اجتماعالتنويريدراسات دينيةسلايدرمكتبة التنويري

المرأة بين النصّ والفقه؛ قراءة من خارج الإطار

جاء التفكير في هذه الموضوع في سياق هذا الالتباس والاشتباك الظاهر بين النصّ كنصّ، وتأويل النصّ الخاضع للخلفية السوسيوثقافيَّة.

هذه الدراسة لا تعدو أن تكون قراءة متسائلة لقراءة الفقهاء لموضوع المرأة ومن ثمّ المواقف والأحكام ‏التي بُنيت عليها، التي يعتبرها جلّ المسلمين تطبيقاً حرفيّاً لما جاء في التنزيل العزيز.

يؤكِّد الباحث، منذ البداية، على المقولة التي تُنسب لعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه: “هذا القرآن، إنّما هو خطّ مسطور بين دفّتين، لا ينطِقُ بلسان، إنّما يتكلَّم به الرجال”؛  أي أنَّ القرآن لا يخبر بنفسه عن مراد الله على وجه التعيُّن فليس له لسان، وفي الحقيقة الذي ينطق عنه هو الإنسان الذي تتحكَّم فيه مورثاته وعاداته وتقاليده وثقافته، بدليل أننا نجد في تفسير الآية الواحدة عدَّة أقوال، وفي النهاية إنَّما هي اجتهادات ومقاربات بشريَّة نسبيّة للحقّ المطلق الذي لا يعلمه إلا الله  (كلّ يتشرَّب النص ويعيد إنتاجه حسب ثقافته).

ويؤكِّد على أن القرآن الذي هو كلام الله، إلا أنَّهُ قابل لتفاسير شتَّى، كما أنَّ سعة دلالة مُفْرداتِه، واتِّساع آياتِه قابلة لِوجوهٍ من التَّأويل، وأنَّ كل من يدَّعي أنَّهُ يمتلك المعنى الواحد الحقيقي للقرآن، إنَّما هو يتكلَّم باسم الله تعالى وينصب نفسه في موضع العليم ذي المعرفة المطلقة، فيوهم الناس أنَّهُ يمتلك الحقيقة التي لا يمتلكها إلا الله عز وجل، فينكر حدوده البشريَّة ونسبيّته الجوهريَّة، ومع أنَّ الصحابة أنفسهم؛ وهم أقرب الناس إلى التنزيل، لم يدَّعوا أنَّهم يملكون الحقَّ المطلق.

انطلق البحث من فرضيَّة: (أنَّ المرأة والرجل عند الله سواء، وأن الله أنصفَ المرأة، لكن الفقهاء لم ينصفوها). وأنَّ الله لا يتحيَّز للرجل على حساب المرأة في شتَّى القضايا؛ من تحمُّل مسؤوليَّة أمانة الاستخلاف، والمسؤوليَّة الجنائيَّة والفرديَّة، والمسؤوليَّة الأخلاقيَّة.

فالأصل واحد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).

الموضوع الأساسي الذي ركَّز عليه البحث، بحثاً وتحليلاً وتفكيكاً هو: إشكاليَّة تداخل واشتباك ما بين النصّ الإلهي المقدَّس وما بين العادات والتقاليد، وتحكُّم الخلفيَّة السوسيوثقاقيَّة في قراءة الفقيه والمفسِّر للنص الإلهي، والكشف عن منظومة الأفكار والقيم والبنية المعرفيَّة والثقافيَّة للمفسِّر والمجتهد والفقيه، والتي كانت السبب في نحت وصياغة صورة المرأة وترسيخها في المخيال الجماعي العام.

فما عليك إلا أن تفتح كتاباً من كتب الفقه، أو تقرأ في تفسير آية تتعلَّق بالمرأة، لن تستغرق وقتاً طويلاً ولا فكراً عميقا، حتَّى تكتشف وجود أزمة حقيقيَّة بين المؤسَّسة الفقهيَّة والمرأة.        

 هذه العلاقة المأزومة، هي بقايا من تشكُّلٍ آخر للعلاقة المأزومة بين المجتمع بعاداته وتقاليده  وقيمه من ناحية، والمرأة ذاتها واعتبارها كائناً مخيفاً يجب الحذر منه وأخذ الحيطة من تحرّكاته، من ناحية أخرى، لكن أن تنتقل هذه الأزمة إلى الفقه والتفسير والجوانب التشريعيَّة أمر ليس بالسهل، فالمطلوب من الدين  بالدرجة الأولى هو إنصاف الضعفاء، وأخذ حقّ المسكين من القوي، وتحقيق العدالة والمساواة والكرامة الإنسانيَّة.

