسَّسة الزيتونيَّة ترتَّب عنها:“تأسيس نظارة علميّة ومجلس رسمي جمع ثلاثين مدرّسا وضمّت النظارة شيخ الإسلام الحنفي والباشمفتي المالكي وقاضي حنفي وقاضي مالكي وكان المدرِّسون ينقسمون بالتساوي والموظّفون بالجامعة”([10]).
وقد أكَّد الشيخ الطاهر بن عاشور في مؤلفه “أليس الصبح بقريب” أهمّيّة هذه البادرة الإصلاحيَّة للتعليم الديني حيث أعرب “أنَّ الأمر استقرَّ عصر أحمد باشا لمَّا تقَدّم إليه بالنصيحة بعض رجال دولته فأدرك فائدة تنظيم التعليم وكفاية المدرِّسين أمر تطلَّب الرزق بترتيب جراية لهم مناسبة للوقت. عرف هذا التنظيم بالمعلَّقة لتعليق ظهيره بالحائط الغربي قرب باب الشفاء بجامع الزيتونة كما نظَّمَ سير الدروس فعيَّن لكلِّ مدرِّسٍ درسين في اليوم”([11]).
وتعتبر لائحة 1842 أوَّل انخراط رسمي للدولة في صلة بالتعليم خاصَّة لمَّا تدخَّلت بفرض إجراءات تنظيم سير المؤسَّسة الزيتونيَّة وبإقرار رواتب للمدرِّسين. تواصلت جهود إصلاح التعليم الديني بتحريض من الروّاد عهد الصادق باي (1859/1882) إلى درجة إصدار منشور يلزم بانتظام سير الدروس وينبِّه النظار إلى تغافلهم وبعث الوزير محمّد العزيز بو عتّور يتفقد سير الدروس كما كلَّف الجنرال حسين بالقيام بعمليات تفقُّدٍ أخرى وبرفع التقارير لتبيِّن مواضع الخلل.
- العمل على الإصلاح من خلال لجان منظّمة: تكوَّنت أولى لجان لإصلاح التربوي سنة 1874 وترتَّب عن أعمالها:
- إعادة تنظيم الدروس بجامع الزيتونة بموجب الأمرالصادرفي26 ديسمبر1875 الذي أعدّ من قبل الروّاد ونصّ على:
- التنويع في العلوم ومراتب التدريس.
- الإلزام بالحضور وتنظيم ذلك بدفاتروشهاداتحضور. الفصل 24 نصَّ على دفتر ملاحظات المدرِّسين.
- الإلزام بالمواظبة وحسن السيرة وإصدار شهادات سيرة ومواظبة.
- التنصيص على المراوحة بين الحفظ والفهم في مناهج التعليم.
- تحديد حصَّة زمنيَّة للدرس وتنظيم مراحل التعليم وجعلها في ثلاث مراحل: ابتدائيَّة، ثانويَّة وعليا.
- إلزام المدرِّسين بتقرير الدرس والمراوحة في مستواه بين القواعد والشرح والتمارين والقراءة.
- فرض الامتحان للحصول على شهادة التطويع (انتهاء التعليم الثانوي).
- فرض أسلوب المناظرة بين المترشِّحين لخطَّة التدريس الرسميَّة.
- فرض المراقبة العامَّة على سير الدروس وجعل ذلك من مشمولات النظَّار والحكومة.
- فرض المراقبة على المطبوعات التي تؤمَّن للطلبة.
تمَّ تعزيز هذا القانون بقوانين أخرى هدفت إلى ترتيب النظارة العلميَّة وتسمية مستشار للمعارف ونائبين عنه لمراقبة أحوال التعليم وإجراء التراتيب([12]). لقد حثَّ قانون1875 على الترغيب في التعليم وعلى تشجيع الأهالي لتوجيه أبناءهم للمؤسَّسات التعليميَّة (الكتاتيب وجامع الزيتونة والمدارس الأخرى التابعة)وذلك بتمكين الطلبة من امتيازات نصَّ عليها الفصل (25) منه حيث ورد “أنَّ كلَّ تلميذ بيده شهادات مشايخه بجريانه على المطلوب منه على نحو الفصل (24) لا يطالب بالمجابي الشخصَيّة ولا بالتكاليف العسكريَّة”([13]) علما أنَّ الفصل المشار إليه تعلَّق بضبط الانتقال بين المراحل الثلاث (ابتدائيَّة، ثانويَّة وعليا). كما فرض أمر12 جويلية 1878 انتداب الزيتونيِّين بالآفاق.
من النتائج الأخرى لعمل أولى لجان الإصلاح أيضا: إحداث المدرسة الصادقيّة في 13 جانفي (1875) بفعل التأثُّر بالتقدُّم الذي بلغته المدارس الأوروبيُّة سواء داخل الإيالة أو خارجها وخاصَّة المدارس الإيطاليَّة والفرنسيَّة وكذلك بفعل المواكبة للإصلاحات التعليميَّة بكلّ من مصر، بلاد الشام وتركيا.
اتَّصَفَت المدرسة الصادقيّة بالتنظيم العصري واتَّخذت مقرّا أوّلا بثكنة عسكريَّة قرب جامع الزيتونة ثمَّ أعدَّ لها مقرّا آخر (المقر الحالي للمعهد الصادقي).
من مظاهر التحوُّل في المؤسَّسة التعليميَّة المحدَّثة:
- تنظيم الدروس في قاعات فسيحة بها مناضد وكرسي للأستاذ.
- استعمال السبَّورة وتوظيف التلاميذ للكرَّاس والقلم والحبر ممَّا عمَّق الهوَّة بين التعليم في الفضاءات التقليديَّة والتعليم العصري.
- تنظيم مواد التدريس وفق مبدأ المراوحة بين الثابت والمتغيِّر (دروس في مبادئ القراءة والكتابة والحساب، دروس في التعليم الديني، دروس تضمُّ العلوم المستحدثة ولغات أجنبيَّة، فرنسيَّة وإيطاليَّة).
وقد نصَّ مرسوم إنشاء المعهد الصادقي على المجانيَّة وتساوي الحظوظ والفرص بين المتعلِّمين بعيدا عن الاعتبارات غير الموضوعيَّة (ديمقراطيَّة التعليم)“فالتلاميذ متساوون في الحقوق والفارق الوحيد بينهم ما يستحقّ بسلوك أو ذكاء مع ضمان الإقامة ومجانيَّة التعليم وتمكين الطلبة من منحة يتقاضونها من الأحباس التي أسندت لإدارة المعهد”([14]).
ساهمتهذهالمدرسة(*) في إذكاء جذوة التحديث بتونس وعملت طيلة ثلاثة أرباع القرن على تخريج نخب مثقَّفة وكانت مجالا للتفتُّح الثقافي والعلمي ومثَّلت أوَّل دفعاتها نواة حركة الشباب التونسي التي أعلنت الاستمراريَّة في المجهود الإصلاحي التربوي والعام للروَّاد.
