المثقَّف والحرّية
في كتابها المعنون: “الثقافة والحرّية” الصادر عن دار التكوين في دمشق، تضعنا خالدة سعيدة أمام وليمة باذخة من الكوارث العربيَّة التي تحتاج فحصاً عميقاً، مميطة اللثام عن أسئلة جوهريَّة في التربية والمعرفة والحرّية والمثقّف والسلطة.
تعيد الكاتبة تاريخ المدرسة العربيَّة المعاصرة إلى مدرستين تاريخيتين هما: المدرسة الدينيَّة، والمدرسة الأوروبيَّة العقلانيَّة. تنهض الأولى على مبدأ القراءة والترديد عن نص يرفض التساؤل والتشكيك في ما يشبه “العصمة المعرفيَّة” فيما تنتج الثانية معرفة مبرمجة ومعلّبة هي نتاج مرجع أعلى موحّد وانتقائي، ما أدّى إلى انقطاعات خطيرة على أصعدة عدّة وخلل في المشروع التربوي. وتقترح في هذا السياق حلولاً عمليَّة لتجاوز هذه المعضلات عبر تنشيط الحركة المعرفيَّة في المدارس.
وتعرج سعيد على المواجهة بين الكاتب والسلطة الدينيَّة التي لم تتغاض عن “الانتهاك العقلاني الذي يقوم به المثقّفون” ولعل أولى المواجهات المعاصرة بين المثقّف والسلطة الدينيَّة، قضيَّة طه حسين في نقده للجذر الثقافي العربي (الشعر الجاهلي) لينفتح الباب أمام قضايا أخرى مشابهة.
لكن سلطات أخرى لا تقلّ إرهاباً متمثّلة بالأحزاب والايديولوجيّات انبثقت ليقع المبدع تحت سطوتها. وفي سياق بحثها عن المثقّف وسعيد أكثر من حكاية تضع الكتابة في الموقع المناقض للخوف، كما يتعيَّن حضوره في جهة المنهج الفلسفي “ما دامت الفلسفة قائمة على المساءلة وإعادة الفحص الدائمة”.
فمصطلح “التحريف” لدى الحزبي، هو الوجه الثاني لمصطلح “البدعة” على المستوى الديني. في هذه الحال، على المثقّف أن يكون مستقلّاً، وخارج القالب السلطوي لثنائيَّة السلطان وصاحب الشريعة. لا نستثني هنا “هشاشة سلطة المثقّف” في ظل هيمنة الإعلام المموّل، لكن هذا لا يمنع ظهور أصوات مضادة، مهما اشتدّ القمع والاستبداد الفكري.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.