صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب رمزي منير بعلبكي التراث المعجمي العربي من القرن الثاني حتى القرن الثاني عشر للهجرة، مؤرخًا للتراث المعجميّ العربيّ منذ نشأته في القرن الثاني للهجرة وحتى القرن الثاني عشر، ومظهرًا التنوّع الكبير في أنماط التصنيف المعجميّ العربيّ من حيث الموضوعات، وترتيب الموادّ، والاستيثاق من صحّتها وشواهدها، والمكانة الرفيعة والمحوريّة التي حظيت بها المصنَّفات المعجميّة في التراث العربيّ والإسلاميّ، ومبيِّنًا أن نشأة المعجم العربيّ إنّما ترجع إلى جهود اللغويّين الأوائل في دراسة أصوات العربيّة وصرفها ونحوها ودراسة القرآن الكريم على وجه الخصوص، من دون تأثير أجنبيّ.
يتألف الكتاب (672 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من ثلاثة أبواب. في الباب الأول الذي جاء بعنوان “بدايات النشاط المعجميّ”، يبحث بعلبكي في النشاط اللغويّ المبكر والعوامل التي أفضت إلى ظهور المعاجم الأولى، متناولًا الدراسة اللغويّة المبكرة، وكلام الأعراب، وجمع اللغة، وعصور الاحتجاج، ودور الغريب، وبدايات التصنيف المعجميّ، مبديًا الملاحظات حول الدراسات الحديثة للمعجم العربيّ وأصالة التراث المعجميّ العربيّ. وخلص بعلبكي إلى أن اللغويّين عدّوا كلام فصحاء الأعراب النموذجَ الأعلى للعربيّة، وأنهم عُنوا عناية كبيرة بما وقع في كلام هؤلاء من الغريب والنادر والشاذ.
المعاجم المبوّبة
أما الباب الثاني والذي عنوانه “المعاجم المبوّبة”، فيتناول فيه بعلبكي المعاجم المبوّبة، وهي التي ينطلق فيها مستخدمُها من المعنى إلى اللفظ، أي “يتحرّى اللفظ أو الألفاظ الواقعة تحت معنى ما، في حين أن الباحث في المعجم المجنَّس يبدأ باللفظ فيبحث عنه في موقعه في الترتيب فيجد معناه. والضرب المبوَّب يشتمل على الرسائل والكتب التي أُفردت لموضوع واحد – كالمعرَّب، واللحن، والأبنية … إلخ – كما يشتمل على المؤلَّفات الموسوعيّة التي تضمّ بين دفّتَيها موضوعات مختلفة”.
وقد جعل المؤلف في هذا الباب عدة أقسام. في القسم الأول منها “الغريب والنادر”، يتناول بعلبكي غريب القرآن وغريب الحديث وغريب اللغة والنوادر. وفي القسم الثاني والذي حمل عنوان “الأمثال”، يتناول الكتب غير المرتَّبة ألفبائيًّا، والكتب المرتَّبة ألفبائيًّا، وكتب الأمثال المختصّة. أما في القسم الثالث والذي وسمه “النبات والحيوان وخلق الإنسان”، فيتناول النبات والحيوان وخَلْق الإنسان. ثم يتناول بعلبكّي على التوالي “المعرّب”، و”لحن العامّة”، و”الأضداد”، و”المشترك والمترادف”، و”الحروف والأصوات”، و”الأصوات”، حتى يبلغ القسم العاشر بعنوان “الأبنية”، وفيه يبحث في الاشتقاق والمذكّر والمؤنّث والمقصور والممدود والمثلَّثات وأبنية الأسماء، وفَعَلَ وأَفْعَلَ، وأبنية الأفعال عامّةً، وأبنية الأسماء والأفعال. وينتهي بقسم موسوم “المصنَّفات الموسوعيّة”، مكتفيًا فيه بالنظر في أهمّ المصنَّفات الموسوعيّة ووضعها في سياق التراث المعجميّ عامةً.
المعاجم المجنَّسة
يخصص بعلبكّي الباب الثالث من كتابه للحديث عن “المعاجم المجنَّسة”، وهي تلك التي يُراد بها المعجم عند إطلاقه في الاستعمال العامّ. يوضح المؤلِّف أن سِمَة هذه المعاجم أن مستخدمها يراجع اللفظ وصولًا إلى المعنى، وهي في الغالب – خلافًا للمعاجم المبوَّبة – تسعى إلى استيعاب جذور اللغة جميعًا، على تفاوت في مقدار إيرادها المفرداتِ المشتقّةَ من تلك الجذور. وبحسب المؤلف، إن “الباب الثالث هذا مؤلَّف من ثلاثة أقسام تقابل أنواع الترتيب الثلاثة المعروفة، أي الترتيب على مخارج الحروف مع التقليبات، والترتيب الألفبائيّ، ونظام التقفية أو الترتيب على أواخر الحروف. وسوف نبيّن طبيعة الترتيب في المعاجم المجنَّسة في الأقسام الثلاثة، إلا أن تركيزنا سوف يتعدّى ذلك إلى قضايا جوهريّة أُخرى، من مثل التوسّع في إيراد المفردات أو عكس ذلك، والمواقف المختلفة من إيراد الغريب أو النادر، والترتيب الداخليّ للموادّ ضمن الجذور، ونقد المعجميّين لأعمالِ مَن سَبَقَهم”.
في القسم الأوّل المشار إليه “المعاجم المرتَّبة على مخارج الحروف والتقاليب”، يتناول بعلبكي معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، ومعجم البارع في اللغة لأبي عليّ القاليّ، ومعجم تهذيب اللغة للأزهريّ، والمحيط في اللغة للصاحب بن عبّاد، والمحكم والمحيط الأعظم لابن سِيْدَهْ.
ويتناول في القسم الثاني “المعاجم المرتَّبة ترتيبًا ألفبائيًّا”، كتاب الجيم لأبي عمرو الشيبانيّ، وجمهرة اللغة لابن دريد، ومقاييس اللغة ومجمل اللغة لابن فارس، وأساس البلاغة للزمخشريّ.
ويختم الباب بالقسم الثالث المعنون “المعاجم المرتَّبة على نظام التقفية”، وفيه يتناول بعلبكي كتاب التقفية في اللغة للبندنيجيّ، وتاج اللغة وصحاح العربيّة للجوهريّ، والعُباب الزاخر واللُّباب الفاخر للصَّغانيّ، ولسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط للفيروزآباديّ، وتاج العروس من جواهر القاموس للزَّبيديّ.