- المقترحات الإصلاحيَّة المتَّصِلة بجيل النخب الشباب:
عرفت هذه النخب في بادئ الأمر بالنخب الليبراليَّة حيث تناغمت الجهود بين من بقي من جيل الروَّاد (الشيخ سالم بوحاجب) وبين المتخرِّجين من المدرسة الحربيَّة وتحديدا (محمّد القروي) والجيل الأوَّل من الصادقيِّين أمثال (عليّ بوشوشة، البشير صفر، مصطفى خير الله، عليّ باش حانبة، عبد الجليل الزاوش وغيرهم…)كانت مساعيهم الإصلاحيَّة الأولى في إطارالتنسيق مع النخب الليبراليَّة الفرنسيَّة بتونس (الليبراليون، الجمهوريون والاشتراكيون…)وذلك في سياق مرحلة الاندماج والتوفيق بين المدنيَّة الغربيَّة والمدنيَّة العربيَّة الإسلاميَّة. مثّلت جريدة الحاضرة المحدثة (1888) الإطار الجامع لجهود هذه النخب.
تمثَّل الإنجاز الإصلاحي الأوَّل في الجمعيَّة الخلدونيَّة 1896 التي تحمَّس لها كلّ من مدير المعارف الفرنسي “لويس ماشويل” والكاتب العام للحكومة الفرنسيّة “برنارروا” والمقيم العام الفرنسي “ريني ميي”. علما أنَّ هذا الجيل وظَّف أكثر من سابقه الصحف كوسيلة للتوعيَّة وللتحسيس واستقطاب الأهالي للتفاعل مع جهود الإصلاح التربوي والحرص على تمدرس أبناءهم باعتبار التحرُّر النسبي للعمل الصحفي بموجب قانون (1884) الذي مثَّل الامتداد لقانون الصحافة الفرنسي الصادر سنة (1881).
بالتالي نتبيَّن أنَّ منطلق الاستئناف للمجهود الإصلاحي كان ببادرة فرنسيَّة تونسيَّة لتنسيق جهود النخب الشباب ومساعدتهم على تجاوز أسباب التردِّي في إطار مشروع تونس الفتيّة([15]) ونصَّ الخطاب الافتتاحي(*) الذي ألقاه الشيخ سالم بوحاجب عن تعلُّق النخب الصاعدة بتطوير أساليب التعليم وذلك بالتركيز على العلوم المستحدثة واللغات الأجنبيَّة وغيرها من المعارف التي تساهم في تطوير المجتمع وتحسين جدوى المجال الاقتصادي بالإضافة إلى تنبيه المتشدِّدين والغافلين إلى عقم أساليبهم في مقاومة جهود التحديث خاصَّة وأنّه ثمّةدول عربيّة وإسلاميَّة سبقتنا إلى الجمع بين التمدُّنين.
تكفَّلت “الحاضرة” بنشر عدد من المقالات في إطار تعبئة واستقطاب الأهالي للانخراط في الخلدونيَّة والاستفادة من دروسها. ولم تعمد هذه المقالات إلى الحطِّ من قيمة التعليم الديني بقدر أنّها دعت إلى التنويع في المعارف ذلك أنَّ الاقتصار على صنف واحد لا يساعد على التطوُّر “فالعالم الجليل إذا اقتصر على علمه بغير استزادة فإنّه لا يمكنه أن يعلم غير علم عصره، وإن كان هو أرسطو نفسه فإذا كان المدار على شيء واحد، فإنّ التقدُّم لا يحصل أبدا”([16]). يعكس برنامج هذه المؤسَّسة المحدثة على شاكلة الجمعيَات العلميَّة التي عرفها الفرنسيُّون، واقتبستها عنهم النخب الإصلاحيَّة في بلاد الشام في مرحلةٍ أولى، التقيُّد بمبدأ الموازنة بين الثابت والمتغِّير كما يجسِّد التعايش والتكامل بين الأجيال المختلفة من النخب الأهليَّة الإصلاحيَّة بقطع النظر عن تنوُّع تكوينها وقناعاتها وذلك ما يعكسه الجدول التالي.
المادّة | المدرِّس / التكوين | المحتويات المُدرَّسة |
اللغة العربيّة | سالم بوحاجب، محمّد رضوان/ تعليم زيتوني | أصول وقواعد اللغة العربيّة:نحو وصرف، أساليب الاستخدام. |
اللغة الفرنسيّة | مصطفى الدنقزلي/ تعليصادقي فرنسي | أصول + قواعد اللغة الفرنسيَّة من خلال كتاب المبتدئين وكتاب لمن لهم مكاسب تأليف: “لويس ماشويل” |
الهندسة والمساحة | السيّد رضوان/ زيتوني محمّد القروي/باردو الحربيّة | الخطوط – الزوايا – التقسيمات – المضلّعات – المثلث – المربّع – شبه المنحرف – الدائرة والمجسّمات… |
حفظ الصحّة | محمّد القروي / باردو الحربيّة * رئيس الخلدونيّة | ما يصيب الإنسان من جراثيم / النبات / الهواء / النور والحرارة / البيوت / الطعام / المناخ / العدوى والوقاية… |
الطبّ | البشير الدنقزلي / صادقي فرنسي | الدم –القلب– جسم الإنسان – الأمراض وسبل الوقاية |
التاريخ والجغرافيا | البشير صفر / تعليم صادقي فرنسي | تاريخ الممالك والأمم والتقلبات والتاريخ السياسي أقسام الأرض والجغرافيا الطبيعيّة والاقتصاديّة |
تاريخ البلاد التونسيّة | محمّد ابن الخوجة / زيتوني | التاريخ القديم في صلة بالحضارات المتعاقبة والتاريخ الإسلامي |
الحساب | محمّد صالح السلاّمي / زيتوني البشير صفر / صادقي | أصول وقواعدالحساب: الجمع / الطرح / الضرب / القسمة أنواع الأعداد / استخراج الجذور / المكاييل والمقاييس… |
مسك الدفاتر وقواعد المعاملات وأصول التجارة | محمّد ابن الخوجة / زيتوني | ضبط موازين المتجر / تراتيب نقل السلع / حركة قراطيس الديون / رواج النقدين: ذهب وفضّة / تأثير الغلاء والرخاء في الأسواق… |
قوانين المحاكم التونسيّة | خليل بوحاجب / تعليم صادقي فرنسي | أصول الترافع في المحاكم التونسيَّة والمجلس المختلط / وسائل التسجيل العقاري / تاريخ المحاكم بتونس وبالدولة العثمانيّة (سليمان القانوني) وصولا لفترة الحماية. |
أحكام التسجيل العقاري | خير اللهبن مصطفى / صادقي فرنسي | القواعد والإجراءات المتَّبعة في التسجيل العقاري بتونس خاصَّة في صلة بظهور هذا القانون مع الحماية الفرنسيَّة([17]). |
تبع تأسيس الخلدونيَّة الالتفات للتعليم الديني مرَّة أخرى وذلك بتنظيم المرحلة الابتدائيَّة التي تتمُّ بالكتَّاب فضبط لها نوعان من البرامج لتنظيم عمل المؤدِّبين:
- برنامج إجباري: يشمل القرآن ومبادئ الدين والقراءة والكتابة وقد تحدَّث عن ذلك المؤرِّخ “حسن حسني عبد الوهاب” بقوله “أمّا ما فرض تعليمه وجوبا فالقرآن الكريم مع إعرابه ورسمه بالشكل وإتقان الهجاء والقراءة الحسنة من توقيف وترتيل والأنسب أن تكون بقراءة “نافع” باعتبار أنَّ “مالك” رضي الله عنه أخذ عن “نافع””([18]).
- البرنامج الاختياري: فيتمثَّل في الحساب والأدب والشعر وأيَّام العرب والخطابة إلى آخره من العلوم التي يتفق على تدريسها للصبيان بالاتِّفاق مع أوليائهم.
