إنَّ تحديد المفاهيم والمصطلحات يعدّ من مستلزمات البحث العلمي، باعتبار أنَّ تحديد المفاهيم هو بوابة العلم وطريق المعرفة وممَّا يزيد من أهمية تحديد المفاهيم في علوم التربية هو انتماء تلك المفاهيم والمصطلحات إلى العلوم الإنسانية وارتباطها بهذه العلوم بمختلف أنواعها وفروعها.[1]
علما أن هذا الحقل المعرفي المحدد في علوم التربية ظل لأمد بعيد يعيش تحت أحضان الفلسفة وتحت ظل وصاية العلوم الإنسانية بمختلف أنواعها وفروعها.
إضافة إلى هذا المعطى فإن كثيرا من المفاهيم المستعملة والمتداولة اليوم في علوم التربية، هي في أصلها مفاهيم عابرة لتخصّصها الأصلي الذي نشأت فيه وأعني العلوم الإنسانية، ومهاجرة إلى تخصّصات مستقبلة ومحتضنة لها وهي علوم التربية.
بحيث إنَّ العلوم الإنسانية في مسارها التاريخي الطويل استحضرت كثيرا من القضايا ذات الصلة بالتربية، واشتغلت على عدد من القضايا والبحوث التربوية.
ممَّا جعل أحد الدارسين يصرِّح بشكلٍ علني ويقول مؤكدا بأنه لا توجد علوم تربوية، وإنما توجد علوم إنسانية تشتغل على المجالات والقضايا التي لها صلة وقرابة مباشرة بمجال التربية…[2] .
والمقال هذا هو متابعة ورصد للتربية من حيث التحديد والامتداد والمسار والتاريخ.
أوليات في إشكالية تعريف التربية
إن التربية عملية معقدة ومركبة بين عدد من العناصر، ومتداخلة بين عدد التخصصات إذ تتقاسمها مجموعة من العلوم، وتتداخل معها عدد من الحقول المعرفية، منها ما هو بيداغوجي وجداني .ومنها سيكلوجي نفسي، ومنها ما هو ثقافي اجتماعي مؤسساتي…..
هذه المعطيات المعرفية والمكونات العلمية التي تتداخل مع التربية، هي التي جعلت من تعريف وتحديد التربية إشكالية معرفية وابستولوجبية .
رغم هذا الإشكال المتعلق بالتفسير والتحديد لحقيقة التربية، فان الاتفاق حاصل بين الباحثين على أن التربية عملية ضرورية للإنسان في حياته الخاصة والعامة.
فهي سلسلة وشبكة متكاملة من القيم والأفعال والسلوكات الايجابية التي يحدثها الكبار في الصغار بهدف تيسير وتسهيل إدماجهم في المجتمع،ومساعدتهم على القدرة على تغيير أوضاعهم وتحسين أفعالهم،والرفع من سلوكاتهم وتصرفاتهم قصد تمكينهم من الحصول على مهارات الحياة التي يحتاجون إليها في حياتهم ومستقبلهم.
وعليه نقول إن الظاهرة التربوية في أي مجال وجدت فيه، سواء في الأسرة، أوفي المدرسة، أو في المجتمع، أو في الإعلام أو في قنوات التواصل الاجتماعي الجديدة،أو في الفضائيات، فهي ظاهرة مركبة بين مجموعة من المكونات والعناصر، وهو ما يلزم من الباحث استحضار هذه الجوانب والمعطيات في مقاربة التربية من حيث التحديد والتعريف والوصف وإظهار الوظيفة والمهام.
وبصيغة مختصرة وموجزة نقول يتصل بالظاهرة التربوية كل ما له علاقة، أو صلة بشخصية الإنسان، في جميع مكوناته، وأبعاده، ومستوياته بحكم تتأثر هذه المستويات بالمحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه ذلك الإنسان وهذا يعني أن الأنظمة التربوية مهما تعددت وتنوعت تتأثر وتتفاعل بشكل مباشر مع الأنظمة الاجتماعية.
1- تعريف التربية لغة واصطلاحا :
لا بد من الإشارة أن مصطلح التربية من أكثر المصطلحات تداولا واستخداما وشيوعا بين الباحثين الدارسين والمتدخلين في العملية التربوية، لكن مع هذا فان هذا المفهوم من أكثر المفاهيم استشكالا في التحديد والمقاربة والبيان والتعيين ….
