إضاءات في الوعي كتاب من تأليف السنوني محمد السنوسي، أصدرته دار البشير للثقافة والعلوم بمصر، الطبعة الأولى 2014، عدد صفحاته 176 صفحة من الحجم المتوسِّط.
سنحاول في هذا العرض أن نتوقَّف مع أهمّ الأفكار الرئيسة للكتاب، خاصَّة وأنَّه يناقش موضوعاً حيويّاً هو الوعي.
في الفصل الأول توقَّف الباحث مع “المصطلحات والتأسيس الفكري” وفيه فرَّق بين الإسلام والفكر الإسلامي، فالأوَّل هو الدين الذي أرسل الله به نبيّه محمد صلى الله عليه إلى الناس كافَّة، ويتمثَّل في القرآن الكريم، وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. أمَّا الثاني أي الفكر الإسلامي فهو تعاطي المسلمين مع هذا الوحي المعصوم فهماً واستنباطاً وتطبيقا، أو فكراً وممارسة.
هذا التداخل والتمايز بين الإسلام والفكر الإسلامي “يدلان بوضوح لا لبس فيه، أنَّ الإسلام لم يحجر على العقل، ولم يضع له قيدا من التقليد والاتباع دون دليل، بل فتح له أبواباً رحبة من الفهم والتدبُّر في كتاب الله المسطور والمنظور”[1].
وفي حديثه عن الأزمة الفكريَّة، يرى الباحث أنَّ المسلمين نتيجة لهجمة الغزو الفكري والثقافات الوافدة، لم يستطيعوا المحافظة على تراثهم بنقائه وصفائه، لذلك نجده يؤكد على أنه لا يمكن للعقل المسلم أن يُزاوج بين المثال والواقع، والحقيقة والخيال، ويستأنف مسيرة الإبداع والتجديد، إلا في ظلال الإسلام، وما يصوغه من تصوّرات ونُظم ومناهج.
وبالنسبة للفصل الثاني المعنون بـ “في أسئلة التغيير والحضارة” وهنا يرى أننا في الظرف الراهن نحتاج إلى أكثر من أي وقت مضى إلى ما يجمع لا ما يفرق، إلى ما يقوي لا ما يُضعف، إلى رصّ الصفوف وجمع الكلمة، وتقوية البناء الداخلي. يقول هنا “ومن ينظر إلى تاريخ البلاد العربية، وعوامل حضورها الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، يدرك بوضوح أن الإسلام هو الذي بعثها من موات وجمعها من شتات، وأقامها من ركود، حتى جعلها تطاول حضارتي: فارس والروم، وتكون “لاعبا” في الساحة الدوليَّة بعد أن كانت ساحة للصراع بين القوتين العظيمتين، وأقام منها حضارة في الأندلس استمرَّت زهاء ثمانية قرون، حملت فيها للإنسانية مشاعل الفكر والعلم، وأصبح الإسلام ثقافة وحضارة للعرب حتى لغير المسلمين”[2]. ومن هنا وجب علينا قراءة التاريخ، واستشراف المستقبل، ومواجهة التحديات.
وهذا يفرض علينا أن نرسخ في عقول الناشئة، أن أمتنا تمتلك من عوامل الصمود والثبات والنصر والتمكين، ما يجعلها قادرة على مجابهة التحدّيات، وأن أمّتنا قد تمرض لكن لا تموت، وقد يصيبها ما أصاب الأمم السابقة من الضعف والانكسار، غير أنها تظل الأقدر من غيرها على حشد الصفوف من جديد، وطيّ صفحة الهزيمة بسرعة لا نظير لها في تاريخ الأمم والحضارات الأخرى.
إن النهوض إذن رهين بالحوار البناء؛ لأنه في حالة غياب الحوار نكون أمام ظاهرة خطيرة جدا وهي التعصب واللاتسامح وبالتالي الصراع والفوضى، وعلى هذا يرى الباحث أنه من الضروري إعادة النظر في مناهج التربية الأسريَّة، وفي الخطاب الديني، وكذا الإعلامي، بما يرسِّخ قيم احترام الآخرين، ويجعل الحوار آليَّة للتعايش وإدارة الخلاف، ويؤكِّد حرمة الدماء.