وطالما أنَّ مسألة التدريس محكومة بثقافة المؤدِّب فقد بعثت مدرسة لتكوين المؤدّبين وهي “المدرسة العصفوريّة” (نسبة لابن عصفور) أو المدرسة التأديبيَّة وهي أحد فروع ترشيح المُعلِّمين لذلك عرفت بترشيح المؤدِّبين.
بحكم مشروع الاندماج والتوفيق بين المدنيَّة العربيَّة الإسلاميَّة والمدنيَّة الغربيَّة أو بالأحرى بين مصالح الشعبين: الفرنسي والتونسي سعت إدارة المعارف للتدخُّل في التعليم الديني وعملت على تنحيته بشتَّى الطرق باعتباره يتنافى ومتطلّبات الحداثة فواجهت مقاومة عنيفة من المحافظين، الأهالي وكذلك عدم تجاوب من النخب الليبراليَّة. سعت سلط الحماية من خلال المؤتمرات الاستعماريَّة – التي دعت إليها النخب ذات التكوين العصري وذلك سنة 1906 (بمرسيليا) و1908 (بباريس) إذ عرف الأوَّل بمؤتمر شمال إفريقيا والثاني بالمؤتمر الاستعماري – إلى استمالة النخب الأهليَّة قصد القبول بتعميم المدارس العربيَّة الفرنسيَّة. أظهرت النخب الأهليَّة التجاوب وقدَّمت التقارير المبيِّنة لمواضع ضعف التعليم الديني، ثمَّ حصل التراجع من قبل (مصطفى خير الله، عليّ بوشوشة والبشير صفر…) لمَّا تبيَّنوا النوايا الاستعماريَّة من خلال الدعوة إلى تغليب اللغة الفرنسيَّة.
أدّى هذا التراجع إلى انقسام النخب الليبراليّة الإصلاحيّة الأهليّة وبالتالي ظهور الطرف الراديكالي الذي تزعمه “عليّ باش حانبة” واستقلّوا بإقامة جمعيَّة قدماء الصادقيّة ثمَّ المنتدى التونسي وجريدة “التونوزيان” التي تعكس الميل الواضح للغة والثقافة الفرنسيَّة. تبعا لهذا الانقسام تنوَّعت المساعي الإصلاحيَّة بين الليبراليِّين الملتفِّين حول الحاضرة والراديكاليين الناشطين من خلال جريدة “التونوزيان”.
3. التوجُّه الإصلاحي للنُخَب بعد انقسام صفوفهم:
بانت طبيعة توجُّه الراديكاليين من أوَّل المقالات الصادرة بجريدتهم تحت عنوان “مطالبنا” كما مالت سلط الحماية للتجاوب معهم وتمثَّلت هذه المطالب في:
* المراهنة على تعميم التعليم: سنضع في مقدِّمة مطالبنا مسألة التعليم العامّ الذي يتوقَّف عليها حياة أو موت التونسيّين، إذ يؤلمنا أن نرى تسعة أعشار مواطنينا لا يزالون أميِّين، فإصلاح التعليم بكيفيَّة تلائِم حالة الشعب أصبحَ محتَّما على فرنسا([19]).
* المناداة بإجباريَّة التعليم الابتدائي ومجانيّته في مدارس فرنسيَّة عربيَّة:“أصبح مفروضا على فرنسا الديمقراطيِّة أن تراعي شعائرها وأمياليها الحرّة في جعل التعليم الابتدائي مجانا وجبريّا في جميع أنحاء المملكة”([20]) خاصَّة وأنَّ مسألة إلزاميَّة التعليم ظهرت بفرنسا منذ 1881.
* المناداة بنشر التعليم الثانوي وتمكين المتفوِّقين من الالتحاق بالتعليم العالي : “كما أنَّنا نشتغل بعرض مسألة تسهيل أسباب مزاولة العلوم الثانويَّة على الحكومة الحامية ومطالبتها بتنشيط نخبة التلامذة الذين ظهر اجتهادهم وتأكّد تحصيلهم على مزاولة العلوم العالية لتتمّ لنا بهذه الطريقة تربية رجال أكفَّاء يمكنهم أن يدركوا الحظَّ الأوفر من إدارة شؤون بلادهم”([21]).
* المطالبة بالإرساليّات والبعثات العلميَّة نحو الجامعات والمدارس الفرنسيَّة : “إنَّ التعليم وتوسيع نطاق العلوم والمعارف يوجّه نظر الأولياء وشبّان هذا القطر إلى ما في غضون التغذّي بلبان المعارف من المنافع الماديّة والأدبيّة بتثقيف عقول تلامذتنا بالعلوم الوقتيّة النافعة ومن لازم ذلك ترشيح بعضهم في مدارس العواصم الفرنسيَّة على نفقة إدارة الصادقيّة”([22]).
* المناداة بإقامة التعليم الصناعي والمهني: وفي ذلك يلتقون مع الطرف الليبرالي بحيث حرصوا بدورهم على التنويع في مناهج التعليم والمراوحة بين التعليم العامّ والتعليم المهني الصناعي اقتناعا منهم جميعا باختلاف القدرات والميولات لدى المتعلِّمين وكذلك تجنُّبا للانقطاع دون شهادة ومن ناحية أخرى لتخفيف الضغط على الوظيفةِ العموميَّة والتوجُّه للمهن الحرَّة. “إنَّ إقامة مدارس للزراعة وأخرى للصناعة تقِلّل من رغبة الانخراط في الدواوين الإداريَّة وتنكسر حدَّة الشرادة والميل إلى الفلت في الطبقات الدنيّة مع اشتراط معرفة الكتابة العربيَّة في برنامج المواد المدرسيَّة والامتحانات السنوَيّة حيث كانت هذه المعرفة من عدَّة أوجه ضروريَّة”([23]).
أدَّت المطالبة بالمدارس العربيَّة الفرنسيَّة إلى تجاوب سلط الحماية وبالتالي انتشار هذه المدارس التي تخصِّص مكانة واضحة للغة الفرنسيَّة. لم يمنع ذلك التوجُّه من ظهور التجاوب من قبل الأولياء إلى درجة كتابة اللوائح أو العرائض وتوجيهها للبرلمان الفرنسي للمطالبة بالإكثار من هذا النوع من المدارس باعتبار أنَّ ما تمَّ إحداثه لا يستوعب كلَّ أبناء الأهالي نتيجة مزاحمة الفرنسيِّين واليهود لهم.
* العمل على مقاومة الكتاتيب والمدارس القرآنيَّة: نظر الراديكاليون إلى هذه الفضاءات التعليميَّة نظرة ازدراء وطالبوا سلط الحماية بإزالتها بصورة كليَّة حيث صرَّحوا بأنّهم “سيقاومون كلَّ محاولة رسميَّة لإصلاح الكتاتيب التي يجب في رأينا أن تزول بالتتابع على نسق زوال المؤدِّبين لتترك المجال للمدرسة العربيَّة الفرنسيَّة حيث تدِرّس بالتساوي العربيَّة والفرنسيَّة”([24]) وامتدَّ رفضهم لتجربة المدرسة القرآنيَّة التي حاول بموجبها الليبراليون تطوير مؤسَّسة الكتَّاب علما أنَّ النخب الراديكاليَّة سعت في ذات الوقت إلى تعليل أسباب حرصها على استبدال الكتاتيب والمدارس القرآنيَّة بالمدارس العربيَّة الفرنسيَّة برغبتها في ضمان استمراريَّة الأهالي في المواصلة بالمؤسَّسات الثانويَّة والعليا وكذلك المؤسَّسات أو المدارس المختصَّة في التعليم المهني (مدرسة إيميل لوبي نموذجا) حيث تشترط في كلِّ المراحل اللغة الفرنسيّة “فالشبَّان المتخرِّجين من هذه المدارس القرآنيَّة أين تلقوا تكوينا ابتدائيّا عربيَّا لا يقدرون على التصدِّي للتعليم الثانوي، ومن باب أولى العالي كما لا يمكن قبولهم بالمدارس المهنيَّة حيث تلقى الدروس باللغة الفرنسيّة”([25]).