بل إن اكبر إشكال ابستمولوجي في التربية يكمن أساسا في إشكالية التعريف والتحديد،بحيث اختلفت التحديدات، وتعددت التعريفات وتباينت المقاربات لمصطلح التربية تبعا لمذهبية المدارس التربوية في اختياراتها في مقاربة الظاهرة التربوية،بحكم الامتداد التاريخي الطويل الذي مرت منه التربية من جهة، وبحكم تداخل عدد من العلوم وحضورها وتواصلها مع هذا العلم الجديد المسمى بعلم التربية من جهة اخرى.
انطلاقا من هذا السياق وعملا بهذا المبدأ واستحضارا لهذا الإشكال الذي يحدد التربية ويصفها بأنها عملية معقدة ، نقول في البداية إن تحديد المفاهيم والمصطلحات يعد ضرورة منهجية في أي علم من العلوم، لان المفاهيم والمصطلحات هي مفاتيح العلوم منها تتشكل الأدوات المعرفية التي بها يتم الولوج إلى المعارف واستمداد الحقائق العلمية.
فالمصطلحات ركن مهم في تحصيل المعارف واكتساب العلوم بها يتأسس البناء المعرفي لأي علم من العلوم بحيث لا تستقيم علوم التربية ولا تغدو مصطلحاتها واضحة المعالم، وجلية في المكونات والدعائم والأسس لدى متلقيها ومكتسبها دون تحديد ووضوح هذه المصطلحات المتداولة في علم التربية.
مما يدل أن البحث في المصطلح التربوي والاشتغال على دلالته ومعناه بشكل خاص شكل نظاما معرفيا خاصا قائما بذاته،مما اكسبه أهمية بالغة في حقل العلوم التربوية.
علما أن هذا الوضوح والبيان من شانه أن يخلق اكبر مساحة واسعة من الفهم المتبادل ومن التواصل المشترك بين الباحثين والدارسين والمشتغلين بقضايا التربية،و ييسر التفاهم بين المشتغلين بعلوم التربية….[3].
التربية التحديد والحقيقة
إن التربية في اللغة العربية من فهل ربا يربو بمعنى نما ينمي، وهو المعنى الذي نجده في القرءان الكريم قال سبحانه”فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج”الحج أية 5″.
وعليه فالتربية في اللغة تعني النمو والزيادة،
–جاء في لسان العرب، ربا الشيء: زاد ونما، وربيته: نميته،[4].
وفي القرآن الكريم، “و يربي الصدقات”، أي يزيدها، وربوت في بني فلان:نشأت فيهم.
وفي المعجم الوسيط، تربى : تنشأ وتغذي وتثقف، وربّاه : نمّى قواه الجسمية والعقلية والخلقية،[5].
وهكذا فإن المعنى القاموسي في لغتنا العربية لكلمة تربية، يتضمن العناصر التالية : النمو، التغذية، التنشئة، والتثقيف.
أما في اللغة الفرنسية فالتربية مشتقة من كلمة éducation واصلها اللاتيني éducare التي تدل على القيادة والهيمنة والإخراج والتحول من حال إلى أخر، كما تعني العلم المعين والمساعد على إخراج الطفل من حالته الأولية التي كان عليها في البيت والأسرة ومساعدته على تحصيل الفضائل والقيم من المحيط القريب منه…[6].
التربية والعلوم الانسانية
تحظى العلوم الإنسانية بقيمة معرفية واجتماعية كبيرة في الفترة المعاصرة، من حيث الإجابة على أهم المشاكل والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقيمية التي يعيشها ويمر بها الإنسان المعاصر في تفاعله مع الواقع والمجتمع بصفة عامة .
باعتبار أن هذه العلوم جاءت متزامنة ومتعايشة ومستجيبة مع اهم التحولات الفكرية والحضارية التي عرفها المجتمع الغربي في مساره التاريخي الطويل.
وقد ازدادت الحاجة الى هذه العلوم اما م الثورة الرقمية الكبيرة التي شهدها العالم في منتصف هذا القرن،وادت الى تحولات عميقة وجذية في نمط حياة الانسان….