 ولا أظن أنَّنا نرتكب خطأ حينما نقول، إنَّ جزءاً من المشكلة هو التكوين الفكري والسيكولوجي للفقهاء أنفسهم، فيجب ألا نغفل أنَّ أبناء المؤسَّسة الفقهيَّة أصلا، أبناء البيئة العربيَّة “والإنسان ابن بيئته”؛ كما يقول ابن خلدون.

فبالرغم أنَّ الإسلام حاول تغيير البنية القبليَّة وجاء بمفهوم “الأمَّة” بديلا لمفهوم “العصبيَّة القبليَّة”، إلا أنَّ النظام القبلي بقي مهيمنا على المجتمع والدولة، واستمرَّت الأعراف والتقاليد في تأثيرها على العلاقات الاجتماعيَّة، وعلى الثقافة العربيَّة.
وبسبب أبويَّة المجتمع العربي وسيطرة الرجل المطلقة على العائلة وغَلبته عليها واجهت التشريعات الإسلاميَّة التي تخصُّ المرأة مقاومة قوية.

لقد تفاجأ مجتمع الصحابة من هذه النقلة النوعيَّة التي نقلها القرآن للمرأة، وبهذه الترسانة من التشريعات وبيان الحقوق والواجبات ويكفي أن نذكر هنا المقولة التي تنسب إلى عمر ابن الخطاب حيث قال: ” وَاللَّهِ إِنْ كُنَّا فِي الجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ، وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ”.

وإن دلَّ هذا على شيء، فإنّما يدلُّ على الجذور الثقافيَّة والتّاريخيَّة لأبعاد التأويل الفقهي ‏للنص، فالإنسان يعيش في وسط اجتماعي يؤثِّر فيه ويتأثَّر به بكل ما يتميَّز من خصائص، وبذلك يكتسب ممارسات وسلوكيّات.

يعالج الكتاب، بالإضافة إلى ما سبق، البعد الاجتماعي للتحوّلات التي طرأت على المجتمع العربي من خلال التطرُّق إلى كيفيَّة تأثير التغيّرات الاجتماعيَّة في بناء العائلة، ومن ذلك؛ التأثير في بناء شخصيَّة الأفراد التي تنعكس في السلوكيّات والممارسات، وبالتالي يعيش الإنسان بين التنشئة الاجتماعيَّة بكل ما تحمله من خصائص سوسيوثقافية وبين الواقع المأمول، خاصَّة بعد أن غرقت بيوت السلاطين والأمراء والأحياء والأسواق بالجواري والغلمان والقيان الذين حملتهم الفتوحات بمختلف الثقافات من شتَّى الأعراق والأجناس.

والجدير بالذكر أنَّه وفي الإطار ذاته نجد أنَّ الفقهاء، لا ينطلقون في هذا المنظور من مؤهّلات المرأة، بل على الصّورة النمطية التي ‏تشكَّلت حولها.

لذلك يجد أنَّ المؤسَّسة الفقهيَّة تبني موقفها من المرأة من منطلق مدلول لتفسيرات وتأويلات استنتجتها من بعض النصوص القرآنيَّة التي منحت القوامة للرجل جعلت للرجل شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد، وكونها ناقصة عقل ودين، فليس بإمكانها ولا بمقدورها أن تدير شؤون حياتها أو تولي أمورها إلا بتوجيه وإشراف الرجل.

وللأسف الشديد نجد بعض الفقهاء وقعوا في شرك هذا المزج بين تلك المفاهيم والعادات والأعراف والتقاليد. ووقعوا في أسر الثقافة الخاضعة للأعراف والتقاليد والقيم السائدة، لأنَّ المفكِّر مهما كان حظّه من الحصافة ونفاذ البصيرة، فإنه سيبقى أسير الوعي الذي يتشرّبه من الثقافة الشائعة في المجتمع الذي ينتمي إليه.