* المناداة بتعليم البنات : اشتغلت النخب الراديكاليَّة بالتعاون مع اتِّحاد جمعيات التعليم الفرنسي وبلورت ملامح التعليم الذي يلزم إعطاؤه للبنات المسلمات وعملت الاتَّحاد المشار إليه إلى استقطاب الأهالي، وحثّهم على تعليم بناتهم ولكن حصل نوع من العزوف خشية احتواء المسلمات حيث عمدت أولى التجارب إلى تكريس العادات الأوروبيَّة في صفوف المتعلِّمات كما حاولوا تنصيرهنّ “فكان ذلك داعيا لارتياب المسلمين فعمد المحافظون إلى إزهاق روح مشروعهم الكريه”([26]).ارتبطت هذه الإحداثيّات بجهود الإرساليّات والتبشير المعلنة بتونس آنذاك.
كانت سنة 1911سنة عودة الالتفاف بين النخب الليبراليَّة والراديكاليَّة حيث أدركوا مخاطر المساعي الاستعماريَّة على الهويَّة العربيَّة الإسلاميَّة،وترتَّب عن التفافهم (التصدِّي لمحاولات إلغاء التعليم الزيتوني وظهور مجال دفاع مشترك من خلال النسخة العربيَّة للتونوزيان “التونسي” التي أدارها الشيخ عبد العزيز الثعالبي). تجدر الملاحظة أنَّ راديكاليَّة النخب الأهليَّة لم تعكس أيَّة خطورة على ثوابت الهويَّة “كما أنَّ النخب الليبراليّة لم ترفض مسألة تعليم البنات إذ قامت أوَّل تجربة قبل انقسام النخب سنة 1897 وذلك بإحداث مدرسة الأوقاف لتعليم البنات التي افتتحت بسبع تلميذات ثمّ تطوّر عددهنّ إلى ثمانين وهو ما جعلهم يفِكّرون في ترك المحلِّ القديم (نهج الباشا) وتعويضه بمحلٍّ آخر إذ شرعوا في إقامة بناء فخم تبلغ مساحته نحو (2000) مترا مربّعا في وسط الأحياء العربيَّة”([27]).
من أنصار تعليم البنات المسلمات المتجاوبين مع مبدأ الموازنة بين الأصالة والحداثة التي تدعو إليها النخب الليبراليّة والراديكاليّة، السيّد “شارلوتي” ثاني مدير للمعارف حيث أقام مدرسة بالعاصمة وألحقها بمدارس أخرى بعدد من الجهات بداية من سنة (1909)(نابل، القيروان، سوسة، المهديّة، زغوان) وشرع في اتخاذ الوسائل لإنشاء مدارس مماثلة في (صفاقس وقفصة)([28]). وأحدث امتيازات لحثِّ الأهالي على تعليم بناتهم وتمثُّل ذلك في:
- الإعفاء من الضرائب ومنح الأوسمة الشرفيَّة، لكن النخب رفضت ذلك وطالبت بتوجيه أموال هذه الامتيازات لتوسعة مدارس البنات وتجهيزها بفعل حرصها على اقرار وجوبية التعليم للجنسين.
* المطالبة بإدراج التعليم المهني الصناعي ضمن مدارس البنات:“وذلك بإحداث أقسام لتعليم الصنائع اليدويَّة مثل تعليم الزرابي في القيروان وغيرها من بقيّة المدن وصناعة الخياطة والتطريز وغير ذلك من بقيَّة الصنائع البيِّنة المفيدة وهي من الأعمال التي تساعد المرأة المتحجِّبة في بيتها على إعانة زوجها وتكون قادرة على اقتناء معيشتها ومعيشة أبنائها إن ترمَّلت ولا تكون وسط عائلتها معدودة عضوا مشلولا كما هو شأنها في الوقت الحاضر مثقلا للعائلة الوطنيّة”([29]).
* المطالبة بإحداث فروع للتعليم المهني للذكور: خاصَّة من ذوي المؤهِّلات المحدودة والميّالين إلى الصنائع أكثر من التعليم العام في الجهات الأخرى من البلاد. تمثَّلت مقاصدهم من وراء هذا التعميم للتعليم المهني في التنويع في مسالك التعليم، التمييز بين مؤهِّلات المنتسبين للتعليم، مراعاة ميولات المتعلِّم، إحياء الصنائع والزراعة الأهليَّة وتنشيط الدورة الاقتصاديَّة.
لقد أجمعوا أن لا أحد ينكر أنَّ التعليم التقني الزراعي يجب أن يكون أساس البناء فبعثوا مدرسة الأنصارين 1902 ثمَّ تمَّ بعثت مدرسة ثانية بسمنجة مختصَّة في تربية الماشية، بالإضافة إلى العمل على إدماج الشبّان في الضيعات الفلاحيَّة للمعمِّرين بجهاتهم لضمان تكوين على أسسٍ عصريَّة مع صرف منحة شهريَّة للمعمِّر لتغطية مصاريف المتعلِّمين واشترط في الانتساب لهذه المدارس المهنيَّة بالجهات الحصول على المؤهَّل الابتدائي “فيكون المنتسبين للتعليم التقني أو المهني من المتحصِّلين على الشهادة الابتدائيّة ويكون تكوينهم تقنيا وتطبيقيّا فيشاركون في الأعمال اليدويَّة مثل صهر الحديد، النجارة ونجارة العربات”([30]).
* المطالبة بتكوين علمي للمعلّمين من الأهالي(*): وذلك ضمانا لجودة العمليَّة التعليميَّة وتأمينا للاستفادة بالنسبة للمتعلِّمين خلافا لما كان سائدا مع المؤدِّبين وغيرهم من المدرِّسين غير المؤهَّلين. أحدث لهذا الغرض:
- معهد لتكوين المعلِّمين الذكور بالقرجاني(مدرسة القرجاني حاليا) في أكتوبر 1884.
- معهد لتكوين المعلِّمات الفتيات: (معهد حسن العياري حاليا) وذلك 1911.
توزعت الدراسة على النحو التالي:
- قسم لإعداد معلِّمي الفرنسيَّة مدَّة ثلاث سنوات مفتوح للأهالي والفرنسيِّين الحاملين للمؤهّل الثانوي.
- قسم لإعداد معلِّمي العربيَّة مدَّة ثلاث سنوات مفتوح للأهالي من الحاملين للأهليَّة.
أفضت مساعي النخب الراديكاليَّة والليبراليَّة إلى تطوُّرِ عدد المنتسبين للمدارس العربيَّة الفرنسيَّة إذ بلغ عدد هذه المدارس سنة 1905/152 مدرسة ضمَّت (21759) تلميذا منهم (8701) من الأهالي، كما تطوَّر عدد المنتسبين لمدرسة المعلِّمين بالقرجاني من (28 تلميذ معلّم) سنة 1885 إلى (100 تلميذ معلَّم) سنة 1930 وبلغ العدد (1000 تلميذ معلَّم) سنة 1968 مرحلة بناء الدولة المستقلَّة.