فظهور العلوم الإنسانية أملتها الحاجة الحضارية للغرب من حيث حاجته إلى هذه العلوم لتكون خادمة ومجيبة لأهم المشاكل والقضايا التي أحدثها وأفرزتها الحضارة الغربية، وهي مشاكل لم تكن معهودة ولا مألوفة عند للإنسان الغربي من قبل،فهو لم يكن متعودا على هذه المشاكل التي افرزها العهد الرقمي،مما لزم عنه البحث عن علوم خادمة ومتفاعلة مع مشاكله قصد إيجاد الحلول لهذه المشاكل التي يعيشها يوميا .
إن الحياة المعاصرة قائمة على شبكة وعلاقات متداخلة متشابكة ومعقدة في كثير من الاحيان،مما جعل هذه العلاقات تفرز مجموعة من المشاكل التي لم تكن معهودة ولا مألوفة في حياة الانسان .
فالعلوم الإنسانية هي الوجه العاكس لأهم للتحولات الاقتصادية والثقافية والقيمية والمتضمنة للاكراهات التي عرفها وعاشها الغرب،وكانت سبيلا إلى التقدم وطريقا إلى الإقلاع الحضاري والخروج من التخلف الحضاري الذي عرفه الغرب وعاشه في مسيرته الاقتصادية والاجتماعية والتنموية…—.
ومن ابرز مشاغل واهتمامات العلوم الانسانية المشاغل التربية، هذه المعطيات التربو ية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية هي التي جعلت الإحساس ويتنامى يزداد بأهمية العلوم الإنسانية،ودورها في تطور المجتمع وتقدمه وحل مشاكله، وفي صناعة المعرفة المجتمعية التي يجتاحها الفرد والمجتمع ..
إضافة أن الوعي والإحساس بهذه القيمة المعرفية التي أخذت تحتلها العلوم الإنسانية اليوم هو الذي أخذ يتسع بحكم أهمية هذه العلوم الإنسانية في فهم المجتمع، وفي تفسيره من أجل تغييره وإعادة بنائه، لمواجهة تحديات العصر، والإجابة على مشاكله، وتجاز الصعوبات الاقتصادية التي تعترضه، في أفق التحولات العميقة التي طرحتها العولمة اليوم.[7]
-التربية في الفضاء الإسلامي
إن التربية كانت حاضرة بقوة في التراث التربوي الإسلامي وحضور الممارسات التربوية في أحضان العلوم الإسلامية مبدئيا يعني بشكل صريح وضمني بحضور الاشتغال بالعلوم الإنسانية تنظيرا وتطبيقا وممارسة ضمن المعارف التي حضرت في التراث العربي الإسلامي ، ذلك أن علماء الإسلام قاموا باستحضار العلوم الإنسانية تأصيلا وتطبيقا وتنظيرا وممارسة، لان العلوم الإنسانية في مضمونها العام هي علوم تخاطب الإنسان ، وتستحضر قضايا ه مباشرة من حيث هو كائن حي يتكلم وينتج ويتكيف ويتفاعل مع الواقع المحيط به، له وظائف متنوعة،وحاجيات متعددة منها ما هو نفسي سيكلوجي ومنها ماهو بيلوجي، وأحيانا تكون هذه الوظائف والحاجيات متشابكة ومتلازمة ومتباينة…
فالاشتغال على التربية كان من التقاليد الراسخة بين علماء الإسلام في اشتغالهم على العلوم، تؤكده مصنفاته وكتبهم التي دونوها في هذا العلم.
اضافة ان مرجعيتهم في هذا الاشتغال والبحث القرءان الكريم السنة النبوية الشريفة.
ما يعني صراحة بآن النظريات التربوية عند المسلمين احتلت موقعا متميزا في التراث العربي الإسلامي، ومازالت حاضرة فهي بمقدورها حل كثير من المشاكل الثقافية والتنمية والقيمية الي تعيشها المجتمعات اليوم.
ذلك ان تعاليم القرآن والسنة النبوية الشريفة تركيز صريح على مسألة التربية والتزكية وإصلاح النفس
البشرية حتى تستقيم هذه النفس وتستعد للحياة
وتعمل على حفاظ المجتمعات من الانهيار والفساد، ومن انتشار
الآفات الأخلاقية والفوضى وعموم الفساد.