لا تعني المرأة بالنسبة إلى العربي شيئاً أخر سوى أنّها جسد فحسب، ونظرته إليها حسيَّة، بمديح جسدها ويحتفي بعناصر فتنتها ومعاني المتعة التي تمثّلها، مثلما تظهر في القصيدة الجاهليَّة مجازاً أو صورة بلاغيَّة أو مجرَّد استعارة، فالشاعر لا يصف امرأة محدودة واضحة السمات والخصائص، بل يعدِّد قيم جماليَّة ثابتة ومجرَّدة ترتبط بما يقدّسه الرجل.

لقد كان العرب بدواً رحّلاً يعاشرون الناقة والفرس ويعايشونهما معايشة كاملة ونظروا إلى المرأة من المنظور ذاته …الذي كانوا يرونها به، لذلك أطلقوا على المرأة أسماء تنطلق من الأرضيَّة ذاتها، حتى غدت صفات للمرأة، حتى أصبح التمييز بينها وبين ناقته وفرسه صعباً وعسيراً.

وإذا كانت الشعوب المتقدِّمة حضاريّاً تصف المرأة بأرق الألفاظ وأحلى الصفات وتسمّيها بأعذب الأسماء، نجد العرب يسمّون النساء بأسماء ممجوجة منفرة وخشنة مثل خشونة الصحراء المقفرة التي عاشوا فيها، والتي تركت بصمتها على لغتهم.

ومن هنا نرى، أنَّ نظرة العربي إلى المرأة نظرة حسيَّة خشنة، فلا يكاد يخلو كتاب من الكتب، أو باباً من أبواب الفقه المتعلِّقة بالنساء، إلا وتجد أنَّ الفقهاء قد اختزلوا المرأة في جسدها وفي جانبه الشبقي، باعتباره موضع الفتنة والاستيهام، وكأنَّ هذا الملمح هو الأصل في المرأة.

ونتيجة لذلك: صرفت المرأة كل جهدها إلى تطوير وسائل الفتنة والإغواء التي تتيح لها الفوز بقلب الرجل وتأجيج عواطفه ورغائبه.

اعتمد البحث على الحوار المباشر مع النصوص والخطابات التي مثَّلت الأس المعرفي الذي انبنت عليه أنظمة الثقافة والفكر في السياق العربي، للكشف عن الأنساق الفكريَّة والمرجعيّات الثقافيَّة التي وجَّهت الحضارة العربيَّة والإسلاميَّة التي أدَّت إلى اجتراح آفاق نظريَّة ومعرفيَّة بعينها، وأنَّ التراث الإسلامي العربي خضع لخلفيَّة سوسيوثقافيَّة مضمرة، تولّت صياغة الرأي وتوجيه الموقف من المرأة.

لكن في البداية، سلَّط الباحث الضوء على وضع المرأة عبر التاريخ بعجالة سريعة، لنرى أن الثقافة إنما هي انعكاس للواقع الذي كانت تحياه، وأنَّ الثقافات تنتقل من حضارة إلى حضارة، ومن أمَّة إلى أمَّة، وأنَّ المعرفة البشريَّة تتراكم.

ومن ثمَّ كيف انتقلت الأفكار إلى سلوك، عن طريق عمليَّة التطبيع المساهمة في إنتاج استعدادات دائمة، ثمّ كيف باركها الفكر اليهودي المسيحي؛ وذلك لإعادة المفاهيم نفسها المكوّنة لهويَّة الجنسين بإلباسها لباسا دينيّاً يظهر من خلال قصَّة آدم وحواء، وكيف توارث العرب في جاهليتهم هذه الثقافات التي تحقِّر من شأن المرأة.

يرفض الباحث، الهيمنة الذكوريَّة باسم الدين محاولا تفكيك الفكرة المطروحة عن المرأة، ويعرض البحث صورة الذكر والأنثى كما عرضها القرآن من دون أدنى تمييز وكيف استطاع الرسول أن يحرِّر المرأة من هذا الموروث الثقافي الجاهلي الذي يحتقر المرأة ويعلي من شأن الذكر من خلال التجربة النبويَّة ونصوص صحيحة تناغمت مع القرآن الكريم.