- مواضع الاختلاف بين النخب الليبراليّةوالراديكاليّة: انحصر الخلاف في:
- رفض تغليب اللغة الفرنسيَّة على اللغة العربيَّة وتعدَّدت المؤتمرات واللقاءات الخطابيَّة بخصوص القضيَّة اللغويَّة في تونس في النصف الأوَّل من القرن العشرين خاصَّة. يعدُّ تأليف الدكتور “هشام بوقمرة” القضيَّة اللغويَّة في تونس كتابا جامعا في هذا الاتجاه وترتَّبَ عن هذا الرفض استبدال المدرسة الفرنسيَّة العربيَّة بالمدارس القرآنيَّة. كانت الانطلاقة ببادرة من مصطفى خير الله بتأييد من البشير صفر وعليّ بوشوشة ومحمّد الجعايبي (صاحب جريدة الصواب) وغيرهم رغم تحمُّس خير الله للمدارس الفرنسيَّة في المؤتمر الاستعماري بباريس سنة 1908. ظهرت أولى المدارس القرآنيَّة التي وصفها الراديكاليون بالمدرسة القروسطيَّة أو بالكتَّاب المجدَّد سنة 1908 وضمَّت 180 تلميذا، ووظَّفت مقابلا ماديّا قدره ثلاثة فرنكات شهريا وعكس فضاءها التطوُّر والمحاكاة للمدارس العربيَّة الفرنسيَّة، كما أنَّ محتويات البرنامج أعربت عن نقلة مقارنة بما كان يقدّم في الكتاب فضمّ (القرآن، الإنشاء باللسان العربي، التاريخ والجغرافيا، الحساب ومبادئ الهندسة، النحو والصرف، الفقه الإسلامي واللغة الفرنسيَّة). أدار هذه المدرسة “محمّد صفر”.
- رفض مدارس تعليم البنات التي أحدثتها سلط الحماية: يعتبر الطاهر الحدّاد من أكثر المناوئين لهذه النوعيَّة من المدارس في إطار دفاعه عن ثوابت الهويَّة العربيَّة الإسلاميَّة للبنات المسلمات ووردت أفكاره في مؤلفه “امرأتنا في الشريعة والمجتمع” فأعرب أنَّهُ“ما أحوجنا إلى الاتِّحاد في تعليم المرأة وتربيتها للنهوض بها بدلا من الجدال العقيم الذي نملأ به أيّامنا العاطلة”([31]). كما أكَّدَ على أهمِّيَّة دور تعليم المرأة في النهوض بالبلاد فأفاد “بأنَّنا نحلم بآمالنا في المستقبل ونألم من الغبن… ولا سبيل لهذا التخلُّص أو بلوغ تلك الأعمال إلا متى كان ذلك ثمرة لغرس أصول التربية الفاضلة في أبناءنا، ولا يتمّ هذا إلاّ بتربية المرأة وتعليمها”([32]).
واقترح لهذا الغرض بديلا للبرنامج الذي تقدمه المدارس الفرنسيَّة للبنات حيث ندَّد بالأساليب الاستعماريَّة للاحتواء ولضرب الهويَّة العربيَّة الإسلاميَّة. تضمَّنَ البرنامج الذي اقترحه وبناه على أساس المعادلة بين الأصالة والحداثة (الرياضيات، الفيزياء، الرياضة البدنيَّة، مبادئ علم الصحَّة، مبادئ تربية الأطفال والثقافة العامَّة (المسرح والروايات) بالإضافة إلى تدبير المنزل وحذق الحرف والصناعات) وأفادَ أنَّ نجاح هذا البرنامج موكول لإرفاقه بتربية البنات على قيم الكرامة، الحريَّة والعزَّة في صلة بثوابت الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة.
- البعد الاستشرافي التقدُّمي في الفكر الإصلاحي للمنظومة التربويَّة:
بان هذا البعد الاستشرافي الذي يعكس النظرة المتطلِّعة للمستقبل من قبل النخب في عديد المستويات رغم أنَّهم لم يوظِّفوا صراحة المصطلحات التقنية الدالَّة على ذلك والتي ظهرت مع النصف الثاني للقرن العشرين ونعني بالأساسالمقاربات التي بنيت عليها السياسات التربويَّة بالعالم وبتونس خاصَّة منذ إصلاح 29 جويلية 1991. إنَّ الأجيال المصلحة المتعاقبة عملت على تطوير المنظومة التربويَّة في إطار استشراف العديد من المقاربات الحديثة منها:
- المقاربة الاستشرافيَّة: لمَّا تطلَّعوا إلى ما سيطرأ من تحوّلات على الصعيد الدولي في صلة بما يُعبَّر عنه حاليّا بـ”العولمة” لذلك رفضوا الانغلاق أو بالأحرى التجديف ضدّ تيّار الحداثة. من المقولات العميقة في هذا الصدد ما صدر عن خير الدين لمَّا أعرب ” أنَّه إذا اعتبرنا ما حدث في هذه الأزمنة من الوسائط التي قرَّبت تواصل الأبدان والأذهان لم نتوقَّف أن نتصوَّر الدنيا بصورة بلدة متَّحِدة تسكنها أمم متعدَّدة حاجة بعضها لبعض متأكّدة”([33])وسانده محمّد بن عثمان السنوسي بأسلوبٍ شعريّ دال في نفس اتِّجاه استشراف “العولمة” وإكبار فضل التقدُّم العلمي:
وصيَّر الأرض دارا والورى رجلا حتَّى ترى مقبلا في الناس مقبولا([34])
- مقاربة الجودة: وذلك بالحرص على تطوير المناهج والبرامج وإدراج العلوم المستحدثة التي أصبحت تقتضيها متطلَّبات الحياة بالإضافة إلى حرصهم على ضمان الجودة في أداء المعلِّمين والمربِّين حتَّى تفضي العمليَّة التربويَّة التعليميَّة إلى نتائج أفضل في صلة بالناشئة، بأنَّ حرصهم على الجودة في التأكيد على استمراريَّة التعليم وفق المراحل الثلاث وتطعيم ذلك بالبعثات والإرساليَّات نحو البلدان الأوروبيَّة وتنزَّل ذلك في إطار الحرص على التربية والتعليم المستديم الذي يُعدُّ من الاستخدامات المعاصرة، والحال أنَّ الفكر الاجتهادي العقلاني العربي الإسلامي، أكَّد على ذلك بوضوح وكانت النخب الأهليَّة على بيِّنة من مضامينه من ذلك قوله صلّى الله عليه وسلَّم “أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد” وكذلك قول “سعيد بن جير” “لا يزال الرجل عالما ما تعلَّم فإذا ترك التعلُّم، وظنَّ أنَّه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون” إلى درجة أنَّ بعض العرب أنشد:
شفاء العمى طول السؤال وإنَّما دوام العمى طول السكوت عن الجهل
- المقاربةالاقتصاديّة: وهي شديدة الاتِّصالبمقاربة الجودة باعتبار صلة الجودة بالمجال الاقتصادي بالأساس. بان تعلُّقهم بهذه المقاربة لمَّا أدركوا ضرورة تطعيم المكاسب التقليديَّة بمكاسب ذات صلة بالتقدُّم العلمي وبمقتضيات التطوُّر الاقتصادي الذي عرفته البلدان الغربيَّة، أضف إلى ذلك يظهر تعلُّقَهم بهذه المقاربة لمَّا سعوا إلى التنويع في أنواع التعليم قصد المراوحة بين تخريج الكفاءات لمؤسَّسات الدولة وكذلك المهارات التي تتكفَّل بالمهن والحرف سواء الفلاحيَّة أو الصناعيَّة أو التجاريَّة خدمة للاقتصاد، وبان الحرص أكثر في تأكيدهم على التعليم التقني والمهني إلى درجة جعل التعليم الابتدائي جذعا مشتركا بين التعليم العام والتعليم المهني الصناعي باشتراط المؤهَّل الابتدائي لدخول مدارس الصنائع والمهن.
