القراءة في اعتقادي هي الدافع الحقيقي إلى الكتابة، هي الومضة التي تقدح شرارات عالم الكتابة وتلهبها. الكاتب الجيد هو في الأساس قارئ جيد، ولعل الكثير من الكتابات في المنطقة العربية تشير إلى حجم تدهور نسبة القراءة حتى من قبل أهل المهنة وصنَّاعها.
الكثير من الكتب قرأتها مرات عدة، أعود إلى مفاصل زمنية خاصة، عديدة هي الأسباب التي تدعوني لأن أعشق هذه الكتب، ربما لأنها تذكرني بقيمة الحياة، أو أنها تطرح أسئلة جادة عن ماهية الحياة وأسرارها. أسئلة كبيرة وعسيرة تطرق عالمي بقوة، خصوصاً بعد تجاوزي العقد الخامس .. ربما لأن المقبل من الزمن أقصر بكثير مما انقضى، وبهذا يغدو الماضي هو كل ما تبقى لنا من الحياة.
أتذكر أن قراءتي الأولى بدأت مع مجلتي “بساط الريح” و”سمير” لم أقترب من مجلتي “سوبرمان” و”الوطواط” إلا بشكلٍ عرضي، لإيماني أن الفنتازيا التي تحتويهما أوسع مما تتحمله مساحة عقلي. لم أتعاف مطلقا مع المشاكل التي يمر بها سوبرمان واعتبرته واهما، كذلك كان “الوطواط” بعيد عن عوالمي، لانتقل بعدها إلى مجلة “مجلتي” في أعدادها الأولى.
وفي رأيي، أن تجربة الكتابة هي محاولة لإثبات الذات، والنظر بعيون مغايرة إلى الحياة.
غالباً ما يتراءى لي السؤال المفصلي: لماذا أقرأ وأكتب في ظل انحسار دور المثقف والثقافة في تفاصيل حياة المواطن العربي، وأجد الإجابة بأني أقرأ وأكتب لأكون أكثر قرباً من ذاتي… لأكتشف ذاتي، وليس ثمة أسهل وأقصر الطريق لاكتشاف الذات من القراءة والكتابة، كذلك لأكون أكثر فهماً للظواهر التي ترافق مسار حياتي.
أقرأ وأكتب لأنها مهنتي أعتاش منها ولا أتسول من خلالها، مهنة تدفعني بمحبة نحو احترام أفكري ومفاهيمي. وبعيداً عن المراوغة أصبحت الصحافة مهنة الذين لا مهنة لهم، لهذا اتسعت مساحة الرشى والهدايا والارتزاق وشراء الذمم والوقوف طويلا عند أبواب المسؤولين للتسول، غير أن المهنية والجدية والمتابعة والقراءة العميقة للأحداث، لا تزال من حصة صحافيين كثر.
لكن لماذا يسقط بعض الصحافيين سريعاً.. لماذا يسهل شراء ضمائرهم؟ لأن كل الأبواب المغلقة تفتح أمام الصحافي ليصل إلى مراكز صنع القرار ولقاء المسؤولين، الأمنيين بصورة خاصة، لذا تنشأ علاقة تبادل منفعة بين الطرفين: الحصول على معلومة تحوي سبقاً صحافياً مقابل تمرير معلومة إلى الصحافة، ليتحول الصحافي، عن دراية ووعي، أو من دونهما، إلى مخبر رخيص لدى جهات أمنية واستخباراتية عربية أو أجنبية أو الاثنين معا.