كما
أن التربية الإسلامية هي وسيلة مهمة لتعزيز قيم السلم والأمن والطمأنينة من خلال ما
جاء به القرءان الكريم من دعوات حاملة للقيم
العليا التي تحتاجها البشرية في حياتها على امتداد تاريخها الطويل.
وعلى العموم نقول إن من مقاصد التربية الإسلامية هو سعيها إلى تنمية الإنسان في كل مستوياته ومكوناته ما يجعله يعيش إنسانا مستقيما يعيش زمنه ويتفاعل مع قضايا عصره ويأخذ بالقيم النبيلة في حياته…. [8].
انطلاقا من هذا المبدأ العام الذي يؤكد بان علم التربية شكل احد مشاغل واهتمامات علماء الإسلام قديما وحديثا باختلاف اختياراتهم وتخصصاتهم ورؤاهم فان حضور الممارسات التربوية قد ترسخ بشكل قوي بين علماء الإسلام.
ومن ابرز المؤلفات الدالة على اشتغال علماء الإسلام بالتربية كتاب”أعلام التربية العربية الإسلامية” إذ عمل مؤلفوه على استحضار أهم الأعلام التي اشتغلوا على التربية،فهو كتاب حافل بالنصوص والنقول والشواهد والأعلام اللذين اشتغلوا على التربية في جميع أبعادها ومستوياتها.
-تعاريف علماء الاسلام للتربية
لا بد من الإشارة أن المصطلح الذي كان ذائعا وشائعا ومشهورا بين علماء الإسلام هو مصطلح التأديب وهذا المصطلح هو الذي أشار إليه احمد شلبي عندما بين أن المصطلح الأكثر شيوعا واستخداما في التراث التربوي العربي الإسلامي هو مصطلح الأدب، وعزز اختياره بأمثلة ونقول وشواهد منها هذا النص المقتبس من “رسالة المعلمين”للجاحظ 399ه. وهي رسالة في غاية الاهمية تبين موقع المعلم في الحضارة العربية الاسلامية، وقد اشار ايها عدد كبير من المشتغلين الفكر التربوي الاسلامي منهم الدكتور احمد الشبلبي 1987[9].
– تعريف الإمام الغزالي
ومن ابرز التعاريف التي أعطيت للتربية تعريف الإمام الغزالي ت505ه التي خصها بتعريف في كتابه” أيها الولد الذي بين أن التربية هي الفارق والفاصل بين الإنسان والحيوان ،واعد التربية هي الأساس والمنطلق والضرورة في صلاح الفرد وفي صلاح المجتمع،وهي السبيل إلى تحقيق التمدن والسعادة للإنسان،والارتقاء به من الحيوانية إلى الإنسانية….[10]
وشبه الغزالي ت505ه المربي بالفلاح،فالفلاح يخرج إلى الحقل يوميا لينزع الشوك الفاسد ليبقي على الصالح،وكذلك المربي…[11].
ما يدل أن أبا حامد الغزالي من ابرز المربين المسلمين استحضارا واشتغالا على قضايا التربية والتعليم ،فلقد كانت له مساهمات كبيرة، وعطاءات رائدة،تخص عملية التربية والتعليم تتصل بالأساس بتأديب الفرد وتربيته ، ومازالت أفكار الإمام الغزالي ومساهماته في التربية حاضرة وذائعة بين الدارسين والمشتغلين بتاريخ وبعلوم التربية [12].
فليه يعود الفضل في تقريره قال في كتابه:” أنّ أفضل العبادات هو العلم”.[13]
مما سبق ندرك أن علماء الإسلام كان لهم عطاء ومساهمة كبيرة في التربية.
-التربية بين عهدين :التربية في الفكر الغربي
لقد شكل كتاب جون جاك روسو “إميل أو التربية: نقلة نوعية في الممارسات التربوية بحيث انتقلت هذه الممارسة من الخطاب النظري الفلسفي إلى ما هو تطبيقي أي التوجه نحو خدمة الفرد والمتعلم بصفة عامة أكثر من الاهتمام بالخطاب النظري لا نفع فيه..