- المقاربة النفسيَّة : رغم عدم إلمامهم بمقتضيات علم النفس الذي لم يظهر بعد كعلم مستقل بعد، فقدعبَّروا عن نضج في التعامل مع الناشئة وحرصوا على مراعاة الميول النفسيَّة للمتعلِّم وكذلك درجة استيعابه ومؤهلاته الذهنيَّة في عمليَّة توجيهه نحو التعليم العامّ والتعليم المهني الصناعي، ونبع هذا الوعي عن الروّاد والأجيال الشباب من النخب من ذلك ما صدر عن الشيخ سالم بوحاجب بقوله “إنَّ من حكمته أن جعل عقول خلقه مختلفة ليتوجَّه كلّ لما يسهل عليه من فنون المعرفة، وبذلك توزَّعت مواد العمران في العباد بحسب ما أودع الله في كلِّ فريق من القابليَّة والاستعداد مثل الذين يتعاطون العلوم، منهم من تكون مدركته أقوى من حافظته فيستسهل الفنون العقليَّة ومنهم من يكون بالعكس ويقبل العلوم النقلية وكذلك الذين يتعاطون الصنائع والحرف براعتهم أيضا بحسب الاستعداد تختلف فمنهم من تسهل لديه الخدمة البدنيَّة كالبناء والنجارة ومنهم من يشقُّ عليه ذلك فيعدل إلى منصب التجارة ومنهم من يستسهل تعاطي الفلاحة”([35]). وأثبت الفصل 16 من أمر 26/12/1875 حرص النخب على الجاب النفسيّ للمتعلّم بعدم الإثقال والاطالة وجعل الحصّة ب 45 دقيقة على الأقلّ وبساعةٍ ونصف على الأكثر.
- مقاربة الحداثة:اقتضت منهم الحرص على الميل نحو العلوم المستحدثة تماشيا مع متطلبات العصر إذ أدرك الروّاد أنَّ الظروف تملي التعلُّق بالمتغيِّرات دون التخلِّي عن احترام الثوابت فعملوا قصارى جهدهم على مخاطبة العقول بجنس ما تفهم بحكم اقتناعهم أنَّ الإصلاح لا يكون بالإكراهوبيَّنوا أنَّ الإسلام لا يرفض الحداثة، وأنَّ الظرفيَّة التي ظهر فيها المسلمون الأوائل ليست نفس الظرفيَّة التي يعيشونها واستدلُّوا للإقناع بالحجج الشرعيَّة وبالقياس. من بين المواقف المتنزّلة في هذا الصدد موقف بوحاجب في درسه الافتتاحي أيضا حيث أعرب “أنّ إقامة الدين بصدر الإسلام لم تكن محتاجة إلى العلوم المشار إليها،أمَّا بعد أن حدثت الآلات العظيمة والمصنوعات الجسيمة وجب كما قال “الفاروق” أن تواجه بمثلها فلا بدّ من تعاطي كلّ علم يقتدر به على إنشاء المخترعات وتسهيل نقلها والوسائل بها حكم المطلب وما لا يتمُّ الواجب إلاّ به فهو واجب”([36]).
- المقاربة التاريخيَّة:بانت ملامح هذه المقاربة في الجهود الإصلاحيَّة للمنظومة التربويَّة من خلال احترام النخب لتاريخهم واعتزازهم بالموقع المتميِّز لوطنهم في صلته بالتربية والتعليم مقارنة بالعديد من البلدان إلى درجة إجبار “لويس ماشويل” على الإقرار بذلك في أغلب خطاباته، فكثيرا ما أعلن أنَّ لتونس في مجال التعليم رتبة سامية بالنسبة لممالك شمال إفريقيا. ومثلما تعلَّقت النخب الإصلاحيَّة بالفكر الاجتهادي العقلاني العربي الإسلامي في صلته بالتربية والتعليم، فقد احتكمت لأبرز الفترات التاريخيَّة التي تركزت فيها المدرسة المتطوّرة وبانت المناهج والمراحل الواضحة من خلالها ونعني بذلك المدرسة الرومانيّة بتونس حيث تعتبر هذه الفترة مصدر إلهام للنخب في التأكيد على توزيع التعليم إلى ثلاث مراحل وتجسَّد نجاح الإصلاح التربوي الروماني بتونس من 146ق م إلى 439 م وساهمت هذه المدرسة في ترك تراث فكري مهمّ سواء من خلال مؤسِّسيها أو نخبها التي أثرت تاريخ تونس التعليميّ، فعرفت “البرقولا” (المدرسة الابتدائيّة) و”الماجستير”(المعلّم الابتدائي)و”البيداغوغو” (مرافق التلاميذ)و”اللّودس” (المدرسة الثانويّة)و”القرمّاتيكوس” (أستاذ الثانوي) الذي كان راتبه يفوق الماجستير أربع مرَّات بالإضافة إلى الجامعة (جامعة قرطاج) وأستاذها (الريتور) أي البليغ وحرص الرومان على تمكين البنات من التعليم في مختلف المراحل([37]).
الخاتمة:
إنَّ تطوير المنظومة التربويَّة التعليميَّة بتونس يشكِّلُ جزءا من تاريخها الثقافي والوطني، ذلك أنَّ السعي للإصلاح والتحسين تقليد انتهجته النخب التونسيَّة منذ القديم وعلى مرِّ العصور، أمَّا بخصوص ما اتَّصلبالجهود النابعة على الأجيال المختلفة للنخب الإصلاحيَّة بين النصف الثاني للقرن التاسع عشر والنصف الأوَّل من القرن الموالي، فإنَّنا نستخلصُ مايلي:
- الاستمراريَّة والتكامل بين مختلف الأجيال.
- الاقتناع بالإصلاح في إطار المراوحة بين الثابت والمتحوِّل.
- حرصت كلّ الأجيال من النخب على حماية ثوابت الهويَّة العربيَّة الإسلاميَّة بتونس.
- ميل كلّ النخب إلى تحقيق مكاسب أساسيَّة أبرزها جعل التعليم شأنا عامّا وإلزام الحكومة التونسيَّة أو حكومة الحماية بالإشراف عليه وفرض مبدأ المجانيَّة والإجباريَّة في التعليم في مراحله الأولى والأساسيَّة.
- الانسجام الواضح بين النخب الفكريَّة والسياسيَّة بتونس بخصوص إصلاح المنظومة التربويَّة، وكذلك بين النخب الفكريَّة على اختلاف مرجعيَّاتها.
- عدم انجذاب النخب الأهليَّة – رغم ميلها للنزعة الراديكاليَّة – إلى التوجُّهات الاستعماريَّة الهادفة للقضاء على الهويَّة العربيَّة الإسلاميَّة بتونس واعتبار مسألة نشر التعليم في إطار من الإجباريَّة والمجّانيَّة مطلبا جوهريا إلى درجة جعله ضمن اللوائح والوفود المتَّجهة نحو فرنسا للتعريف بالمشاغل التونسيَّة. من أدلَّة ذلك محتوى التقرير الذي رفعه الثعالبي سنة 1920 تحت عنوان: تونس الشهيدة.