ومن ثم يعمِّق البحث في كيفيَّة تفاعل مجتمع الصحابة ومن بعدهم التابعين مع القرآن الكريم والهدي النبوي الذي ما جاء إلا ليحرِّر المرأة، وكيف أثَّر الموروث في عصور تدوين الحديث الشريف وتدوين الفقه على أيدي الفقهاء الذين كانت قراءتهم للنص الإلهي والهدي النبوي تتستَّر خلف خطاب السلطة والهيمنة للذكر على الأنثى، لكن بعد أن أعادوا هذه الهيمنة وألبسوها لباس الدين من خلال الحوار مع النصوص.

كما يركّز هذا البحث على تحليل خطاب المرأة ضمن أطر المدونة الفقهيَّة والتراثيَّة، للكشف عن تحيُّز الفقه في مجمله للذكر والنظرة الدونيَّة للمرأة على أنها جسد ومجرَّد متعه للذكر، وأنها ما خلقت إلا لهذا الهدف من خلال أقوال الفقهاء والمفسِّرين، والخطابات الإسلاميَّة المختلفة الحديثة والمعاصرة.

ولكي يقف الباحث على حقيقة المشهد الذي صوَّرته المؤسَّسة الفقهيَّة للمرأة، لا بدّ من دراسة قضيَّة المرأة ودورها الاجتماعي العامّ، وجدليَّة تفاعلها مع فرضيَّات ومتطلَّبات الواقع بكل إرهاصاته وتعقيداته، والبحث في غمار المفاهيم التي يشتدُّ القلق حولها في الخطاب الإسلامي والتي عكست مدى الارتباك الملحوظ في إشكاليَّة التعاطي مع هذه القضيَّة داخل إطار المنظومة الثقافيَّة الإسلاميَّة.

ومن خلال هذه النصوص المتعلِّقة بالمرأة، نجد الفقهاء قد حرصوا كل الحرص على تعبيد المرأة للرجل وفرض الطاعة للرجل بقوَّة النصوص، على اعتبار أنَّ الزوج مقدَّس، وهذا أخبث أشكال عداء المرأة هو الملبّس بالشرعيَّة الدينيَّة لجعلها ترضى بدونيّتها لك، “فتكون مقاومته معصية، والرضا به طاعة”.

وفي الحقيقة ما سبر غوره الباحث من نصوص ومواقف خلال هذا البحث تُسفر عن مدى الأزمة بين المؤسَّسة الفقهيَّة والمرأة من خلال هذه الصورة التي رسمها الفقهاء للتقليل من شأن المرأة وعرضها بشكلٍ مهين، فقامت بإدخال تفصيلات وتعليلات لتكريس التسلُّط الذكوري، وأبرزت حقوق الرجل، فيما تغافلت عن حقوق المرأة.

  وفي الختام يخلص البحث إلى:

– إنَّ القرآن هو “المرجعيَّة المعياريَّة ” لكل القضايا التي تتعلَّق بالمرأة وغيرها والتي فُسِّرت تفسيراً ذكورياً، وما توصَّل إليه الفقهاء والمفسِّرون، إنَّما هي اجتهادات وليس بالضرورة أن تكون هي المعنى الحقيقي أو الوحيد للنصّ القرآني، وأنَّ الدين بمثابة الحارس المستأمن على قضيَّة المرآة وشخصيّتها المعنويَّة والاجتماعيَّة والإنسانيَّة والذي طالما حرَّرها من قيود وتقاليد كانت تجور على المرأة.

-‎ إنَّ‎ ‎هذا‎ ‎التراث‎ ‎الفقهي، ‎هو‎ ‎أيضاً‎،‎ نتاج‎ ‎سياقه‎ ‎التاريخي والثقافي ‎وما‎ ‎شكل‎ ‎هذا‎ ‎السياق‎ ‎من ‏افتراضات‎ ‎معيَّنة‎ ‎بخصوص‎ ‎الأنوثة‎ ‎والذكورة‎ ‎والجنسويَّة، ‎وهذه‎ ‎الافتراضات كان‎ ‎لها‎ ‎تأثير‎ ‎كبير‎ ‎في‎ ‎الأحكام‎ ‎التي‎ ‎استنبطها‎ ‎الفقهاء‎ ‎الأوائل‎ ‎والتي ‎ ‎أصبحت‎ ‎على‎ ‎مدى العصور‎ ‎الدعائم‎ ‎الشرعيَّة‎)‎ وفيما‎ ‎بعد‎ ‎القانونيَّة‎ (‎التي‎ ‎تشكِّل‎ ‎قانون الأحوال الشخصيَّة.