فخلال القرن العشرين سيتغير مفهوم التربية من ممارسات نظرية يغلب عليها الخطاب والنقاش الفلسفي إلى خطاب تطبيقي علمي يتجه إلى خدمة العملية التعلمية التعليمية في جميع جوانبها ومستوياتها واطرافها. ….
والفضل في هذه النقلة يعود إلى التطور الذي مس العلوم الإنسانية خاصة مع ظهور علم النفس المعرفي الذي اتجه بعلم لنفس نحو ما هو تطبيقي وحصره وقيده في القضايا التربوية والتعليمية.
اضافة الى التطور الذي شهده علم الاجتماع الذي استحضر هو الآخر عددا من القضايا ذات البعد التربوي والنفسي والتعليمي، مثل العلاقات الصفية والتواصلية في المدرسة.
بل إن العلوم الإنسانية برمتها اتجهت إلى الاشتعال على كثير من القضايا ذات المنزع العلمي البيداغوجي الخادم للقضايا البيداغوجية والتربوية التطبيقية …
بل ان الجزء الاكبر من مفاهيم علم التربية مستعار اخذت مفاهيمها ومداخلها من العلوم الإنسانية مفاهيمها لا سيما من علم النفس وعلم الاجتماع. والانتربولوجيا.
تعريف التربية عند الغربين
من اقدم التعاريف عند الغربيين تعريف جون ديوي (1859- 1952 ) الذي عرف التربية بمجموعة العمليات التي يستطيع بها المجتمع أو زمرة اجتماعية كبرت أو صغرت أن تنقل سلطانها أو أهدافها المكتسبة، بغية تأمين وجودها الخاص ونموها المستمر، إن التربية هي الحياة”14
وقريب من هذا التعريف تعريف إميل دركايم *1858-1917*
فتعريف إميل دركايم من ابرز التعاريف للتربية عند الغريين [14]فالتربية عند إميل دركايم هي “ الفعل الذي تمارسه الأجيال الراشدة على الأجيال الصغيرة التي لم تصبح بعد ذلك ناضجة للحياة الاجتماعية، وموضوعها إثارة وتنمية عدد من الاستعدادات الجسدية والفكرية والأخلاقية عند الطفل، والتي تطلبها المجتمع السياسي في مجمله والوسط الخاص الذي يوجه إليه».[15]
والقصد الوظيفي من التربية عند دركايم هو إدماج الفرد في المجتمع من اجل خدمة المجتمع الذي ينتمي إليه ذلك الفرد….
فلا قيمة للتربية أن لم يتمكن الفرد من أن يمتلك مهارات الحياة ليواجه بها اكراهات الحياة وتقلباتها حتى يضمن لنفسه الاستقرار والاستمرار فيها.
المسار العلمي لعلم التربية
لقد اخذ الاشتغال بالتربية في الغرب في سياق الوعي الذي اخذ يتنامى ويتسع حول قيمة وأهمية العلوم الإنسانية في فهم الانسان، وفي استيعاب مكوناته للسعي نخو تغييره نحو الأفضل لمواجهات تحديات العصر ومشاكله . وهي المشاكل التي أخذت تتزايد وتتنامى بفضل الثورة الرقمية التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة….[16].
إن التربية وعلومها عرفت تحولات عميقة وطفرة نوعية في العصر الحديث في مضامينها ومحتوياتها ومصلحاتها ومفاهيمها بفضل التطور الكبير الذي وقع في العلوم الإنسانية في الفترة الأخيرة،وهو التحول الذي أحدث تغيرا في الممارسات التربوية التي تعد العلوم الإنسانية من احد الروافد الأساسية المركبة لها المنشئة له.
ما يعني هذا مبدئيا بأننا نعترف بشكل صريح وضمني بحضور الاشتغال بالعلوم الإنسانية ضمن المعارف الإسلامية، وباستحضار علماء الإسلام لهذه العلوم تأصيلا وتطبيقا وتنظيرا وممارسة، لان العلوم الإنسانية في مضمونها العام هي علوم تخاطب الإنسان مباشرة من حيث هو كائن حي يتكلم وينتج ويتفاعل.