وفيما يتعلَّق بالفصل الثالث والذي يحمل عنوان “في علاقتنا بالغرب” وتطرَّق فيه لصور لقاء الشرق والغرب، حيث يقول “يجب أن نعترف -بكل أسف- أنَّ الفكر الإسلامي المعاصر لم يُعن برصد وتسجيل ظاهرة (إسلام المفكّرين الغربيّين)، وسبر أغوارها، وتتبّعها في عمقها وانتشارها؛ ولم يفها حقها من النقد والتحليل، فضلا أن يضع في تصوّراته وخططه كيفيَّة الاستفادة من جهود هؤلاء المفكّرين في فهم الواقع المعاصر بأبعاده وتشابكاته، وفي نقد الحضارة الغربية”[3].
تعقيبا على ما ذكره الباحث هنا، نقول إنَّ اهتمام المسلمين بكتابات الغربيِّين عن الإسلام ككل، هو اهتمام مهم، من حيث ترجمة تلك الكتابات إلى اللغة الغربيَّة ليطلع القارئ المسلم، وفي الوقت نفسه، نجد كذلك ردودا سواء فرديَّة أو من خلال رسائل جامعيَّة على تلك الكتابات المتعصِّبة غير المنصفة وتصحيح مغالطتها. ومن ثمَّة نعتقد أن الباحث جانب الصواب في اتهامه الفكر الإسلامي المعاصر بالتقصير في التعامل مع تلك الكتابات.
أمَّا بالنسبة للفصل الرابع “الأمل والمستقبل” وقد أبدى الباحث ملاحظة مهمَّة هنا بقوله “وللمرء أن يندهش حين يعلم أن الدراسات التي تُعنى باستشراف المستقبل، واستكناه حقائقه، قد تطوّرت في الدول الغربيَّة، وصارت عِلما مكتمل الأركان والشروط والأدوات، يسمى “علم المستقبليَّات، تقوم عليه مراكز أبحاث وجامعات تضمّ في تشكيلاتها تخصَّصات علميَّة مختلفة، بما يحقِّق تكامل المعارف وتساندها، ويوفِّر رؤية كليَّة واعية. في حين أن الاهتمام بهذا العلم لم يعرف طريقه بعد إلى جامعاتنا العربيَّة”[4].
وهنا توقَّف الباحث مع رأي الأستاذة عمر عبيد حسنة حيث يقول “من إصابات العقل المسلم عدم استشراف آفاق المستقبل على ضوء الماضي والحاضر، وفهم الحركة التاريخيَّة، مراقبة مجراها ومن ثم معرفة مصبّها مستقبلا. وأعتقد أنه لا يجوز الهروب من النظر إلى المستقبل تحت عنوان (المستقبل بيد الله)… فتعطيل النظر إلى المستقبل، بعد أن أصبحت له دراساته وعلومه، تحت شتى الاعتذارات، ليس من الدين، بل هو إصابة للعقل، ومجافاة للدين”.
وهكذا ونحن في هذا الظرف الدقيق من التاريخ، وأمام التحدّيات التي تواجهنا، لا نحتاج إلى فحسب إلى الأمل، بل إلى أن يتحوَّل الأمل –مع مجموعة أخرى من القيم والمفاهيم والأفكار- إلى صناعة راسخة وعميقة في حياتنا وتصوّراتنا وسلوكياتنا، على مستوى الفرد والمجتمع والأمَّة، بحيث نستطيع الصمود أمام العقبات ونتخطّاها، وبحيث نصنع من المحن منَحا، ومن الألم أملا، والتالي نحقِّق الصمود والنهوض أي استئناف دورنا الحضاري والإنساني من جديد.
أخيرا وليس آخرا، نؤكِّد على أن النهضة أي
نهضة لا يمكن أن تتحقَّق إلا من خلال التركيز على الماضي وقراءته للاستفادة منها
وفهم الواقع الآني جيدا، وأخيرا استشراف المستقل، أي أن النهضة ترتكز على: ما قبل
وأثناء وما بعد، وهذا بحاجة إلى وعي حقيقي جمعي كي تكون الانطلاقة صحيحة.
[1] – إضاءات في الوعي، السنوني محمد السنوسي، الناشر دار البشير للثقافة والعلوم- مصر، الطبعة الأولى 2014، ص: 11
– إضاءات في الوعي، السنوني محمد السنوسي، ص: 40- 41 [2]
– نفسه، ص: 127[3]
– إضاءات في الوعي، السنوني محمد السنوسي، ص: 151- 152 [4]