-أنَّ الذي فسَّر القرآن هم بشر تتحكَّم فيهم بشريّتهم القاصرة عن إدراك المعنى والتأويل والتفسير للنصّ الإلهي من جميع جوانبه وبكل حيثيّاتها ولا يعلم المعنى الحقيقي المطلق إلا الله، ” وما يعلم تأويله إلا الله “.

–  اتِّساع دائرة المقدَّس لتضم تفاسير وتأويل الفقهاء والمفسِّرين، بل ومقولات بعض الشيوخ والوعاظ أو ما يسمى اليوم بالدعاة.

– إنَّ السبب في ذكوريَّة غالبيَّة الفقه الإسلامي لا يعود إلى الإسلام نفسه، باعتباره مطلباً دينيّاً، إذ ليس في الإسلام ما يمنع المرأة أبدا من أن تتمتَّع بجميع حقوقها، وأرى أن السبب في ذلك يرجع إلى كون المجتمع الإسلامي نفسه كان ولا يزال مجتمعا ذكورياً بامتياز، فكان لابد من انعكاس ذلك على المنتج الفقهي بالضرورة، وعدم استقلاليَّة تفسير النصوص عن الواقع الاجتماعي والثقافي والبنية الاقتصاديَّة  والسياسية، حيث أن المفسِّرين والفقهاء فسَّروا النصَّ وأسّسوا الفقه وفق سياقاتهم الزمنيَّة واشتراطاتهم الاجتماعيَّة انطلاقاً من الخلفيّات السوسيوثقافيَّة بوعي أو بغير وعي.

ويشير المؤلف هنا، أنَّه توصّل من خلال البحث إلى:

– أنَّ الأصول والمقاصد التي تضمَّنتها آيات القرآن الكريم تعتبر أبديَّة خالدة ولا تتغيَّر من زمنٍ إلى زمن، في حين تتفاوت آراء المفسِّرين بحسب الخلفيَّة الثقافيَّة المعرفيَّة للمفسّر والمصادر والطرق المتَّبعة للوصول إلى هذه النتائج، فكلام الله سبحانه وتعالى له الحاكميَّة على كلام المفسّرين، وما تناولته بعض التفسيرات والتأويلات من نقص المرأة ووضعها في مرتبة دون الرجل.

– أنَّ بعض أقوال الفقهاء والمفسِّرين في الإعراب عن معنى النصّ الديني بعيد كل البعد عن روح وجوهر النص، فأقوال المفسِّرين واجتهاداتهم وهي تُعبّر عن آرائهم التي توصَّلوا لها من خلال خلفيّتهم المعرفيَّة واجتهاداتهم الشخصيَّة في هذا المجال.

– إنَّ التفسير والتأويل للنصّ ليس حصريّاً على المجتهدين والفقهاء والمفسِّرين الأوائل إنما من حقّ العلماء اليوم بل من الواجب عليهم أن يعيدوا قراءة النصوص وتفسيرها وتأويلها، انطلاقاً من روح وجوهر الدين وبما يتَّفق مع معطيات العصر ووفق اشتراطات العصر وسياقاتهم الزمنيَّة ومن خلال خلفيّاتهم المعرفيَّة وأدواتهم البحثيَّة.

فقد بات من الضروري إعادة قراءة النصوص المتعلَّقة بالمرأة، قراءة جديدة تتناغم مع خطَّة القرآن الكريم التي تتعاطى مع المرأة على أساس النوع لا الجنس، وهذه القراءة ليست من باب الترف الفكري والعلمي إنما من باب رفع الظلم والإجحاف التي ‏تتعرَّض له المرأة بسبب قانون الأحوال الشخصيَّة المستمدّ من التراث والمدعوم بمنظومة فقهيّة قائمة على الذكورة، وهذه المهمَّة تقع على كاهل العلماء والمفكِّرين والمختصّين في هذا المجال:

 – إعادة تعريف الطلاق بما ينسجم مع فكرة الزواج المقدَّس كما أخبر بذلك رب العزة جل وعلا ( وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً)، وحصر إيقاع الطلاق في المحاكم الشرعيَّة وإشهاد الشهود كما يكون في عقد الزواج، حتى لا يكون ألعوبة في يد الرجل ولصيانة الأسر المسلمة  من التشتُّت والتمزُّق والتشرذم، والتأثير على صانعي القرارات  وحشد الموارد و دعم مؤسَّسات المجتمع المدني ومراكز الدراسات والأبحاث في مجال المرأة، لدراسة الاحتياجات  والعمل على وضع وتنفيذ سياسات ترمي إلى القضاء على الفجوة بين الجنسين في مجال الإلمام بجميع الأمور الأساسيَّة تمكِّن المرأة من تطوير مهاراتها التي تحتاجها للدخول إلى معترك الحياة بصوره كاملة.