خاتمة
إن هذا العرض يكشف أن الحاجة اليوم أصبحت ضرورية وماسة الى العودة إلى التربية من حيث هي قيم نبيلة يحدثها الكبار في الصغار لا عداهم للحياة ولبناء الإنسان في زمن انهارت فيه القيم الإنسانية النبيلة التي عليها تتوقف حياة الإنسان في هذا الكون .
بحيث طغت قيم الخراب والدمار والحرب، و أصبح السلوك اليومي المعتاد والسائد في المجتمعات المعاصرة اليوم هو الحرب، وبالتالي لا خروج من هذا الانهيار الكبير إلا بالرجوع إلى القيم النبيلة المحمولة في التربية سواء في الحضارة الغربية او الإسلامية…
مما ييسر على نشر قيم السلم والأمن، ونشر الوسطية بين البشر، ومحاربة التعصب والتطرف في المجتمعات الإنسانية اليوم التي أخذت تحف بها كثير من المخاطر والتحديات اغلبها يرجع إلى غياب منظومة التربية العلمية الخادمة للإنسان …
والذي نخلص إليه بعد هذا العرض هو أن التربية الإسلامية من الأدوات الفاعلة والصانعة للإنسان المتزن، غاياتها أن تستقيم الحياة، وتسدد الجهود وتحفظ المجتمعات من الانهيار والانحراف، ومن انتشار الآفات الأخلاقية والفوضى وعموم الفساد…..
كما ان
التحولات العميقة والكبيرة التي يشهدها العالم اليوم في الاقتصاد
والتكنولوجيا وفي القيم والثقافة وفي التواصل، قد ساهمت إلى حد كبير في التأثير على
قضايا التربية والتعليم من حيث المهام والوظيفة، وهو تأثير جعل من الاشتغال على التربية يتجه مباشرة الاعتناء
بالقسم التطبيقي الإجرائي في القضايا التربوية على حساب
الاشتغال بما هو نظري . .
[1] – المعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربية لأحمد ازوي:5.منشورات مجلة علوم التربية: 2016.
[2] -باحث مغربي معاصر يبحث في السسيولوجيا،له مؤلفات عديد في قضايا التربية والتعليم وعلم الاجتماع منها :المسالة التربوية في المغرب.
[3] المعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربية لأحمد اوزي :5.منشورات مجلة علوم التربية السنة:2016.
-[4] لسان العرب، ابن منظور، المجلد 14، بيروت، 1968 .
[5] – المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مجلد 1، القاهرة، 1960 .
– Dictionnaire de la langue pédagogique, P. FOULQUIE, P.O.F,1971.
[6] -dictionnaire actuel de ledu cation legendre:56
[7] -ما هي العلوم الانسانية لمحمد وقيدي”22.
.
[8] -مقاصد التربية الإسلامية لمصطفى بنحمزة:183.
[9] – تاريخ التربية الاسلامية لاحمد شلبي:123.دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع:1954ذ
[10] -مكانة التربية في فلسفة الغزالي محمد بوركان ومحمد الصغير حجر العدد:111.
[11] -أيها الولد للإمام الغزالي:131
[12] -تربية الطفل عند أبي حامد الغزالي لعباس ارحيلة مجلة دعوة الحق العدد:355-356السنة:2000.
يراجع:-التربية في الإسلام للدكتور احمد فؤاد الاهواني-ط-2.دار المعارف القاهرة1968.
[13] – فاتحة العلوم للإمام الغزالي 228
[14]-إميل دوركايم عالم اجتماعي فرنسي هو الذي أرسى القواعد المنهجي والعلمية لعلم الاجتماع، وجعل الشأن التربوي جزءا لا يتجزأ من مشروعه العلمي السوسيولوجي من ابرز مؤلفاته: علم الاجتماع والتربية.
– David Émile Durkheim, né le 15 avril 1858 à Épinal et mort le 15 novembre 1917 à Paris, est un sociologue français considéré comme l’un des fondateurs de la sociologie moderne.
[15] – ما هي علوم التربية تأليف جماعي لعدد من المؤلفين والباحثين ضمن سلسلة التكوين التربوي 1999 المغرب.
[16] –مسارات عامة في الفكر التربوي محمد شرقي:41 مجلة علوم التربية العدد:70السنة:2018