إنَّ الإصلاح مسار وعمل غير منقطع وذلك بحكم اختلاف الفترات وحاجة المجموعة الوطنيَّة إلى التفاعل مع المتغيِّرات في محيطها الدولي العالمي… بانت الاستمراريَّة في جعلِ حقِّ التعليم مطلبا دستوريّا بداية صياغة لائحة مبادئ الدستور في 10 جوان 1949 ضمن النقطة العاشرة، ممَّا مهَّد لتنزيل هذا المكسب في توطئة دستور 1959. الملاحظ أيضا أنَّ مطالب وأفكار نخبنا كانت سابقة لأوانها ذلك أنَّ ما دافعوا عنه أصبح مادَّة مكوِّنة لنصوص قانونيَّة دوليَّة هادفة لضمان حقوق الإنسان، ذلك أنّ المادَّة 26 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان حوصلت كلّ مطالبهم والاتِّفاقيَّة الدوليَّة المتعلِّقة بمقاومة التمييز في الاستفادة بالتعليم، جوهرها أنَّ الفارق لا يستحقَّ إلاّ بذكاء كما نادت النخب.
قائمة المصادر والمراجع :
- المصادرالعربيّة:
- الكتب:
- أحمد شبشوب، كتاب مقاربات جديدة في التربية عن “بول منرو” “Paul Monro”الكاتب الأمريكي في أثره تاريخ التربية”.
- أرنولد قرين: العلماء التونسيون (1873/1915) ترجمة حفناوي عمايرية وأسماء معلّى، بيت الحكمة دار سحنون للنشر، ط(1)، 1995 تونس.
- حسن حسني عبد الوهاب: مقدِّمة كتاب آداب المعلّمين لمحمّد بن سحنون، مطبعة العرب تونس، 1931.
- خير الدين باشا: أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، تحقيق المنصف الشنّوفي، الدار التونسيّة للنشر، 1972.
- سالم بوحاجب: الدرس الافتتاحي للخلدونيَّة 1896، كتاب أليس الصبح بقريب، محمّد الطاهر بن عاشور.
- الطاهرالحدّاد: امرأتنا في الشريعة والمجتمع، الدار التونسيّة للنشر، ط (4)، 1985 تونس.
- الطاهر بن عاشور:أليس الصبح بقريب، ط (2)، الشركة التونسية لفنون النشر، سنة 1988.
- عبد الجليل الميساوي: قيم الإصلاح والتحديث في فكر بن أبي الضياف من خلال إتحاف أهل الزمان، دار الإتحاف تونس، ط (1)، 1999 وذلك استلهاما من موقف الشهرستاني في كتاب الملل والنحل، دار الفكر بيروت 1962.
- فلاديمير ماكسيمنكو: الأنتلجنسا المغاربيّة، مرسوم إحداث المعهد الصادقي، ترجمة عبد العزيز بوباكيز، دار الحكمة الجزائر، ط (2)، 1994.
- كتاب الفكر التربوي عدد العرب تأليف: إبراهيم النجّار والبشير الزريبي، الدار التونسيّة للنشر، ط (1)، 1985.
- كتاب مختارات من الأدب التونسي في العهدين المرادي والحسيني بيت الحكمة سنة 1989.
- محمّد بن عثمان السنوسي: الرحلة الحجازيّة، ج(1)، تحقيق عليّ الشنّوفي، تونس 1991، إصدار الدار التونسيّة للنشر.
- محمود قابادو: ديوانه الشعري، تحقيق عمر بن سالم، مركز الدراسات والأبحاث الاقتصاديّة والاجتماعيّة، تونس، المطبعة القوميّة للنشر، ج(1)، تونس 1984.
- الصحف والدوريات :
- جريدةالتونسي: مقال مطالبنا، 7 فيفري 1907.
- جريدة التونوزيان: عبد الجليل الزاوش، مقال: التعليم والأهالي في 10 ديسمبر 1908.
- جريدة التونوزيان: عبد الجليل الزاوش، مقال: تعليم البنات، 9 جانفي 1911.
- جريدة التونوزيان: عليّ باش حانبة، مقال: التعليم التقني للذكور، تونس 25 ماي 1911.
- جريدة التونوزيان: عليّ باش حانبة، مقال: تعليم الأهالي، 17 أكتوبر 1907.
- جريدة التونوزيان: عليّ باش حانبة، مقال: مطالبنا، 7 فيفري 1907.
- جريدة الحاضرة: عليّ بوشوشة، مقال: الخلدونيّة، 19 جانفي 1897.
- جريدةالحاضرة: عليّ بوشوشة، مقال: مطالبنا، العدد 323 في 20 نوفمبر 1894.
- جريدة الحاضرة: عليّ بوشوشة، مقال الغاية من الإصلاح، 19 جانفي 1897.
- المصادرالفرنسيّة:
- Encyclopédie de l’Islam, tome IV. Maison neuve et Larousse, Paris 1978.
- Journal le Temps, Paris, 6 juillet 1908, article Jeune Tunisie.
- Khair-Eddine Bacha : Khair-Eddine homme d’état (mémoires) Mohamed Salah Mzali et Jean Pignon, Maison tunisienne de l’édition 1971.
- Paul Monro : Histoire de l’éducation pendant l’antiquité, ED, seuil 1965.
*أجمعت كلُّ الحضارات، بما في ذلك الحضارات القديمة على الموقع المتميِّز للتربية والتعليم في مستوى أي مجهود إصلاحي، من ذلك ما صدر عن أفلاطون في كتاب الجمهوريَّة: “المشروع التربوي هو الوحيد القادر على تغيير المجتمع”.
[1]Khair-Eddine Bacha : Khair-Eddine homme d’état (mémoires) Mohamed Salah Mzali et Jean Pignon, p78. Maison tunisienne de l’édition 1971.
[2] محمود قابادو: ديوانه الشعري، تحقيق عمر بن سالم، مركز الدراسات والأبحاث الاقتصاديّة والاجتماعيّة، المطبعة القوميّة للنشر، ج (1)، ص262، تونس 1984.
* دعا إلى غرس القيم والمبادئ في الناشئة:“كونوا دليلا لحريتهم ليتأدّبوا بالحريّة”.
** حث على التقيّد بالتدرّج في التدريس وبما يعبّر عنه حاليا بالبيداغوجيا:حقّ على المعلّم أن يحسن إلقاء الدرس وتفهيمه للحاضرين وإن كانوا مبتدئين فلا يلقي عليهم ما لا يناسبهم من المشكلات بل يدرّبهم ويأخذهم بالأهون فالأهون إلى أن ينتهوا إلى درجة التحقيق وإن كانوا منتهين فلا يلقي عليهم الواضحات”. تضمّن الفصل 12 من أمر26 ديسمبر1875 نفس هذه الفكرة وأكّد على أن يربط المدرّس درسه بأهداف ينشدها.