– إنَّ الخطاب الديني الأثري المعاصر يساهم في تعميق أزمة المرأة عن طريق تثبيت الحالة بالقراءة الخاطئة، فقد حصر قضايا المرأة داخل أسوار الفهم الحرفي للنصوص الدينيَّة الفرعيَّة أو الاستثنائيَّة، في حين أن النصّ المقدَّس هو أرقى وأرفع من أن تعامل المرأة بذلك الاسلوب الحقير والمهين لذاتها ولكرامتها كإنسان.

ومن هنا تصبح الدونيَّة التي ألصقها الفقهاء والمفسِّرون بالمرأة ما هي إلا الواقع لرؤيّة مشوَّهة تجاه المرأة كانت انعكاساً لما كان سائداً في تلك المجتمعات ذات الطابع الذكوري، وهو ما انعكس على عديد من الأحكام الخاصَّة بالمرأة وفي مقدّمتها: (القوامة وشهادة المرأة وضربها ونقصان عقلها).

– أنَّ المرأة المسلمة مكلَّفة ابتداءً أن تنتزع حقوقها وأن تناضل في سبيل استرداد ما سلب من حقوقها التي أعطاها الله إياها سلبه الفقهاء، ولها أسوةٌ حسنة في خولة بنت ثعلبة المجادلة عن حقّها بل التي حصلت على تعديل دستوري – إن جاز التعبير- بقوَّة شخصيّتها وقوة حجّتها واستقامة منطقها وقوَّة دليلها.

وفي الختام يقول الباحث دون تردُّد، إنَّ ما توصَّلت إليه البشريَّة في العصر الراهن في حقوق المرأة يتَّفق تماماً مع ما جاءت به الشريعة.

وإنَّ مراجعة المدوّنة الفقهيَّة‎ ‎يفتح أمامنا آفاقاً على جميع المستويات‎ ‎المتعدِّدة‎ ‎لفضاء‎ ‎المعنى‎ ‎في‎ ‎القرآن ‏انطلاقاً من مقصد وروح النصّ‎ ‎القرآني‎ ‎من حيث‎ ‎مبادئه‎ ‎العامَّة‎ ‎(الإنسانيَّة، ‎العدالة، ‏والمساواة، والحرّيَّة، والرحمة)، لأنَّ‎ ‎طبيعة‎ ‎النصّ‎ ‎القرآني‎ ‎خصبة‎ ‎ثريَّة،‎ ‎ناضجة،‎ ‎متكاملة‎ ‎على‎ ‎مستوى‎ ‎اللغة والدلالة.‏

وبالتالي نستطيع أن نقدِّم فكراً إسلاميّاً مستنيراً بنور القرآن والتجربة النبويَّة، وباجتهاد جريء يثبت أنَّ الإسلام غني بإمكانيّات التعبير عن كافة الإيجابيَّات في الفكر الإنساني ونستطيع أن نقدِّم الحجَّة الواضحة على أنَّ في الثقافة العربية والإسلاميَّة معيناً ثرياً يمكن البحث في طيّاته لاستخراج المعاني الرفيعة التي تنسجم مع ما وصلت إليه حضارة البشريَّة من تطوّر في مجال الفكر الإنساني.

المباحث التي تتناولها الدراسة: –

المرأة عبر التاريخ – المرأة في المخيال الفقهي – المرأة في نظر القرآن الكريم – المرأة في التجربة النبويَّة.

موقف الفقهاء من قضايا المرأة‏: – القوامة ‏- ضرب المرأة – شهادة المرأة – المرأة والعمل السياسي – الخلوة والاختلاط.

الزواج وما يتعلَّق به‏: – مفهوم الزواج – المهر-‏‏‎ ‎زواج الصغيرات – ‏الطلاق – ‏الخلع.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة