انعكاس دور فلسفة المقارنة على مجتمع اليوم
صدر كتاب “أرض الضباب للأفكار وضوء الحوار: دراسة فلسفية مقارنة- الإسلامية والغربية” باللغة الإنكليزية عن مؤسسة إيكاس ICAS في لندن.
محرر الكتاب علي باية، وهو بروفيسور الفلسفة في الكلية الإسلامية بلندن، والباحث الأقدم الزائر لقسم السياسة والعلاقات الدولية-كلية العلوم الاجتماعية، جامعة ويستمنستر، لندن، وبروفيسور قسم الدراسات المستقبلية لمعهد الدراسات الوطنية لعلوم السياسات- إيران.
والفلسفة المقارنة هي من التخصصات الجديدة التي بدت عملياً في سبعينات القرن الماضي، ولها دور في انعكاسات الأفكار المقارنة على الحوارات الجارية بين الفلاسفة المشغولين في مقارنة وجهات النظر المختلفة بين الثقافات المتعددة، ما مهد الأرضية الفلسفية المقارنة والنقاش للبحث الواعي عن المعرفة.
المشاركون في حوار هذا الكتاب لا يتكلمون نفس اللغة أو ينتمون لذات التراث.
وتشمل دراسة البحث مقتطفات أدبية فلسفية مقارنة عدة لتعاون باحثين وكتّاب في المجال الفلسفي: ديفيد بي بيرل يبحث في فلسفة ملا صدرا: أولية الوجود. لن أي كودمان يدرس الغزالي والفلاسفة: البحث عن المصيبة، روي جاكسون يتكلم عن ايفروس (ابن رشد) والروح الأرسطية. ومحمد كمال: يقارن بين أعمال ملا صدرا ومارتن هايدغار.
أما أوليفر ليمان فبحثه يدور حول ابن الهيثم والنهضة الأوروبية، وساري نيوسب تتكلم عن العوالم الممكنة لابن سينا ولينبيتر.
وعلي باية: الشكية ومشكلة احتذاء المعرفة الحقيقيَّة: الغزالي وبوبار، وحاج محمد ليفن هارس عن فلسفة ابن سينا ونقاده وغيرها من الدراسات المقارنة الجيدة.
واحتذاء المعرفة واحدة من السمات المتميزة للصنف البشري خلال وجوده الطويل … الشواهد على التعقب اللامتناهي للمعرفة الحقيقية للإنسان وعناءه لمراوغة هذا التعقب وصعوبته الموجودة في كل الثقافات كانت بلا شك منذ بداية التوثيق لحضارة الإنسان على الأرض.
والكتاب يدرس النقاش الدائر حول المفكرين الكبار من الشرق والغرب في تحقيق المعرفة وتبديد الشك ومحاولة المقارنة في الاختلاف بين المقاربات العرفية والأسئلة التي يطرحها على سبيل المثال لا الحصر: هل بإمكان الغزالي احتضان أخلاق العقلانية الناقدة للمعرفة أو دور الفلسفة في التراثين المسيحي والإسلامي فيما يتعلق باللاهوت وعمقها في الأفكار وانعكاساتها في المجتمع عندما يكون لها حضور، خصوصاً كما كان في العالم الإسلامي. رأي ملا صدرا على سبيل المثال: ” الإنسان خليفة الله على الأرض، وعندما يكون متطلعاً يصبح الرجل المتكامل، هذا الإنسان يستحق قيادة البشر لأنه يقف على مفترق أبعاد أفقية وعمودية”. أو الفارابي الذي يستخدم الكثير من الفلسفة السياسية لأفلاطون، لكنه لا يشارك نظرته نفسها فيما يتعلق بالفيلسوف وعلاقته بالدول التي ظهرت في بحث الجمهورية وفي أعمال ابن باجه كذلك.
الفارابي من جانبه اعتقد أن الفيلسوف الحقيقي لا يكون في موقع السلطة السياسية، وإنما يطبق نشاط عقله ومشاعره لتطوير ذاته باتجاه الكمال، ووسائل الحكم، والموقف من السلطة السياسية.. وما أكثر الحاجة لذلك اليوم.
ابن الهيثم في دراسته المؤثرة للبصريات لا يتعامل مع الجمال كنوعية موضوعية، وإنما مع النوعيات التي يقيمها الإنسان لأنها مرئية، أمثال اللون والشكل والضوء والظلام، والروابط التي نعملها بين الأجسام المختلفة ما يجعله مهتماً بالأشياء كما تبدو، وهي نقطة فنية لعدم استنساخ الواقع وإنما الغور بعمق في بيئة المرء، وما تعلمته النهضة الأوروبية من ابن الهيثم أن الفسحة والضوء تقدمان لنا طرق عدة لتمثيل العالم، كما تبدو لنا.
وما أحوجنا اليوم للانعكاسات العملية لأفكار ملا صدرا، كحضور شيء من القدسية للإنسان لترفع من إنسانيته وقيمته عن العنف والقتل بين ظهرانينا. أو أهمية دور المفكرين، كما رأى الفارابي في صياغ نماذج الحكم الرشيد وتحديد الصلاحيات والسلطة أو الموقف من السلطة، أو كما رأى ابن الهيثم في كيفية رؤية الأمور كما تبدو في كيفية رؤية الأمور كما تبدو وكيفية التعبير عنها وعدم الوقوف عندها، وإنما الغوص فيها لتطوير الأفكار، خصوصاً إذا نعي اليوم دور الصورة والمرئي في إنتاج الأفكار أو تحقيها عبر المرئيات. يقع الكتاب في 400 صفحة من القطع الكبير.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.