*** رفض التعليم القائم على التلقين والحفظ دون تدبّر وإعمال للعقل“كرهت الحكماء الرؤساء أصحاب الاستنباط والتفكير جودة الحفظ لإمكان الإثقال وإغفال العقل من التميّز” كما دعا في رسالة في الجدّ والهزل إلى مراعاة نفسيّة المتعلّم “متى ثقل الدرس تثاقلت النفس وتقاعست الطبيعة ومتى كان الاستثقال أحدث الهجران، فعلى قدر الحاجات تكون الخواطر كما أنّه على قدر غريزة العقل تصحّ الحوائج”، انظر كتاب الفكر التربوي عدد العرب تأليف: إبراهيم النجّار والبشير الزريبي، الدار التونسيّة للنشر، ط(1)، 1985.
[3]Encyclopédie de l’Islam. P146, tome IV. Maison neuve et Larousse, Paris 1978.
[4]Journal le Temps, Paris, 6 juillet 1908, article Jeune Tunisie.
[5]IBID, Jeune Tunisie.
[6] أحمد شبشوب، كتاب مقاربات جديدة في التربية عن “بول منرو” “Paul Monro”الكاتب الأمريكي في أثره “تاريخ التربية”، ص96.
* لمّا تصادمت النخب الفكريّة والأهالي مع الباي وسلط الحماية بفعل فرض معلوم الدفن وتحويل لزمة الماء الصالح للشراب لشركة فرنسيّة بدل الأهالي وتبع ردّة الفعل هذه إجراءات تعسّفيّة في حق بعض النخب.
[7]Journal le Temps, Paris, 6 juillet 1908, Article : Jeune Tunisie.
[8] عبد الجليل الميساوي: قيم الإصلاح والتحديث في فكر بن أبي الضياف من خلال إتحاف أهل الزمان، ص33، دار الإتحاف تونس، ط (1)، 1999 وذلك استلهاما من موقف الشهرستاني في كتاب الملل والنحل، دار الفكر بيروت 1962.
[9] جريدة الحاضرة، عليّ بوشوشة، مقال الغاية من الإصلاح، 19 جانفي 1897.
[10] أرنولد قرين: العلماء التونسيون (1873/1915) ترجمة حفناوي عمايرية وأسماء معلّى، ص45، بيت الحكمة دار سحنون للنشر، ط (1)، 1995.
[11] الطاهر بن عاشور:أليس الصبح بقريب، ص (93)، ط (2)، الشركة التونسية لفنون النشر، سنة 1988.
[12] الطاهر بن عاشور:أليس الصبح بقريب، ص ص95-96.
[13]. فلاديميرماكسيمنكو: الأنتلجنسياالمغاربيّة.مرسوم إحداث المعهد الصادقيّ ص 27 ترجمة عبد العزيز بوباكيردار الحكمة الجزائرط 2/1986.
[14] فلاديمير ماكسيمنكو:الأنتلجنسا المغاربيّة، مرسوم إحداث المعهد الصادقي، ص28، ترجمة عبد العزيز بوباكيز، دار الحكمة الجزائر، ط(2)، 1994.
*تعكس المعطيات التاريخيّة تحمّس كل الروّاد لهذه المؤسّسة التعليميّة إلى درجة التغنّي بها والعمل على التعبئة لاستقطاب الأهالي للإقبال على تعليم أبناءهم في رحابها. من أبرز ما كتب قصيدة محمّد الباجي المسعودي الصادقيّة التي نقتبس منها الأبيات التالية:
الصــادقيـــة حسـنـها بـهـر الــورى | R | فأجـل لـحـاظك مـعجـبا ومـفـكّـــــرا |
وتروّ فــي قـــانــونـه وفـصــولــه | R | تلفيـــه قد أهدى الــنضـا لمن قـــــرا |
يدعـــو إلى مــا لا حـيــاة بــدونـــه | R | فالعلـــم داعية البــقــاء لــمــن درى |
هــبّــوا بـنـي الخــضــراء وانتبهـوا | R | إلى ما هو في الدارين أربح متجــرا |
وخــذوا الـمـعــارف والعـلــوم بقوّة | R | تنــســيــكـــم بقراط والاســكــنـــدرا |
وتــســابـقــوا الـفــضيــلـة جــاءتكم | R | حــاشــاكــم أن تـنـبـــذوها بالـعـــرا |
[15] أرنولد قرين: العلماءالتونسيّون: 1873/1915 ص 45 / ترجمة حفناوي عمايرية وأسماء معلّى.تونس 1995.
* ورد هذا الخطاب كاملا بكتاب “أليس الصبح بقريب” للشيخ الطاهر بن عاشور وهو أحد تلامذة الشيخ سالم بوحاجب. علما أنّ خطبة بوحاجب مماثلة في عديد جوانبها لخطبة شيخه إبراهيم الرياحي لدى افتتاح باردو الحربيّة وذاك دليل على منطق الاستمراريّة بين الأجيال من النخب الأهليّة.
[16] جريدة الحاضرة: عليّ بوشوشة، مقال:الخلدونيّة، 19 جانفي 1897.
[17] جريدة الحاضرة: عليّ بوشوشة، مقال:الخلدونيّة، 23 نوفمبر 1897.
[18] حسن حسني عبد الوهاب: مقدّمة كتاب آداب المعلّمين لمحمّد بن سحنون، مطبعة العرب تونس، 1931، ص56.
[19] جريدة “التونوزيان”، عليّ باش حانبة، مقال : مطالبنا، 7 فيفري 1907.
[20]جريدة “التونوزيان”، عليّ باش حانبة، مقال : مطالبنا، 7 فيفري 1907.
[21] جريدة التونسي : مقال مطالبنا، 7 فيفري 1907.
[22] نفس المصدر السابق.
[23] جريدة الحاضرة : عليّ بوشوشة، مقال : مطالبنا، العدد 323 في 20 نوفمبر 1894.
[24] جريدة التونوزيان : عليّ باش حانبة، مقال : تعليم الأهالي، 17 أكتوبر 1907.
[25] جريدة التونوزيان : عبد الجليل الزاوش، مقال : التعليم والأهالي في 10 ديسمبر 1908.
[26] جريدة التونوزيان : عبد الجليل الزاوش، مقال : تعليم البنات، 9 جانفي 1911.
[27]نفس المصدر السابق.
[28] نفس المصدر السابق.
[29] جريدة التونوزيان: عبد الجليل الزاوش، مقال: تعليم البنات، 9 جانفي 1911.
[30] جريدة التونوزيان: عليّ باش حانبة، مقال: التعليم التقني للذكور، تونس 25 ماي 1911.
* فكرة تكوين المعلمين ظهرت بفرنسا حيث أشار بها الوزير “قيزو” سنة 1830 ولهذا الوزير أثر كبير في تكوين النخب الإصلاحيّة الأهليّة خاصّة الروّاد بحكم اتصالهم بفكره.
[31]الطاهرالحدّاد: امرأتنا في الشريعة والمجتمع، ص192، الدار التونسيّة للنشر، ط (4)، 1985 تونس.
[32]المصدر السابق، ص216.
[33] خير الدين باشا: أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، ص43، تحقيق المنصف الشنّوفي، الدار التونسيّة للنشر، 1972.
[34] محمّد بن عثمان السنوسي: الرحلة الحجازيّة، ج (1)، ص223، تحقيق عليّ الشنّوفي، تونس 1991، إصدار الدار التونسيّة للنشر.
[35] سالم بوحاجب: الدرس الافتتاحي للخلدونيّة 1896، كتاب أليس الصبح بقريب، محمّد الطاهر بن عاشور، ص111.
[36] نفس المصدر السابق، ص105.
[37]Paul Monro : Histoire de l’éducation pendant l’antiquité, Edition, seuil P 96.Paris 1965.